الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

قال في الوافي بعد ذكر الخبر : إنما استشهد عليه‌السلام بالآية الأخيرة على أن المراد بالآية الأولى طلب الولد لمكان الحرث ، ولم يستشهد بها على حل الدبر ، فلا ينافي حديث معمر بن خلاد الآتي.

وعن موسى بن عبد الملك عن الحسين بن علي بن يقطين (١) ، وعن موسى بن عبد الملك (٢) عن رجل قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن إتيان الرجل المرأة من خلفها ، فقال : أحلتها آية من كتاب الله عزوجل ، قول لوط (٣) «هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ» وقد علم أنهم لا يريدون الفرج».

وعن معمر بن خلاد (٤) في الصحيح قال : «قال أبو الحسن عليه‌السلام : أي شي‌ء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟ قلت : إنه بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأسا ، فقال : إن اليهود كانت تقول : إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول ، فأنزل الله تعالى (٥) «نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ» من خلف أو قدام خلافا لقول اليهود ، ولم يعن في أدبارهن».

أقول : وهذه الرواية لا دلالة فيها على ما نحن فيه ، لا نفيا ولا إثباتا ، وروى هذه الرواية أيضا في التهذيب عن معمر بن خلاد (٦) في الموثق عن الرضا عليه‌السلام مثله ، إلا أنه قال «أهل الكتاب» بدل أهل المدينة ، و «من قبل أو دبر» مكان «خلف أو قدام» ، وحينئذ ففيها دلالة على ما دلت عليه الأخبار المذكورة.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤١٤ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٤ ص ١٠٣ ح ٣.

(٢) أقول : ظاهر أن موسى المذكور رواه تارة عن الحسين بن على بن يقطين ، وتارة عن رجل ، ثم ان في الخبر ما يدل على أن ما يحكيه الأئمة عليهم‌السلام من الأحكام عن الأنبياء السابقين والأمم المتقدمة يجري حكمه في هذه الأمة أيضا ، الا أن يقوم دليل على الاختصاص ، وفيه رد على جماعة من أصحابنا الذين منعوا ذلك. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٣) سورة هود ـ آية ٧٧.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ٤١٥ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ١٠٠ ب ٧٢ ح ١.

(٥) سورة البقرة ـ آية ٢٢٣.

(٦) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٠ ح ٤٩.

٨١

وما رواه في التهذيب عن يونس بن عمار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أو لأبي الحسن عليه‌السلام : إني ربما أتيت الجارية من خلفها ـ يعني في دبرها ـ ونذرت فجعلت على نفسي إن عدت إلى امرأة هكذا ، فعلي صدقة درهم ، وقد ثقل ذلك علي؟ قال : ليس عليك شي‌ء وذلك لك».

وفيه : دلالة على عدم انعقاد النذر على ترك المباح ، ومثله غيره.

وعن حماد بن عثمان (٢) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أو أخبرني من سأله عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع ، وفي البيت جماعة ، فقال لي ورفع صوته : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كلف مملوكه ما لا يطيق فليبعه ، ثم نظر في وجوه أهل البيت ، ثم أصغى إلي فقال : لا بأس به».

وفيه إيماء إلى أن المنع من ذلك محمول على التقية وعن ابن أبي يعفور (٣) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام».

ورواه عنه بسند آخر عن البرقي ، رفعه عن ابن أبي يعفور (٤) قال : «سألته عن إتيان النساء في أعجازهن ، فقال : ليس به بأس ، وما أحب أن تفعله».

وعن حفص بن سوقة (٥) عمن أخبره قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يأتي أهله من خلفها ، قال : هو أحد المأتيين فيه الغسل».

وعن علي بن حكم عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل». وفي الدلالة نوع مناقشة.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٠ ح ٥٠ وص ٤١٥ ح ٣٣ و ٣٤ وص ٤١٦ ح ٣٨ وص ٤١٤ ح ٣٠ وص ٤٦٠ ح ٥١.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ١٠٤ ح ٨ وص ١٠٣ ح ٤ و ٥ و ٦ و ٧ وص ١٠٤ ح ٩.

٨٢

وما روى العياشي في تفسيره عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وذكر عنده إتيان النساء في أدبارهن ، فقال : ما أعلم آية في القرآن أحلت ذلك إلا واحدة (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ)» الآية.

وعن ابن أبي يعفور (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن إتيان النساء في أعجازهن قال : لا بأس ، ثم تلا هذه الآية : نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، قال : حيث شاء».

وعن زرارة (٣) «عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ) ، قال : حيث شاء».

أقول : وهذا تفسير آخر للآية المذكورة ، وبه تدل على الجواز إلا أن المفهوم من كلام الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره أن تفسير الآية بهذا المعنى إنما وقع من العامة ، حيث قال «نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ» أي متى شئتم ، وتأولت العامة في قوله «أَنّى شِئْتُمْ» أي حيث شئتم في القبل والدبر.

وقال الصادق عليه‌السلام «أَنّى شِئْتُمْ» أي متى شئتم في الفرج ، والدليل على قوله «في الفرج» قوله «نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ» والحرث الزرع ، والزرع الفرج في موضع الولد ـ انتهى.

