الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

التجارة في المسألة الرابعة من الفصل التاسع في بيع الحيوان من الكتاب المذكور (١).

بقي هنا شيئان : (أحدهما) أنه على تقدير القول بملكه وبطلان العقد الأول هل يستبيحها العبد بغير إذن من مولاه ، أو يتوقف على الاذن ، الظاهر كما تقدم تحقيقه في كتاب البيع هو أن العبد وإن كان يملك لكن تصرفه موقوف على إذن المولى.

هذا هو الظاهر من الجمع بين أخبار المسألة ، وحينئذ فيتوقف وطؤها على الاذن.

(وثانيهما) أن ما قدمنا ذكره من البطلان لو شراها العبد لنفسه بإذن السيد ، وقلنا بأن العبد لا يملك كما هو أحد القولين في المسألة ، وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني في الروضة والمسالك ، وقيل بأنه يقع للمولى ، وهو اختيار شيخنا الشهد الأول في شرح الإرشاد ، قال : وأما بقاء العقد على القول بأنه لا يملك بالتمليك كما تقدم ذكر الخلاف فيه فلأن الشراء حينئذ للمولى فالملك له وزوال الملك عن الزوج إلى غير الزوج لا يقتضي فسخ نكاحها لعدم المنافاة. انتهى.

وعلله في المسالك قال : إن الشراء حينئذ يقع للمولى لأن إذنه فيه للعبد تضمن أمرين : مطلق الشراء ، وكونه مقيدا بالعبد ، وإذا بطل المقيد بقي المطلق المدلول عليه بالمقيد

ضمنا ، ثم تنظر فيه بأنه لا يلزم من الاذن في الشراء للعبد ، الاذن فيه للمولى ، وبقاء المطلق مع انتقاء المقيد في مثل هذه المواضع ظاهر المنع ، ومن الجائز أن يرضى المولى بتملك الأمة المعينة للعبد ، ولا يرضى بتملكها لنفسه ، فعدم صحة العقد أصلا أقوى. انتهى ، وهو جيد.

والعجب منه (قدس‌سره) أنه فرع بقاء العقد ـ أعني عقد الزوج على المملوكة مع القول بعدم الملك كما عرفت ـ على كون الشراء للمولى ، مع أنه

__________________

(١) ج ١٩ ص ٣٨٥.

٢٠١

لا خصوصية له بذلك بل هو باق أيضا وإن قلنا بالبطلان وبقائها على ملك مولاها الأول ، والله العالم بحقائق أحكامه.

المقصد الثاني : في الأولياء للعقد وما يتعلق بهم في المقام ، وفيه مسائل.

الاولى : المشهور بين الأصحاب انه لا ولاية في عقد النكاح لغير الأب والجد للأب وإن علا ، والمولى والوصي والحاكم الشرعي.

وقد وقع الخلاف هنا في مواضع (أحدها) في الزيادة على هؤلاء بعد ولاية الأم وآبائها ، ذهب إليه ابن الجنيد قال : فأما الصبية غير البالغة فإن عقد إليها أبوها فبلغت لم يكن لها اختيار ، وليس ذلك لغير الأب وآبائه في حياته ، والام وأبوها يقومان مقام الأب في ذلك ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر نعيم بن نجاح أن يستأمر أم ابنته في أمرها ، وقال «وامروهن في بناتهن». انتهى ، وهو ضعيف وحديثه عامي ، وأخبارنا ظاهرة في خلافه كما سيأتيك إن شاء الله في المسائل الآتية.

و (ثانيها) قول ابن عقيل في نقصان الجد من هؤلاء المذكورين ، فإنه قال :

الولي الذي أولى بنكاحهن هو الأب دون غيره من الأولياء ، ولم يذكر للجد ولاية وظاهر هذه العبارة المنقولة عنه حصر الولاية في الأب ، فيصير خلافه شاملا لمن عد الجد أيضا من الأولياء المذكورين.

و (ثالثها) الوصي ، وسيأتي تحقيق الكلام فيه في بعض المسائل الآتية إن شاء الله تعالى.

بقي الكلام هنا في مواضع الأول : أنه هل يشترط في ولاية الجد حياة الأب أم لا؟

المشهور الثاني ، وأنه لا فرق بين حياة الأب وموته بل يثبت له الولاية مطلقا ، وهو ظاهر الشيخ المفيد والمرتضى وسلار حيث أطلقوا الحكم بولاية الجد ، وبه قطع ابن إدريس ومن تأخر عنه.

وذهب الشيخ في النهاية إلى أن حياة الأب شرط في ولاية الجد على البكر

٢٠٢

البالغة والصغيرة ، وموته مسقط لولايته عليهما ، ونقله في المختلف أيضا عن ابن الجنيد وأبى الصلاح وابن البراج والصدوق في الفقيه ، وأما ابن أبي عقيل فقد عرفت أنه ينكر ولاية الجد مطلقا.

ويدل على القول المشهور أنه لا ريب أن للجد ولاية المال ، فيثبت له ولاية النكاح ، لما رواه عبد الله بن سنان (١) في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : «الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها».

