الحدائق الناضرة - ج ٦

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.

كتاب الصلاة

وفيه أبواب (الباب الأول) في المقدمات :

المقدمة الاولى

في فضل الصلوات اليومية وانها أفضل الأعمال الدينية وان قبول سائر الأعمال موقوف على قبولها وانه لا يقبل منها إلا ما اقبل عليه بقلبه وانه يجب المحافظة عليها في أوائل أوقاتها والإتيان بحدودها وان من استخف بها كان في حكم التدارك لها ، وينتظم ذلك في فصول :

(فصل) روى ثقة الإسلام والصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد الى ربهم وأحب ذلك الى الله تعالى ما هو؟ فقال ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ألا ترى ان العبد الصالح عيسى بن مريم قال «وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ» (٢) وزاد في الكافي «وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا».

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أعداد الفرائض.

(٢) سورة مريم ، الآية ٣٢.

٢

وروى المشايخ الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن وهب (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد الى ربهم؟ فقال ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من الصلاة».

بيان : في هذا الخبر الشريف فوائد يحسن التنبيه عليها والتعرض إليها لأن كتابنا هذا كما يبحث عن الأحكام الفقهية يبحث ايضا عن تحقيق معاني الأخبار المعصومية :

(الفائدة الأولى) ـ يحتمل ان يكون المراد بالمعرفة في الخبر معرفة الله عزوجل ويحتمل الحمل على معرفة الإمام (عليه‌السلام) فان هذا المعنى مما شاع في الاخبار كما تكاثر في أخبارهم من إطلاق العارف على ما قابل المخالف. ويحتمل الأعم منهما بل ومن سائر المعارف الدينية والأصول اليقينية والأول يستلزم الأخيرين غالبا ، وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) «واعلم ان أفضل الفرائض بعد معرفة الله عزوجل الصلوات الخمس».

وهو ظاهر في تأييد المعنى الأول ، والمراد بالصلوات هي اليومية والإشارة بهذه انما هو إليها لأنها الفرد المتعارف المتكرر المنساق الى الذهن عند الإطلاق ، وفي العدول إلى الإشارة عن التسمية تنبيه على مزيد التعظيم وتمييز بذلك لهذا الفرد أكمل تمييز كما قرر في محله من علم المعاني.

(الثانية) ـ ظاهر الخبر يقتضي نفي أفضلية غير الصلاة عليها والمطلوب ثبوت أفضليتها على غيرها وأحدهما غير الآخر فان نفى وجود الأفضل منها لا يمنع المساواة ومعها لا يتم المطلوب ، قال شيخنا البهائي زاده الله بهاء وشرفا في كتاب الحبل المتين : ما قصده (عليه‌السلام) من أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال وان لم يدل عليه منطوق الكلام إلا ان المفهوم منه بحسب العرف ذلك كما يفهم من قولنا ليس بين أهل البلد أفضل من زيد أفضليته عليهم وان كان منطوقه نفى أفضليتهم عليه وهو لا يمنع المساواة. انتهى. أقول : ويؤيده ان السؤال في الخبر عن أفضلية ما يتقرب به العبد

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أعداد الفرائض.

(٢) ص ٦.

٣

وأحبه الى الله عزوجل فلو لم يحمل على المعنى الذي ذكره شيخنا المشار اليه للزم عدم مطابقة الجواب للسؤال.

(الثالثة) ـ ظاهر الخبر ان الصلاة أفضل مطلقا سواء كانت في أول وقتها أو في وقت الاجزاء إلا انه روى عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها». فيجب ان يقيد به إطلاق هذا الخبر عملا بقاعدة وجوب حمل المطلق على المقيد وعلى هذا لا يتم المدعى. وأجيب بأن الخبر الأول دل على انها أفضل مطلقا وقعت في أول الوقت أو آخره والخبر الآخر دل على كونها في أول الوقت أفضل الأعمال ولا منافاة بينهما ليحتاج الى الحمل المذكور فإن الصلاة مطلقا إذا كانت أفضل من غيرها من العبادات كان الفرد الكامل منها أفضل الأعمال قطعا بالنسبة إلى باقي إفرادها والى غيره.

(الرابعة) ـ قال بعض مشايخنا (قدس‌سره) في جعله (عليه‌السلام) قول عيسى على نبينا وآله وعليه‌السلام «وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ ... الآية» (٢) مؤيدا لافضلية الصلاة بعد المعرفة على غيرها نوع خفاء ، ولعل وجهه ما يستفاد من تقديمه (عليه‌السلام) ما هو من قبيل الاعتقادات في مفتح كلامه ثم إردافه ذلك بالأعمال البدنية والمالية وتصديره لها بالصلاة مقدما لها على الزكاة ، ولا يبعد ان يكون التأييد لمجرد تفضيل الصلاة على غيرها من الأعمال من غير ملاحظة تفضيل المعرفة عليها ويؤيده عدم إيراده (عليه‌السلام) صدر الآية في صدر التأييد ، والآية هكذا «قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا» (٣) انتهى كلامه زيد مقامه.

