الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

النساء تصدقن وأطعن أزواجكن ، فإن أكثر كن في النار ، فلما سمعن ذلك بكين ، ثم قامت إليه امرأة منهن فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في النار مع الكفار؟ والله ما نحن بكفار فنكون من أهل النار ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنكن كافرات بحق أزواجكن».

وعن أبي بصير (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النساء فقال : يا معاشر النساء تصدقن ولو من حليكن ولو بتمرة ولو بشق تمرة فإن أكثر كن حطب جهنم ، وإنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشيرة. فقالت امرأة من بني سليم لها عقل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أليس نحن الأمهات الحاملات المرضعات؟ أليس منا البنات المقيمات والأخوات المشفقات؟ فرق لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : حاملات والوالدات مرضعات رحيمات ، لو لا ما يأتين إلى بعولتهن ، ما دخلت مصلية منهن النار».

وعن سليمان بن خالد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن قوما أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : يا رسول الله إنا رأينا أناسا يسجدون بعضهم لبعض ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».

وعن أبي بصير (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للنساء : لا تطولن صلاتكن لتمنعن أزواجكن».

إلى غير ذلك من الأخبار الجارية على هذا المنوال ، وظاهرها وجوب تلك الحقوق المذكورة في الخبر الأول عليها وأنها تؤاخذ بتركها لتكرر الأمر بها متفرقة في الأخبار ، نعم مثل التطيب ولبس أحسن الثياب وإظهار الزينة ، الظاهر أنه من المستحبات المؤكدة عليها.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ٥١٣ ح ٢ وص ٥٠٧ ح ٦ وص ٥٠٨ ح ١. الوسائل ج ١٤ ص ١٢٥ ح ٢ وص ١١٥ ح ١ وص ١١٧ ح ١.

١٢١

وأما ما يتضمن حقوقها عليه ، فمن ذلك ما رواه في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسنا؟ «قال يشبعها ، ويكسوها ، وإن جهلت غفر لها».

ورواه في الفقيه عن إسحاق بن عمار (٢) قال : «سأل إسحاق بن عمار أبا عبد الله عليه‌السلام عن حق المرأة على زوجها؟ قال : يشبع بطنها ويكسو جسدها وإن جهلت غفر لها».

أقول : الأولان واجبان ، والثالث مستحب ، ويفصح عنه ما ورد في الفقيه مرسلا (٣) قال : «وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : كانت لأبي عليه‌السلام امرأة وكانت تؤذيه فكان يغفر لها».

وروى في الكافي عن عمرو بن جبير العزرمي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «جاءت امرأة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألته عن حق الزوج على المرأة فخبرها ، ثم قالت : فما حقها عليه؟ قال : يكسوها من العرى ويطعمها من الجوع وإن أذنبت غفر لها ، فقالت : فليس لها عليه شي‌ء غير هذا؟ قال : لا ، قالت : لا والله لا تزوجت أبدا ثم ولت ، فقال النبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارجعي فرجعت ، فقال لها : إن الله عزوجل يقول : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ)».

أقول : لا يخفى ما في عجز الخبر المذكور من الإشكال ، فإن هذه الآية إنما ذكرت في سياق ذكر القواعد من النساء ، وهو قوله (٥) «وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥١٠ ح ١.

(٢ و ٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٩ ح ٢ و ٤.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٥١١ ح ٢.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ١٢١ ح ١ وج ١٥ ص ٢٢٣ ح ٣ وج ١٤ ص ١١٨ ح ٣.

(٥) سورة النور ـ آية ٦٠.

١٢٢

وقد فسر الاستعفاف في الأخبار بلبس الجلابيب ، فظاهر هذا الخبر تفسيره بالتزويج ، وهو بمراحل من البعد عن سياق الآية.

وما رواه في الكافي عن روح بن عبد الرحيم (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزوجل (٢) «وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ» قال : إذا أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة ، وإلا فرق بينهما».

وما رواه في الفقيه عن عاصم بن حميد عن أبي بصير (٣) في الصحيح قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يوارى عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها ، كان حقا على الإمام أن يفرق بينهما».

أقول : يجب حمله على ما إذا كان قادرا على النفقة متمكنا منها ، لما يدل عليه الخبر الآتي :

وروي في التهذيب عن السكوني (٤) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام «إن امرأة استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها ، وكان زوجها معسرا ، فأبى علي عليه‌السلام أن يحبسه وقال إن مع العسر يسرا».

وروى في الكافي عن جميل (٥) بن دراج (٦) في الصحيح أو الحسن قال : «لا يجبر

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥١٢ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٢٤ ح ٦.

(٢) سورة الطلاق ـ آية ٧.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٩ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٢٣ ح ٢.

(٤) التهذيب ج ٦ ص ٢٩٩ ح ٤٤ ، الوسائل ج ١٣ ص ١٤٨ ح ٢.