ومقتضى هذا الكلام حمل الخبرين المذكورين على التقية ، وكيف كان فإنه لا يخفى أن هذه الأخبار كلها كما ترى مطابقة الدلالة ، متعاضدة المقالة على الجواز ، وإن كان على كراهة.

وأما ما استدل به للقول الآخر فما رواه في الفقيه مرسلا (٤) قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : محاش نساء أمتي على رجال أمتي حرام». واقتصر الصدوق في كتابه على هذه

__________________

(١ و ٢ و ٣) تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٢ ح ٥٦ وج ١ ص ١١٠ ح ٣٣٠ وص ١١١ ح ٣٣١.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٩ ح ٣.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ١٠٤ ح ١٢ و ١٠ و ١١ وص ١٠١ ح ٥.

٨٣

الرواية ولم ينقل شيئا من تلك الأخبار العديدة ، فلهذا نسب له القول بما دلت عليه من التحريم.

وما رواه في التهذيب عن سدير (١) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محاش النساء على أمتي حرام».

قال في الوافي : والمحاش جمع محشة وهو الدبر ، وقال الأزهري : ويقال بالسين المهملة ، انتهى.

وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير : والمحشة الدبر ، والمحش المخرج أي مخرج الغائط.

ومن هنا سمي الكنيف المحش لكونه بيت الغائط ، وإن كان في الأصل إنما هو اسم للبساتين ، حيث كانوا يقضون حوائجهم فيها ، ثم نقل إلى الكنيف ، لما اتخذوه عوضا عنها.

وما رواه العياشي في تفسيره عن أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يأتي أهله في دبرها؟ فكره ذلك ، وقال : إياكم ومحاش النساء ، وقال : إنما معنى ، نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم : أي ساعة شئتم».

والتقريب فيه بحمل الكراهة على التحريم كما يدل عليه قوله «وإياكم» وعن زيد بن ثابت (٣) قال : «سأل رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام أتؤتى النساء في أدبارهن؟ فقال : سفلت ، سفل الله بك ، أما سمعت يقول الله : أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين».

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ ومن تأخر عنه من الأصحاب حملوا هذه الأخبار على الكراهة أو التقية ، قال العلامة في المختلف ، بعد نقل خبر السدير

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤١٦ ح ٣٦.

(٢ و ٣) تفسير العياشي ج ١ ص ١١١ ح ٢٣٥ وج ٢ ص ٢٢ ح ٥٥. الوسائل ج ١٤.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ١٠١ ح ٢ وص ١٠٢ ح ٩ و ١١.

٨٤

المذكور : والجواب الحمل على شدة الكراهة ، جمعا بين الأدلة ، أو على التقية ، لأن أكثر العامة منعوه.

أقول : الظاهر عندي بعد الحمل على الكراهة ، لتصريح خبر سدير ومرسلة الفقيه بالتحريم وحديث زيد بن ثابت ، بأن ذلك ، الفاحشة التي ذكرها الله في قوله «أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ» وحينئذ فيتعين الحمل على التقية ، لأن ذلك هو الأوفق ، بالقواعد المنصوصة عن أهل العصمة صلوات الله عليهم في مقام اختلاف الأخبار.

وأكثر العامة ـ كما ذكره الأصحاب ـ على القول بالتحريم ، ولم يخالف من أئمتهم الأربعة إلا مالك حيث وافق الإمامية في القول بالجواز على كراهية

وبذلك يظهر أن ما ذكروه من الكراهة الشديدة ، مما لا وجه له متى حملت هذه الأخبار على التقية.

نعم الكراهة في الجملة مما لا إشكال فيها لقوله عليه‌السلام في رواية ابن يعفور المتقدمة بعد حكمه بالجواز «ما أحب أن يفعل» ، وقوله عليه‌السلام في مرسلة أبان التي هي أول الأخبار «هي لعبتك لا تؤذها».

وأما قول الرضا عليه‌السلام في صحيحة علي بن حكم «إنا لا نفعل ذلك» ، فالظاهر أن المراد منه إنما هو أنهم لشرف مقامهم وعلو منزلتهم لا يفعلون مثل ذلك ، كما في حديث المتعة ، لما قال له السائل : «فهل يسرك أن بناتك وأخواتك يتمتعن» فأعرض عليه‌السلام عنه حيث ذكر نساءه وبناته عليه‌السلام ، إذ لا دلالة فيه على كراهة المتعة.

ثم ما دلت عليه رواية زيد بن ثابت ، من استدلاله عليه‌السلام على التحريم ، بقوله عزوجل «أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ» ، فهو معارض بمرسلة موسى بن عبد الملك.

ورواية عبد الرحمن بن الحجاج المنقولة من تفسير العياشي ، الصريحة في التحليل بالآيتين المذكورتين فيهما ، ولا ريب أن المراد بالفاحشة في الآية إنما هو إتيان الذكران في الإدبار ، لا الإتيان في الإدبار مطلقا ، والتقية التي حملت عليها هذه الأخبار بالنسبة إلى ما روي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بمعنى التقية في النقل.