وروى في الكافي عن زيد الشحام عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال :

__________________

(١) رواه السيوطي في الجامع الصغير ج ١ ص ٤٨.

(٢ و ٣) سورة مريم ، الآية ٣٢.

(٤) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أعداد الفرائض.

٤

«سمعته يقول أحب الأعمال الى الله تعالى الصلاة وهي آخر وصايا الأنبياء فما أحسن من الرجل ان يغتسل أو يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يتنحى حيث لا يراه أنيس فيشرف عليه وهو راكع أو ساجد ، ان العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس يا ويله أطاع وعصيت وسجد وأبيت». ورواه في الفقيه مرسلا (١) قال في الوافي في بعض نسخ الكافي «إبليس» مكان «أنيس» وهو تصحيف وفي بعض نسخ الفقيه «انسى» وفي بعض نسخه «فيشرف الله عليه» بإثبات لفظ الجلالة ولكل وجه وان كان إثبات الجلالة والانسي أوجه والمستتر في «يشرف» بدون الجلالة يعود إلى الانسي أو الأنيس ، والغرض على التقادير البعد عن شائبة الرياء.

وروى في الكافي عن الوشاء (٢) قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول : «أقرب ما يكون العبد من الله عزوجل وهو ساجد وذلك قوله : وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» (٣).

وعن يزيد بن خليفة (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا قام المصلي إلى الصلاة نزل عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض وحفت به الملائكة وناداه ملك لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة ما انفتل».

وعن أبي حمزة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله اليه أو قال اقبل الله عليه حتى ينصرف وأظلته الرحمة من فوق رأسه الى أفق السماء والملائكة تحفه من حوله إلى أفق السماء ووكل الله به ملكا قائما على رأسه يقول له أيها المصلي لو تعلم من ينظر إليك ومن تناجي ما التفت ولا زلت من موضعك ابدا».

__________________

(١) رواه عنه في الوسائل في الباب ١٠ من أعداد الفرائض.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب السجود.

(٣) سورة العلق ، الآية ١٩.

(٤ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أعداد الفرائض.

٥

وروى المشايخ الثلاثة بأسانيدهم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «صلاة فريضة خير من عشرين حجة وحجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتى يفنى». وفي بعضها خال من قوله «مملوء» وفي بعض «حتى لا يبقى منه شي‌ء» عوض «يفنى» بيان : الحجة المرة من الحج بالكسر على غير قياس والجمع حجج كسدرة وسدر ، قال ثعلب قياسه الفتح ولم يسمع من العرب.

أقول : وهذا الخبر بحسب ظاهر لا يخلو من إشكالات : منها ـ ان الحجة مشتملة على صلاة فريضة وهي ركعتا الطواف وان كانت الحجة ندبة فإن الصلاة فيها واجبة فيلزم تفضيل الشي‌ء على نفسه بمراتب. ومنها ـ انه قد ورد «ان الحج أفضل من الصلاة» (٢). ومنها ـ انه قد ورد «أفضل الأعمال أحمزها» (٣).

وقد أجيب عن ذلك بوجوه أظهرها ثلاثة (أحدها) ان تحمل الفريضة على اليومية لأنها الفرد المتبادر كما تقدم في الحديث الأول ويحمل حديث أفضلية الحج على الصلاة على غير اليومية وحديث «أفضل الأعمال أحمزها» على ما عدا الصلاة اليومية أو على ان المراد أفضل كل نوع من الأعمال احمزه اي أحمز ذلك النوع ، مثلا ـ الوضوء في الحر والبرد والحج ماشيا وراكبا والصوم والصلاة في الصيف والشتاء ونحو ذلك.

و (ثانيها) ـ ان يراد بالفريضة اليومية كما تقدم وان يراد بالحج المتطوع به دون حجة الإسلام إذ لا تعدد فيها حتى يوزن متعددها بشي‌ء والصلاة التي في الحج المتطوع به ليست بفريضة حيث لم يفرضها الله تعالى عليه ابتداء وانما جعلها المكلف على نفسه بإحرامه للحج فصارت شرطا لصحة حجه ، وعلى هذا فيكون الغرض من الحديث الحث على المحافظة على الصلوات المفروضة في طريق الحج بالإتيان بها بشروطها وحدودها

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من أعداد الفرائض.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٤١ من أبواب وجوب الحج.

(٣) وهو حديث ابن عباس كما في نهاية ابن الأثير ومجمع البحرين مادة (حمز).

٦

وحفظ مواقيتها ، فان كثيرا من الحاج يضيعون فرائضهم اليومية في طريقهم الى الحج اما بتفويت أوقاتها أو بأدائها على المركب أو في المحمل أو بالتيمم أو مع عدم الطهارة في الثوب أو البدن أو نحو ذلك تهاونا بها واستخفافا بشأنها ، والثواب انما يترتب للحاج على حجته المندوبة مع عدم الإخلال بشي‌ء من صلواته اليومية وإلا فالصلاة المفروضة التامة في الجماعة بل في البيت أفضل من حجة يتطوع بها.