ولا خلاف في أن الجد ولي أمر الصغير فيكون بيده عقدة النكاح ، واستدل على ذلك أيضا بأن ولاية الجد أقوى من ولاية الأب ، لتقدم مختار الجد على الأب عند التعارض ، كما دلت عليه النصوص الآتية في محلها إن شاء الله تعالى ، وإذا كانت أقوى فلا يؤثر فيها موت الأضعف ، وأورد عليه بأنه يجوز أن يكون قوة الولاية مشروطة بحياة الأب ، كما هو مفروض الروايات المشار إليها ، فلا يلزم قوتها مطلقا.

واستدل الشيخ في التهذيب على ما ذهب إليه بما رواه عن الفضل بن عبد الملك (٢) قال : «إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز ، قلنا : فإن هوي أبو الجارية هوى ، وهوى الجد هوى ، وهما سواء في العدل والرضا ، قال : أحب إلي أن ترضى بقول الجد».

واعترض على ذلك في المسالك بأن فيه ـ مع ضعف السند ـ ضعف الدلالة ، قال : فإنها بالمفهوم الوصفي ، وهو غير معتبر عند المحققين.

ورد الثاني منهما سبطه السيد السند في شرح النافع بأن هذا المفهوم مفهوم شرط ، وهو حجة عندهم ، ثم قال : لكن يمكنه أن يقال حجية المفهوم إنما يثبت إذا لم يظهر للتقييد وجه سوى نفى الحكم عن السكوت عنه.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٩٢ ح ٤٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٢ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٩٦ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٩١ ح ٤٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٨ ح ٤.

٢٠٣

وربما كان الوجه في هذا التقييد التنبيه على الفرد الأخفى ، وهو جواز عقد الجد مع وجود الأب ، وكيف كان فهذه الرواية قاصرة عن إثبات هذا الشرط. انتهى.

أقول : والمسألة لا يخلو من شوب الاشكال ، وإن كان القول المشهور لا يخلو من قوة ، لأصالة عدم الشرط المذكور ، مضافا إلى ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة ، إلا أن ظاهر رواية الفضل باعتبار كون المفهوم فيها مفهوم شرط ، وهو حجة عند المحققين ، كما أوضحناه بالأخبار الدالة على ذلك في المقدمات المذكورة في أول جلد كتاب الطهارة ما ينافي ذلك.

وما ذكره السيد السند من الفائدة في هذا التقييد الظاهر أنه لا يخلو من بعد فإن هذا الفرد الذي اشتملت عليه الرواية ليس هو الأخفى ، بل هو الظاهر ، لاستفاضة الروايات به ، ووقوع الاتفاق عليه ، وإنما الأخفى هو العكس ، ولهذا صار مطرح الخلاف في المسألة واشتبه الدليل بالنسبة إليه.

الثاني : لو ذهبت بكارة الصغيرة بوطى‌ء أو نحوه فإن ثبوت الولاية عليها للأب والجد باقية لا تزول بزوالها ، لأن مناط الولاية عليها كما دلت عليه النصوص هو الصغر ، أعم من أن تكون باقية على بكارتها أم لا ، وإنما يفترق الحكم فيهما بالنسبة إلى البالغة كما صرحت به النصوص وهو ظاهر لا إشكال فيه.

الثالث : ظاهر الأصحاب الاتفاق على أنه لا خيار للصبية بعد البلوغ إذا عقد عليها الأب أو الجد ، وإنما الخلاف في الصبي ، فإن المشهور أنه كذلك ليس له الخيار.

وقيل : بان له الخيار بعد البلوغ ذهب إليه الشيخ في النهاية ، ونقله في المختلف أيضا عن ابن إدريس وابن البراج وابن حمزة والخلاف هنا ناش من اختلاف الأخبار في المسألة ، ونحن نذكر جملة الأخبار المتعلقة بهذا المقام.

فأما ما يدل على حكم الصبية ، وأنه ليس لها الخيار في الصورة المذكورة

٢٠٤

فأخبار عديدة :

منها : صحيحة عبد الله بن الصلت (١) المروية في الكافي والتهذيب قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها ، ألها أمر إذا بلغت؟ قال :

لا» وزاد في الكافي «ليس لها مع أبيها أمر».

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (٢) قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الصبية يزوجها أبوها ثم يموت وهي صغيرة فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، أيجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال : يجوز عليها تزويج أبيها».

وما رواه في التهذيب عن علي بن يقطين (٣) في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام ، أتزوج الجارية وهي بنت ثلاث سنين؟ أو يزوج الغلام وهو ابن ثلاث سنين؟ وما أدنى حد ذلك الذي يزوجان فيه؟ فذا بلغت الجارية فلم ترض فما حالها؟ قال : لا بأس بذلك إذا رضي أبوها أو وليها».

وسيأتي أيضا ما يدل على خلاف ذلك ، ولهذا نسبه المحقق في الشرائع إلى أشهر الروايتين.

وأما ما يدل على حكم الصبي فمنه ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره ، أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ قال : فقال : أما التزويج فصحيح ، وأما طلاقه فينبغي أن يحبس عليه امرأته حتى يدرك ، فيعلم أنه كان قد طلق ، فإن أقر بذلك وأمضاه

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٣٩٤ ح ٦ و ٩، التهذيب ج ٧ ص ٣٨١ ح ١٦ و ١٧.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٨١ ح ١٨.