٨٥

وأما ما أطال به في المسالك في هذا المقام من المعارضات والمناقشات ، حتى أن الذي يظهر منه هو التوقف ، لعدم تصريحه باختيار شي‌ء من القولين ، ولا سيما مناقشته مناقشات في جملة من روايات الجواز ، وعدم الصحة في شي‌ء منها بهذا الاصطلاح المحدث ، فهو عندي تطويل بغير طائل ، والقول بالجواز أشهر وأظهر من أن ينكر ، وما عارضه لا دليل له ينهض بالمعارضة ، مع اقتضاء القاعدة الشرعية حمله على التقية ، والله العالم.

الفائدة الحادية عشر : المشهور بين الأصحاب (عطر الله مراقدهم) كراهة العزل عن الحرة إلا مع الاذن ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس ، ونقل عن ابن حمزة أنه عده في المحرمات ، وهو الظاهر من كلام شيخنا المفيد حيث قال : وليس لأحد أن يعزل الماء عن زوجة له حرة إلا أن ترضى منه بذلك ، ونقل هذا القول في المسالك عن الشيخين وجماعة ، وظاهرهم الاتفاق على جواز العزل عن الأمة ، والمتمتع بها ، والحرة الدائمة مع الاذن ، والمراد بالعزل أنه يجامع المرأة فإذا نزل الماء أخرج ذكره وأفرغه خارج الفرج.

ويدل على القول المشهور ـ وهو المؤيد بالأخبار والمنصور ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العزل قال : ذاك إلى الرجل».

وعن محمد بن مسلم (٢) في الموثق عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : «لا بأس بالعزل عن المرأة الحرة إن أحب صاحبها ، وإن كرهت ليس لها من الأمر شي‌ء».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم (٣) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العزل فقال : ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء».

ورواه في الكافي عن عبد الرحمن الحذاء (٤) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : كان علي

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الكافي ج ٥ ص ٥٠٤ ح ١ و ٢ و ٣ و ٤، والرواية الثالثة في التهذيب ج ٧ ص ٤١٧ ح ٤.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ١٠٥ ح ٢ و ٤ و ١ و ٣.

٨٦

ابن الحسين عليهما‌السلام لم ير بالعزل بأسا ، فقرأ هذه الآية (١) (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) ، فكل شي‌ء أخذ الله منه الميثاق فهو خارج وإن كان على صخرة صماء».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم (٢) «أنه قال لأبي جعفر عليه‌السلام الرجل يكون تحته الحرة يعزل عنها؟ قال : ذلك إليه إن شاء عزل ، وإن شاء لم يعزل».

وعن محمد بن مسلم (٣) في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام «أنه سئل عن العزل فقال : أما الأمة فلا بأس ، وأما الحرة فإني أكره ذلك ، إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها».

وعن محمد بن مسلم (٤) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام مثل ذلك ، وقال في حديثه «إلا أن ترضى أو يشترط ذلك عليها حين يتزوجها».

وعن يعقوب الجعفي (٥) قال : «سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : لا بأس بالعزل في ستة وجوه المرأة التي أيقنت أنها لا تلد ، والمسنة ، والمرأة السليطة ، والبذية ، والمرأة التي لا ترضع ولدها ، والأمة».

ورواه في عيون الأخبار ، وكذا في الخصال.

وما رواه الثقة الجليل سعد بن عبد الله في كتاب بصائر الدرجات عن أبي بصير (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : ما تقول في العزل؟ قال : كان علي عليه‌السلام لا يعزل وأما أنا فأعزل ، فقلت : هذا خلاف ، فقال : ما ضر داود إن خالفه سليمان ، والله يقول (: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ)».

__________________

(١) سورة الأعراف ـ آية ٧٢.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) التهذيب ج ٧ ص ٤٦١ ح ٥٦ وص ٤١٧ ح ٤٣ و ٤٤ وص ٤٩١ ح ١٨٠ ، الخصال ص ٣٢٨ باب الستة.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ١٠٦ ح ٥ و ١ و ٢ وص ١٠٧ ح ٤ ..

(٦) الوسائل ج ١٤ ص ١٠٦ ح ٦.

٨٧

هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، وأنت خبير بأنها على تعددها وكثرتها لا دلالة فيها ، ولو بالإشارة على التحريم المدعى.

نعم تدل على الكراهة كما ينادي به قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم «وأما الحرة فإني أكره ذلك إلا أن يشترط» ، وإنما حملنا الكراهة هنا على المعنى المصطلح ، وإن كانت في الأخبار أعم من هذا المعنى ومن التحريم ، للجمع بينها وبين بقية أخبار المسألة الصريحة في الجواز ، وخصوص موثقة محمد بن مسلم المتقدمة «أن له ذلك وإن كرهت» ، ولم أقف للقول الآخر على دليل يعتمد عليه.

ونقل عنهم الاستدلال بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، «أنه نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : «في العزل أنه الداء الخفي». والمراد بالداء قتل الولد ، ولأن حكمة النكاح والاستيلاد لا يحصل غالبا مع العزل فيكون منافيا لغرض الشارع.

وأنت خبير بما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال ، ولو لم يعارضه معارض في هذا المجال.

أما الروايتان فالظاهر أنهما عاميتان لعدم وجودهما في كتب أخبارنا ، بما اعترف بذلك في المسالك.