و (ثالثها) ـ انه يحتمل ان يكون ذلك مختلفا باختلاف الأحوال ومقتضيات الحال في الأشخاص كما روى انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال الصلاة لأول وقتها». وسئل ايضا مرة أخرى «أي الأعمال أفضل؟ فقال بر الوالدين». وسئل أيضا «أي الأعمال أفضل؟ فقال حج مبرور». فخص كل سائل بما يليق بحاله من الأعمال ، فيقال ان السائل الأول كان عاجزا عن الحج ولم يكن له والدان فكان الأفضل بحسب حاله الصلاة والثاني كان له والدان محتاجان فجعل الأفضل له برهما وهكذا الثالث.

وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن ابى بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لو كان على باب دار أحدكم نهر فاغتسل منه في كل يوم خمس مرات كان يبقى في جسده شي‌ء من الدرن؟ قلنا لا. قال فان مثل الصلاة كمثل النهر الجاري كلما صلى صلاة كفرت ما بينهما من الذنوب».

وروى الصدوق (٣) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) ما من عبد من شيعتنا يقوم إلى الصلاة إلا اكتنفته بعدد من خالفه ملائكة يصلون خلفه ويدعون الله تعالى له حتى يفرغ من صلاته».

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١ من مواقيت الصلاة ولكن الثالث (الجهاد في سبيل الله).

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أعداد الفرائض.

(٣) الفقيه ج ١ ص ١٣٤.

٧

(فصل) روى الشيخان في الكافي والتهذيب مسندا عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والصدوق مرسلا قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود نفعت الاطناب والأوتاد والغشاء وإذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء».

وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن علي (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان عمود الدين الصلاة وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم فان صحت نظر في عمله وان لم تصح لم ينظر في بقية عمله».

وروى في الكافي ومثله في التهذيب عن ابي بصير (٣) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول كل سهو في الصلاة يطرح منها غير ان الله تعالى يتم بالنوافل ، ان أول ما يحاسب به العبد الصلاة فإن قبلت قبل ما سواها ، ان الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت الى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك الله وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت الى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك الله».

بيان : قوله : كل سهو الى قوله بالنوافل في الكافي خاصة والمعنى ان ما ذهل عنه في صلاته ولم يقبل عليه بقلبه فهو لا يرفع له ولا يحسب منها غير ان الله سبحانه يتمه بالنوافل.

وروى الشيخان ثقة الإسلام وشيخ الطائفة عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «بينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني».

__________________

(١ و ٢ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أعداد الفرائض.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١ من أبواب المواقيت.

٨

وروى في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تتهاون بصلاتك فإن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال عند موته ليس مني من استخف بصلاته ليس مني من شرب مسكرا لا يرد علي الحوض لا والله».

وروى في الفقيه والكافي عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) قال : «لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته لا يرد علي الحوض لا والله».

وروى في الكافي (٣) قال : «قال أبو الحسن الأول (عليه‌السلام) لما حضر أبي الوفاة قال لي يا بني لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة».

وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن العيص عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) قال : «والله انه ليأتي على الرجل خمسون سنة ما قبل الله منه صلاة واحدة فأي شي‌ء أشد من هذا والله انكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها ان الله عزوجل لا يقبل إلا الحسن فكيف يقبل ما يستخف به؟».

وروى في الكافي في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا أدى الرجل صلاة واحدة تامة قبلت جميع صلواته وان كن غير تامات وان أفسدها كلها لم يقبل منه شي‌ء منها ولم تحسب له نافلة ولا فريضة وانما تقبل النافلة بعد قبول الفريضة وإذا لم يؤد الرجل الفريضة لم تقبل منه النافلة وانما جعلت النافلة ليتم بها ما أفسد من الفريضة».

وروى في الكافي (٦) في الصحيح عن ابان بن تغلب قال : «صليت خلف ابي عبد الله (عليه‌السلام) المغرب بالمزدلفة ، الى ان قال ثم التفت الي فقال يا ابان هذه

__________________

(١ و ٣ و ٤) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أعداد الفرائض.

(٢) رواه في الوافي في باب المحافظة على الصلاة.

(٥) رواه في الوسائل في الباب ٨ من أعداد الفرائض.

(٦) ج ١ ص ٧٤ وفي الوسائل في الباب ١ من أبواب المواقيت.

٩

الصلوات الخمس المفروضات من أقامهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم يصلهن لمواقيتهن ولم يحافظ عليهن فذلك اليه ان شاء غفر له وان شاء عذبه».

