الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

ما يتلذذون بشي‌ء من الجنة أشهى عندهم من النكاح لا طعام ولا شراب».

أقول : في هذا الخبر رد على بعض القاصرين الزاعمين أن تلذذ أهل الجنة بالنساء إنما هو بالتقبيل والمعانقة وأنه لا نكاح فيها.

ومما يرد قوله زيادة على الخبر المذكور وصفه عزوجل الحور العين بالبكارة في مقام المدح لهن ، ووعد المؤمنين بهن ، ولو لا أن المقصود جماعهم لما كان لهذا المدح معنى بالكلية.

ومن الثاني : ما رواه في الكافي عن هشام بن سالم (١) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكى إليه الحاجة ، فقال : تزوج ، فتزوج فوسع عليه».

وعن الوليد بن صبيح (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله عزوجل ، إن الله عزوجل يقول (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ» ، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وجميع هذه الأخبار ظاهرة في استحباب التزويج والحث عليه لمن تاقت نفسه أو لم تتق ، بل ظاهر الأخبار الأولى ، أن من لم تتق نفسه للنساء ولم يحبهن فهو ناقص الايمان.

والتزويج حينئذ مستحب له ليحصل به تمام الايمان والفوز بعلو الشأن.

الفائدة الخامسة : فيما يحمد من صفات النساء الموجبة لحسنهن وجمالهن ، والأوصاف الموجبة لخيريتهن وشريتهن ، وأن لا يقتصر في التزويج على المال والجمال بل يكون همته الدين والولد ونحوهما مما سيأتي ذكره في الأخبار إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٣٠ ح ٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٤٣ ح ١١٥٣.

وهما في الوسائل ج ١٤ ص ٢٥ ح ١ وص ٢٤ ح ٢.

٢١

فمن الأول : ما روي في الكافي عن مالك بن أشيم عن بعض رجاله (١) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ورواه في الفقيه مرسلا ـ قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تزوج سمراء عيناء عجزاء مربوعة ، وإن كرهتها فعلي مهرها» ، والسمراء المتوسطة بين البياض والسود ، والعيناء العظيم سواد عينها مع سعة عينها ، والعجزاء العظيمة العجز ، والمربوعة التي ليست طويلة ولا قصيرة.

وعن ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه‌السلام (٢) قال : «سمعته يقول : عليكم بذوات الأوراك فإنهن أنجب». والأوراك : جمع ورك بالفتح والكسر ككتف وهو ما فوق الفخذ.

وعن محمد بن عبد الله (٣) قال : «قال لي الرضا عليه‌السلام : إذا نكحت فانكح عجزاء».

وروي في الفقيه مرسلا (٤) قال : «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد تزويج امرأة بعث من ينظر إليها ، ويقول للمبعوثة : شمي ليتها فإن طاب ليتها طاب عرفها ، وانظري إلى كعبها ، فإن درم كعبها عظم كعثبها». قال : في الفقيه : الليت : صفحة العنق ، والعرف : الريح الطيبة ، قال الله تعالى (٥) «يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ» ، أي طيبها لهم. قوله : درم كعبها أي كثر لحم كعبها ، ويقال امرأة درماء إذا كانت كثيرة لحم القدم ، والكعب والكعثب : الفرج.

وعن بكر بن صالح عن بعض أصحابه (٦) «عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : من سعادة الرجل أن يكشف الثوب عن امرأة بيضاء».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ٣٣٥ ح ٢ وص ٣٣٤ ح ١ وص ٣٣٥ ح ٣ والروية الأولي في الفقيه ج ٣ ص ٢٤٥ ح ١١٦٢.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٣٣٥ ح ٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٤٥ ح ١١٦٣.

(٥) سورة محمد «ص» ـ آية ٦.

(٦) الكافي ج ٥ ص ٣٣٥ ح ٧.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٣٥ ح ١ و ٢ و ٣ وص ٣٦ الباب ١٩ والباب ٢٠ ح ١.

٢٢

وعن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «المرأة الجميلة تقطع البلغم والمرأة السوداء تهيج المرة السوداء» (١).

ومن الثاني : ما رواه في الكافي عن أبي حمزة (٢) قال : «سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنا عند النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فقال : خير نساءكم الولود الودود ، العفيفة ، العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرجة مع زوجها ، الحصان على غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره ، وإذا خلابها بذلت له ما يريد منها ، ولم تبذل (٣) كتبذل الرجل ، ثم قال (٤) ألا أخبركم بشرار نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود التي لا تورع عن قبيح ، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها ، الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، وإذا خلابها بعلها تمنعت عنه كما تمنع الصعبة عن ركوبها ، لا تقبل له عذرا ، ولا تغفر له ذنبا».

وعن أبي بصير (٥) «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) ، قال. إن خير نساءكم التي إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء ، وإذا خلت مع غيره لبست معه درع الحياء» ، وبهذا المضمون أخبار عديدة.

وروى المشايخ الثلاثة رضوان الله عليهم بأسانيدهم عن الكرخي (٦) قال : «

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٣٣٦ باب نادر ح ١ وص ٣٢٤ ح ١، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧ ح ١ وص ١٤ ح ٢.