(٥) أقول : خبر جميل هذا قد رواه المشايخ الثلاثة في موضع آخر بأسانيد متعددة فيها الصحيح وغيره عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : لا يجبر الرجل الا على نفقة الأبوين والولد ، قال : قلت لجميل : فالمرأة؟ قال : روى أصحابنا «وفي الكافي وهو عنبسة بن مصعب وسورة بن كليب ، ثم اشترك الجميع عن أحدهما عليهما‌السلام أنه إذا كساها ما يوارى عورتها وأطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه وإلا طلقها». الحديث (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٦) الكافي ج ٥ ص ٥١٢ ح ٨ ، التهذيب ج ٦ ص ٢٩٣ ح ٢٢ ، رواه عن أحدهما عليهما‌السلام الوسائل ج ١٥ ٢٢٤ ح ٤.

١٢٣

الرجل إلا على نفقة الأبوين والولد ، قال ابن أبي عمير : قلت لجميل : والمرأة؟ قال : قد روى عنبسة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه وإلا طلقها».

أقول : حاصل معنى الخبر أنه يجبر على نفقة العمودين ، وأما الزوجة فإنه يخير بين الأمرين ، إما القيام بها ، وإما طلاقها فيجبر على أحدهما فلو امتنع من الإنفاق بعد إلزام الحاكم بذلك جبره على الطلاق ، فإن طلق ، وإلا طلقها الحاكم كما يدل عليه قوله «كان حقا على الامام أن يفرق بينهما». ومثله قوله في الخبر الآخر «وإلا فرق بينهما».

وروى في الكافي عن سفيان بن عيينة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، وعلي عليه‌السلام أولى به من بعدي ، فقيل له : ما معنى ذلك؟ فقال : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من ترك دينا أو ضياعا فعلي ، ومن ترك مالا فلورثته ، فالرجل ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال ، وليس له على عياله أمر ولا نهي ، إذا لم يجر عليهم النفقة ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام ومن بعدهما ألزمهم هذا ، فمن هناك صاروا أولى بهم من أنفسهم ، وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنهم آمنوا على أنفسهم وعيالاتهم».

أقول : والضياع ـ بالفتح ـ العيال ، وهذا الخبر ظاهر في أنه متى لم ينفق على عياله ، فإنه لا يجب عليهم امتثال أمره ونهيه ، وظاهره شمول الحكم للقادر والعاجز ، كما يشير إليه قوله «فالرجل ليس له ولاية على نفسه إذا لم يكن له مال» بمعنى أنه لعدم إنفاقه على نفسه ، وإنما ينفق عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو القائم مقامه ، وأنه لا ولاية له عليها ، لأن الولاية لولي النعمة وهو مشكل إلا أن يخص

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ٤٠٦ ح ٦ طبع طهران ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٩٠ باب ٩ ح ٢ و ٣.

١٢٤

الحكم بالعاجز عن الإنفاق على عياله ، وهو أيضا لا يخلو من إشكال ، ولا يحضرني الآن كلام لأحد من أصحابنا رضوان الله عليهم. والله العالم.

الفائدة السابعة عشر : في جملة من مستحبات الباه ومناهيه زيادة على ما تقدم ، فمن الأول استحباب صلاة ركعتين عند إرادة التزويج وقد تقدم الكلام في ذلك في الفائدة السادسة ، وكذا استحباب الوليمة والإشهاد والخطبة أمام العقد ، وقد تقدم ثمة.

وبقي هنا أشياء منها : استحباب صلاة ركعتين والدعاء بعدهما وقت الدخول بها.

روي في الكافي عن أبي بصير (١) قال : «سمعت رجلا وهو يقول لأبي جعفر عليه‌السلام جعلت فداك إني رجل قد أسننت ، وقد تزوجت امرأة بكرا صغيرة ولم أدخل بها ، وأنا أخاف إذا دخلت على فراشي أن تكرهني لخضابي وكبري ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إذا دخلت عليك إن شاء الله فمرها قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة ، ثم أنت لا تصل إليها حتى تتوضأ وصل ركعتين ، ثم مجد الله وصل على محمد وآل محمد ثم ادع الله ومر من معها أن يؤمنوا على دعائك وقل : اللهم ارزقني إلفها وودها ورضاها وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وآنس ائتلاف ، فإنك تحب الحلال وتكره الحرام ، ثم قال : واعلم أن الالف من الله والفرك (٢) من الشيطان ليكره ما أحل الله عزوجل».

أقول : الفرك بغض أحد الزوجين الآخر.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٠٠ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٨١ ح ١.

(٢) قال في القاموس : الفرك بالكسر وفتح الراء : البغضة عامة كالفروك والفركان بضمتين مشددة الكاف أو خاص ببغضه الزوجين. انتهى (منه ـ قدس‌سره ـ).

١٢٥

وعن أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا دخلت بأهلك فخذ بناصيتها واستقبل القبلة وقل : اللهم بأمانتك أخذتها وبكلماتك استحللتها (٢) فإن قضيت لي منها ولدا فاجعله مباركا تقيا من شيعة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا».

وعن أبي بصير (٣) قال : «قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : إذا تزوج أحدكم كيف يصنع؟ قلت : لا أدري ، قال : إذا هم بذلك فليصل ركعتين» الحديث ، كما تقدم في الفائدة السادسة ، ثم قال عليه‌السلام : «فإذا دخلت إليه فليضع يده على ناصيتها وليقل اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها فإن قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ، ولا تجعله شرك شيطان قال : قلت وكيف يكون شرك شيطان؟ قال : إن ذكر اسم الله تنحى الشيطان ، وإن فعل ولم يسم أدخل ذكره وكان العمل منهما جميعا ، والنطفة واحدة».