(٤) الفقيه ج ٤ ص ٢٢٧ ح ٣.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٧ ح ٣ و ١ وص ٢٠٨ ح ٧ وج ١٧ ص ٥٢٨ ح ٤.

٢٠٥

فهي واحدة بائنة وهو خاطب من الخطاب ، وإن أنكر ذلك وأبى أن يمضيه فهي امرأته» الحديث.

وهو ظاهر في المراد ولم أقف على من استدل به من الأصحاب بل ولا غيره من الأخبار ، واستدلوا في هذا المقام ، بأن عقد الولي عقد صدر من أهله في محله ، فكان لازما كسائر العقود المالية.

ولا يخفى ما فيه من تطرق الإيراد إليه ، وتوجه الاعتراض عليه ، فإن الخصم يمنع ذلك في هذه الصورة ، وهل هو إلا أصل المدعى ، فيكون مصادرة.

وعن محمد بن مسلم (١) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الصبي يزوج الصبية يتوارثان؟ قال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم ، قلت : فهل يجوز طلاق الأب؟ قال : لا» (٢).

وما رواه في كتاب بحار الأنوار عن كتاب الحسين بن سعيد بسنده فيه عن عبيد بن زرارة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الصبي يتزوج الصبية ، هل يتوارثان؟ فقال إن كان أبواهما اللذان زوجاهما حيين فنعم ، قلنا : فهل يجوز طلاق الأب قال : لا». والمراد بحياة أبويهما الإشارة إلى كون التزويج وقع منهما دون غيرهما والتقريب فيهما أنه رتب عليه‌السلام التوارث الذي هو ثمرة النكاح الصحيح ـ ولو كان التوارث قبل بلوغ كل منهما بأن ماتا صغيرين ـ على مجرد كون تزويجهما من

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٨٨ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٢٠ ب ١٢.

(٢) أقول : ومما يدل على عدم التوارث لو ماتا صغيرين بناء على هذا القول صحيحة الحذاء المذكورة ، لأن هذه الصحيحة من أدلة هذا القول كما ذكرناه في الأصل ، وقد دلت على أنهما لو ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر الا أن يكونا قد أدركا ورضيا ، وحينئذ فما دلت عليه الرواية من أنهما يتوارثان إذا كان أبواهما زوجاهما الشامل لما وقع الموت قبل البلوغ ظاهر في عدم التوقف على الاختيار فيه وأنه لا خيار للصبي إذا زوجه أبوه. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٣) البحار ج ١٠٣ ص ٣٣٠ ح ٧ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٢٨ ح ٣.

٢٠٦

الأبوين ، ولو توقف صحته على الاختيار بعد البلوغ كما يدعيه ذلك القائل لما حسن ذلك ولا صح ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر للناظرين.

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (١) ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الصبي يتزوج الصبية؟ قال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز ، ولكن لهما الخيار إذا أدركا ، فإن رضيا بذلك فإن المهر على الأب ، قلت : فهل يجوز طلاق الأب على ابنه في صغره؟ قال : لا».

وهذه الرواية ظاهرة كما ترى في القول المخالف للمشهور بالنسبة إلى الصبي والصبية ، إلا أنها معارضة بما ذكرناه أولا من أخبار الصبية الصحيحة الصريحة في عدم تخيرها ، وكذا الأخبار الواردة في الصبي الظاهرة في ذلك أيضا.

والشيخ في التهذيب قد أجاب عن صحيحة محمد بن مسلم (٢) المذكورة فقال : ليس في هذا الخير ما ينافي ما قدمناه ، لأن قوله عليه‌السلام «لكن لهما الخيار إذا أدركا» يجوز أن يكون أراد أن لهما ذلك بفسخ العقد ، إما بالطلاق من جهة الزوج واختياره ، أو مطالبة المرأة له بالطلاق ، أو ما يجرى مجرى ذلك مما يفسخ العقد ولم يرد بالخيار هيهنا عدم إمضاء العقد ، وأن العقد موقوف على خيارهما ، قال : والذي يكشف عما ذكرناه قوله في الخبر «إن كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز» فلو كان العقد موقوفا على رضاهما لم يكن بين الأبوين وغيرهما في ذلك فرق ، وكان ذلك أيضا جائزا لغير الأبوين ، وقد ثبت به فرق في الموضعين ، فعلمنا أن المراد ما ذكرنا. هذا كلامه (قدس‌سره).

وأورد عليه السيد السند في شرح النافع ـ بعد الطعن بالبعد ، وشدة

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٨٢ ح ١٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٨ ح ٨.

