الحدائق الناضرة - ج ١٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه محمد وآله الطاهرين.

كتاب الزكاة

وهي لغة تطلق على معنيين : الطهارة والزيادة والنمو ، ومن الأول قوله عزوجل «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها» (١) أي طهرها من الأخلاق الذميمة ، ومن الثاني قوله عزوجل «ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ» (٢) أي أنمى لكم وأعظم بركة ، والحمل على الأول وإن أمكن إلا أنه يصير عطف الطهارة من قبيل التأكيد والحمل على التأسيس خير من التأكيد.

وسميت به الصدقة المخصوصة لكونها مطهرة للمال من الأوساخ المتعلقة به أو للنفوس من رذائل البخل وترك مواساة الإخوان المحتاجين من أبناء النوع ، ولكونها تنمي الثواب وتزيده وكذلك تنمي المال وتزيده وإن ظن الجاهل البخيل أنها تنقصه.

وقد اختلف الفقهاء في تعريفها بما لا يكاد يسلم واحد منها من المناقشة

__________________

(١) سورة الشمس الآية ٩.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٢.

٢

وليس في التعرض لها مزيد فائدة ، والأمر في التعريف هين بعد وضوح المعرف في حد ذاته.

والكلام في هذا الكتاب يقع في مقدمة وبابين ، أما المقدمة ففيها فصول :

الفصل الأول ـ في وجوبها وهي واجبة بالكتاب والسنة ، قال الله عزوجل «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ» (١) وقال «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (٢) وقال «وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ» (٣).

وأما السنة فمستفيضة جدا ، ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٤) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام لما نزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (٥) وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مناديه فنادى في الناس أن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض الله عليهم من الذهب والفضة وفرض عليهم الصدقة من الإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفا لهم عن ما سوى ذلك. قال عليه‌السلام ثم لم يتعرض لشي‌ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم. قال عليه‌السلام ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق». أقول : الطسق بالفتح ما يوضع من الخراج على كل جريب من الأرض فارسي معرب.

وما رواه في الصحيح عن الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (٦) قالا : «فرض الله الزكاة مع الصلاة». أقول : الظاهر من المعية المقارنة

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٤٣.

(٢ و ٥) سورة التوبة الآية ١٠٣.

(٣) سورة فصلت الآية ٦ و ٧.

(٤) ج ١ ص ١٣٩ وفي الوسائل الباب ٨ من ما تجب فيه الزكاة ونقله فيه وفي الباب ١ من الفقيه أيضا.

(٦) الوسائل الباب ١ من ما تجب فيه الزكاة.

٣

في الرتبة كما يشعر به الحديث الآتي.

وما رواه أيضا عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) قال «إن الله عزوجل قرن الزكاة بالصلاة فقال «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ» فمن أقام الصلاة ولو يؤت الزكاة فلم يقم الصلاة».

وما رواه في الفقيه عن عبد الله بن مسكان يرفعه إلى أبي جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد إذ قال قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون».

وما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم وهو قوله تعالى (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ)» (٤). قال : وفي رواية أخرى (٥) قال : «ولا تقبل له صلاة».

وبهذا المضمون روايات عديدة أعرضنا عن نقلها.

وما رواه فيه أيضا عن أبي بصير (٦) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من منع الزكاة سأل الرجعة عند الموت وهو قول الله تعالى (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ)» (٧).

وما رواه فيه عن أبي بصير أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٨) قال : «من منع قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا». إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة

الفصل الثاني ـ في عقاب مانعها ، روى في الكافي عن عبد الله بن سنان (٩) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا قلده الله تعالى تربة أرضه يطوق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة».

وروى في الكافي والفقيه عن أيوب بن راشد (١٠) قال : «سمعت أبا عبد الله

__________________

(١ و ٢ و ٦ و ٩ و ١٠) الوسائل الباب ٣ من ما تجب فيه الزكاة.

(٣ و ٥ و ٨) الوسائل الباب ٤ من ما تجب فيه الزكاة.

(٤ و ٧) سورة المؤمنون الآية ٩٩ و ١٠٠.

٤

عليه‌السلام يقول مانع الزكاة يطوق بحية قرعاء تأكل من دماغه وذلك قوله تعالى (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ)» (١). أقول : القرعاء من الحيات ما سقط شعر رأسها لكثرة سمها.

وروى في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تعالى (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ)؟ فقال يا محمد ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله تعالى ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب ، ثم قال عليه‌السلام هو قول الله تعالى (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ). يعني ما بخلوا به من الزكاة».