ورواه الشيخ في التهذيب عن أبي بصير (٤) الحديث بأدنى تفاوت ، وفيه «قلت : فبأي شي‌ء يعرف هذا جعلت فداك؟ قال بحبنا وبغضنا».

وعن الميثمي (٥) رفعه قال : «أتى رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : إني تزوجت فادع الله لي ، فقال عليه‌السلام : قل : اللهم بكلماتك استحللتها ، وبأمانتك أخذتها ، اللهم اجعلها ولودا ودودا لا تفرك ، تأكل مما راح ، ولا تسأل عما سرح».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٠٠ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٨١ ح ٢.

(٢) قال الصدوق في معاني الأخبار بعد أن نقل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله» : فأما الامانة فهي التي أخذ الله عزوجل على آدم حين زوجه حواء ، وأما الكلمات التي شرط الله عزوجل بها على آدم أن يعبده ولا يشرك به شيئا ولا يزني ولا يتخذ من دونه وليا. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٣) الكافي ج ٥ ص ٥٠١ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٧٩ ح ١.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٤٠٧ ح ١. الوسائل نفس المصدر السابق.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٥٠١ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٨١ ح ٣.

١٢٦

قال في الوافي : كان المراد تأكل مما جاء وحصل عندها بالعشي كائنا ما كان ولا تسأل عما ذهب وغاب عنها وهذا قريب من معنى رواح الماشية وسراحها ، كما قال الله عزوجل (١) «حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ».

وقال بعض مشايخنا المحدثين : لعله كناية عن قناعتها بما يأتي به زوجها ، وعدم التفتيش عما أعطاه غيرها ، ويمكن أن يكون المراد حقيقة ، أي ترضى بلبن الأنعام بعد الرجوع من المرعى ، ولا تسأل عما كان في ضرعها عند السرح. انتهى.

أقول : والأقرب هو المعنى الأول من هذين المعنيين.

وعن أبي بصير (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبا محمد أي شي‌ء يقول الرجل منكم إذا دخلت عليه امرأته؟ قلت : جعلت فداك أيستطيع الرجل أن يقول شيئا؟ فقال : ألا أعلمك ما تقول؟ قلت : بلى ، قال : تقول : بكلمات الله استحللت فرجها وفي أمانة الله أخذتها ، اللهم إن قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله بارا تقيا واجعله مسلما سويا ، ولا تجعل فيه شركا للشيطان ، قلت : وبأي شي‌ء يعرف ذلك (٣) قال : أما تقرأ كتاب الله عزوجل ، ثم ابتدأ هو (٤) ـ (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) ـ ثم قال : إن الشيطان ليجي‌ء حتى يقعد من المرأة كما يعقد الرجل منها ، ويحدث كما يحدث ، وينكح كما ينكح ، قلت بأي شي‌ء يعرف ذلك؟ قال : بحبنا وبغضنا ، فمن أحبنا كان نطفة العبد ، ومن أبعضنا كان نطفة الشيطان».

وعن أبي بصير (٥) قال : «قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا أبا محمد إذا أتيت أهلك فأي

__________________

(١) سورة النحل ـ آية ٦.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٥٠٢ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٩٦ ح ٢.

(٣) الظاهر أنه لا يخلو من غلط لان الظاهر أن السؤال انما هو عن الدليل على كون الولد يكون شرك شيطان فأجاب بالآية ، والسؤال عن العلامة وما تضمنه قوله في آخر الخبر بأنه يعرف بحبنا وبغضنا فهو معنى الصحيح الظاهر من الخبر بعده. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٤) سورة الإسراء ـ آية ٦٤.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٥٠٣ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٩٧ ح ٥.

١٢٧

شي‌ء تقول؟ قال : قلت : جعلت فداك وأطيق أن أقول شيئا؟ قال : بلى قل : «اللهم بكلماتك استحللت فرجها وبأمانتك أخذتها فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله تقيا زكيا ، ولا تجعل للشيطان فيه شركا ، قال : قلت : جعلت فداك ويكون فيه شرك للشيطان؟ قال : نعم ، أما تسمع قول الله عزوجل في كتابه (١) «وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ» وأن الشيطان يجي‌ء فيقعد كما يقعد الرجل ، وينزل كما ينزل الرجل ، قال : قلت بأي شي‌ء يعرف ذلك؟ قال : بحبنا وبغضنا».

وعن هشام بن سالم (٢) في الصحيح «عن أبي عبد الله عليه‌السلام في النطفتين اللتين للآدمي والشيطان إذا اشتركا؟ فقال : أبو عبد الله عليه‌السلام ربما خلق من إحداهما ، وربما خلق منهما جميعا».

وعن البرقي (٣) عن علي عن عمه قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام جالسا فذكر شرك الشيطان فعظمه حتى أفزعني ، قلت : جعلت فداك فما المخرج عن ذلك؟ قال : إذا أردت الجماع فقل : بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا إله إلا هو بديع السموات والأرض ، اللهم إن قضيت مني في هذه الليلة خليفة ، فلا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا ولا حظا ، واجعله مؤمنا مخلصا مصفى من الشيطان ورجزه ، جل ثنائك».