وفي الحسن عن هارون بن خارجة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «الصلاة وكل بها ملك ليس له عمل غيرها فإذا فرغ منها قبضها ثم صعد بها فان كانت مما تقبل قبلت وان كانت مما لا تقبل قيل له ردها على عبدي فينزل بها حتى يضرب بها وجهه ثم يقول له أف لك ما يزال لك عمل يعييني».

وروى في الفقيه بسنده عن مسعدة بن صدقة (٢) انه قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) ما بال الزاني لا تسميه كافرا وتارك الصلاة تسميه كافرا وما الحجة في ذلك؟ فقال لأن الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافا بها ، وذلك لأنك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلا وهو مستلذ بإتيانه إياها قاصدا إليها وكل من ترك الصلاة قاصدا لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذة فإذا نفيت اللذة وقع الاستخفاف وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر».

بيان : في هذه الاخبار الشريفة جملة من النكات الطريفة والفوائد المنيفة يحسن التعرض لذكرها والتوجه لنشرها وذلك يقع في مقامات :

(الأول) ـ ما دل عليه حديث ابي بصير المتقدم من قوله (عليه‌السلام): برواية صاحب الكافي «كل سهو في الصلاة يطرح منها غير ان الله تعالى يتم بالنوافل». قد ورد نحوه في جملة من الاخبار : منها ـ رواية علي بن أبي حمزة عن ابي بصير (٣) قال : «قال رجل لأبي عبد الله (عليه‌السلام) وانا اسمع جعلت فداك اني كثير السهو في الصلاة؟

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٦ من أعداد الفرائض.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أعداد الفرائض.

(٣) الفروع ج ١ ص ١٠١ وفي الوسائل في الباب ١٧ من أعداد الفرائض.

١٠

فقال وهل يسلم منه أحد؟ فقلت ما أظن أحدا أكثر سهوا مني فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا أبا محمد ان العبد يرفع له ثلث صلاته ونصفها وثلاثة أرباعها وأقل وأكثر على قدر سهوه فيها لكنه يتم له من النوافل. فقال له أبو بصير ما ارى النوافل ينبغي ان تترك على حال فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) أجل لا». وصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها فما يرفع له إلا ما اقبل عليه منها بقلبه وانما أمروا بالنافلة ليتم لهم بها ما نقصوا من الفريضة». وفي معناها أخبار أخر.

قال شيخنا الشهيد الثاني ـ في شرح الرسالة النفلية عند ذكر المصنف بعض الاخبار المشار إليها ـ ما صورته : واعلم ان ظاهر الخبر يقتضي أن النوافل تكمل ما فات من الفريضة بسبب ترك الإقبال بها وان لم يقبل بالنوافل بل متى كانت صحيحة إذ لو لا ذلك لاحتاجت النوافل حينئذ إلى مكمل آخر ويتسلسل ويبقى حينئذ حكم النافلة التي لم يقبل بها عدم قبولها في نفسها وعدم ترتب الثواب أو كثيرة عليها وان حصل بصحيحها جبر الفريضة مع الثواب الجزيل عليها ولو أقل بها تضاعف الثواب وتم القرب والزلفى. انتهى كلامه زيد مقامه.

وعندي انه محل نظر نشأ من الغفلة وعدم التأمل في الأخبار الواردة في المقام وذلك فان الظاهر منها ان ذلك انما هو على جهة التوسعة للمكلف لو أخل بالإقبال في صلاته فإنه يمكن تدارك ذلك بالنوافل ، والمستفاد من الاخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض ان لهذا التدارك مراتب أولها ان يتدارك ما سهى به في الركعة الاولى وأخل به من الإقبال فيها كلا أو بعضها في الركعة الثانية وان فاته ذلك فإنه يتدارك في الركعتين الأخيرتين وان فاته ذلك فإنه يتدارك ذلك بالإقبال على النوافل ، يدلك على ما ذكرنا ما رواه الصدوق في كتابي العلل والعيون في حديث علل الفضل بن شاذان المروية عن

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٧ من أعداد الفرائض.