وروى في الكافي والفقيه عن حريز (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر وسلط عليه شجاعا أقرع يريده وهو يحيد عنه فإذا رأى أنه لا يتخلص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفحل ثم يصير طوقا في عنقه ، وذلك قول الله تعالى «سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ» وما من ذي مال إبل أو غنم أو بقر يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله عزوجل يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه كل ذات ظلف بظلفها وتنهشه كل ذات ناب بنابها ، وما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلا طوقه الله تعالى ريعة أرضه إلى سبع أرضين يوم القيامة».

أقول : قيل القاع الأرض السهلة المطمئنة قد انفرجت عنها الجبال ، والقرقر الأرض المستوية اللينة ، وفي بعض النسخ «قفر» وهو الخلاء من الأرض ، وشجاع بالضم والكسر : الحية أو الذكر منها أو ضرب منها ، والحيد الميل ، والقضم

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ١٨٠.

(٢) الفروع ج ١ ص ١٤١ وفي الوسائل الباب ٣ من ما تجب فيه الزكاة عن أبي جعفر (ع) بسند آخر وهو كذلك في الفروع ج ١ ص ١٤٢.

(٣) الوسائل الباب ٣ من ما تجب فيه الزكاة.

٥

بالمعجمة : الأكل بأطراف الأسنان ، والفحل بالمهملة : الذكر من كل حيوان ومن الإبل خاصة وهو المراد هنا ، والريع بكسر الراء وفتحها ثم المثناة من تحت ثم المهملة : المرتفع من الأرض واحدته بهاء.

وروى في الكافي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «إن الله تعالى يبعث يوم القيامة ناسا من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيس أنملة معهم ملائكة يعيرونهم تعييرا شديدا يقولون : هؤلاء الذين منعوا خيرا قليلا من خير كثير ، هؤلاء الذين أعطاهم الله تعالى فمنعوا حق الله في أموالهم». أقول : القيس بالكسر القدر.

وروى في الكافي والفقيه عن أبان بن تغلب (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام دمان في الإسلام حلال من الله تعالى لا يقضي فيهما أحد حتى يبعث الله تعالى قائمنا أهل البيت فإذا بعث الله تعالى قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم الله لا يريد عليهما بينة : الزاني المحصن يرجمه ومانع الزكاة يضرب عنقه». ورواه الصدوق في عقاب الأعمال والبرقي في المحاسن مثله (٣).

وروى في الكافي مسندا عن إسحاق بن عمار عن من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام وفي الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) أنه قال : «ما ضاع مال في بر ولا بحر إلا بتضييع الزكاة ولا يصاد من الطير إلا ما ضيع تسبيحه».

وروى في الكافي عن سالم مولى أبان (٥) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ما من صيد يصاد إلا بتركه التسبيح وما من مال يصاب إلا بترك الزكاة». إلى غير

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من ما تجب فيه الزكاة.

(٢) الوسائل الباب ٤ من ما تجب فيه الزكاة. وقوله «حكم فيهما بحكم الله لا يريد عليهما بينة» ليس في الفقيه ج ٢ ص ٦.

(٣) الوسائل الباب ٤ من ما تجب فيه الزكاة.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٣ من ما تجب فيه الزكاة.

٦

ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها المقام.

الفصل الثالث ـ في كفر منكر وجوبها ، قال العلامة في التذكرة : أجمع المسلمون كافة على وجوبها في جميع الأعصار وهي أحد الأركان الخمسة. إذا عرفت هذا فمن أنكر وجوبها ممن ولد على الفطرة ونشأ بين المسلمين فهو مرتد يقتل من غير أن يستتاب ، وإن لم يكن عن فطرة بل أسلم عقيب كفر استتيب مع علمه بوجوبها ثلاثا فإن تاب وإلا فهو مرتد وجب قتله ، وإن كان ممن يخفى وجوبها عليه لأنه نشأ بالبادية أو كان قريب العهد بالإسلام عرف وجوبها ولم يحكم بكفره. هذا كلامه (رحمه‌الله).

قال في المدارك بعد نقله عنه : وهو جيد وعلى ما ذكره من التفصيل يحمل ما رواه الكليني وابن بابويه عن أبان بن تغلب. ثم ساق الرواية المتقدمة الدالة على أن القائم عليه‌السلام بعد قيامه يضرب عنق مانع الزكاة.

أقول : ظاهر العلامة في المنتهى حمل هذه الرواية على المانع وإن لم يكن عن إنكار ، حيث قال : مسألة ـ ويقاتل مانع الزكاة حتى يؤديها وهو قول العلماء ، روى الجمهور. ثم ساق روايتهم (١) ثم قال : ومن طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن أبان بن تغلب. ثم ساق الرواية المشار إليها ، ثم قال فروع : الأول ـ القتال وإن كان مباحا إلا أنا لا نحكم بكفره. إلى أن قال : وأما لو علم منه إنكار وجوبها فإنه يكون كافرا. انتهى. والأقرب الأول فإن مجرد المنع لا يوجب القتل وإن أوجب المقاتلة إلى أن يؤدي أو يؤخذ من ماله ما يؤدي به عنه.