وأما التعليل الآخر فهو مع قطع النظر عن معارضته بالأخبار المذكورة لا يصلح لتأسيس حكم شرعي كما عرفته في غير مقام مما تقدم ، على أن الغرض غير منحصر في الاستيلاد كما ادعاه ، وبذلك ظهر أن القول المشهور هو المعتمد المنصور.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنه لو عزل بدون الشرط والاذن فقيل : بأنه لا يجب

__________________

(١) كنوز الحقائق المطبوع بهامش الجامع الصغير ج ٢ ص ١٣٧.

٨٨

عليه للمرأة شي‌ء ، لأصالة البراءة خصوصا على القول بكراهة العزل ، ولأنه فعل سائغ فلا يتعقبه الضمان ، ولما دلت عليه الأخبار المتقدمة من أن ذلك «إلى الرجل يصرفه حيث شاء».

وقيل : بوجوب دية النطفة عشرة دنانير للمرأة ، وإن قلنا بالكراهة ، ذهب إليه جماعة منهم الشيخ والعلامة والشهيد والمحقق في الشرائع.

وقيل : بوجوب ذلك على تقدير التحريم دون الكراهة ، وهو اختيار المحقق في النافع ، وهو الأنسب بالقياس ، وإلا فالقول بالوجوب مع القول بجواز العزل ، مما لا يجتمعان ، لأنه متى جوز له الشارع العزل وأباحه له ، وإن كرهت المرأة كما عرفت ، فكيف يرتب عليه الدية ، على أن الرواية التي استندوا إليها هنا في وجوب الدية ، ليست من المسألة المذكورة في شي‌ء ، لأن موردها من أفرغ في حال الجماع فعزل لذلك ، فعلى المفرغ دية النطفة عشرة دنانير روي (١) ذلك صحيحا عن علي عليه‌السلام.

والفرغ الموجب للعزل كما تضمنته الرواية غير موجود هنا وبذلك يظهر أيضا أن حمل الدية على الاستحباب لا وجه له أيضا ، لأن الخبر المذكور كما عرفته خارج عن موضع البحث ، والله العالم.

الفائدة الثانية عشر : قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) ، بأنه لا يجوز ترك وطئ الزوجة أكثر من أربعة أشهر ، وكذا لا يجوز الدخول بها قبل إكمال تسع سنين هلالية ، ولو دخل بها والحال كذلك لم تحرم عليه مؤبدا إلا أن يفضيها ، وقيل : تحرم وإن لم يفضها.

وتحقيق الكلام في المقام يقع في موضعين :

الأول : في تحريم الوطي المدة المذكورة ، قال في المسالك : هذا الحكم موضع وفاق ، واستدلوا على ذلك مضافا إلى الاتفاق المذكور بما رواه في الفقيه

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٣٤٣ ح ١ ، الوسائل ج ١٩ ص ٢٣٧ ح ١.

٨٩

والتهذيب في الحسن برواية الفقيه عن صفوان بن يحيى (١) عن الرضا «عليه‌السلام أنه سأله عن رجل تكون عنده المرأة الشابة ، فيمسك عنها الأشهر والسنة ، لا يقربها ، ليس يريد الإضرار بها ، يكون لهم مصيبة ، أيكون في ذلك آثما؟ قال : إذا تركها أربعة أشهر كان آثما بعد ذلك».

ورواه الشيخ بطريق آخر عن صفوان أيضا مثله وزاد «إلا أن يكون بإذنها». وطعن فيه في المسالك بضعف السند ، وهي مبني على روايته الخبر من التهذيب ، وإلا فهو في الفقيه حسن كما ذكره العلامة في الخلاصة.

وأنت خبير بأن مورد الخبر إنما هو الشابة ، والمدعى أعم من ذلك (٢) فلا يقوم حجة على المدعى ، فلم يبق إلا التمسك بالإجماع المذكور ، وفيه ما لا يخفى ومن ثم ان المحدث الكاشاني والمحدث الحر العاملي قصرا الحكم على الشابة ، وقوفا على منطوق الخبر وهو الأظهر.

قالوا : والمعتبر من الوطي الواجب ما يحصل به مسماه ويجب به الغسل وأن يكون في القبل وإن لم ينزل ، ومن المحتمل قريبا تخصيصه بالجماع مع الإنزال ، فإنه هو الفرد الأغلب المتكرر ، والإطلاق إنما يحمل عليه ، كما هو القاعدة المسلمة بينهم ، وسياق الخبر أيضا مشعر به.

وفي شمول ذلك للدائمة والمتعة وجهان ، إختار أولهما شيخنا الشهيد الثاني

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٥٦ ب ١٢٣ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤١٢ ح ١٩ وص ٤١٩ ح ٥٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ١٠٠ ح ١.

(٢) وأما ما ذكره في المفاتيح حيث قال : وذكر الشابة في السؤال وان لم يصلح للتخصيص ، الا أن عدم النص على العموم يقتضيه ، الا أن يكون للعموم إجماع ، ففيه أن الضمير في قوله عليه‌السلام «إذا تركها» لا مرجع له. الا الشابة المسؤول عنها ، وكذا جملة الضمائر المذكورة انما ترجع إلى الشابة المذكورة ، والجواب لم يقع مطلقا كما توهمه ، حتى أنه يعتذر عن عدم تقييد السؤال بما ذكره ، بل الجواب وقع عن خصوص الشابة كما لا يخفى. (منه ـ رحمة الله ـ).