وعن الحلبي (٤) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام في الرجل إذا أتى أهله فخشي أن يشاركه الشيطان ، قال : يقول : بسم الله ويتعوذ بالله من الشيطان».

أقول : وفي هذه الأخبار فوائد ينبغي التنبيه عليها والنظر إليها :

الاولى : لا يخفى أن ما دل عليه الخبر الأول من استحباب صلاة ركعتين

__________________

(١) سورة الإسراء ـ آية ٦٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٥٠٣ ح ٦.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٥٠٣ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٩٦ ح ٤.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٥٠٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٩٦ ح ١.

١٢٨

للرجل وكذا للمرأة في وقت الدخول هو مستند الأصحاب فيما ذكروه من الاستحباب هنا كذلك ، وأنت خبير بأن مورد الخبر وصريحه إنما هو بالنسبة إلى المسن الذي قد تزوج امرأة صغيرة بكرا ، وخاف منها البغض له ، والنفور عنه فأمره الإمام عليه‌السلام بما تضمنه الخبر من الصلاة منهما معا والدعاء والتأمين حسبما عرفت ، والأصحاب قد صرحوا بالاستحباب مطلقا من غير النظر إلى هذه الخصوصيات التي اشتمل عليها الخبر ، وهو مشكل ، إذ الخبر يتضمن الصلاة في هذه الحال ، وغير هذا الخبر وخبر أبو بصير المتضمن لاستحباب صلاة الركعتين إذا هم بالتزويج ، إنما تضمن في وقت الدخول الدعاء خاصة كغيره ، كما تقدم ذكره هنا ، وجملة أخبار المسألة إنما تضمنت الدعاء خاصة ، ولا وجود للصلاة في شي‌ء منها على كثرتها وتعددها وما وجد فيه الصلاة فقد عرفت أنه مقيد بقيود زائدة على ما يدعونه ، فالحكم بالاستحباب مطلقا كما يدعونه لا يخلو من الاشكال؟ ولم أر من تنبه لما ذكرناه في هذه الحال.

الثانية : ما تضمنته هذه الأخبار من أنه إذا لم يسم الله عزوجل ويذكره وقت الجماع ، أدخل الشيطان ذكره معه وصار الولد إن اتفق شرك شيطان ، وأنه يعرف ذلك بحبهم عليهم‌السلام وبغضهم عليهم‌السلام لا يخلو من الإشكال ، لأن من الظاهر بل ربما يقطع به أن كثيرا من الشيعة ربما جامعوا عمدا أو سهوا أو جهلا ولم يذكروا اسم الله عزوجل ، بل الظاهر أن أكثر عامة الناس على ذلك ، مع أن أولادهم في التشيع والمحبة لأهل البيت عليهم‌السلام في الغاية والنهاية ، وإن اتفق لهم الفسق في شي‌ء من أعمالهم.

ويمكن أن يقال : في التفصي من هذا الإشكال : بأنه لا ريب أنه مع عدم التسمية فإن الشيطان يدخل ذكره ويمني مع ذلك الرجل ، إلا أن الرجل متى كان مؤمنا فإن الولد إنما يخلق من نطفة الرجل خاصة ، فلا يكون للشيطان فيه نصيب ، وإن كان مخالفا خلق الولد من النطفتين معا أو من نطفة الشيطان بخصوصه وبذلك يكون الولد مبغضا لهم عليهم‌السلام ، ويتفاوت البغض شدة وضعفا بالخلق من

١٢٩

النطفتين فيكون أضعف ، أو من نطفة خاصة فيكون أشد.

ويشير إلى ما ذكرنا من التفصيل في النطف صحيح هشام بن الحكم المتقدم ، ولعل الإجمال منهم عليهم‌السلام في هذه الأخبار أوجب ما ذكرناه من الاشكال ، لقصد الزجر والردع لشيعتهم عن التهاون بالتسمية والدعاء في هذه الحال.

الثالثة : الظاهر من اختلاف هذه الأدعية المذكورة طولا وقصرا وزيادة ونقصانا وتغاير ألفاظها هو الاكتفاء بما يصدق به الذكر والتسمية ، والدعاء بمعنى المذكور فيها وإن لم يكن بهذه الألفاظ ، ويشير إليه قوله في رواية الحلبي الأخيرة يقول : «بسم الله ويتعوذ من الشيطان» وجميع ما ذكر من الأذكار والأدعية في الأخبار محمول على الفضل والاستحباب.

ومن الأول أيضا المداعبة والملاعبة قبل الجماع ، فروى الصدوق مرسلا (١) قال : «قال الصادق عليه‌السلام : إن أحدكم ليأتي أهله فتخرج من تحته فلو أصابت زنجيا لتشبثت به ، فإذا أتى أحدكم فليكن بينهما ملاعبة ، فإنه أطيب للأمر».

وروى في الكافي عن القداح (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا جامع أحدكم فلا يأتيهن كما يأتي الطير ، ليمكث وليلبث» قال بعضهم : وليتلبث.

وعن السكوني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلا يعجلها».

وعن أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس شي‌ء تحضره الملائكة إلا الرهان ، وملاعبة الرجل أهله».

وعن علي بن إسماعيل (٥) رفعه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث : في تأديبه الفرس ، ورميه عن قوسه ، وملاعبته امرأته ، فإنهن حق».