(٢) أقول : والعلامة قد أجاب عنها في المختلف بالحمل على ما إذا زوجهما الولي بغير كفو أو بذي عيب ، وهو راجع الى كلام الشيخ المشار اليه بنحو ذلك ، قال في المسالك بعد ذكر الحملين المذكورين : وهو بعيد لكنه خير من اطراح أحد الجانبين. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٠٧

المخالفة للظاهر ـ أن ما جعله كاشفا عن ذلك لا يكشف عنه ، فإن الفرق بين عقد الولي وغيره على هذا التقدير يتحقق أيضا لأن عقد غير الولي يتوقف على إجازة الصبي ، وعقد الولي لا يتوقف على الإجازة وإنما يجوز للصبي فسخه ، وأحدهما غير الآخر ، والمسألة محل الاشكال ، وطريق الاحتياط واضح انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من أن عقد الولي لا يتوقف على الإجازة ، وإنما يجوز للصبي فسخه ، فيه أن الظاهر من أخبار المسألة هو أنه يتخير الصبي بعد البلوغ بين الإمضاء والفسخ ، فإن أمضاه وأجازه كان صحيحا لازما ، وإن فسخه ولم يرض به كان باطلا ، وهذا حكم العقد الفضولي ، إلا أن العقد صحيح يترتب عليه أحكام الصحة ، إلا أن يفسخه الصبي كما هو حكم الخيار في سائر العقود على ما ادعاه ، ويشير إلى ما ذكرناه ما يأتي في صحيحة الحذاء من قوله عليه‌السلام «وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا» ، وكذا قوله في باقي الرواية فإنه من هذا القبيل ، وهو كما ترى ظاهر ، بل صريح في أنه إنما يكون صحيحا لازما بالرضاء والقبول بعد البلوغ ، فلو لم يرضيا وماتا قبل البلوغ بطل العقد فلا ميراث ولا مهر ، ومقتضى كلامه هو الصحة وترتب أحكامها ما لم يفسخ الصبي قبل البلوغ ، وحينئذ فاللازم القول بالتوارث ووجوب المهر لو ماتا قبل البلوغ لصحة العقد وعدم فسخه ، والنص كما ترى على خلافه.

وبالجملة فكلامه وإن كان مما يتراءى منه الصحة بحسب الظاهر إلا أنك بالنظر إلى الروايات والرجوع إليها يظهر لك صحة ما ذكرناه ، نعم ما ذكره من أن المسألة محل إشكال جيد كما سيظهر لك إن شاء الله.

وما رواه الشيخ عن يزيد الكناسي (١) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام في حديث طويل قال فيه قلت : فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية ، فقال يا أبا خالد إن

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٨٣ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٩ ح ٩.

٢٠٨

الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان له الخيار إذا أدرك وبلغ خمسة عشر سنة ، أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك» الحديث.

أقول : وهذا الخبر هو مستند من ذهب إلى الفرق بين الصبي والصبية ، فخص الخيار بالصبي دونها مع أن هذا الخبر ضعيف السند بجهالة الراوي وخبر محمد بن مسلم المتقدم دال على اشتراكهما في الخيار ، والشيخ قد أجاب عن هذا الخبر بما تقدم نقله في الجواب عن صحيحة محمد بن مسلم ، قال : في المسالك بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ، ولو عمل الجماعة بهذا الخبر الصحيح وأثبتوا الخيار لهما لكان أولى من تخصيصهم الخيار بالولد استنادا إلى الرواية الضعيفة. انتهى.

وفيه ما عرفت في غير مقام مما تقدم أن هذا الكلام إنما يتجه اعتراضا على أصحاب هذا الاصطلاح المحدث لا على مثل الشيخ وأمثاله من المتقدمين فإن الأخبار باصطلاحهم كلها صحيحة ولكن الظاهر أنهم لم يخطر ببالهم الصحيحة المذكورة.

وما رواه في الكافي في الصحيح والتهذيب في الموثق عن أبي عبيدة الحذاء (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين ، فقال : النكاح جائز وأيهما أدرك كان له الخيار ، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال : يجوز ذلك عليه إن هو رضي ، قلت : فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال : نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر ، قلت : فإن ماتت الجارية ولم تكن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠١ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٨٨ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٢٧ ح ١.

٢٠٩

أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال : لا ، لأن لها الخيار إذا أدركت ، قلت : فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال : يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام ، والمهر على الأب للجارية».

أقول : وهذه الرواية بالنظر إلى صدرها ظاهرة الدلالة على القول الثاني الذي هو خلاف المشهور إلا أن قوله في آخره «فإن كان أبوها هو الذي زوجها» مما ينافي ذلك وبعجز الخبر المذكور استدل السيد السند في شرح النافع للقول المشهور ولم يتعرض للكلام فيما دل عليه صدره.

ويمكن أن يقال ولعله الظاهر أن المراد بالوليين في صدر الخبر غير الشرعيين فإن إطلاق الولي في الأخبار على هذا المعنى غير عزيز ، وحينئذ يكون من قبيل الفضولي ، ولا إشكال حينئذ فيما ترتب عليه من الأحكام ، لأن العقد الفضولي في النكاح صحيح عندنا ، وأما ما عداه فالأظهر بطلانه كما تقدم تحقيقه في كتاب البيع وعلى هذا لا إشكال في الخبر ، وبذلك يكون باعتبار ما دل عليه عجزه من جملة أدلة القول المشهور ، وحينئذ تنحصر المخالفة في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

وقد عرفت ما أجيب به عنها ، وما فيه من البعد ، ولا يحضرني الآن أقوال العامة في المسألة.