٩٠

في الروضة ، والثاني في المسالك ، وعلله بالوقوف على موضع اليقين ، واقتصارا على من ثبتت لها حقوق الزوجية.

الثاني : في الدخول بها قبل إكمال التسع ، ولا خلاف في تحريم الوطي قبل إكمال المدة المذكورة ، ولا خلاف أيضا في تحريمها مؤبدا مع الإفضاء إنما الخلاف في تحريمها مؤبدا ، قبل إكمال المدة المذكورة وإن لم يفضها ، فالمشهور العدم ، ونقل عن الشيخ القول بالتحريم.

والذي وقفت عليه من أخبار المسألة ما رواه الكليني عن أبي بصير (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين».

وعن الحلبي (٢) في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين».

وما رواه المشايخ الثلاثة عن زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين».

قال بعض المحدثين : لعل المراد بالترديد ، لاختلافهن في كبر الجثة وصغرها ، وقوة البنية وضعفها. انتهى وهو جيد.

وروي في الكافي والفقيه عن حماد عن الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من وطء امرأته قبل تسع سنين فأصابها عيب فهو ضامن».

وما رواه في التهذيب عن طلحة بن زيد (٥) «عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : من تزوج بكرا فدخل بها في أقل من تسع سنين فعيبت ضمن».

وعن غياث بن إبراهيم (٦) «عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : لا توطي‌ء

__________________

(١ و ٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ٣٩٨ ح ١ و ٢ و ٣ ،وأخرج الثالث في التهذيب ج ٧ ص ٤٥١ ح ١٤ وفي الفقيه ج ٣ ص ٢٦١ ح ٢٥.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٢٦١ ح ٢٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٤١٠ ح ١٠. الوسائل ج ١٤ ص ٧١ ح ٥.

(٥ و ٦) التهذيب ج ٧ ص ٤١٠ ح ١١ و ١٢. الوسائل ج ١٤ ص ٧١ ح ٦.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٧٠ ح ٤ و ١ و ٢ وص ٧١ ح ٥ و ٦ و ٧.

٩١

جارية لأقل من عشر سنين ، فإن فعل فعيبت فقد ضمن».

وعن حمران (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك فلما دخل بها افتضها فأفضاها؟ فقال : إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين ، أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضها فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج ، فعلى الامام أن يغرمه ديتها ، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شي‌ء عليه».

وما رواه في الكافي عن حميد عن زكريا المؤمن (٢) أو بينه وبينه رجل ولا أعلم إلا حدثني عن عمار السجستاني قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لمولى له انطلق فقل للقاضي : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حد المرأة أن يدخل بها على زوجها ابنة تسع سنين».

وما رواه في الكافي عن العدة عن سهل عن يعقوب بن يزيد (٣) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن يبلغ سبع سنين فرق بينهما ، ولم تحل له ابدا».

وقد اتفقت هذه الأخبار على تحريم الدخول بها قبل التسع ، ودلت جملة منها على ضمانه لو عيبت بالدخول ، وهو مما لا خلاف فيه عندهم ، إلا أن ظاهره حمل العيب على الإفضاء وهو كذلك ، فإنه لا عيب هنا سواه غالبا.

والظاهر أن ما ذهب إليه الشيخ من القول بالتحريم المؤبد بالدخول ، وإن لم يحصل الإفضاء ، قد استند فيه إلى مرسلة يعقوب بن يزيد المذكورة ، وهي ظاهرة فيه كما لا يخفى.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٢ ح ٧٩.

(٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ٣٩٨ ح ٤ وص ٤٢٩ ح ١٢، التهذيب ج ٧ ص ٤٥١ ح ١٥. الوسائل ج ١٤.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٧١ ح ٩ وص ٧٠ ح ٣ وص ٣٨١ ح ٢ ..

٩٢

قال في المسالك بعد ذكر المسألة (١) : فقد ذهب الشيخ إلى التحريم استنادا إلى روايات تدل بإطلاقها عليه ، وهي مع ضعف سندها محمولة على الإفضاء ، وقوفا على موضع الوفاق وتمسكا بصحة العقد. انتهى.

أقول : ظاهر كلامه أن هنا روايات أخر ندل على ما دلت عليه هذه الرواية من التحريم المؤبد بمجرد الدخول ، ولا أعرف له وجها ، فإن ما ذكرناه من الأخبار هو جميع ما ورد في المسألة ، وليس فيها مما يدل على التحريم المؤبد غير هذه الرواية ، مع ما عرفت من عمومها للإفضاء وعدمه ، لأنه رتب التحريم المؤبد على مجرد الدخول ، وما عداها من أخبار المسألة ، فغاية ما يدل عليه هو النهي عن الدخول ، وأنه مع فعله وحصول العيب فإنه يضمن ذلك ، وليس فيها تعرض للتحريم المؤبد بالكلية ، أفضي أو لم يفض.

ورواية حمران المتضمنة للإفضاء إنما تضمنت ذلك أيضا ، ولا تعرض فيها للتحريم المؤبد ، فما ادعوه من الاتفاق على التحريم المؤبد مع الافتضاض ليس له مستند في الأخبار ، إلا إطلاق مرسلة يعقوب بن يزيد المذكورة.