١١

الرضا (عليه‌السلام) (١) حيث قال : «انما جعل أصل الصلاة ركعتين وزيد على بعضها ركعة وعلى بعضها ركعتان ولم يزد على بعضها شي‌ء لأن أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة لأن أصل العدد واحد فإذا نقصت من واحد فليست هي صلاة فعلم الله عزوجل ان العباد لا يؤدون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة أقل منها بكمالها وتمامها والإقبال عليها فقرن إليها ركعة أخرى ليتم بالثانية ما نقص من الاولى ففرض الله عزوجل أصل الصلاة ركعتين فعلم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما أمروا به وكماله فضم الى الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ليكون بهما تمام الركعتين الأوليين. الحديث». ثم ذكر (عليه‌السلام) ضم ركعة للمغرب وعدم ضم شي‌ء لصلاة الصبح. والاخبار بضم الركعات الزائدة على الثنتين الأوليين لذلك غير هذا الخبر كثيرة ، وأنت إذا ضممت هذه الاخبار الى اخبار هذا المقام وجدت الحاصل منها ما ذكرناه من ارادة التوسعة على العباد في تدارك ما يحصل منهم من السهو والغفلة وحينئذ فإذا أهملوا التدارك في جميع هذه المراتب فقد قصروا في حق أنفسهم وصاروا حقيقين بالرد وعدم القبول إذ لا أعظم من هذه التوسعة ، لا ان المراد ما توهمه (قدس‌سره) من ترتب التكميل على كل نقص في العبادات فكل ناقص منها يحتاج الى مكمل فيلزم التسلسل لو لم يلتزم ما ذكره. ثم انه لا يخفى ان الغرض من التكميل انما هو متى كانت الفريضة كلا أو بعضا لم يقبل عليها فإنه لا يثاب عليها على الأول ويثاب على ما اقبل عليه منها على الثاني ، والتكميل انما يحصل بشي‌ء فيه ثواب يسد هذا النقص في جميع الفريضة أو بعضها ، والنصوص قد دلت على ان ما لا يقبل عليه من العبادة فريضة أو نافلة فلا ثواب عليه وبذلك قد اعترف ايضا (قدس‌سره) في كلامه المذكور فكيف يعقل من النافلة التي لم يقبل فيها ولا قبول لها ان تكون مكملة للفريضة؟ فإنه لا ثواب عليها على هذا التقدير ليكمل به ناقص الفريضة ولا يعقل للتكميل معنى غير ما ذكرناه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

١٢

ويدلك على ما ذكرنا صحيحة زرارة الثانية (١) وقوله فيها «وان أفسدها كلها ـ يعني الفريضة والنافلة بعدم الإقبال فيهما ـ لم يقبل منه شي‌ء منها ولم تحسب له نافلة ولا فريضة. الحديث» وبالجملة فكلام شيخنا المذكور (نور الله ضريحه) لا يخلو من الغفلة عن ملاحظة الأدلة في المقام.

(الثاني) ـ ان ما دلت عليه هذه الاخبار من عدم قبول صلاة من لا يقبل بقلبه عليها وانه لا يقبل منها إلا ما اقبل عليه بقلبه هل المراد به القبول الكامل أو عدم القبول بالمرة بحيث يعود العمل الى مصدره؟ ونحوه ايضا ما ورد من عدم قبول صلاة شارب الخمر إلى أربعين يوما وعدم قبول صلاة الآبق حتى يرجع الى مولاه والناشز حتى ترجع الى زوجها ونحو ذلك مما وردت به الاخبار ، المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) الأول وهو الظاهر وقيل بالثاني ، ولا خلاف بين الجميع في صحة صلاتهم وانها مجزئة ومبرءة للذمة ما لم يعرض لها مبطل من خارج اتفاقا ونصا وفتوى ، وانما الكلام كما عرفت في القبول المنفي هل المراد منه القبول الكامل فيصير النفي متوجها الى القيد خاصة وان كانت موجبة للقبول وترتب الثواب في الجملة بناء على استلزام الاجزاء للثواب كما هو القول المشهور والمؤيد المنصور أو ان المراد به القبول بالكلية بان لا يترتب عليها ثواب بالكلية وان كانت مجزئة بناء على ان قبول العبادة أمر مغاير للاجزاء وانه لا تلازم بينهما فقد تكون صحيحة مجزئة وان لم تكن مقبولة كما هو مرتضى المرتضى (رضي‌الله‌عنه) واليه يميل كلام شيخنا البهائي في كتاب الأربعين.

والأظهر عندي هو الأول ولنا عليه وجوه : (الأول) ـ ان الصحة المعبر عنها بالاجزاء اما ان تفسر بما هو المشهور من انها عبارة عن موافقة الأمر وامتثاله وحينئذ فلا ريب في ان ذلك موجب للثواب وعلى هذا فالصحة مستلزمة للقبول ، واما ان تفسر بما أسقط القضاء كما هو المرتضى عند المرتضى وعليه بنى ما ذهب إليه في المسألة. وفيه

__________________

(١) ص ٩.

١٣

انه يلزم القول بترتب القضاء على الأداء وهو خلاف ما يستفاد من الاخبار وخلاف ما صرح به غير واحد من محققي علمائنا الأبرار من ان القضاء يتوقف على أمر جديد ولا ترتب له على الأداء.