وبالجملة فإن المسألة من أجل هذه الرواية ، وعدم توجه محمل تحمل عليه لا تخلو من الاشكال ، وإن كان القول المشهور هو الأوفق بالأصول المقررة في هذا المجال ، مضافا إلى ما دل عليه من الأخبار الواضحة المقال ، والله العالم.

المسألة الثانية : لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استقلال البكر البالغة بالولاية على مالها وكذا لا خلاف في ولايتها في النكاح مع فقد الأب والجد أو وجودهما ، وانتفاء شرائط الولاية عنهما ، واتفاقهم أيضا على أن حكم الثيب بغير النكاح والموطوءة دبرا حكم البكر في الخلاف الآتي.

وإنما الخلاف في ولاية البكر أو الثيب بغير الجماع البالغة الرشيدة ـ في النكاح

٢١٠

مع وجود الأب أو الجد ، واتصافهما بشرائط الولاية ـ على أقوال خمسة (١) :

(أحدها) وهو المختار ، استمرار الولاية عليها مطلقا ، ونقله شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد عن الشيخ في أكثر كتبه ، والصدوق وابن أبي عقيل ، ونقله أيضا عن ظاهر القاضي والصهرشتي.

أقول : وقواه السيد السند في شرح النافع ، وإليه كان يذهب والدي (قدس‌سره) وهو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي ، وبه جزم شيخنا المحقق المدقق العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن يوسف المقالي البحراني (نور الله مرقده).

و (ثانيها) وهو المشهور بين المتأخرين ، استقلالها بالعقد دونهما مطلقا ، ونقل عن الشيخ في التبيان والمرتضى والشيخ المفيد في أحكام النساء وابن الجنيد وسلار وابن إدريس وهو مذهب المحقق والعلامة ، وقواه شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان ابن عبد الله البحراني في بعض أجوبته عن مسائل سئل عنها ، منها المسألة المذكورة.

و (ثالثها) التشريك بينهما وبين الولي ، وهو منقول عن أبي الصلاح والشيخ المفيد في المقنعة ، واختاره المحدث الشيخ محمد بن الحر العاملي في الوسائل.

هذه هي الأقوال المشهورة بينهم كما ذكره شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد.

و (رابعها) استمرار الولاية عليها في الدائم دون المنقطع ، وهو مذهب الشيخ في كتابي الأخبار.

و (خامسها) عكسه وهو ثبوت الولاية عليها في المنقطع دون الدائم ، وهذا القول نقله المحقق في الشرائع ، وحكى شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد أن المحقق سئل عن قائله فلم يجب ، قال في المسالك ـ بعد نقل هذه الأقوال الخمسة ـ :

__________________

(١) واعلم أن العامة أيضا مختلفون في هذه المسألة ، والمشهور بينهم استقلالها دونهما ، وهو المنقول عن الشافعي ومالك وأحمد ، وأما أبو حنيفة فإنه حكم باستقلالهما كما نقله في التذكرة. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢١١

وزاد بعضهم قولا سادسا ، وهو أن التشريك في الولاية تكون بين المرأة وأبيها خاصة دون غيره من الأولياء ، ونسبه إلى المفيد.

واعلم أن الأصل في هذه الأقوال واختلافها في هذا المجال هو اختلاف الأخبار الواردة في ذلك عنهم عليهم‌السلام واختلاف الإدراكات فيما دلت عليه والأفهام ، ومن أجل ذلك صارت المسألة منتصلا لسهام النقض والإبرام.

وقد عدها الأصحاب من أمهات المسائل ومعضلات المشاكل ، وقد صنفت فيها الرسائل وكثر السؤال عنها والسائل ، وأطنب جملة من الأصحاب فيها الاستدلال لهذه الأقوال وأكثروا فيها من القيل والقال بإيراد آية لا دلالة فيها على المراد أو خبر عامي ليس في إيراده إلا مجرد تكثير السواد ، ودليل اعتباري لا يمنع من تطرق المناقشة إليه والإيراد.

ونحن نقتصر على الأخبار الواصلة إلينا في هذا الباب كما هي العادة الجارية التي بنينا عليها في الكتاب فنردف كل قول من هذه الأقوال بما يدل من الأخبار عليه ونوشحه بالبحث عن كل خبر ، وما يتطرق من الكلام إليه ، ومنه تعالى أستمد الهداية لتحقيق ما هو الحق والصواب والنجاة من الوقوع في مهاوي الزيغ والارتياب.

فأقول الأول من هذه الأقوال : وهو الذي عليه المعول باستقلال الولي وأنه ليس لها معه أمر ، ويدل عليه جملة من الأخبار.

منها ما يدل على استقلاله نصا بحيث لا يقبل التأويل والاحتمال.

ومنها ما يدل على ذلك ظاهرا كما هو المعتمد في الاستدلال فلا يلتفت إلى ما قابله من التأويل والاحتمال.

فمنها ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن عبد الله بن الصلت (١) قال : «سألت

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٩٤ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٨١ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٧ ح ٣.