ثم إنه من ما يدل على كفره متى كان مستحلا منكرا ما تقدم في رواية أبي بصير من أنه يموت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا ، ويحتمل الحمل على مجرد المنع وإن هذا لمزيد التأكيد في الزجر عن الترك كما ورد في أحاديث الحج من أن

__________________

(١) وهي قتال أبي بكر مانعي الزكاة وإنكار عمر عليه وأنه قال رسول الله (ص) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا «لا إله إلا الله» فإذا قالوها عصموني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله. فقال أبو بكر الزكاة من حقها. تيسير الوصول ج ٢ ص ١٢١.

٧

تارك الحج كافر (١) وكذلك قوله عزوجل «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ ... الآية» (٢) وبالجملة فإن المراد من الكفر هنا الترك كقوله عزوجل : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ ... الآية» (٣).

ويدل عليه أيضا ما رواه في الكافي في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) في حديث «إن الزكاة ليس يحمد بها صاحبها وإنما هو شي‌ء ظاهر إنما حقن بها دمه وسمي بها مسلما».

وما رواه فيه أيضا في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «إن الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها وهي الزكاة بها حقنوا دماءهم وبها سموا مسلمين».

وروى في الفقيه بإسناده عن حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه جميعا عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٦) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام «يا علي كفر بالله العلي العظيم من هذه الأمة عشرة. وعد منهم مانع الزكاة ، ثم قال يا علي ثمانية لا يقبل الله منهم الصلاة. وعد منهم مانع الزكاة. ثم قال يا علي من منع قيراطا من زكاة ماله فليس بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة ، يا علي تارك الزكاة يسأل الله تعالى الرجعة إلى الدنيا وذلك قول الله عزوجل حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ... الآية» (٧).

وبالجملة فإن وجوب الزكاة من الضروريات الدينية ولا خلاف ولا إشكال في كفر من أنكر شيئا منها وارتداده.

بقي الإشكال في حديث أبان المتقدم من حيث دلالته على اختصاص هذا الحكم مع الحكم برجم الزاني المحصن بظهور القائم عليه‌السلام ولا أعرف له وجها إلا على القول باختصاص إقامة الحدود بالإمام عليه‌السلام إلا أن تخصيص هذين الفردين من ما

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) سورة آل عمران الآية ٩٧.

(٣) سورة إبراهيم الآية ٧.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٤ من ما تجب فيه الزكاة.

(٥) الوسائل الباب ٤ من ما تجب فيه الزكاة.

(٧) سورة المؤمنون الآية ٩٩.

٨

لا وجه له على هذا التقدير.

الفصل الرابع ـ في فضلها وفضل سائر الصدقات ، روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن زرارة عن سالم بن أبي حفصة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إن الله تعالى يقول ما من شي‌ء إلا وقد وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة فإني أتلقفها بيدي تلقفا حتى أن الرجل يتصدق بالتمرة أو بشق تمرة فأربيها له كما يربي الرجل فلوه وفصيله فيأتي يوم القيامة وهو مثل أحد أو أعظم من أحد».

وروى فيه أيضا عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصدقة تدفع ميتة السوء».

وروى فيه أيضا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «لأن أحج حجة أحب إلي من أن أعتق رقبة ورقبة حتى انتهى إلى عشرة ومثلها ومثلها حتى انتهى إلى سبعين ، ولأن أعول أهل بيت من المسلمين أشبع جوعهم وأكسو عورتهم وأكف وجوههم عن الناس أحب إلى من أن أحج حجة وحجة حتى انتهى إلى عشر وعشر ومثلها ومثلها حتى انتهى إلى سبعين».

وروى في الكافي مسندا عن أبي عبد الله عليه‌السلام وفي الفقيه مرسلا (٤) قال : «قال الصادق عليه‌السلام داووا مرضاكم بالصدقة وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة فإنها تفك من بين لحيي سبعمائة شيطان ، وليس شي‌ء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن ، وهي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد».

وروى الشيخ عن معلى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام (٥) «إن الله لم يخلق شيئا إلا

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب الصدقة.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب الصدقة ، والراوي هو السكوني.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب الصدقة.

(٤) الوسائل الباب ٣ و ١٨ من أبواب الصدقة.

(٥) الفروع ج ١ ص ١٦٤ وفي الوسائل الباب ١٢ من الصدقة والشيخ يرويه عن الكليني.