وبذلك يظهر لك ما في قوله أنها مع ضعف سندها محمولة على الإفضاء فإنه إنما يتم لو كان في الأخبار ما يدل على التحريم المؤبد مع الإفضاء ، وقد عرفت أنها خالية من ذلك ، وإن أراد بتلك الروايات التي زعمها مستندا للشيخ ، هي ما قدمناه من الروايات المتضمنة للضمان مع العيب ففيه ما عرفت من أنه ليس في شي‌ء من تلك الأخبار ما يدل على التحريم المؤبد الذي ادعاه الشيخ ، وبالجملة ، فإن كلامهم هنا لا يخلو من المجازفة والإجمال ، لعدم إعطاء التأمل حقه في روايات المسألة حسبما يقتضيه الحال ويزول به الاشكال.

ومنه يظهر أن ما ذهب اليه الشيخ من القول المذكور ، هو المؤيد المنصور وأن القول المشهور بمحل من القصور.

__________________

(١) وهي الخلاف في تحريمها بمجرد الوطي من غير إفضاء (منه ـ رحمه‌الله ـ).

٩٣

وهل المراد بالإفضاء أن يصير بجماعة مسلك البول والحيض واحدا بإذهاب الحاجز بينهما ، أو مسلك الغائط والحيض واحدا ، إختار في المسالك الأول. ورد الثاني بأنه بعيد ، قال : لبعد ما بين المسلكين ، وقوة الحاجز بينهما ، فلا يتفق زواله بالجماع ، ولو فرض كان إفضاء.

وكلام أهل اللغة كالقاموس والمصباح هنا مجمل ، وفي كتاب مجمع البحرين هو جعل مسلكي البول والغائط واحدا ، والظاهر أنه الأقرب. والله العالم.

الفائدة الثالثة عشر : قد جرت عادة الفقهاء بذكر خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن غيره في كتاب النكاح لأنها بالنسبة إليه أكثر ، وقد ذكر المحقق في الشرائع منها خمسة عشرة ، ستة في النكاح ، وتسعة في غيره ، وذكر العلامة في التذكرة ما يزيد على سبعين وأفرد بعضهم لها كتابا ضخما لكثرتها وزيادتها على ما ذكر.

ونحن نذكر خصائص القسم الأول مفصلا حيث إنه من مسائل الكتاب ، وخصائص الثاني مجملا ، فيرجع إلى كل فرد منها في محله.

فنقول : الأول من القسم الأول ، اختصاصه (ص) بجواز الزيادة على الأربع

في النكاح الدائم ، فأما عدم جواز الزيادة على الأربع في غيره ، فهو مما لا خلاف فيه ، وستأتي الاخبار به في موضعها.

وأما ما يدل على الرخصة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الزيادة فإنه قد قبض عن تسع نسوة عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة المخزومية ، وأم جيبة بنت أبي سفيان ، وميمونة بنت الحرث الهلالية ، وجويرية بنت الحارث الخزاعية ، وسودة بنت زمعة ، وصفية بنت حي بن أخطب الخيبرية ، وزينب بنت جحش ، وجميع من تزوج بهن خمسة عشرة ، وجمع بين احدى عشر ، ودخل بثلاث عشرة ، وفارق امرأتين في حياته ، إحداهما الكندية التي رأى بكشحها بياضا ، فقال : الحقي بأهلك والأخرى تعوذت منه بخديعة الأولين حسدا لها.

٩٤

والذي وصل إلى من الأخبار المناسبة للمقام ما رواه الصدوق في الخصال (١) عن الصادق عليه‌السلام «تزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمس عشرة امرأة ، ودخل بثلاث عشرة منهن وقبض من تسع فأما اللتان لم يدخل بهما فعمرة والشنباء وأما الثلاث عشرة اللواتي دخل بهن فأولهن خديجة بنت خويلد ، ثم سودة بنت زمعة ، ثم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية ، ثم أم عبد الله ، ثم عائشة بنت أبي بكر ، ثم حفصة بنت عمر ، ثم زينب بنت خزيمة بن حارث أم المساكين ، ثم زينب بنت جحش ، ثم أم حبيبة زملة بنت أبي سفيان ، ثم ميمونة بنت الحارث ، ثم زينب بنت عميس ، ثم جويرية بنت الحارث ثم صفية بنت حي بن أخطب ، والتي وهبت نفسها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خولة بنت حكيم الأسلمي ، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه : مارية القبطية ، وريحانة الخندقية.

والتسع اللواتي قبض عنهن : عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، وزينب بنت جحش ، وميمونة بنت الحارث ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وصفية ، وجويرية وسودة ، وأفضلهن خديجة بنت خويلد ، ثم أم سلمة ، ثم ميمونة».

وما رواه في الكافي عن الحلبي (٢) في الصحيح عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن قول الله عزوجل (٣) «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ» قلت : كم أحل له من النساء؟ قال : ما شاء من شي‌ء ، قلت : قوله (٤) «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ» فقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينكح ما شاء من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته وأزواجه اللاتي هاجرن معه ، وأحل له أن ينكح من عرض المؤمنين بغير مهر ، وهي الهبة ، ولا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأما

__________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٤١٩ ح ١٣ الطبعة الجديدة ..

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٨٧ ب ٥٥ ح ١.

وهذه في الوسائل ج ١٤ ص ١٨١ ح ١١ وص ١٩٩ ح ٦.