٢١٢

أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الجارية الصغيرة زوجها أبوها ، ألها أمر إذا بلغت؟ قال : لا ، ليس لها مع أبيها أمر ، قال : وسألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ، ألها مع أبيها أمر؟ قال : ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : «سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ، ألها مع أبيها أمر؟ قال : ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب». وهي كالأولى متنا ودلالة.

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ليس لها مع الأب أمر ، وقال : تستأمرها كل أحد ما عدا الأب».

لا يقال : إنها غير صريحة في البلوغ والرشد ، لأنا نقول : وجوب الاستيمار على كل أحد لها ما عدا الأب لا يكون إلا مع البلوغ والرشد كما هو ظاهر.

ومنها ما رواه علي بن جعفر في كتابه (٣) ـ وهو من الأصول المشهورة ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يصلح له أن يزوج ابنته بغير إذنها قال نعم ، ليس يكون للولد مع الوالد أمر ، إلا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن تستأمر».

وهذه الروايات مع صحتها صريحة الدلالة واضحة المقالة في نفي ولايتها استقلالا وشركة الموجب لاستقلال الأب بالولاية ، ولا مجال فيها للاحتمال والحمل على خلاف ذلك بالكلية.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن الحلبي (٤) في الصحيح «عن الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٣ ح ١١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٩٣ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٨٠ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٥ ح ٣.

(٣) الوسائل ج ١٤ ص ٢١٥ ح ٨ ، بحار الأنوار ج ١. ص ٢٥٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٣٩٣ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٨١ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٥ ح ٧.

٢١٣

في الجارية يزوجها أبوها بغير رضا منها ، قال : ليس لها مع أبيها أمر ، إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة».

وزاد في الكافي قال : «وسئل عن رجل يريد أن يزوج أخته؟ قال : يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها ، وإن أبت لم يزوجها».

وأما ما اعترض به في المسالك ـ من أن هذه الرواية رواها الشيخ عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي ، وحماد هذا مشترك بين الثقة وغيره ، فلا يكون صحيحة ـ فإنه غفلة محضة وتوهم صرف ، فإن المعروف المتكرر في مثل هذا السند هو حماد بن عثمان للتصريح به في مواضع عديدة من التهذيب ، ولرواية ابن أبي عمير عنه في كتب الرجال.

بل صرح به الكليني في سند هذا الخبر على ما نقله بعض الأعلام ، وقد صرح في التهذيب بعد هذا الحديث ، وقبله بيسير برواية ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي ، والجميع في باب واحد ، ومثله في باب الاشهاد على الوصية ، وبالجملة فإنه لا يخفى على الممارس صحة ما قلناه وضعف ما طعن به لا يقال : إنه يحتمل حمل الجارية في الخبر على الصغيرة ، لأنا نقول : لا يخفى على من نظر في قرائن الكلام ، وتدبر سياق الخبر التدبر التام ، أن قول السائل «بغير رضا منها» وقوله عليه‌السلام «وإن كانت كارهة» ظاهر في بلوغ تلك الجارية المسؤل عنها وقت التزويج ، لأنه لا مجال لاعتبار الرضا من غير البالغة وكذا إطلاق الكراهة بالنسبة إليها ، والحمل على عدم الرضا ، والكراهة بعد البلوغ ، ووقوع العقد قبله يرده صدر الخبر حيث إن قوله «بغير رضا. إلى آخره» وقع حالا من قوله «يزوجها» مع وجوب اتحاد زمان الحال وعامله كما قرر في محله.

وحينئذ فتكون هذه الرواية ـ بناء على ما قلناه من الدلالة بظاهرها على المطلوب ـ قد دلت عليه بأبلغ وجه وآكد من حيث الجمع فيها بين جواز نكاح الأب لها وإن كانت كارهة ، وبين نفي أمرها معه في ذلك بالمرة.

٢١٤

ومنها ما رواه الشيخان المذكوران عن زرارة (١) في الصحيح بطريق الكافي قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا ينقض النكاح إلا الأب». والتقريب فيه من حيث حصر نقض النكاح فيه ، وهو لا يجامع الاستقلال ولا الشركة ، ولو كان للبكر استقلال لما كان للأب نقضه ، ولو كانت شريكة لما انحصر النقض فيه أيضا.

فإن قيل : إن الحصر هنا غير مراد ، لأن الجد أيضا ينقض النكاح ، ولخروج الثيب والمذكر البالغ منه أيضا ، قلنا : إنهم قد صرحوا بأن العام المخصوص حجة في الباقي ، فخروج الأفراد المذكورة بدليل من خارج لا ينافي حجية الخبر فيما بقي من الأفراد داخلا تحت عموم اللفظ أو إطلاقه.

ومنها ما رواه في الكافي والفقيه عن ابن أبي يعفور (٢) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن».

وهذه الرواية صريحة في المنع من استقلالها من حيث دلالتها على فساد النكاح بدون إذن الأب ، لكنها غير صريحة في المنع من الشركة ، إذ غاية ما تدل عليه أنه ليس لها الانفراد.