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣٦٤ ح ٢١.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الكافي ج ٥ ص ٤٩٧ ح ٢ وص ٥٦٧ ح ٤٨ عن مسمع وو ص ٥٥٤ ح ١ وص ٥٠ ح ١٣.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٨٢ ح ٣ و ١ و ٢ وص ٨٣ ح ١ و ٢.

١٣٠

وروى في كتاب قرب الاسناد عن أبي البختري (١) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة من الجفاء : أن يصحب الرجل فلا يسأله عن اسمه وكنيته ، وأن يدعى الرجل إلى طعام فلا يجيب ، وأن يجيب فلا يأكل ، ومواقعة الرجل أهله قبل المداعبة».

ومن الثاني : وهو ما يتعلق بالمناهي ما تقدم من النهي عن التزويج والقمر في برج العقرب وفي محاق الشهر وفي الأيام السبعة التي هي نحس كل شهر وليلة الأربعاء وقد تقدم ذكرها وذكر الأخبار الدالة على ذلك.

بقي هنا أشياء أخر وإن لم تختص بالتزويج ، بل موردها الجماع مطلقا ،

فمن ذلك : ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن إلى عبد الرحمن بن سالم (٢) عن أبيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له : هل يكره الجماع في وقت من الأوقات وإن كان حلالا؟ قال : نعم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (٣) ، ومن مغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، وفي اليوم الذي تنكسف فيه الشمس ، وفي الليلة التي ينخسف فيها القمر ، وفي الليلة وفي اليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء والريح الحمراء والريح الصفراء ، واليوم والليلة اللذين يكون فيهما الزلزلة ، ولقد بات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند بعض.

__________________

(١) قرب الاسناد ص ٧٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٩٨ ح ١.

وهما في الوسائل ج ١٤ ص ٨٣ ح ٣ وص ٨٨ ح ١.

(٣) أقول : روى الصدوق في الفقيه عن عبد الله بن على الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : انى أكره الجنابة حين تصفر الشمس وحين تطلع وهي صفراء. أقول : وعلى هذا فينبغي أن يحمل الخبر المذكور في الأصل من قوله «ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس» أى طلوعها وزوال الصفرة عنها بمعنى الكامل ، وقوله «من مغيب الشمس» أي أخذها في المغيب بالاصفرار أولا حسبما دل عليه هذا الخبر. (منه ـ قدس‌سره ـ). عثرنا على هذه الرواية مرسلا فقط في الفقيه ج ١ ص ٤٧ ح ٥ ، وفي الوسائل ج ١٤ ص ٩٩ ح ٢ مسندا ، أما في الفقيه ج ٣ ص ٢٥٥ ح ٤ كلمة «تكره» بدل «انى أكره» مرسلا أيضا.

١٣١

أزواجه في ليلة انكسف فيها القمر ، فلم يكن منه في تلك الليلة ما كان يكون منه في غيرها حتى أصبح ، فقالت له : يا رسول الله ألبغض كان منك في هذه الليلة؟ قال : لا ، ولكن هذه الآية ظهرت في هذه الليلة فكرهت أن أتلذذ وألهو فيها ، وقد عيرها الله أقواما فقال عزوجل في كتابه (١) (إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ فَذَرْهُمْ حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) ـ ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : وأيم الله لا يجامع أحد في هذه الأوقات التي نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها ، وقد انتهى إليه الخبر ، فيرزق ولدا فيرى في ولده ذلك ما يحب».

وعن سليمان بن جعفر الجعفري (٢) عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «من أتى أهله في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد».

أقول : ويستفاد من هذا الخبر أن الليلة الأخيرة يجتمع فيها كراهتان إحداهما من جهة المحاق كما تضمنه هذا الخبر ، والثانية من حيث كونها آخر الشهر كما في الأخبار الآتية ، فتأكد الكراهة فيها.

ومقتضى التعليل بسقط الولد ، أن المنع عن ذلك إنما هو في جماع يمكن حصول الولد منه ، فلو لم يكن كذلك كجماع الحامل واليائس احتمل قويا عدم الكراهة ، إلا أن يقال : إن علل الشرع ليست عللا حقيقية ، يدور المعلول معها وجودا وعدما ، وإنما هي معرفات ، فيكفي وجودها في بعض الأفراد ، وهذا هو الأقوى.

وعن محمد بن خالد البرقي (٣) عن أبيه عمن ذكره عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام عن أبيه عن جده عليهم‌السلام قال : «كان فيما أوصى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا قال : يا علي لا تجامع أهلك في أول ليلة من الهلال ، ولا في النصف ، ولا في آخر ليلة فإنه.

__________________

(١) سورة الطور ـ آية ٤٥.

(٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ٤٩٩ ح ٢ و ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٩٠ ب ٦٣ ح ١ وب ٦٤ ح ١.

١٣٢

يتخوف على ولد من يفعل ذلك الخبل ، فقال علي عليه‌السلام : ولم ذلك يا رسول الله؟ فقال : إن الجن يكثرون غشيان نسائهم في أول ليلة من الهلال وليلة النصف وفي آخر ليلة ، أما رأيت المجنون يصرع في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره».