٩

وله خازن يخزنه إلا الصدقة فإن الرب يليها بنفسه ، وكان أبي إذا تصدق بشي‌ء وضعه في يد السائل ثم ارتده منه فقبله وشمه ثم رده في يد السائل ، إن صدقة الليل تطفئ غضب الرب تعالى وتمحو الذنب العظيم وتهون الحساب وصدقة النهار تنمي المال وتزيد في العمر». إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المذكورة في مظانها.

الفصل الخامس ـ في علتها روى الصدوق (قدس‌سره) في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إن الله عزوجل فرض الزكاة كما فرض الصلاة ، فلو أن رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب وذلك لأن الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، ولو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم وإنما يؤتى الفقراء في ما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم لا من الفريضة».

وروى في الكافي والفقيه عن مبارك العقرقوفي (٢) قال : «قال أبو الحسن عليه‌السلام إن الله تعالى وضع الزكاة قوتا للفقراء وتوفيرا لأموالكم».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن مسكان وغير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال «إن الله تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ولو لا ذلك لزادهم وإنما يؤتون من منع من منعهم».

وروى فيه في الحسن عن الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (٤) قال «قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام لأي شي‌ء جعل الله الزكاة خمسة وعشرين في كل ألف ولم يجعلها ثلاثين؟ فقال إن الله تعالى جعلها خمسة وعشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء ولو أخرج الناس زكاة أموالهم ما احتاج أحد».

وروى فيه أيضا عن صباح الحذاء عن قثم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «قلت له جعلت فداك أخبرني عن الزكاة كيف صارت من كل ألف خمسة وعشرين لم

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١ من ما تجب فيه الزكاة.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٣ من زكاة الذهب والفضة.

١٠

تكن أقل أو أكثر ما وجهها؟ فقال إن الله تعالى خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم وكبيرهم وغنيهم وفقيرهم فجعل من كل ألف إنسان خمسة وعشرين مسكينا ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم لأنه خالقهم وهو أعلم بهم».

وروى في الفقيه عن معتب مولى الصادق عليه‌السلام (١) قال : «قال الصادق عليه‌السلام إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء ومعونة للفقراء ، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا ولاستغنى بما فرض الله تعالى له ، وإن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء وحقيق على الله تعالى أن يمنع رحمته ممن منع حق الله في ماله ، وأقسم بالذي خلق الخلق وبسط الرزق إنه ما ضاع مال في بر ولا بحر إلا بترك الزكاة وما صيد صيد في بر ولا بحر إلا بتركه التسبيح في ذلك اليوم ، وإن أحب الناس إلى الله أسخاهم كفا وأسخى الناس من أدى زكاة ماله ولم يبخل على المؤمنين بما افترض الله تعالى لهم في ماله».

وروى في الفقيه مرسلا (٢) قال : «كتب علي بن موسى الرضا عليه‌السلام إلى محمد ابن سنان في ما كتب من جواب مسائله : إن علة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الأغنياء لأن الله عزوجل كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى كما قال الله تعالى «لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ» (٣) في أموالكم إخراج الزكاة وفي أنفسكم توطين النفس على الضر ، مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله تعالى والطمع في الزيادة ، مع ما فيه من الزيادة والرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف على أهل المسكنة والحث لهم على المواساة وتقوية الفقراء والمعونة لهم على أمر الدين وهو عظة لأهل الغنى وعبرة لهم ليستدلوا على فقر الآخرة بهم ، وما لهم من الحث في ذلك على الشكر لله تعالى لما خولهم وأعطاهم والدعاء والتضرع والخوف من أن يصيروا مثلهم في أمور كثيرة في أداء الزكاة والصدقات وصلة الأرحام واصطناع

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من ما تجب فيه الزكاة.

(٣) سورة آل عمران الآية ١٨٦.

١١

المعروف». إلى غير ذلك من الأخبار.

الفصل السادس ـ في أنه هل يجب في المال حق آخر سوى الزكاة أم لا؟ المشهور الثاني ، ونقل عن الشيخ في الخلاف الأول حيث قال : يجب في المال حق سوى الزكاة المفروضة وهو ما يخرج يوم الحصاد من الضغث بعد الضغث والحفنة بعد الحفنة يوم الجذاذ. واحتمله السيد المرتضى في الإنتصار.

احتج الشيخ (قدس‌سره) بإجماع الفرقة وأخبارهم (١) وقوله تعالى «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» (٢).

وأجيب بمنع انعقاد الإجماع على الوجوب بل على الرجحان المطلق الشامل للندب أيضا. وعن الأخبار بمنع دلالتها على الوجوب.