(٣ و ٤) سورة الأحزاب ـ آية ٥٠ و ٥٢.

٩٥

لغير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يصلح نكاح إلا بمهر ، وذلك معنى قوله تعالى (١) «وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ» قلت : أرأيت قوله (٢) «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ» قال : من آوى فقد نكح ومن أرجى فلم ينكح ، قلت : قوله : «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ» قال : إنما عنى به النساء اللاتي حرم عليه في هذه الآية (٣) «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ ـ إلى آخر الآية» ولو كان الأمر كما يقولون كان قد أحل لكم ما لم يحل له ، إن أحدكم يستبدل كلما أراد ولكن ليس الأمر كما يقولون ، إن الله عزوجل أحل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أراد من النساء إلا ما حرم عليه في هذه الآية التي في النساء».

وبهذا المضمون روايات مختلفة ، زيادة ونقصانا ، فروى في الكافي عن أبي بكر الحضرمي (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله بأدنى تفاوت إلا أنه ليس فيه حديث الإرجاء ، ورواه بطريق آخر عن أبي بصير (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله إلا أنه ليس فيه حديث الإرجاء ولا الهبة ، وزاد أحاديث آل محمد عليهم‌السلام خلاف أحاديث الناس.

وروى في الكافي والتهذيب عن أبي بصير (٦) عنه عليه‌السلام مثله من دون الزيادة المذكورة ، إلا أنه قال فيه : «أراكم وأنتم تزعمون لكم ما لا يحل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله». ولا يخفى على من تأمل سياق الآيات هنا ما في هذه الأخبار من الاشكال ، بل الداء العضال ، وأشكل وأعضل من ذلك ما ذكره الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره حيث قال «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ» من بعد ما حرم عليه في سورة النساء قوله «وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ» معطوف على قصة امرأة زيد «وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ» أي لا يحل لك امرأة رجل أن تتعرض لها حتى يطلقها وتزوجها أنت ، فلا تفعل هذا الفعل بعد هذا. انتهى.

__________________

(١ و ٢) سورة الأحزاب ـ آية ٥٠ و ٥١.

(٣) سورة النساء ـ آية ٢٣.

(٤ و ٥ و ٦) الكافي ج ٥ ص ٣٨٩ ح ٤ وص ٣٩١ ح ٨ وص ٣٨٨ ح ٢.

٩٦

ولا مسرح للفكر هنا ولا كلام غير غض الطرف ، ورد هذه الأخبار إلى قائلها عليه‌السلام ، ولهذا قال المحدث الكاشاني في كتاب الصافي ـ بعد ذكر نحو ما قلناه ـ : أقول : وهذه الأخبار كما ترى ، وكذا ما ذكره القمي رزقنا الله فهمها ، وقيل : هذه الآية منسوخة بقوله «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ ، وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ» فإنه وإن تقدمها قراءة ، فهو مسبوق بها نزولا.

وما رواه في الكافي عن جميل ومحمد بن حمران (١) «قالا : سألنا أبا عبد الله عليه‌السلام كم أحل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من النساء؟ قال : ما شاء ، يقول بيده هكذا وهي له حلال ـ يعني يقبض يده ـ».

وروى في الكافي بسنده عن أبي بصير (٢) وغيره في تسمية نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونسبهن وصفتهن :» عائشة ، وحفصة ، وأم حبيب بنت أبي سفيان بن حرب ، وزينب بنت جحش ، وسودة بنت زمعة ، وميمونة بنت الحارث ، وصفية بنت حي بن أخطب ، وأم سلمة بنت أبي أمية ، وجويرية بنت الحارث.

وكانت عائشة من تيم ، وحفصة من عدي ، وأم سلمة من بني مخزوم ، وسودة من بني أسد بن عبد العزى ، وزينب بنت جحش من بني أسد وعدادها في بني أمية وأم حبيب بنت أبي سفيان من بني أمية ، وميمونة بنت الحارث من بني هلال ، وصفية بنت حي بن أخطب من بني إسرائيل ، ومات صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تسع نساء ، وكان له سواهن التي وهبت نفسها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخديجة بنت خويلد أم ولده وزينب بنت أبي الجون التي خدعت والكندية».

وربما علل جواز تجاوز الأربع بالنسبة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بامتناع الجور عليه لعصمته ، ورد بأن ذلك منتقض بالإمام عليه‌السلام لعصمته عندنا ، وهل له الزيادة على التسع؟ قيل : لا ، لأن الأصل استواء النبي والأمة في الحكم ، إلا أنه ثبت جواز الزيادة

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٨٩ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٩٠ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ١٨١ ح ١٠.

٩٧

إلى التسع بفعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيل : بالجواز مطلقا ، وهو اختياره في المسالك ، قال : والأولى الجواز مطلقا لما ثبت من العلة ، وما ثبت من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين إحدى عشرة.

أقول : ويدل على القول بالجواز مطلقا ما تقدم في صحيح الحلبي من قوله «قلت : كم أحل له من النساء؟ قال : ما شاء من شي‌ء». ومثلها رواية جميل ومحمد بن حمران المتقدمة.