وعن مسمع أبي سيار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أكره لأمتي أن يغشى الرجل أهله في النصف من الشهر أو في غرة الهلال ، فإن مردة الشياطين والجن تغشي بني آدم فيجننون ويخبلون ، أما رأيتم المصاب يصرع في النصف من الشهر وعند غرة الهلال».

وروى الصدوق مرسلا (٢) قال : «قال الصادق عليه‌السلام : لا تجامع في أول الشهر ولا في وسطه ولا في آخره ، فإنه من فعل ذلك فليسلم لسقط الولد ـ ثم قال : ـ أوشك أن يكون مجنونا ألا ترى أن المجنون أكثر ما يصرع في أول الشهر ووسطه وآخره».

والأخبار بهذا المضمون كثيرة إلا أن ما ذكره من النهي عن المجامعة ليلة الهلال ينبغي أن يستثني منه هلال شهر رمضان ، لما روي واشتهر بين الأصحاب من استحباب الجامعة في تلك الليلة ، فروى الصدوق مرسلا (٣) قال : «قال عليه‌السلام : يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان لقول الله عزوجل (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) ، والرفث : المجامعة».

وروى الشيخ في التهذيب عن محمد بن العيص (٤) «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : أجامع وأنا عريان؟ فقال : لا ولا مستقبل القبلة ولا مستدبرها» قال (٥) و «قال علي عليه‌السلام : لا تجامع في السفينة».

وروى الصدوق في حديث المناهي المذكور في حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (٦) عن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٩٩ ح ٥.

(٢ و ٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٥٥ ح ٣ وج ٢ ص ١١٢ ح ١٣. الوسائل ج ١٤ ص ٩١ ح ٣.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٤١٢ ح ١٨ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥٥ ح ٥. الوسائل ج ١٤ ص ٨٤ ح ٢.

(٥ و ٦) الفقيه ج ٣ ص ٢٥٥ ح ٦ وج ٤ ص ٣ حديث المناهي. الوسائل ج ١٤ ص ٨٤ ح ٢.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٩١ ح ٢ و ٣ و ٤ وص ٩١ ح ٤ وص ٨٤ ح ٢ ..

١٣٣

الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجامع الرجل أهله مستقبل القبلة ، وعلى ظهر طريق عامر ، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».

أقول : ما تضمنه الخبر من لعن فاعل ذلك محمول على تأكد الكراهة كما وقع مثله في الأخبار كثيرا فلا ضرورة إلى حمل الخبر على ما يستلزم محرما غير ما ذكر كما ارتكبه في الوسائل.

ومن ذلك جماع المحتلم قبل الغسل فروى الصدوق في الفقيه والشيخ مرسلا (١) وفي العلل مسندا «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى ، فإن فعل فخرج الولد مجنونا فلا يلومن إلا نفسه».

والأصحاب ذكروا زوال الكراهة بالغسل أولا ، أو الوضوء ، والرواية إنما تضمنت الغسل خاصة.

ومنه جماع الحرة بين يدي الحرة ، أما الإماء فلا بأس ، لما رواه في كتاب طب الأئمة عن ذريح (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال الباقر عليه‌السلام : لا تجامع الحرة بين يدي الحرة ، فأما الإماء بين يدي الإماء فلا بأس».

أقول : بقي هنا فردان مجهولان غير معلوم حكمهما ، وهو جماع الحرة بين يدي الأمة ، وبالعكس.

ومنه جماع المختضب والمختضبة ، لما رواه في الكافي عن مسمع بن عبد الملك (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا يجامع المختضب قلت : جعلت فداك لم لا

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤١٢ ح ١٨ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥٦ ح ٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٩٩ ح ١.

(٢) الوسائل ج ١٤ ص ٩٣ ب ٦٦ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٩٨ ح ٨ ، التهذيب ج ٧ ص ٤١٣ ح ٢٦ وما فيه موافق للكافي ، الوسائل ج ١٤ ص ٨٧ ح ١.

١٣٤

يجامع المختضب؟ قال : لأنه محتضر».

قال في الوافي : كأن المحتصر بالمهملتين من الحصر بمعنى القيد والحبس ، ويحتمل إعجام الضاد بمعنى محل حضور الملائكة والجن. انتهى.

أقول : ويحتمل بناء على الأول أنه بالخضاب ممنوع من الملاعبة والتقبيل المستحبين أمام الجماع ، ومن الغسل بعد الجماع.

وكيف كان فالظاهر أن الأقرب هو ما في التهذيب دون ما في الكافي كما نقلناه ، والذي فيه هكذا : «قلت : جعلت فداك يجامع المختضب؟ قال : لا» ولم يذكر التعليل بالكلية وهو أوضح ، وروى في كتاب طب الأئمة عن إسماعيل بن أبي زينب (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال لرجل من أوليائه : لا تجامع وأنت مختضب ، فإنك إن رزقت ولدا كان مخنثا».

ومنه أن يجامع وفي البيت من ينظره لما رواه في الكافي عن ابن أبي راشد (٢) عن أبيه قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي فإن ذلك مما يورث الزنا».

وعن عبد الله بن الحسين بن زيد (٣) عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده لو أن رجلا غشي امرأته وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبدا ، إذا كان غلاما كان زانيا ، أو جارية كانت زانية وكان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا أراد أن يغشى أهله أغلق الباب وأرخى الستور وأخرج الخدم».