وعن الآية بوجهين : أحدهما ـ أنه يجوز أن يكون المراد بالحق الزكاة المفروضة كما ذكره جمع من المفسرين بأن يكون المعنى فاعزموا على أداء الحق يوم الحصاد واهتموا به حتى لا تؤخروه عن أول أوقات الإمكان. وأيد ذلك بأن قوله تعالى «وَآتُوا حَقَّهُ» إنما يحسن إذا كان الحق معلوما قبل ورود هذه الآية.

الثاني ـ أن الأمر محمول على الاستحباب ، ويدل عليه ما رواه الكليني عن معاوية بن شريح (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في الزرع حقان حق تؤخذ به وحق تعطيه. قلت : وما الذي أوخذ به وما الذي أعطيه؟ قال أما الذي تؤخذ به فالعشر ونصف العشر ، وأما الذي تعطيه فقول الله عزوجل «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» يعني من حصدك الشي‌ء بعد الشي‌ء ، ولا أعلمه إلا قال الضغث ثم الضغث حتى يفرغ».

وما رواه عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير ـ في الصحيح أو الحسن على

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من زكاة الغلات.

(٢) سورة الأنعام الآية ١٤١.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من زكاة الغلات.

١٢

المشهور ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) «في قول الله عزوجل (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ)؟ فقالوا جميعا قال أبو جعفر عليه‌السلام هذا من الصدقة تعطى المساكين القبضة بعد القبضة ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتى تفرغ. الحديث».

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار زيادة على ما ذكر ما نقل عن السيد المرتضى (قدس‌سره) في الإنتصار (٢) أنه قال : «روي عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» فقال ليس ذلك الزكاة ألا ترى أنه قال (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)؟» (٣). قال المرتضى (قدس‌سره) وهذه نكتة منه عليه‌السلام مليحة لأن النهي عن السرف لا يكون إلا في ما ليس بمقدر والزكاة مقدرة.

وما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره في الصحيح عن شعيب العقرقوفي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله عزوجل (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ)؟ قال الضغث من السنبل والكف من التمر إذا خرص. قال : وسألته هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله؟ قال : لا هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله بيته».

وروى فيه في الصحيح عن سعد بن سعد عن الرضا عليه‌السلام (٥) قال : «قلت له إن لم يحضر المساكين وهو يحصد كيف يصنع؟ قال ليس عليه شي‌ء».

وظاهر هذه الأخبار المذكورة هو الاستحباب ، أما رواية معاوية بن شريح فهي ظاهرة في ذلك لأن مقابلة الحق الذي يعطيه بالذي يؤخذ به ظاهر في أنه لا يؤخذ بهذا الحق الذي يعطيه ، والمتبادر من الأخذ به العقاب على تركه وهو هنا كناية عن الوجوب والإلزام به شرعا.

وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ حيث مال إلى الوجوب في هذه المسألة من أن المراد من قوله «تؤخذ به» يعني الأخذ في الدنيا لأن الإمام

__________________

(١ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٣ من زكاة الغلاة.

(٢) ص ٢١.

(٣) سورة الأنعام الآية ١٤١.

١٣

يأخذ الزكاة من أصحاب الأموال بخلاف حق الحصاد فإنه أمر بينه وبين الله وإن عصى بالترك بناء على الوجوب ـ فتعسفه ظاهر لأنه لو كان المراد أنما هو أخذ الإمام لكان حق العبارة أن يقال «يؤخذ منه» كما لا يخفى على الممارس لكلام البلغاء بل هذه العبارة إنما ترمى في مقام المؤاخذة بالترك والمعاقبة ، قال في المصباح المنير وأخذه بذنبه عاقبه عليه.

وأما صحيحة الفضلاء الثلاثة فظاهر الصدقة فيها إنما هو بمعنى الصدقة المستحبة وأما صحيحة شعيب العقرقوفي فهي ظاهرة في أنه متى أدخله بيته سقط الحكم عنه ولو كان واجبا لم يكن كذلك. وأما صحيحة سعد بن سعد فأظهر ، فإنها دلت على أنه لو لم يحضره أحد من المساكين وقت الحصاد فلا شي‌ء عليه والفرض الواجب إخراجه لا يتفاوت بين حضور مستحقه ولا غيبته.

وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضل المتقدم ذكره حيث إنه مال إلى الوجوب استنادا إلى ظاهر الآية ، ولا ريب أن الآية مخصصة بالأخبار المذكورة كما هو القاعدة الجارية في غير موضع من الأحكام.