واعترض على هذه الرواية في المسالك من حيث السند بأن في طريقها علي بن الحكم ، وهو مشترك بين الثقة وغيره وذلك يمنع من الحكم بصحتها ، ومن حيث الدلالة بأن «من» في قوله «من الأبكار» كما يمكن حملها على البيانية فتعم الصغيرة والكبيرة يمكن حملها على التبعيضية ، فلا تدل على محل النزاع ، لأن بعض الأبكار من الصغار لا يتزوج إلا بإذن أبيها إجماعا.

وفيه أن علي بن الحكم هنا هو الكوفي الثقة بقرينة رواية أحمد بن محمد بن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٩٢ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٧٩ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٥ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٩٣ ح ١ ، التهذيب ح ٧ ص ٣٧٩ ح ٧ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥٠ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٨ ح ٥.

٢١٥

عيسى عنه ، كما هو متكرر في هذه الأسانيد مع احتمال اتحاد غيره به كما اختاره الميرزا محمد في كتاب الرجال ، على أن الصدوق (قدس‌سره) أورد هذا الخبر عن العلاء عن ابن أبي يعفور ، وله إلى العلاء طرق صحيحة غير مشتملة على علي بن الحكم.

وأما ما ذكره من حيث الدلالة فلا يخفى ما فيه من البعد على الناظر المنصف ، مع أن ذلك يقتضي عدم الفائدة في التقييد بالأبكار ، لأن الصغيرة الثيب حكمها كذلك.

ومنها ما رواه في الكافي عن الفضل بن عبد الملك (١) في الموثق عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوجها هو أنظر لها ، وأما الثيب فإنها تستأذن وإن كانت بين أبويها إذا أرادا أن يزوجاها».

وما رواه في التهذيب عن إبراهيم بن ميمون (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر ، وإذا كانت قد تزوجت لم يزوجها إلا برضى منها».

وعن عبيد بن زرارة (٣) قال : «لا تستأمر الجارية في ذلك إذا كانت بين أبويها ، فإذا كانت ثيبا فهي أولى بنفسها».

والتقريب في هذه الأخبار الثلاثة أن قرينة المقابلة بالثيب المشروط فيها الاستئذان إجماعا يدل على أن المراد بالجارية فيها هي البكر البالغ الرشيدة بقرينة ما عرفت من الأخبار المتقدمة المتفقة على استقلال الأب بالولاية عليها ، وأنه لا أمر لها معه.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٩٤ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٢ ح ٦.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٨٠ ح ١٢ وص ٣٨٥ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٤ ح ٣ وص ٢٠٤ ح ١٣ ..

٢١٦

ومنها ما رواه في الكافي (١) عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المرأة الثيب ، قال : هي أملك بنفسها ، تولي أمرها من شاءت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت رجلا قبله».

والتقريب فيها من حيث قوله «بعد أن تكون قد نكحت. إلخ» الدال على تقييد أملكيتها بنفسها وتوليتها أمر نفسها بما إذا كان ذلك بعد نكاحها رجلا قبله ، فلو كانت الثيوبة الحاصلة لها لا عن نكاح فليست أملك بنفسها وليس لها أن تولي أمرها من شاءت لرجوع أمرها إلى الولي حينئذ كالبكر ، إذ لا فرق في ثبوت الولاية عند مثبتها بين كونها بكرا أو ثيبا بغير نكاح كما تقدم ذكره في صدر المسألة ، ودلالة الرواية وإن كانت بالمفهوم إلا أنه في معنى مفهوم الشرط كما صرح به في الخبر الذي بعده.

ومنها ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير (٢) عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس أن تزوج المرأة نفسها إذا كانت ثيبا بغير إذن أبيها إذا كان لا بأس بما صنعت».

والتقريب فيها تعليق نفى البأس على الثيوبة فينتفي بانتفائها عملا بالمفهوم الشرط الذي هو حجة عند المحققين ، وعليه دلت الأخبار أيضا كما قدمناها في مقدمات الكتاب.

ومنها ما رواه الشيخ (رحمه‌الله) عن سعد بن إسماعيل عن أبيه (٣) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل تزوج ببكر أو ثيب لا يعلم أبوها ولا أحد من قرابتها ، ولكن تجعل المرأة وكيلا فيزوجها من غير علمهم ، قال : لا يكون ذا» (٤).

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٩٢ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٢ ح ٤.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٨٦ ح ٢٥ وص ٣٨٥ ح ٢٤، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٤ ح ١٤ و ١٥.

(٤) قال الشيخ في التهذيب : قوله عليه‌السلام «لا يكون ذا» محمول على أنه لا يكون

٢١٧

وجه الاستدلال أن يقال : أن الثيب قد ثبت بالدليل استقلالها فيجب إخراجها من الخبر ، ويبقى البكر حتى يقوم الدليل على استثنائها ، والمتحقق مما قدمنا من الأدلة إنما هو بقاؤها.

ومنها ما رواه في كتاب البحار عن كتاب الحسين بن سعيد عن ابن أبي يعفور (١) في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يتزوج الرجل الجارية متعة؟ فقال ، نعم ، إلا أن يكون لها أب ، والجارية يستأمرها كل أحد إلا أبوها».

ومما يؤيد ذلك جملة من الأخبار الواردة في اختلاف الأب والجد وتقديم الجد.