الثاني من القسم الأول أيضا : العقد بلفظ الهبة لقوله تعالى «وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ» صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يلزم بها مهر ابتداء ولا بالدخول كما هو قضية الهبة. قالوا : وكما يجوز وقوع الإيجاب منها بلفظ الهبة ـ كما هو مقتضى الآية ـ يجوز وقوع القبول منه كذلك ، لأن موردهما يعتبر أن يكون واحدا ، ونقل عن بعض العامة اشتراط لفظ النكاح من جهته صلى‌الله‌عليه‌وآله لظاهر قوله تعالى «يَسْتَنْكِحَها» ورد بأنه لا دلالة فيه ، لأن نكاحه بلفظ الهبة متحقق.

أقول : الأصل في هذا الحكم ما رواه في الكافي عن محمد بن قيس (١) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخلت عليه وهو في منزل حفصة ، والمرأة متلبسة متمشطة ، فدخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله إن المرأة لا تخطب الزوج وأنا امرأة أيم لا زوج لي منذ دهر ولا لي ولد ، فهل لك من حاجة؟ فإن تك فقد وهبت نفسي لك إن قبلتني فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خيرا ودعا لها ، ثم قال يا أخت الأنصار جزاكم الله عن رسوله خيرا ، فقد نصرني رجالكم ، ورغب في نساؤكم فقالت لها حفصة : ما أقل حياءك وأجرأك وأنهمك على الرجال ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفي عنها يا حفصة ، فإنها خير منك ، رغبت في رسول الله ، فلمتها وعيبتها ، ثم قال للمرأة :

انصرفي رحمك الله فقد أوجب الله لك الجنة لرغبتك في وتعرضك لمحبتي وسروري

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٦٨ ح ٥٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٠ ح ٨.

٩٨

وسيأتيك أمري ان شاء الله ، فأنزل الله تعالى (١) «وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» قال : فأحل الله عزوجل هبة المرأة نفسها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يحل ذلك لغيره».

وأنت خبير بأن الظاهر أنه بعد نزول الآية على أثر هذه الواقعة ، نكح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المرأة ، ولا إيجاب هنا ولا قبول ، غير ما تقدم نقله عن المرأة من هبتها نفسها له ورضاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك.

الثالث من القسم المذكور : وجوب تخييره النساء بين إرادته ومفارقته ، لقوله عزوجل (٢) «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً ـ إلى قوله ـ أَجْراً عَظِيماً».

قال في المسالك : وهذا التخيير عند العامة القائلين بوقوع الطلاق بالكناية كناية عن الطلاق ، وبعضهم على أنه صريح فيه ، وعندنا ليس له حكم بنفسه ، بل ظاهر الآية أن من اختارت الحياة الدنيا وزينتها يطلقها لقوله تعالى «إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً» انتهى.

أقول : قال الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (٣) : وأما قوله عزوجل «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ـ إلى قوله ـ أَجْراً عَظِيماً» فإنه كان سبب نزولها أنه لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غزوة خيبر وأصاب كنز آل أبي الحقيق ، قلن أزواجه : أعطنا ما أصبت ، فقال لهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قسمته بين المسلمين على ما أمر الله ، فغضبن من ذلك وقلن : لعلك ترى أنك إن طلقتنا أن لا نجد الأكفاء من قومنا يتزوجونا ، فأنف الله لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمره أن يعتزلهن فاعتزلهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مشربة أم إبراهيم تسعة وعشرين يوما ، حتى حضن وطهرن ، ثم أنزل الله هذه الآية وهي آية التخيير ، فقال

__________________

(١ و ٢) سورة الأحزاب ـ آية ٤٩ و ٢٨.

(٣) تفسير القمي ج ٢ ص ١٩٢ ط النجف الأشرف.

٩٩

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ـ إلى قوله ـ أَجْراً عَظِيماً» فقامت أم سلمة وهي أول من قامت وقالت : قد اخترت الله ورسوله فقمن كلهن فعانقنه وقلن مثل ذلك إلى آخره».

وروى في الكافي عن عيص بن القاسم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها ، بانت منه؟ قال : لا إنما هذا شي‌ء كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة ، أمر بذلك ففعل ، ولو اخترن أنفسهن لطلقهن ، وهو قول الله عزوجل «قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً».

وعن محمد بن مسلم (٢) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الخيار ، فقال : وما هو وما ذاك ، إنما ذلك شي‌ء كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وعن محمد بن مسلم (٣) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني سمعت أباك يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خير نساءه فاخترن الله ورسوله ، فلم يمسكهن على طلاق (٤) ولو اخترن أنفسهن لبن فقال : إن هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة وما للناس والخيار إنما هذا شي‌ء خص الله به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

أقول : المفهوم من هذه الأخبار وغيرها مما سيأتي إن شاء الله ذكره في محله أن هذا التخيير ووجوب ما يترتب عليه من وجوب الطلاق لو اخترن أنفسهن وحصول البينونة بهذا الطلاق من دون جواز رجعته لو وقع مما خص به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليس لغيره من الناس.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٣٧ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣٦ ح ٤.

(٢ و ٣) الكافي ج ٦ ص ١٣٦ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣٦ ح ١ و ٣.

(٤) قوله : فلم يمسكهن على طلاق يعنى أنه لم يطلقهن ثم عقد عليهن عقدا آخر ، وانما أمسكهن بالعقد الأول. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

١٠٠