ولا بأس بنقل بعض الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ، روى ثقة الإسلام (قدس‌سره) في الحسن عن أبي بصير المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «لا تصرم بالليل ولا تحصد بالليل ولا تضح بالليل ولا تبذر بالليل فإنك إن فعلت ذلك لم يأتك القانع والمعتر. فقلت وما القانع والمعتر؟ قال القانع الذي يقنع بما أعطيته والمعتر الذي يمر بك فيسألك. وإن حصدت بالليل لم يأتك السؤال وهو قول الله عزوجل «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» عند الحصاد يعني القبضة بعد القبضة إذا حصدته وإذا خرج فالحفنة بعد الحفنة ، وكذلك عند الصرام وكذلك عند البذر ، ولا تبذر بالليل لأنك تعطي من البذر كما تعطي في الحصاد».

وعن ابن أبي نصر في الصحيح عن أبي الحسن عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من زكاة الغلات.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من زكاة الغلات.

١٤

قول الله عزوجل «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا» قال كان أبي يقول من الإسراف في الحصاد والجذاذ أن يصدق الرجل بكفيه جميعا ، وكان أبي إذا حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدق بكفيه صاح به أعط بيد واحدة القبضة بعد القبضة والضغث بعد الضغث من السنبل».

ومن ما يدخل في سلك هذا النظام ما رواه في الكافي عن يونس أو غيره عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قلت جعلت فداك بلغني أنك كنت تفعل في غلة عين زياد شيئا وأنا أحب أن أسمعه منك قال فقال لي نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس ويأكلوا ، وكنت آمر في كل يوم أن يوضع عشر بنيات يقعد على كل بنية عشرة كلما أكل عشرة جاء عشرة أخرى يلقى لكل نفس منهم مد من رطب ، وكنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ والعجوز والمريض والصبي والمرأة ومن لا يقدر أن يجي‌ء فيأكل منها لكل إنسان منهم مدا فإذا كان الجذاذ أوفيت القوام والوكلاء والرجال أجرتهم وأحمل الباقي إلى المدينة ففرقت في أهل البيوتات والمستحقين الراحلتين والثلاثة والأقل والأكثر على قدر استحقاقهم ، وحصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار وكان غلتها أربعة آلاف دينار».

الفصل السابع ـ الظاهر أنه لا يجب في المال حق زيادة على الزكاة والخمس اتفاقا وما تقدم من حق الحصاد على القول به. إلا أن الصدوق قال في الفقيه قال الله تعالى «وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» (٢) فالحق المعلوم غير الزكاة وهو شي‌ء يفرضه الرجل على نفسه أنه في ماله ونفسه ويجب أن يفرضه على قدر طاقته ووسعه. وربما ظهر من هذه العبارة الوجوب.

ويؤيده ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إن الله عزوجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من زكاة الغلات.

(٢) سورة المعارج الآية ٢٤ و ٢٥.

(٣) الوسائل الباب ٤ و ٧ من ما تجب فيه الزكاة.

١٥

إلا بأدائها وهي الزكاة ، بها حقنوا دماءهم وبها سموا مسلمين ، ولكن الله عزوجل فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة فقال عزوجل «وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» فالحق المعلوم غير الزكاة وهو شي‌ء يفرضه الرجل على نفسه في ماله يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته وسعة ماله فيؤدي الذي فرض على نفسه إن شاء في كل يوم وإن شاء في كل جمعة وإن شاء في كل شهر. الحديث».

وفي الصحيح أو الحسن عن أبي بصير (١) قال : «كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام ومعنا بعض أصحاب الأموال فذكروا الزكاة فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إن الزكاة ليس يحمد بها صاحبها وإنما هو شي‌ء ظاهر إنما حقن بها دمه وسمي بها مسلما ولو لم يؤدها لم تقبل له صلاة ، وإن عليكم في أموالكم غير الزكاة. فقلت أصلحك الله تعالى وما علينا في أموالنا غير الزكاة؟ فقال سبحان الله أما تسمع الله عزوجل يقول في كتابه «وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ؟» (٢) قال قلت فما ذا الحق المعلوم الذي علينا؟ قال هو الشي‌ء يعلمه الرجل في ماله يعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قل أو كثر غير أنه يدوم عليه».

وعن عامر بن جذاعة (٣) قال : «جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقال يا أبا عبد الله قرض إلى ميسرة فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام إلى غلة تدرك؟ فقال الرجل لا والله. قال فإلى تجارة تئوب؟ قال لا والله. قال فإلى عقدة تباع؟ قال لا والله. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام فأنت ممن جعل الله له في أموالنا حقا ثم دعا بكيس فيه دراهم فأدخل يده فيه فناوله منه قبضة ثم قال له اتق الله تعالى ولا تسرف ولا تقتر ولكن بين ذلك قواما. الحديث».

إلا أنه قد روى في الكافي أيضا عن القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري (٤) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إن رجلا جاء إلى علي بن الحسين عليه‌السلام فقال له

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٧ من ما تجب فيه الزكاة.