(٣) قال بعض مشايخنا في حواشيه على كتب الاخبار الظاهر بالتبذل ضد التضاون كما ذكره الجوهري ، والمعنى عدم التشبث بالرجل وترك الحياء رأسا وطلب الوطي كما هو شأن الرجل ، ويحتمل أن يكون من التبذل بمعنى ترك الزينة أي لا تترك الزينة ، كما أنه لا يستحب للرجل المبالغة فيها أو كما يفعله الرجال وان لم يكن مستحبا لهم (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٤ و ٥) الكافي ج ٥ ص ٣٢٥ ح ١ وص ٣٢٤ ح ٢.

(٦) الكافي ج ٥ ص ٣٢٣ ح ٣ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٤٤ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٠١ ح ١٠.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ١٨ ح ١ وص ١٤ ح ٣ وص ١٣ الباب ٦ ح ١.

٢٣

قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) إن صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج فقال : انظر أين تضع نفسك ، ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرك فإن كنت لا بد فاعلا فبكرا ، تنسب إلى الخير والصلاح ، وإلى حسن الخلق ، واعلم أنهن كما قال :

ألا إن النساء خلقن شتى

فمنهن الغنيمة والغرام

ومنهن الهلال إذا تجلى

لصاحبه ومنهن الظلام

فمن يظفر بصالحهن يسعد

ومن يغبن فليس له انتقام

وهن ثلاث فامرأة ولود ودود ، تعين زوجها على دهره لدنياه وآخرته ، ولا تعين الدهر عليه ، وامرأة عقيم لا ذات جمال ولا خلق ، ولا تعين زوجها على خير وامرأة صخابة ولاجة همازة تستقل الكثير ، ولا تقبل اليسير». الصخابة : بالصاد المهملة ثم الخاء المعجمة كثيرة الصياح والكلام ، والولاجة : ضبطها بعض المحدثين بالحاء المهملة ، وفسرها بالحمالة زوجها ما لا يطيق ، وضبطها بعض بالجيم قال : أي كثيرة الدخول في الأمور التي لا ينبغي لها الدخول فيها ، والهمازة : الغبا.

وروى في الكافي والفقيه (١) قال : «قام النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خطيبا فقال : أيها الناس إياكم وخضراء الدمن ، قيل : يا رسول الله وما خضراء الدمن (٢) قال : المرأة الحسناء في منبت السوء». قيل : الدمن : جمع الدمنة ، وهي ما تلبده الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها في مرابضها ، فربما نبت فيها النبات الحسناء القصير.

إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٣٢ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٠٣ ح ١٧ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٤٨ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ١٩ ح ٧.

(٢) قال في المصباح ص ٢٧٢ : الدمن : وزان جمل ما يتلبد من السرجين ، والدمنة موضعه. والجمع الدمن ، انتهى. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

٢٤

ومنها يستفاد أنه يستحب أن تكون المرأة كريمة حسب ما تضمنته هذه الأخبار والظاهر أن المراد بالحسناء في منبت السوء المنهي عنها في الخبر الأخير هي المرأة الحسناء الغير النجيبة بأن تكون متولدة من زنا ، أو يكون الزنا في آبائها أو أمهاتها ، فقد روي أن ولد الزنا لا ينجب إلى سبعة آباء ، ولهذا جعل الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) من المستحبات في الزوجة أن تكون كريمة الأصل وفسروا كرم الأصل بذلك.

قال في المسالك ـ بعد ذكر المصنف أن من المستحبات أن تكون المرأة كريمة الأصل ـ ما صورته : المراد بكرم الأصل أن لا يكون أصلها من الزنا ولا في آبائها وأمهاتها من هي كذلك ، انتهى. وربما فسر كرم الأصل بالإسلام والايمان ، بمعنى أن لا يكون أصلها من الآباء والأمهات على الكفر.

وفيه أن تزويج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بالمرأتين وكذا ابنة أبي سفيان يدفع ذلك.

ثم لا يخفى أنه على التفسير الأول فإنه يشكل أيضا بتزويجه بابنة الثاني ، فإنه لا خلاف نصا وفتوى في كونه ابن زنا وكذا حصول الزنا في آبائه أيضا ، اللهم إلا أن يخص (١) كلامه (عليه‌السلام) بالمرأة المتولدة من الزنا لا باعتبار آبائها ، فإنه بذلك يزول الاشكال كما لا يخفى.

ومن الثالث. ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : من تزوج امرأة يريد مالها ألجأه الله إلى ذلك المال».

وما رواه في الكافي والفقيه عن هشام بن الحكم (٣) في الصحيح «عن أبي عبد الله

__________________

(١) أقول : ويؤيده ما ذكره الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في معاني الأخبار حيث قال بعد ذكر الخبر : قال أبو عبيد : نراه أراد فساد النسب إذا خيف أن يكون لغير رشد ، انتهى. وظاهره الاختصاص بها بأن تكون مولدة من زنا (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٣٣ ح ٢. الوسائل ج ١٤ ص ٣٠ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٣٣ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٠٣ ح ١٨ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٤٨ ح ١١٨٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٠ ح ١.

٢٥

(عليه‌السلام) قال : إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو لمالها ، وكل إلى ذلك ، وإذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال».

قال في الوافي في ذيل الخبر المذكور ، «وكل الى ذلك» : أي لم يوفقه لنيل حسنها ، والتمتع من مالها أو لم يحسنها في نظره ، ولم يمكنه من الانتفاع بمالها ، وفي الفقيه «لم يرزق ذلك» عوض «وكل إلى ذلك» واللفظان متقاربان.