(الثاني) ـ الظاهر انه لا خلاف بين كافة العقلاء في ان السيد إذا أمره عبده أمر إيجابيا بعمل من الأعمال ووعده الأجر على ذلك العمل فامتثل العبد ما امره به مولاه وأتى به فإنه يجب على السيد قبوله منه والوفاء بما وعده فلو رده عليه ومنعه الأجر الذي وعده مع انه لم يخالف في شي‌ء مما امره به فإنهم لا يختلفون في لوم السيد ونسبته الى خلاف العدل سيما إذا كان السيد ممن يتمدح بالعدل والإكرام والفضل والانعام ، وما نحن فيه من هذا القبيل فإن الأوامر الإيجابية قد اتى بها كما هو المفروض والإخلال بالإقبال الذي هو روح العبادة كما ورد أو الإخلال بأمر خارج عن العبادة كما في الأمثلة الأخر لا يوجب الرد ، اما الأول فلان الأمر به انما هو أمر استحبابي وقضيته ثبوت الكمال في العمل والكلام مبني على الأمر الإيجابي فلا منافاة ، واما الثاني فلأنه خارج كما هو المفروض ولو ترتب قبول العبادة على عدم الإخلال بواجب أو عدم فعل معصية لم تقبل إلا صلاة المعصومين.

(الثالث) ـ انه لا خلاف بين أصحاب القولين المذكورين في ان هذه العبادة المتصفة بالصحة والاجزاء مسقطة للعقاب المترتب على ترك العبادة ومع فرض عدم القبول بالكلية بحيث يعود العمل الى مصدره كما كان قبل الفعل فكأنه لم يفعل شيئا بالمرة ولا يعقل إسقاطها العقاب ، إذ إرجاع العمل عليه على الوجه المذكور مما يوجب بقاءه تحت عهدة التكليف فكيف يتصور سقوط العقاب حينئذ؟ واللازم من ذلك ان سقوط العقاب انما يترتب على القبول كما هو ظاهر لذوي العقول وحينئذ فيستلزم الثواب البتة. ومن أراد تحقيق المسألة زيادة على ما ذكرنا فليرجع الى كتابنا الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية فإنه قد أحاط بأطراف الكلام زيادة على ما ذكرناه في هذا المقام.

١٤

(المقام الثالث) ـ ما دل عليه خبر مسعدة بن صدقة من كفر تارك الصلاة تهاونا واستخفافا قد ورد في جملة من الاخبار ايضا : منها ـ ما رواه في الكافي عن عبيد ابن زرارة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الكبائر فقال هن في كتاب علي (عليه‌السلام) سبع : الكفر بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وأكل الربا بعد البينة وأكل مال اليتيم ظلما ، الى ان قال قلت فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال ترك الصلاة. قلت فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟ فقال اي شي‌ء أول ما قلت لك؟ قال قلت الكفر بالله. قال فان تارك الصلاة كافر يعني من غير علة». ومنها ـ ما رواه الصدوق في كتاب ثواب الأعمال والبرقي في المحاسن بسندهما عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما بين المسلم وبين ان يكفر إلا ان يترك الصلاة الفريضة متعمدا أو يتهاون بها فلا يصليها». وروى ايضا في كتاب ثواب الأعمال عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) عن جابر قال «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما بين الكفر والايمان إلا ترك الصلاة».

والمفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) حمل الكفر هنا على غير المعنى المشهور المتبادر منه وذلك فان للكفر في الاخبار إطلاقات عديدة :

(الأول) ـ كفر الجحود وهذا مما لا خلاف في إيجابه للقتل وثبوت الارتداد به عن الدين.

(الثاني) ـ كفر النعمة وعدم الشكر عليها ومنه قوله عزوجل حكاية عن سليمان على نبينا وآله وعليه‌السلام «لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ» (٤) وقوله تعالى : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٤٦ من جهاد النفس.

(٢ و ٣) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أعداد الفرائض.

(٤) سورة النمل ، الآية ٤٠.

١٥

عَذابِي لَشَدِيدٌ» (١) وغيرهما من الآيات.

(الثالث) ـ كفر البراءة كقوله سبحانه حكاية عن إبراهيم (عليه‌السلام) «كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ» (٢) يعني تبرأنا منكم ، وقوله تعالى حكاية عن إبليس وتبرؤه من أوليائه في الآخرة «إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ» (٣).

(الرابع) ـ الكفر بترك ما أمر الله تعالى من كبار الفرائض وارتكاب ما نهى عنه من كبار المعاصي كترك الزكاة والحج والزنا ، وقد استفاضت الروايات بهذا الفرد.

والكفر بهذا المعنى يقابله الإيمان الذي هو الإقرار باللسان والاعتقاد بالجنان والعمل بالأركان ، والكافر بهذا المعنى وان أطلق عليه الكفر إلا انه مسلم تجري عليه أحكام الإسلام في الدنيا واما في الآخرة فهو من المرجئين لأمر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم ، هذا على ما اخترناه وفاقا لجملة من متقدمي أصحابنا كالصدوق والشيخ المفيد واما على المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) من عدم أخذ الأعمال في الايمان فإنه عندهم مؤمن وان كان يعذب في الآخرة ثم يدخل الجنة وتناله الشفاعة.