(٢) سورة المعارج الآية ٢٤ و ٢٥.

١٦

أخبرني عن قول الله عزوجل «وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» ما هذا الحق المعلوم؟ فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام الحق المعلوم الشي‌ء تخرجه من مالك ليس من الزكاة ولا من الصدقة المفروضتين. فقال إذا لم يكن من الزكاة ولا من الصدقة فما هو؟ قال هو الشي‌ء يخرجه الرجل من ماله إن شاء أكثر وإن شاء أقل على قدر ما يملك. فقال له الرجل فما يصنع به؟ قال يصل به رحما ويقوي به ضعيفا ويحمل به كلا ويصل به أخا له في الله أو لنائبة تنوبه. فقال الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالته».

والخبر كما ترى ظاهر في الاستحباب ووجه الجمع بينه وبين ما تقدمه حمل الأخبار المتقدمة الثلاثة على تأكد الاستحباب ومثله في الأخبار غير عزيز ، ويؤيده بعض الأخبار الدالة على أنه إذا أدى العبد زكاة ماله لم يسأله الله تعالى عما سواها.

ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه لما كانت الزكاة منها ما يتعلق بالمال في جميع الأعوام على الشروط الآتية في المقام ، ومنها ما يتعلق بالفطر من الصيام على الوجوه المذكورة في أخبارهم (عليهم‌السلام) فالكلام فيها يقع في بابين :

الباب الأول ـ في الزكاة المتعلقة بالمال ، ثم إن زكاة المال لما كان وجوبها مخصوصا ببعض المكلفين دون بعض وفي بعض الأموال دون بعض ومصرفها مقصورا على مصارف مخصوصة فالكلام في هذا الباب يقع في مقاصد ثلاثة :

المقصد الأول ـ في من تجب عليه وهو البالغ العاقل الحر المالك للنصاب المتمكن من التصرف فيه ، فهاهنا شروط خمسة :

الشرط الأول والثاني ـ البلوغ والعقل ، فأما اشتراطهما بالنسبة إلى النقدين فالظاهر أنه لا خلاف فيه ، ويدل عليه حديث رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق (١). وقد ورد في جملة من الأخبار الصحاح الصراح أنه ليس في مال اليتيم زكاة (٢) وفي بعضها ليس في العين والصامت شي‌ء (٣) وفي صحيحة

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات وسنن أبي داود ج ٤ ص ١٤١ حد الزنا.

(٢) الوسائل الباب ١ و ٢ ممن تجب عليه الزكاة.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٣٥٦ وفي الوسائل الباب ١ ممن تجب عليه الزكاة.

١٧

عبد الرحمن بن الحجاج أو حسنته (١) في مال المجنون «إن كان عمل به فعليه زكاة وإن لم يعمل به فلا». ونحوها أخبار أخر.

إنما الخلاف بالنسبة إلى الغلات والمواشي ، فالمشهور بين المتأخرين عدم الوجوب ، وأوجب الشيخان وأبو الصلاح وابن البراج الزكاة في غلات الأطفال والمجانين ومواشيهم ، وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية : الصحيح عندنا أنه لا زكاة في مال الصبي من العين والورق وأما الزرع والضرع فقد ذهب أكثر أصحابنا (رضوان الله عليهم) إلى أن الإمام يأخذ منه الصدقة. وهو مؤذن بشهرة القول بذلك بين المتقدمين.

ويدل على الأول موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سمعته يقول ليس في مال اليتيم زكاة وليس عليه صلاة وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة ، وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة وكان عليه مثل ما على غيره من الناس». وأجاب الشيخ عن هذا الخبر بالبعد.

ويدل على القول الثاني صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (٣) أنهما قالا «مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شي‌ء فأما الغلات فإن عليها الصدقة واجبة».

وأجاب عنها جملة من المتأخرين بالحمل على الاستحباب ، وأيده بعضهم بأن لفظ الوجوب في الأخبار أعمّ من المعنى المصطلح فإنه كثيرا ما يرد بمعنى مجرد الثبوت أو تأكد الاستحباب ، فيجب حمل هذه الصحيحة على تأكد الاستحباب أو ثبوته جمعا بين الأدلة.

أقول : فيه (أولا) أن ما ذكروه من أن لفظ الوجوب في الأخبار أعمّ من

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ ممن تجب عليه الزكاة.

(٢ و ٣) التهذيب ج ١ ص ٣٥٦ وفي الوسائل الباب ١ ممن تجب عليه الزكاة.