أقول : لعل المراد والله سبحانه وقائله أعلم هو أنه إذا كان قصده من التزويج إنما هو المال فإن الله سبحانه يكله إليه كما في الخبر الثاني أو يلجأه إليه كما في الخبر الأول يعني يقطع عنه الرزق ويلجأه إلى ذلك المال ، فربما أكله حراما بغير إذن الزوجة ، ولا رضاها كما ورد في التعريض بالمال الحرام ، فإن أخذه العبد قاصه الله به من رزقه ، وحوسب به وعذب عليه ، وهذا هو الظاهر من لفظ الإلجاء لا ما ذكر.

وأما بالنسبة إلى الجمال فلعل المراد به كما في الخبر الثاني أنه لا يوفق لكون الزوجة ذات دين وتقى ونحو ذلك من الصفات المطلوبة شرعا ، بل يكله الله إلى ما طلبه وأراد من الجمال ويسلبه التوفيق في حصول الصفات الحميدة المطلوبة شرعا.

نعم ما ذكرناه بعيد في رواية الفقيه وقوله فيها «لم يرزق ذلك» والأصح هو ما في الكافي بقرينة الحديث الأول.

ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ أنه إذا أراد الرجل التزويج ، وكان همته في تحصيل زوجة ذات جمال أو مال ، فإنه يكله الله إلى إرادته ، بمعنى أنه لا يوفق لذلك.

وإن كان همته الدين وفق للجمال والمال ، وحينئذ فالمراد بقوله في الخبر الثاني «إذا تزوج» أي إذا أراد التزويج ، وقوله في الخبر الأول «من تزوج» يعني من

٢٦

أراد ذلك ، والتجوز في مثله بما ذكرناه غير عزيز ، كقوله سبحانه (١) «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ» و (٢) «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ» ، ونحو ذلك ، وهو معنى صحيح خال من التكلف كما لا يخفى.

وما رواه في التهذيب عن بريد العجلي (٣) في الموثق «عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب ، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له ، وكله الله إليه فعليكم بذات الدين».

والأقرب في هذا الخبر حمل صدره على المعنى الثاني الذي ذكرناه وعجزه على الأول.

وعن بريد (٤) «عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : حدثني جابر بن عبد الله أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قال : من تزوج امرأة لمالها وكله الله إليه ، ومن تزوجها لجمالها رأى فيها ما يكره ، ومن تزوجها لدينها جمع الله له ذلك».

الفائدة السادسة ـ في جملة من مستحبات النكاح.

منها صلاة ركعتين والدعاء بعدها بالمأثور وهذه الصلاة عند إرادة التزويج وقصده قبل تعيين المرأة وخطبتها فروى ثقة الإسلام عطر الله مرقده ، عن أبي بصير (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا تزوج أحدكم كيف يصنع؟ قلت : لا أدري ، قال : إذا هم بذلك فليصل ركعتين ويحمد الله ثم يقول : اللهم إني أريد أن أتزوج فقدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ، وفي مالي وأوسعهن رزقا ، وأعظمهن بركة ، وقدر لي ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي».

__________________

(١) سورة المائدة ـ آية ٥.

(٢) سورة النحل ـ آية ٩٧.

(٣ و ٤ و ٥) التهذيب ج ٧ ص ٣٩٩ ح ١ و ٥ وص ٤٠٧ ح ١، الوسائل ج ١٤ ص ٣١ ح ٤ و ٥ وص ٧٩ ح ١.

٢٧

ويستحب أيضا الدعاء بما رواهفي الكافي عن عبد الرحمن بن أعين (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : إذا أراد الرجل أن يتزوج المرأة فليقل : أقررت بالميثاق الذي أخذ الله ، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان».

ومنها الوليمة : فروي في الكافي عن الوشاء (٢) «عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) قال : سمعته يقول : إن النجاشي لما خطب لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أم حبيبة بنت أبي سفيان فزوجه ، دعا بطعام وقال : إن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج.

وعن هشام بن سالم (٣) في الصحيح أو الحسن «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) حين تزوج ميمونة بنت الحارث أو لم عليها وأطعم الحيس».

أقول : الحيس كما ذكره أهل اللغة ـ بالمهملتين بينهما ياء مثناة من تحت ـ تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا حتى يخرج نواه وربما جعل فيه السويق.

وعن السكوني (٤) «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الوليمة أول يوم حق ، وبيومين مكرمة ، وثلاثة أيام رياء وسمعة».

وعن ابن فضال (٥) رفعه عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : الوليمة يوم ويومان مكرمة وثلاثة أيام رياء وسمعة».

وروي في التهذيب عن موسى بن بكر (٦) «عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قال : لا وليمة إلا في خمس في عرس ، أو خرس ، أو عذار ، أو وكار أو ركاز».

والعرس التزويج ، والخرس النفاس بالولد ، والعذار الختان والوكار الرجل يشترى الدار ، والركاز الرجل يقدم من مكة.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ٥٠١ ح ٥ وص ٣٦٧ ح ١ وص ٣٦٨ ح ٢.

(٤ و ٥) الكافي ج ٥ ص ٣٦٨ ح ٤ و ٣ ، والثاني في التهذيب ج ٧ ص ٤٠٨ ح ٣ مع اختلاف يسير.