ومنها صحيحة محمد بن مسلم (٢) «عن أحدهما عليهما‌السلام إذا زوج الرجل بنت ابنه فهو جائز على ابنه ، ولابنه أيضا أن يزوجها».

وموثقة عبيد بن زرارة (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ، ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر قال : الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجد».

وموثقة الفضل بن عبد الملك (٤) قال : «إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز ، قلنا : فإن هوي أبو الجارية هوى ، وهوى

__________________

في البكر خاصة ، دون أن يكون متناولا للثيب ، ولا يمتنع أن يسئل عن شيئين فيجيب عن أحدهما ويعدل عن الجواب عن الأخر لضرب من المصلحة ، ولو كان راجعا الى الثيب لجاز أن يحمل على ضرب من الاستحباب أو التقية. انتهى ، وهو جيد. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٨٩ ب ١٠ ح ٣ ، البحار ج ١٠٣ ص ٣٣٠ ح ٥.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٩٠ ح ٣٧ و ٣٦، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٧ ح ١ وص ٢١٨ ح ٢.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٩١ ، ح ٤٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٨ ح ٤.

٢١٨

الجد (١) وهما سواء في العدل والرضا؟ قال : أحب إلي أن ترضى بقول الجد».

والتقريب فيها أن ما دلت عليه ، وإن كان أعم من المدعى إلا أنه يخرج بدليل ويبقى الباقي.

وأوضح من ذلك دلالة رواية الفضل بن عبد الملك (٢) عن الصادق عليه‌السلام في حديث «قال : إذا زوج الرجل ابنه فذلك الى ابنه فإذا زوج الابنة جاز». والمقابلة قرينة واضحة ظاهرة في إرادة البلوغ في الموضعين ، وبتقدير العدم فالإطلاق كاف ، وإن خرج ما خرج بدليل فيبقي حجة في الباقي ، هذا ما وقفت عليه مما يصلح للدلالة على القول المذكور.

ومنها ما هو نص لا يقبل التأويل كما عرفت ، ومنها ما هو ظاهر الدلالة ، واضحة المقالة ، والجميع ظاهر في شمول التزويج دواما ومتعة ، وأصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) لم ينقلوا في مقام الاستدلال لهذا القول إلا القليل من الروايات الأخيرة.

وأما الروايات الأولة الصريحة في المدعي فلم يتعرضوا لها ولم ينقلوا شيئا منها ، والعلامة في المختلف لم ينقل إلا صحيحة ابن أبي يعفور ، ورواية إبراهيم بن ميمون ، وصحيحة محمد بن مسلم ، وحملها على كراهة تفردها بالعقد ، وأولوية استئذان الأب جمعا بين الأدلة ، وفيه ما سيظهر لك إن شاء الله.

الثاني : القول باستقلالها كما هو المشهور بين المتأخرين ، واستدل عليه بجملة من الأخبار :

(أحدها) ما رواه في الكافي والفقيه عن الفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وزرارة

__________________

(١) هكذا في النسخ هنا ولكنه قد نقل الرواية سابقا هكذا فإن هوي أب الجارية هوى وهوى الجد هوى إلى آخر الرواية وسقط كلمة «هوى» لتوهم التكرار أو أسقط من النساخ بعض الألفاظ مما هنا. والله العالم. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٨٩ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٧ ح ٢.

٢١٩

وبريد بن معاوية (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «المرأة التي ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي جائز».

واعترض على الاستدلال بهذه الرواية السيد السند في شرح النافع ، وقبله جده (عطر الله مرقديهما) في المسالك بأن الحكم فيها بسقوط الولاية وقع منوطا بأن ملكت نفسها ، فإدخال البكر فيها عين المتنازع ، وكذا قوله غير المولى عليها ، فإن الخصم يدعي كون البكر مولى عليها ، فكيف يستدل به على زوال الولاية.

ثم أنه في المسالك أجاب عن ذلك ، فقال : ويمكن التخلص من دعوى كون البكر مولى عليها وأن الاستدلال بها عين النزاع ، بأن يقال : إن البكر الرشيدة الحرة لما كانت غير مولى عليها في المال صدق سلب الولاية عليها في الجملة ، فيصدق أن البكر الرشيدة الحرة مالكة نفسها غير سفيهة ولا مولى عليها فتدخل في الحكم ، وهو جواز تزويجها. إلى آخره ، وهو حسن أيضا. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في شرح النافع فقال : إنه ضعيف ، لأن الولاية في المال أخص من مطلق الولاية ، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ، ثم قال ونعم ما قال : والذي يظهر لي أن المراد بالمالكة نفسها غير المولى عليها البكر التي لا أب لها ، والثيب كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في رواية أبي مريم (٢) «الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها ، وقال : إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت». وفي صحيحة الحلبي (٣) «في الثيب تخطب إلى نفسها؟ قال : هي أملك بنفسها». وعلى هذا فلا دلالة في الرواية على المطلوب. انتهى.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٩١ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٧٧ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥١ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠١ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٩١ ح ٢ ، الوسائل ح ١٤ ص ٢٠٢ ح ٧.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٩٢ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٧٧ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠٢ ح ٤.

٢٢٠