وروى في العلل عن حنان بن سدير (٤) عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «

__________________

(١) الوسائل ج ١٤ ص ٨٨ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٩٩ ح ١ والمذكور فيه هو ابن راشد ، التهذيب ج ٧ ص ٤١٤ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٩٤ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٥٠٠ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٩٤ ح ٢.

(٤) علل الشرائع ج ٢ باب ٢٦٧ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٩٥ ح ٧.

١٣٥

سمعته يقول : لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي ، فإن ذلك مما يورث الزنا».

وروى في كتاب طب الأئمة عن جابر (١) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : إياك والجماع حيث يراك صبي يحسن أن يصف حالك ، قلت : يا بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كراهة الشنعة؟ قال : لا ، فإنك إن رزقت ولدا كان شهرة علما في الفسق والفجور».

وعن أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : «إياك أن تجامع أهلك وصبي ينظر إليك ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكره ذلك أشد كراهة».

قال في المسالك : أطلق المصنف الكراهة عند وجود من ينظر إليه ، وهو شامل للمميز وغيره ، وقيل : يختص ذلك بالمميز ، وهو حسن ، وتعليل الخبر يقتضي أن الخطر على الولد السامع بأن يكون زانيا ، وأن الضمير المستكن في «ما أفلح أبدا» يرجع إليه لا إلى المجامع.

ووجه الكراهة حينئذ التعرض لنقص الولد السامع ، فلو كان كبيرا دخل في العموم بل أولى وإن لم يتناوله اسم الغلام والجارية. انتهى.

أقول : القول بالاختصاص بالمميز منقول عن الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ وهو جيد لما عرفت من دلالة رواية كتاب طب الأئمة الأولى على ذلك لقوله «يحسن أن يصف حالك» إلا أنه قد نقل في كتاب البحار عن الراوندي في كتاب النوادر أنه روى فيه بإسناده (٣) عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إياكم أن يجامع الرجل امرأته والصبي في المهد ينظر إليهما».

فإنه ظاهر كالصريح في الكراهة وإن كان غير مميز فإن المهد إنما يوضع فيه الرضيع ونحوه.

__________________

(١ و ٢) الوسائل ج ١٤ ص ٩٥ ح ٨ و ٩.

(٣) المستدرك ج ٢ ص ٥٤٦ باب ٥٠ ح ١.

١٣٦

ويمكن الجمع بين الأخبار بالكراهة بنظر الصبي مطلقا وإن تأكدت الكراهة بالنسبة إلى المميز ، وعلى ذلك يحمل الخبر المتقدم.

وأما الرواية التي أشار إليها وهي رواية عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه فهي وإن أوهمت بظاهرها ما ذكره ، إلا أن الرواية الأولى من روايتي كتاب طب الأئمة صريحة في أنه المولود من ذلك الجماع.

وهذا هو الأنسب بالكراهة للمجامع ، بمعنى أن ضرر ذلك عائد إليه في ولده ، وإن احتيج في إرجاع الضمير إليه في قوله «ما أفلح» إلى نوع تكلف وتجوز ، حيث إنه بحسب الظاهر إنما ينساق إلى الصبي المذكور أولا.

وهذه الروايات موردها جماع الرجل امرأته وأهله ، فلا يدخل فيه الجارية التي تكون له.

ويدل عليه صريحا ما رواه في التهذيب عن ابن أبي يعفور (١) في الصحيح «عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينكح الجارية من جواريه ومعه في البيت من يرى ذلك ويسمع؟ قال : لا بأس».

ومنه الجماع عاريا فروى في الكافي عن موسى بن بكر (٢) «عن أبى الحسن عليه‌السلام في الرجل يجامع فيقع عنه ثوبه ، قال : لا بأس».

وروى الشيخ بإسناده عن محمد بن العيص (٣) «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له : أجامع وأنا عريان؟ فقال : لا ولا مستقبل القبلة ولا مستدبرها».

وروى الصدوق في العلل عن حميد بن الحسين بن زيد العلوي (٤) عن أبيه عن

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٠٨ ح ٤١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٤ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٩٧ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٨٤ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤١٢ ح ١٨ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥٥ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٨٤ ح ٢.

(٤) علل الشرائع ج ٢ ص ٥١٨ ط النجف الأشرف ، الوسائل ج ١٤ ص ٨٤ ح ٣.

١٣٧

جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا تجامع الرجل والمرأة فلا يتعريان فعل الحمارين فإن الملائكة تخرج من بينهما إذا فعلا ذلك».

أقول : يمكن الجمع بين هذه الأخبار بحمل الخبر الأول على مورده وهو وقوع الثوب عنه حال الجماع ، فإنه لا يكره له الجماع عاريا ، والخبرين الأخيرين لمن قصد الجماع عاريا كما هو ظاهرهما فإنه يكره.

ومنه التزويج في ساعة حارة عند نصف النهار.

روى في الكافي عن ضريس عن عبد الملك (١) قال : «لما بلغ أبو جعفر عليه‌السلام أن رجلا تزوج في ساعة حارة عند نصف النهار ، فقال : أبو جعفر عليه‌السلام ما أراهما يتفقان فافترقا».