(٦) التهذيب ج ٧ ص ٤٠٩ ح ٦. الوسائل ج ١٤ ص ٦٥ ح ٥.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٨١ ح ٤ وص ٦٤ ح ١ وص ٦٥ ح ٣ و ٤ و ٢ و ٥.

٢٨

قال في المسالك : الوليمة هي الطعام المتخذ للعرس سميت بذلك لاجتماع الزوجين ، فإن أصل الوليمة اجتماع الشي‌ء وتمامه ، ومنهم من أطلقها على كل طعام يتخذ في حادث سرور من أملاك وختان وغيرهما ، وسميت بها على ذلك ، لاجتماع الناس عليها ولكن استعمالها في المعنى الأول أشهر ، وعليه فإطلاقها على غيره يحتاج إلى قيد كباقي استعمال المجازات ، فيقال : وليمة الختان ، ووليمة البناء وغيرهما ، وحيث تطلق فهي محمولة على وليمة العرس ، انتهى.

أقول : المفهوم من كلام أهل اللغة أن الوليمة لا تخصيص ولا ترجيح لها بما يتخذ في العرس بل استعمالها في العرس كاستعمالها في غيره.

قال في كتاب المصباح المنير : الوليمة اسم لكل طعام لجمع ، وقال ابن فارس : هي طعام العرس ، وظاهره كما ترى أن المشهور في معنى الوليمة هذا المعنى الأول.

وقال في القاموس : والوليمة طعام العرس أو كل طعام يصنع لدعوة وغيرهما ، وظاهره الترديد بين المعنيين المذكورين من غير ترجيح.

ويؤيد ما قلناه أيضا رواية ابن بكر المتقدمة ، فإن الظاهر من حصر الوليمة في الخمس المذكورة إنما هو باعتبار الاستحباب بمعنى أنه لا يستحب الوليمة إلا في هذه المواضع الخمسة فصدق الوليمة على كل طعام يتخذ لجمع ثابت ، ولكن الاستحباب شرعا مخصوص بهذه المواضع ، وهو ظاهر فيما ذكره أهل اللغة من إطلاق الوليمة على كل طعام يتخذ لجمع ، كما ذكره في المصباح.

وبذلك يظهر لك ما في قوله «وحيث تطلق فهي محمولة على وليمة العرس» ، بل مقتضى ما ذكرنا أنه لا بد في انصراف هذا اللفظ إلى معنى من هذه المعاني من القرينة.

وقال في المسالك أيضا : ويقال للطعام المتخذ عند الولادة الخرس والخرسة وعند الختان العذرة والاعذار ، وعند إحداث البناء الوكيرة ، وعند قدوم الغائب

٢٩

النقيعة ، وللذبح يوم سابع المولود العقيقة ، وعند حذاق الصبي الحذاق ، وهو بفتح أوله وكسره تعليم الصبي القرآن أو العلم.

أقول : والذي تضمنه حديث موسى ابن بكر المتقدم أن الخرس النفاس بالولد ، والعذار الختان ، والوكار الرجل يشتري الدار (١) ولعل الجمع بين ما ذكر في الرواية وما ذكره هنا هو أن الأصل ما ذكره في الرواية من إطلاق هذه الأسماء على هذه المسميات فيها ، وإن أطلق على الطعام المتخذ في كل منها تسمية له باسم سببه.

ثم إن الأصحاب قد ذكروا هنا أمورا وهو أنه لا تقدير للوليمة بل المعتبر مسماها ، وكلما كثرت كان أفضل.

أقول : لا يخفى أن ما ذكروه هو مقتضى إطلاق الأخبار المتقدمة ، فإنها أعم من القليل والكثير ، وقد تقدم في حديث هشام أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أولم على ميمونة بالحيس.

وروي في كتاب مجمع البيان (٢) عن أنس «أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أولم على زينب بنت جحش بتمر وسويق وذبح شاة قال : وبعث إليه «أي أم سليم» بحيس في قعب ثور من حجارة فأمرني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أن أدعو الصحابة إلى الطعام فدعوتهم فجعل القوم

__________________

(١) قال في المصباح : والخرس وزان قفل طعام يصنع للولادة. وقال أيضا : وعذرت الغلام والجارية عذرا من باب ضرب ختنه وأعذرته بالألف لغة. وفي القاموس : والغلام ختنه كعذره ويعذره ، وللقوم عمل طعام الختان والضيف ، وهو ظاهر فيما ذكرنا من الإطلاق على كل من الأمرين ، والوكيرة بالراء المهملة. قال في المصباح : طعام البناء. وقال في القاموس : والوكيرة طعام يعمل لفراغ البنيان ، والذي في الخبر انما هو اشتراء الدار ، يعنى أن الطعام المسمى بهذا الاسم انما يعمل في شراء الدار وبنيانها ، وكلام أهل اللغة كما ترى بخلافه ، وقال في المصباح : والنقيعة طعام يتخذ للقادم من السفر ، وقد أطلقت النقيعة أيضا على ما يصنع عند الاملاك ، وأما ما في الخبر من أن الطعام للقادم من مكة يسمى الركاز فلم أقف عليه في كلام أهل اللغة ولا غيرهم والله العالم. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٢) مجمع البيان ج ٤ ص ٣٦١ ط صيدا.