ومن الأخبار الصريحة فيما ذهبنا اليه ما رواه في الكافي (٤) عن عبد الرحيم القصير قال : «كتبت مع عبد الملك بن أعين الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) اسأله عن الايمان ما هو؟ فكتب الي مع عبد الملك سألت رحمك الله عن الايمان والايمان هو الإقرار باللسان وعقد في القلب وعمل بالأركان والايمان بعضه من بعض ، وهو دار وكذلك الإسلام دار والكفر دار فقد يكون العبد مسلما قبل ان يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما فالإسلام قبل الايمان وهو يشارك الايمان فإذا اتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر

__________________

(١) سورة إبراهيم ، الآية ٧.

(٢) سورة الممتحنة ، الآية ٤.

(٣) سورة إبراهيم ، الآية ٢٧.

(٤) الأصول ج ٢ ص ٢٧ وفي الوسائل بعضه في الباب ٢ من مقدمة العبادات.

١٦

المعاصي التي نهى الله عنها كان خارجا من الايمان ساقطا عنه اسم الايمان وثابتا عليه اسم الإسلام فإن تاب واستغفر عاد الى دار الايمان ، ولا يخرجه الى الكفر إلا الجحود والاستحلال ، ان يقول للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الايمان والإسلام داخلا في الكفر وكان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا فاخرج من الكعبة والحرم وضربت عنقه وصار الى النار».

وأصرح من ذلك دلالة على ان مرتكب الكبائر إنما يخرج من الايمان الى الإسلام دون ان يكون كافرا بالمعنى المتبادر صحيحة ابن سنان (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام وان عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة وانقطاع؟ فقال من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم انها حلال أخرجه ذلك من الإسلام وعذب أشد العذاب وان كان معترفا انه ذنب ومات عليه أخرجه من الايمان ولم يخرجه من الإسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأول».

قال شيخنا العلامة قدس‌سره) في كتاب المنتهى : ان تارك الصلاة مستحلا كافر إجماعا وان من تركها معتقدا لوجوبها لم يكفر وان استحق القتل بعد ثلاث صلوات والتعزير فيهن ، وقال أحمد في رواية يقتل لا حدا بل لكفره (٢) ثم قال في المنتهى ولا يقتل عندنا في أول مرة ولا إذا ترك الصلاة ولم يعزر وانما يجب القتل إذا تركها مرة فعزر ثم تركها ثانية فعزر ثم تركها ثالثة فعزر فإذا تركها رابعة فإنه يقتل وان تاب ، وقال بعض الجمهور يقتل أول مرة (٣).

وقال شيخنا المجلسي في كتاب البحار بعد نقل ذلك عن العلامة ونقل خبر

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ٢ من مقدمة العبادات.

(٢ و ٣) كما في المغني ج ٢ ص ٤٤٢.

١٧

مسعدة وغيره : وحمل تلك الاخبار على الاستحلال بعيد إذ لا فرق حينئذ بين ترك الصلاة وفعل الزنا بل الظاهر انه محمول على أحد معاني الكفر التي مضت في كتاب الايمان والكفر وهو مقابل للايمان الذي لا يصدر معه من المؤمن ترك الفرائض وفعل الكبائر بدون داع قوى ، وهذا الكفر لا يترتب عليه وجوب القتل ولا النجاسة ولا استحقاق خلود النار بل استحقاق الحد والتعزير في الدنيا والعقوبة الشديدة في الآخرة ، وقد يطلق على فعل مطلق الكبائر وترك مطلق الفرائض وعلى هذا المعنى لا فرق بين ترك الصلاة وفعل الزنا. انتهى.

أقول : لقائل أن يقول انه وان أطلق الكفر على أصحاب الكبائر بهذا المعنى المذكور وترك الصلاة من جملتها إلا انه من المحتمل قريبا تخصيص الصلاة بهذا الحكم وهو كون تركها موجبا للكفر الحقيقي فإنه ظاهر الاخبار الواردة في المقام حيث انه في خبر مسعدة (١) سئل عن الحجة في تخصيص تارك الصلاة باسم الكفر دون الزاني ، ونحوه ايضا خبر آخر له نقله في الكافي ونقله شيخنا المجلسي في البحار عن كتاب قرب الاسناد عن مسعدة بن صدقة (٢) قال : «قيل لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما فرق بين من نظر الى امرأة فزنى بها أو خمر فشربها وبين من ترك الصلاة حتى لا يكون الزاني وشارب الخمر مستخفا كما استخف تارك الصلاة وما الحجة في ذلك وما العلة التي تفرق بينهما؟ قال الحجة ان كل ما أدخلت أنت نفسك فيه لم يدعك اليه داع ولم يغلبك عليه غالب شهوة مثل الزنا وشرب الخمر ، وأنت دعوت نفسك الى ترك الصلاة وليس ثم شهوة فهو الاستخفاف بعينه وهذا فرق ما بينهما». ويشير الى ذلك حديث عبيد بن زرارة المتقدم حيث انه (عليه‌السلام) عد الكفر أولا في الكبائر والمتبادر منه هو المعنى المشهور ثم لما اعترضه السائل بأنه لم يذكر ترك الصلاة في الكبائر احاله على الكفر الذي ذكره في صدر الخبر وان تارك الصلاة داخل فيه مع عده في الخبر جملة من الكبائر الموجبة لصحة

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أعداد الفرائض.