وعن زرارة (٢) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام «أنه أراد أن يتزوج امرأة فكره ذلك أبوه ، قال : فمضيت فتزوجتها حتى إذا كان بعد ذلك زرتها فنظرت فلم أر ما يعجبني فقمت أنصرف فبادرتني القيمة معها إلى الباب لتغلقه علي ، فقال : لا تغلقيه ، لك الذي تريدين فلما رجعت إلى أبي أخبرته بالأمر كيف كان ، فقال : أما إنه ليس لها عليك إلا نصف المهر ، وقال : إنك تزوجتها في ساعة حارة».

أقول : الظاهر أن المراد بالتزويج هنا الدخول ، ويحتمل العقد أيضا على بعد ، وإنما بادرته القيمة لإغلاق الباب لأجل الحيلة على أخذ المهر كملا بالخلوة معها عندهم ، وسيأتي تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله تعالى.

ومنه الجماع ومعه خاتم فيه ذكر الله أو شي‌ء من القرآن لما رواه علي بن جعفر في كتابه (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يجامع ويدخل الكنيف وعليه خاتم فيه ذكر الله أو شي‌ء من القرآن أيصلح ذلك؟ قال : لا». فيه إشارة إلى كراهية استصحاب العود المشتملة على ذلك في تلك الحال أيضا.

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٣٦٦ ح ١ و ٢، الوسائل ج ١٤ ص ٦٣ ح ١ و ٢.

(٣) الوسائل ج ١٤ ص ١٠٥ ح ١.

١٣٨

ومنه الكلام عند الجماع بغير ذكر الله عزوجل ، فروى في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام اتقوا الكلام عند ملتقى الختانين ، فإنه يورث الخرس».

وفي حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (٢) قال : «نهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكثر الكلام عند المجامعة ، وقال : يكون منه خرس الولد».

وبإسناده عن أبي سعيد الخدري (٣) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام أنه قال : «يا علي لا تتكلم عند الجماع فإنه إذا قضي بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس».

وفي الخصال (٤) عن علي عليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال : «إذا أتى أحدكم زوجته فليقل الكلام ، فإن الكلام عند ذلك يورث الخرس».

أقول : الخبر الأول وإن كان مطلقا في النهي عن الكلام إلا أن ظاهر الثاني التقييد بالكثير ، فالقليل منه غير منهي عنه ، ويؤيده الخبر الرابع ، وظاهر الخبر الثالث تخصيص النهي بالرجل دون المرأة ، وكذا ظاهر الرابع والاحتياط لا يخفى.

ومنه النظر إلى فرج المرأة ، فإن المشهور الكراهية وعده ابن حمزة من المحرمات ، والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك :

ما رواه في الكافي عن أبي حمزة (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أينظر الرجل إلى فرج امرأته وهو يجامعها قال : لا بأس». ورواه الشيخ مثله.

وروى عن سماعة (٦) في الموثق قال : «سألته عن الرجل ينظر في فرج المرأة

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٩٨ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٤١٣ ح ٢٥.

(٢ و ٣) الفقيه ج ٤ ص ٢٥٨ وج ٣ ص ٣٥٨ وصايا النبي (ص).

(٤) الخصال ص ٦٣٧ آخر الحديث.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٩٧ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٤١٣ ح ٢٣.

(٦) التهذيب ج ٧ ص ٤١٤ ح ٢٨.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٨٦ ح ١ وص ٨٧ ح ٢ و ٣ و ٤ وص ٨٥ ح ٢ و ٣.

١٣٩

وهو يجامعها؟ قال : لا بأس به إلا أنه يورث العمى في الولد».

وبإسناده إلى أبي سعيد الخدري (١) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام قال : ولا ينظرن أحد إلى فرج امرأته ، وليغض بصره عند الجماع ، فإن النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد».

وفي وصية النبي (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام المذكورة في آخر كتاب الفقيه : «يا علي كره الله لأمتي العبث في الصلاة ـ إلى أن قال : ـ والنظر في فروج النساء لأنه يورث العمى».

وفي كتاب قرب الاسناد للحميري (٣) عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام وان عباس «إنهما قالا : النظر إلى الفرج عند الجماع يورث العمى».

ولعل ابن حمزة استند فيما ذهب إليه من التحريم إلى رواية أبي سعيد الخدري المتضمنة للنهي عن النظر ، والأمر بغض البصر.

وقضية الجمع بين هذه الأخبار هو ما ذكره جل الأصحاب من الجواز على كراهية للعلة المذكورة فيها ، والمفهوم من كلامهم وبه صرح جملة منهم هو عموم الكراهة لحالة الجماع وغيرها.

وهذه الأخبار وهي أخبار المسألة كلها مقيدة بحالة الجماع ، وما أطلق منها وهي رواية واحدة يمكن حملها على ما قيد.

وربما ينساق إلى الناظر من ظاهر أكثر هذه الأخبار أن العمى للناظر يعنى

__________________

(١ و ٢) الفقيه ج ٣ ص ٣٥٩ حديث المناهي وج ٤ ص ٢٥٨ وصايا النبي (ص).

(٣) قرب الاسناد ص ٦٦.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٨٥ ح ٥ وص ٨٦ ح ٧ و ٨.

١٤٠