١٨

المعنيين المذكورين متجه ، إلا أنه متى كان الأمر كذلك فإنه يصير لفظ الوجوب في الأخبار من قبيل اللفظ المشترك الذي لا يحمل على أحد معنييه إلا مع القرينة ، ومجرد اختلاف الأخبار ووجود هذه الرواية في مقابلة هذه الصحيحة لا يكون قرينة على الاستحباب. وبالجملة فإن الجمع المذكور غير تام وإن اشتهر بينهم الجمع بين الأخبار بذلك في كل موضع وأنه قاعدة كلية في جميع أبواب الفقه في مقام اختلاف الأخبار إلا أنه لا دليل عليه. وأيضا فإنه متى قيل بالاستحباب وجواز التصرف في مال اليتيم فالقول بالوجوب وقوفا على ظاهر الصحيحة المذكورة أحوط وأولى كما لا يخفى.

وثانيا ـ أن الأظهر هو حمل الصحيحة المذكورة على التقية فإن الوجوب مذهب الجمهور كما نقله العلامة في المنتهى حيث قال : واختلف علماؤنا في وجوب الزكاة في غلات الأطفال والمجانين فأثبته الشيخان وأتباعهما وبه قال فقهاء الجمهور ونقلوه أيضا عن علي والحسن بن علي (عليهما‌السلام) وجابر بن زيد وابن سيرين وعطاء ومجاهد وإسحاق وأبي ثور (١) انتهى.

أقول : ومن ما يؤيد القول الأول إطلاق جملة من الأخبار بأنه ليس في مال اليتيم زكاة ، وظاهر قوله عزوجل «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (٢) وهو كناية عن ما يوجب محو الذنوب والآثام وهذا إنما يترتب على البالغ ومنه يظهر قوة القول المشهور.

وأنت خبير بأن ظاهر الصحيحة التي هي مستند الشيخين وأتباعهما إنما دل على الغلات خاصة وأما المواشي فلا دلالة فيه عليها وليس غير ذلك في الباب ،

__________________

(١) المغني ج ٢ ص ٦٠٢ وحكى فيه أيضا عن الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأبي وائل والنخعي وأبي حنيفة القول بعدم وجوب الزكاة في أموالهما كما حكي عن ابن مسعود والثوري والأوزاعي أنها تجب ولا تخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه.

(٢) سورة التوبة الآية ١٠٣.

١٩

ومورد النص المذكور إنما هو اليتيم وأما المجنون فلا نص فيه مع أن المنقول عنهم القول بالوجوب في الموضعين ، ومنه يظهر أن حكم المتأخرين بالاستحباب في الموضعين المذكورين للتفصي من خلاف الشيخين لا معنى له ، فإن الاستحباب حكم شرعي كالوجوب والتحريم يتوقف على الدليل ومجرد وجود الخلاف ولا سيما إذا لم يكن عن دليل لا يصلح لأن يكون مستندا ، وكذا حكمهم بالاستحباب في غلات اليتيم ، ومتى حملنا الصحيحة المذكورة على التقية كما هو الظاهر فإنه لا وجه للاستحباب حينئذ

وينبغي التنبيه على أمور :

الأول ـ إن ظاهر كلام جملة من المتأخرين بالنسبة إلى شرط الكمال الذي هو عبارة عن البلوغ والعقل اعتبار استمرار الشرط المذكور طول الحول ليترتب عليه بعد ذلك الخطاب بوجوب الزكاة بمعنى أنه يستأنف الحول من حين البلوغ.

وناقش في ذلك بعض أفاضل متأخري المتأخرين قائلا إن إثبات ذلك بحسب الدليل لا يخلو من إشكال ، إذ المستفاد من الأدلة عدم وجوب الزكاة ما لم يبلغ وهو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه إذ لا يستفاد من أدلة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف.

أقول : فيه (أولا) إن ظاهر قوله (عليه‌السلام) في موثقة أبي بصير المتقدمة «وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة» هو أنه غير مخاطب بالزكاة بالنسبة إلى الأموال التي ملكها قبل البلوغ أعمّ من أن يكون قد حال عليها أحوال عديدة أو مضى عليها حول إلا أياما قلائل ، فإن لفظ «ما مضى» شامل للجميع وأنه لا يتعلق بما كان كذلك زكاة ، والظاهر أن هذا هو الذي فهمه الأصحاب وعليه بني ما ذكروه من الحكم المذكور. وأما قوله في الخبر «ولا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك» فإن جعل معطوفا على الجزاء كما هو الظاهر فلا بد من حمل الإدراك على غير معنى البلوغ لينتظم الكلام لأن الشرط المرتب عليه الكلام أولا هو البلوغ فلا معنى لجعله هنا غاية ، بل يكون المعنى أنه إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها أولا حتى يدرك الحول

٢٠