١٨

إطلاق الكفر بالمعنى الذي ذكروه على فاعلها وقد اخرج (عليه‌السلام) ترك الصلاة عنها واضافه الى الكفر الحقيقي كما هو ظاهر ، ويؤيده أيضا ما تقدم في الاخبار من ان الصلاة عمود الدين وانه لا يقبل شي‌ء من الأعمال وان كانت سالمة من المبطلات إلا بقبول الصلاة ونحو ذلك مما دل على ان الشفاعة لا تنال تاركها ولا يرد عليه الحوض ، وفي حديث القداح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «جاء رجل الى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال يا رسول الله أوصني فقال لا تدع الصلاة متعمدا فان من تركها متعمدا فقد برئت منه ملة الإسلام». ونحو ذلك مما يشير الى زوال الايمان من أصله بتركها وكون تاركها كافرا كفرا حقيقيا فتكون مختصة من بين سائر الكبائر بذلك لما عرفت ، ومقابلة ذلك بمجرد الاستبعاد مع ظهور الاخبار فيه خروج عن نهج السداد ، ولعله لما ذكرناه مال المحدث الحر العاملي إلى حمل الكفر هنا على الكفر الحقيقي حيث قال في كتاب الوسائل : «باب ثبوت الكفر والارتداد بترك الصلاة الواجبة جحودا لها واستخفافا» (٢) إلا انه ايضا من المحتمل قريبا ان المراد بذلك هو المبالغة في حق الصلاة والتنويه بشأنها وان مرتبتها فوق مرتبة سائر الفرائض ، ويشير الى ذلك ما رواه في الكافي عن عبيد بن زرارة (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قوله تعالى : «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» (٤) قال ترك العمل الذي أقر به من ذلك ان يترك الصلاة من غير سقم ولا شغل». وعن عبيد بن زرارة أيضا في الموثق (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله تعالى «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» (٦) قال من ترك العمل الذي أقر به. قلت فما موضع ترك العمل حتى يدعه اجمع؟ قال منه الذي يدع الصلاة متعمدا لا من سكر ولا من علة». والتقريب فيهما انه

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ١١ من أعداد الفرائض.

(٢) الباب ١١ من أعداد الفرائض.

(٣ و ٥) رواه في الوسائل في الباب ٢ من مقدمة العبادات.

(٤ و ٦) سورة المائدة ، الآية ٧.

١٩

فسر الكفر هنا بكفر الترك وعد منه ترك الصلاة متعمدا لا من علة ، والعمل في الخبرين وان كان أعم من المدعى إلا انه يجب تقييده بالأخبار الدالة على ان موجب الكفر انما هو ترك كبائر العبادات وارتكاب كبائر المعاصي ، وكيف كان فالظاهر قوة ما ذكرناه أولا من اختصاص ترك الصلاة بهذا الحكم دون سائر كبائر الطاعات إلا ان الخطب يعظم في المسامع ويتسع الخرق على الراقع لاستلزام كفر جمهور الناس إذ لا فرق بين تارك الصلاة بالكلية وبين من صلى صلاة باطلة ولا يخفى ان الصلاة الصحيحة في عامة الناس أعز من الكبريت الأحمر ، نسأل الله سبحانه العفو عن الزلات واقالة الخطيئات. والله العالم.

(المقام الرابع) ـ ما دل عليه صحيح ابان بن تغلب وحديث ابي بصير (١) ـ من الحث على المحافظة على الصلوات في أوقاتها وانها إذا صلاها لغير وقتها رجعت اليه تدعو عليه ـ مما يدل على مذهب الشيخين في ان الوقت الثاني انما هو لأصحاب الاعذار واما من ليس كذلك فوقته انما هو الأول ، والمراد بالمواقيت المأمور بالمحافظة فيهن هي أوائل الأوقات التي هي على المشهور وقت فضيلة والوقت الثاني وقت اجزاء وعلى مذهب الشيخين الأول وقت الاختيار والثاني وقت الاضطرار وأصحاب الاعذار ، وسيأتي مزيد بسط ان شاء الله تعالى في بيان صحة ما قلناه وحيث إن له محلا أليق أخرنا الكلام فيه اليه.

(فصل) ـ روى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة بن أعين (٢) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أخبرني عما فرض الله تعالى من الصلوات قال خمس صلوات في الليل والنهار. قلت هل سماهن الله وبينهن في كتابه؟ قال نعم قال الله عزوجل لنبيه «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (٣) ودلوكها زوالها

__________________

(١) ص ٨ و ٩.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٢ من أعداد الفرائض.

(٣) سورة بني إسرائيل ، الآية ٨٠.

٢٠