٣٠

يجيئون ويأكلون ويخرجون ، قلت : يا نبي الله قد دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه ، فقال ارفعوا طعامكم» الحديث.

وهذه الرواية وإن كان الظاهر أنها عامية إلا أنها ظاهرة في الكثير.

ومن ذلك ما رواه في الكافي (١) «عن بعض أصحابهم (عليهم‌السلام) قال : أو لم أبو الحسن موسى (عليه‌السلام) وليمة عن بعض ولده ، فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيام الفالوذجات في الجفان في المساجد والأزقة ، فعابه بعض أهل المدينة فبلغه ذلك ، فقال : ما أتى الله نبيا من الأنبياء شيئا إلا وقد أتي محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) مثله ، وزاده ما لم يؤتهم قال لسليمان : هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ، وقال لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا».

قالوا : وقتها يعني في العرس عند الزفاف ، وأقله مسماها ، وأكثره يوم أو يومان وتكره الزيادة.

أقول : أما ما ذكروه من أن وقتها عند الزفاف فإن فيه أن ظاهر خبر وليمة النجاشي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) المتقدم أن الوليمة إنما كانت عند العقد ، حيث إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) جعل النجاشي وكيلا عنه في تزويجه بها ، والدخول بها إنما وقع في المدينة.

وظاهر خبر وليمة زينب بنت جحش إنما هو بعد الدخول بها كما يدل عليه تتمة حديث أنس المتقدم ، حيث قال : بعد ذكر ما قدمناه «فرفعوا وخرج القوم ، وبقي ثلاثة نفر يتحدثون في البيت ، فأطالوا المكث فقام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وقمت معه لكي يخرجوا ، فمشى حتى بلغ حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم جلوس في مكانهم فنزلت الآية «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ، الآية».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٨١ ح ١ ، الوسائل ج ١٦ ص ٥٤٩ ح ٢.

٣١

وفي تفسير علي بن إبراهيم (١) بعد ذكر الآية قال : فإنه لما تزوج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بزينب بنت جحش وكان يحبها فأولم ودعا أصحابه فكان أصحابه إذا أكلوا يحبون أن يتحدثوا عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، وكان يحب أن يخلو مع زينب فأنزل الله عزوجل (٢) «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ» الآية ، وموضع الاستدلال في الآية قوله سبحانه (٣) «فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ» الآية فأمرهم عزوجل بالخروج بعد الأكل وعدم الجلوس ، ليخلو (صلوات الله عليه) بزوجته ، وهو ظاهر في أنه بعد الدخول بها لا وقت الزفاف ، وأيضا فإن ظاهر الخبر الدال على كونها يوما أو يومين ظاهر في خلاف ما ذكروه فإنه محتمل في كون ذلك قبل الدخول وبعده.

وأما الحكم الثاني فقد عرفت الكلام فيه ، ودلالة الأخبار على كراهة ما زاد على اليومين.

بقي الإشكال من وجه آخر وهو أن ظاهر الخبرين المتقدمين أن الوليمة مطلقا مكروهة فيما زاد على اليومين ، وليس فيهما تقييد بالنكاح ولا غيره ، وظاهر خبر وليمة الكاظم (عليه‌السلام) «وأنه ثلاثة أيام» عدم الكراهة وهو أيضا مطلق.

ويمكن الجمع بحمل الأوليين على العرس ، والأخير على غيره ، وأما حمله على الجواز وإن كان مكروهاً لأنهم (عليهم‌السلام) كثيرا ما يفعلون المكروهات لبيان الجواز فلا يخلو من بعد.

ومنها ـ قالوا : ويستحب دعاء المؤمنين لأنهم أفضل وأولى بالمودة وأقرب إلى إجابة الدعاء ، ويستحب لهم الإجابة ، ولبعض العامة قول بالوجوب لخبر ينقلونه ، وإن لم يمكن التخصيص بالمؤمنين فلا بأس بإدخال غيرهم معهم لحصول

__________________

(١) تفسير على بن إبراهيم ج ٢ ص ١٩٥ ط النجف الأشرف.

(٢ و ٣) سورة الأحزاب ـ آية ٥٣.

٣٢

الغرض بهم ، وأن يعم صاحب الدعوة بها الفقراء والأغنياء ، ولا سيما عشيرته وجيرانه وأهل حرفته فلو خص بها الأغنياء لم يرجح الإجابة».

ويستحب أن يخص المدعو بالدعوة أو مع جماعة معينين ، فأما لو دعا عاما ونادى ليحضر من يريد ونحو ذلك لم تجب الإجابة ولم يستحب لأن الامتناع والحال هذه لا يوجب الوحشة والتأذي الذين هما السبب في استحباب الإجابة.

ومنها الاشهاد والإعلان ، والمشهور بين الأصحاب استحباب الاشهاد في نكاح الدوام وأنه سنة مؤكدة ، وليس بشرط في صحة العقد ، وهو مذهب جمع من علماء العامة أيضا وذهب ابن أبي عقيل منا وجمع من العامة ، والظاهر أنه المشهور عندهم إلى أنه شرط في صحة التزويج فلا ينعقد بدونه.

ويدل على الأول أصالة العدم وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة (١) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود فقال :

لا بأس بتزويج البتة فيما بينه وبين الله إنما جعل الشهود في تزويج البتة من أجل الولد ولو لا ذلك لم يكن به بأس».

والمراد بالبتة يعني الدائم ، ويقال هذا اللفظ لكل أمر لا رجعة فيه ، وإنما خص (عليه‌السلام) ذلك بالدائم مع اشتراكه مع المنقطع في العلة المذكورة ، لأن محل الخلاف بين الشيعة والعامة ، إنما هو في الدائم ، والمنقطع باطل عند العامة ، وعند الشيعة ليس بمحل للوهم.

وما رواه في الكافي عن حفص بن البختري (٢) ، في الصحيح «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في الرجل يتزوج بغير بينة؟ قال : لا بأس».

وعن هشام بن سالم (٣) في الصحيح أو الحسن «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال :

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٨٧ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٩ ح ١. الوسائل ج ١٤ ص ٦٧ ح ٣.

(٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ٣٨٧ ح ٣ و ٢.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٦٧ ح ٤ و ١.

٣٣

إنما جعلت البينات للنسب والمواريث». قال في الكافي وفي رواية أخرى «والحدود».

وعن محمد بن الفضيل (١) قال : «قال أبو الحسن موسى (عليه‌السلام) لأبي يوسف القاضي إن الله تعالى أمر في كتابه بالطلاق وذكر فيه الشاهدين ولم يرض بهما إلا عدلين ، وأمر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا شهود ، فأثبتم شاهدين فيما أهمل ، وأبطلتم الشاهدين فيما أكد».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن مسلم (٢) في الموثق «عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : إنما جعلت البينة في النكاح من أجل المواريث».

وما رواه في الفقيه عن حنان بن سدير عن مسلم بن بشير (٣) «عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة ولم يشهد فقال : أما فيما بينه وبين الله عزوجل فليس عليه شي‌ء ، ولكن إن أخذه سلطان جائر عاقبه».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن داود بن الحصين (٤) «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل منهن إذا كانت المرأة منكرة فقال : لا بأس به (٥) ، ثم قال لي : ما يقول في ذلك فقهاء كم؟ قلت : يقولون :

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٨٧ ح ٤.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٤٨ ح ١.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٥١ ح ٥.

(٤) التهذيب ج ٦ ص ٢٨١ ح ١٧٩.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٦٧ ح ٥ وص ٦٨ ح ٦ و ٧ وج ١٨ ص ٢٦٥ ح ٣٥.

(٥) أقول : لا يخفى ما في الجزء المذكور في صدر الخبر من الإشكال ، فإن السؤال المذكور في صدر الخبر انما هو عن ثبوت الحكم بشهادة النساء في النكاح في صورة ما لو أنكرت المرأة النكاح ، فأجاب (عليه‌السلام) بأنه يثبت النكاح بشهادتهن ، ثم سأل عليه‌السلام عن مذهب فقهاء العامة في ذلك فأخبره السائل بأنهم لا يجيزون شهادتهن في ذلك بل يشترطون العدلين ، والذي تضمنه إنكاره عليه‌السلام على العامة انما هو في عدم انعقاد النكاح ، حيث حكموا بأنه لا ينعقد إلا بشهادة عدلين لا في الإثبات ، وأحدهما غير الأخر فليتأمل (منه ـ رحمه‌الله ـ).

٣٤

لا تجوز إلا شهادة رجلين عدلين فقال : كذبوا لعنهم الله ، هونوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه ، وشددوا وعظموا ما هون الله ، إن الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين ، فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد ، والنكاح لم يجي‌ء عن الله في تحريمه ، فسن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في ذلك الشاهدين تأديبا ونظرا لئلا ينكر الولد والميراث وقد ثبت عقدة النكاح ، ويستحل الفرج ولا أن يشهد» الحديث.

ويدل على القول الثاني ما رواه الشيخ عن مهلب الدلال (١) «أنه كتب إلى أبي الحسن (عليه‌السلام) إن امرأة كانت معي في الدار ، ثم إنها زوجتني نفسها ، وأشهدت الله وملائكته على ذلك ، ثم إن أباها زوجها من رجل آخر ، فما تقول فكتب : التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين ، ولا يكون تزويج متعة ببكر استر على نفسك واكتم رحمك الله».

ورد هذه الرواية جمع من الأصحاب منهم السيد السند (رحمه‌الله) في شرح النافع بضعف السند باشتماله على عدة من المجاهيل.

والأظهر عندي حملها على التقية لما دلت عليه الأخبار المتقدمة الدالة على أن القول بتوقف صحة العقد على الاشهاد مذهب العامة.

والعجب هنا من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث استدل للقول المشهور بقول الباقر (عليه‌السلام) والصادق (عليه‌السلام): «لا بأس بالتزويج بغير شهود فيما بينه وبين الله ، وإنما جعل الشهود في تزويج البتة من أجل الولد ومن أجل المواريث.

ثم استدل للقول الآخر من رواياتنا برواية المهلب الدلال ، وردها بضعف السند ، ثم قال : وبالجملة فليس في الباب حديث صحيح من الجانبين ، والاعتماد على الأصل حيث لا معارض.

فإن فيه أن الروايات الدالة على القول المشهور كما عرفت متكاثرة ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٥ ح ٢٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٩ ح ١١.

٣٥

ومنها التي أوردها ، وهي الرواية الاولى وحسنها على تقدير عدها في الحسن إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا راد لروايته ، وإن نظموها في سلك الحسن مع أن الصحيح هو نظمها في الصحيح كما هو عليه جماعة من متأخري المتأخرين ، ومثلها حسنة هشام بن سالم.

وأما رواية حفص بن البختري فهي صحيحة باصطلاحهم ، لأن سندها في الكافي هكذا علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري ، فقد اشتملت على سندين أحدهما حسن لا يقصر عن الصحيح ، والآخر صحيح مع تأيد ذلك بباقي الأخبار المذكورة وبه يظهر لك ضعف ما ذكره من اعتماده على الأصل ، ودعوى ضعف الأخبار من الطرفين فإنه ناش عن عدم الرجوع إلى الأخبار المذكورة وعدم خطورها بباله ومرورها بخياله.

وأما ما ذكروه من الإعلان زيادة على الاشهاد وهو إظهار العقد بمجمع من الناس ، فعلل بأنه أنقى للتهمة وأبعد من الخصومة.

واستدل عليه في المسالك ، ومثله سبطه في شرح النافع بما روي (١) «عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنه كان يكره نكاح السر حتى يضرب بدف» ويقال : أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم نحييكم». والظاهر أن الخبر المذكور عامي لعدم وجوده في أخبارنا فيما أعلم.

ومنها الخطبة بالضم (٢) أمام العقد وأكملها ـ كما اشتملت عليه خطبهم

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٣٩ ب ٣٢ ح ٣ وص ٥٤٣ ب ٣٤ ح ٢.

(٢) الخطبة ـ بضم الخاء ـ بمعنى الموعظة ، وهي المشتملة على الحمد والشهادتين والموعظة ، والخطبة ـ بكسر الخاء ـ وهو طلب المرأة للتزويج يقال : خطب المرأة إذا طلب أن يتزوجها فهو خاطب وخطاب مبالغة ، والاسم الخطبة بالكسر ، ويقال في المعنى الأول خطبت القوم خطبة بالضم من باب قتل وهي فعلة بمعنى مفعولة مثل نسخة بمعنى منسوخة وغرفة من الماء بمعنى مغروفة وجمعها خطب فهو خطيب والجمع الخطباء كذا في المصباح. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

٣٦

(عليهم‌السلام) المروية عنهم بعد ضم بعضها إلى بعض ـ ما اشتمل على حمد الله سبحانه والثناء عليه والشهادتين والصلاة على النبي وآله صلوات الله عليهم والوعظ من الوصية بتقوى الله عزوجل ، ثم العقد ، وبذلك صرح العلامة في التذكرة على ما نقل عنه ، وفي بعض الأخبار ما يدل على الاكتفاء بالحمد ، ووجه الاستحباب التأسي بالنبي والأئمة (عليهم‌السلام).

ومن الأخبار الواردة في المقام ما رواه في الكافي عن جابر (١) «عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : زوج أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ، امرأة من بني عبد المطلب كان يلي أمرها فقال : الحمد لله العزيز الجبار الحليم الغفار الواحد القهار الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ، وأحمده وأستعينه وأومن به وأتوا كل عليه ، وكفى بالله وكيلا ، من يهدي الله فهو المهتد ولا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، ولن تجد من دونه وليا مرشدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شي‌ء قدير ، وأشهد أن محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عبده ورسوله ، بعثه بكتابه حجة على عباده ، من أطاعه أطاع الله ، ومن عصاه عصى الله ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) كثيرا ، إمام الهدى والنبي المصطفى ، ثم إني أوصيكم بتقوى الله ، فإنها وصية الله في الماضين والغابرين ، ثم تزوج».

وعن معاوية بن حكيم (٢) قال : خطب الرضا (عليه‌السلام) بهذه الخطبة «فقال : الحمد لله الذي حمد في الكتاب نفسه ، وافتتح بالحمد كتابه وجعل الحمد أول جزاء محل نعمته ، وآخر دعوى أهل جنته ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة أخلصها له ، وأدخرها عنده وصلى الله على محمد خاتم النبوة ، وخير البرية ، وعلى آله آل الرحمة ، وشجرة النعمة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٧٠ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٧٣ ح ٧ ، المستدرك ج ٢ ص ٥٤٣.

٣٧

الملائكة ، والحمد لله الذي كان في علمه السابق ، وكتابه الناطق ، وبيانه السابق ، إن أحق الأسباب بالصلة والأثرة وأولى الأمور بالرغبة ، فيه سبب أوجب سببا ، وأمر أعقب غنى ، فقال جل وعز (١) (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) ، وقال (٢) (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).

ولو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية محكمة ولا سنة متبعة ، ولا أثر مستفيض لكان فيما جعل الله من بر القريب ، وتقريب البعيد ، وتأليف القلوب ، وتشبيك الحقوق ، وتكثير العدد ، وتوفير الولد ، لنوائب الدهر ، وحوادث الأمور ، ما يرغب في دونه العاقل اللبيب ، ويسارع إليه الموفق المصيب ، ويحرص عليه الأديب الأريب ، فأولى الناس بالله من اتبع أمره وأنفذ حكمه وأمضى قضاءه ، ورجا جزاءه ، وفلان بن فلان من قد عرفتم حاله وجلاله دعاه رضا نفسه وأتاكم إيثارا لكم واختيارا لخطبة فلانة بنت فلان كريمتكم ، وبذل لها من الصداق كذا وكذا فتلقوه بالإجابة ، وأجيبوه بالرغبة واستخيروا الله في أموركم يعزم لكم على رشدكم إن شاء الله ، نسأل الله أن يلحم ما بينكم بالبر والتقوى ، ويؤلفه بالمحبة والهوى ، ويختمه بالموافقة والرضا إنه سميع الدعاء لطيف لما يشاء».

وعن عبد الله بن ميمون القداح (٣) «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) إن علي بن الحسين (عليهما‌السلام) كان يتزوج وهو يتعرق عرقا يأكل فما يزيد على أن يقول : الحمد لله وصلى الله على محمد وآله ، ويستغفر الله عزوجل ، وقد زوجناك على شرط الله ثم قال : علي بن الحسين (عليهما‌السلام) إذا حمد الله فقد خطب».

__________________

(١) سورة الفرقان ـ آية ٥٤.

(٢) سورة النور ـ آية ٣٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٦٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٠٨ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٦ ح ٢.

٣٨

وعن عبيد بن زرارة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التزويج بغير خطبة فقال : أو ليس عامة ما يتزوج فتياننا ونحن نتعرق الطعام على الخوان نقول : يا فلان زوج فلانا فلانة ، فيقول : نعم وقد فعلت».

أقول : التعرق أكل اللحم الذي على العظم ، قال في كتاب المصباح المنير : عرقت العظم عرقا من باب قتل ، أكلت ما عليه من اللحم وما اشتمل عليه هذا الخبر من القول سؤالا وجوابا من جملة عقود النكاح ، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى.

قالوا : ويستحب خطبة اخرى أمام الخطبة «بالكسر» من المرأة أو وليها ، ويستحب للولي أيضا خطبة اخرى أمام الجواب.

أقول : قد روي ذلك (٢) في تزويج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بخديجة (رضوان الله عليها)

ومنها أن لا يكون القمر في برج العقرب ، ولا يكون في محاق الشهر وليلة الأربعاء لما رواه الشيخ عن محمد بن حمران (٣) عن أبيه «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى».

ورواه الصدوق عن محمد بن حمران (٤) عن أبيه مثله ، ثم قال : «وقد روي أنه يكره التزويج في محاق الشهر».

وروي في كتاب عيون الأخبار عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى (٥) «عن علي بن محمد العسكري عن آبائه (عليهم‌السلام) في حديث قال : من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى ، ومن تزوج في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ح ٣٦٨ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٠٨ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٧٤ ح ٩ ، المستدرك ج ٢ ص ٥٤٠ ح ٣.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٠٧ ح ٢.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٢٥٠ ح ١١٨٨.

(٥) العيون ج ١ ص ٢٨٨ طبع طهران ح ٣٥.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٦٦ ح ١ وص ٨٠ ب ٥٤ ح ١ و ٢ و ٣.

٣٩

والمراد بالتزويج المنهي عنه عند أكثر الأصحاب العقد بناء على أنه حقيقة في العقد ، وقد تقدم الكلام في ذلك ، والأحوط الاجتناب في كلا الأمرين من العقد والدخول ، لما تقدم من الاشكال فيما ذكروه.

وينبغي أن يعلم أن المحاق اسم لليالي الثلاثة من آخر الشهر إن كان الشهر تاما لأنه عبارة عن الليالي التي يمحق فيها ضوء القمر لطلوعه مع الشمس فتمحقه.

قال أهل اللغة : لليالي الشهر عشرة أسماء : غرر ، ثم نقل : ثم تسع ، ثم عشر ، ثم بيض ثم درع ، ثم ظلم ، ثم حنادس ، ثم دادى ، ثم محاق.

قال في المسالك : والمراد بالعقرب برجه ، لا المنازل الأربع المنسوبة إليه وهي الزبانا (١) والإكليل ، والقلب ، والشولة ، وذلك لأن القمر يحل في بروج الاثنى عشر في كل شهر مرة.

وجملة المنازل التي هذه الأربع ، بعضها ثمانية وعشرون مقسومة على البروج الاثنى عشر ، فيختص كل برج منها منزلتان وثلث وللعقرب من هذه الأربع ما لغيره ، والذي بينه أهل هذا اللسان للعقرب من المنازل ثلثا الإكليل والقلب وثلثا الشولة وذلك منزلتان وثلث ، فأما الزبانا وثلث الإكليل فهو من برج الميزان كما أن ثلث الشولة الأخير من برج القوس ، وإطلاق العقرب محمول على برجه ، لا على هذه المنازل الأربع ، فلا كراهة في منزلة الزبانا مطلقا.

وأما المنزلتان المشطرتان فإن أمكن ضبطها ، وإلا فينبغي اجتناب العقد والقمر بهما حذرا من الوقوع فيما كره منهما ، انتهى.

وروي في الكافي في الموثق عن عبيد بن زرارة وأبي العباس (٢) قالا : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ليس للرجل أن يدخل بامرأته ليلة الأربعاء». وينبغي أن يعلم أن

__________________

(١) الزبانا يضم الزاء المعجمة ثم الباء الموحدة ثم النون على وزن كسالى ، يقال لبرج العقرب. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٦٦ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٤ ب ٣٩.

٤٠