الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

لا يقال : كما أن الأصل عدم التقدم فكذا الأصل عدم التأخر ، لأنا نقول هو كذلك ، إلا أن الأصل حصل بطريق آخر ، وهو أن التقدم يقتضي تحقق الرضاع في أزمنة تزيد على أزمنة تأخره ، والأصل عدم الزيادة وإن وجد هذا الأصل مع أصل الإباحة قوى جانبه به.

و (ثالثها) قوله تعالى (١) «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» بعد قوله تعالى «وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ» فإن المراد ـ والله أعلم ـ اللاتي أرضعنكم الرضاع المحكوم به شرعا وقوعه في الحولين ، لأن ذلك يشترط قطعا ، وليس محكوما بكون الرضاع في محل النزاع واقعا في الحولين لتقابل الأصلين المتقدمين ، فيندرج التنازع في حل نكاحها في عموم قوله «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ».

قال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد : وهو من أبين المرجحات ثم قال وقد يقال : يرجح التحريم بأنه إذا تعارض الناقل والمقرر رجح الناقل ولأن التأسيس خير ، ولأنه «إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرم».

وضعفه ظاهر ، لأن ترجيح الناقل في النصوص من حيث اشتماله على زيادة لا ينافيها الأخر ، أما في الأصلين كما هنا فهو غير واضح ، وإنما يغلب الحرام الحلال إذا ثبت التحريم شرعا ، كما لو اشتبهت محرمة بأجنبية. انتهى.

المورد السابع : في جملة من الأحكام المتفرقة ونظمها يقع في مسائل.

الأولى : قال العلامة وجمع من الأصحاب إنه لو تزوج بنت الأخ أو الأخت على العمة أو الخالة من الرضاع ، فإن كان بإذنهما صح قولا واحدا وإلا بطل.

وقيل : يقع موقوفا على الإجازة ، والظاهر الأول للنهي الوارد في صحيحة أبي عبيدة الحذاء (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا تنكح المرأة على عمتها

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ٢٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٤٥ ح ١١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٢ ح ٦٥ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦٠ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٠٤ ح ١.

٤٤١

ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة».

وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام (١) «. لا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضا منهما ، فمن فعل فنكاحه باطل». ولعموم قوله عليه‌السلام (٢) «الرضاع لحمة كلحمة النسب» ، وقوله (٣) عليه‌السلام «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

الثانية : لا خلاف ولا إشكال في أنه إذا أوقب غلاما حرمت عليه أم الغلام وبنته وأخته مؤبدا إذا كن من النسب للنصوص الواردة بذلك عن أهل العصمة (صلوات الله عليهم).

والظاهر أنهن لو كن من الرضاع فكذلك لعموم قوله عليه‌السلام «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وصدق الام عليها في قوله عزوجل (٤) «وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ» وكذا الأخت في قوله «وَأَخَواتُكُمْ».

ويؤيد ذلك صحيحة محمد بن مسلم (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل فجر بامرأة أيتزوج أمها من الرضاعة أو بنتها؟ قال : لا».

والتقريب فيه أنه حيث حلت الام من الرضاعة والبنت هنا محل نظيريهما من النسب فحرمتا عليه فكذلك فيما نحن فيه ، الاندراج تحت عموم الخبر النبوي

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٣ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٥ ح ٣.

(٢) ما عثرنا بهذه العبارة نعم في المصباح وابن أثير في مادة لحم بجملة «الولاء لحمة كلحمة النسب» ، عوالي اللئالي ج ٢ ص ٣٠٧ ح ٣٣.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٩١ ح ٥٩ ، الكافي ج ٥ ص ٤٣٨ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٨١ ح ٣ و ٤.

(٤) سورة النساء ـ آية ٢٣.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٣٣١ ح ١٩ ، الكافي ج ٥ ص ٤١٦ ج ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٥ ح ١.

٤٤٢

المذكور.

وربما قيل : بالعدم ، لأن الأم حقيقة في النسبية التي ولدته لقوله تعالى (١) «إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللّائِي وَلَدْنَهُمْ» فلا تتناول النصوص الواردة بالتحريم لها.

وفيه أن الحصر المذكور في الآية إنما هي إضافي بالنسبة إلى المظاهرة وتسمية المظاهر لزوجته اما ، وإلا فقد عرفت في الآية إطلاق الأم على المرضعة والأصل في الاستعمال الحقيقة.

الثالثة : اختلف الأصحاب (رضوان الله عنهم) في الرضاع ، هل يكون مثل النسب في كونه سببا في العتق لو ملك من ينعتق به أم لا؟ ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة في المسألة الثانية من الفصل التاسع في بيع الحيوان من كتاب البيع.

الرابعة : الظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى في تحريم الجمع بين الأختين في النكاح ، سواء كانت الأختية من النسب أو الرضاع لتناول النصوص لكل منهما وقد تقدمت.

ولا فرق بين كون العقد دائما أو منقطعا دخل بإحداهما أم لم يدخل ، لان مناط التحريم الجمع في النكاح وهو صادق بالعقد ، وجميع ما يجري من الأحكام الآتية في النسبية عند ذكر المسألة يجري في الرضاعية.

أما لو جمع بينهما في الملك فالظاهر أنه لا مانع منه ولا قائل بخلاف ذلك فيما أعلم ، لأن الغرض الأصلي في الملك المالية كما قيل ، وليس الغرض منه الوطي ، وإن تعلق به جوازه حتى لو اشترى جارية فوطأها لم يحرم شراء أختها وإنما يحرم الجمع في النكاح لقوله تعالى (٢) «وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ».

نعم يحرم عليه وطئ الثانية بعد أن وطأ الأولى التي كانت عنده قبل شراء

__________________

(١) سورة المجادلة ـ آية ٢.

(٢) سورة النساء ـ آية ٢٣.

٤٤٣

الثانية ، إذ لا خلاف في أنه يحرم عليه الاستمتاع بالثانية ما دامت الاولى في ملكه.

وبالجملة فإنه بوطى‌ء إحدى الأختين المملوكتين يحرم عليه وطئ الأخرى حتى تخرج الاولى عن ملكه ، ويأتي إن شاء الله تحقيق الكلام في المسألة عند ذكرها في محلها ، والغرض هنا التنبيه على أن ما يتعلق بالأختين بالنسب من الأحكام يجري في الأختين من الرضاع ، ومورد أخبار أحكام المسألة الأختان ، الشامل بعمومه لما كان من النسب أو الرضاع.

ولو قيل : إن المتبادر منهما إنما هو الأختية من النسب كما فهمه الأصحاب قلنا : مع ذلك فإنه بانضمام خبر «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». يتم الاستدلال كما عرفت في غير مقام.

الخامسة : لا خلاف بين الأصحاب في أنه لا يشترط إذن المولى ولا إذن الزوج في تحريم الرضاع ، قالوا أما الزوج فظاهر لأنه لا يملك الزوجة ولا لبنها وإن كان منسوبا إليه ، وغاية ما هناك أنه يلزم من الرضاع الإثم إذا استلزم تعطيل بعض حقوقه الواجبة ، وهذا لا يوجب نفي تعلق التحريم بالرضاع ، وهكذا القول في المولى لأن تصرفها في لبنها وإن كان محرما بغير إذن المولى لأنه ماله إلا أنه لا منافاة بين التحريم وبين كون الرضاع محرما ، وبالجملة فإن المعتمد هو إطلاق النصوص الدالة على التحريم فإنه يتناول هذا الإرضاع المذكور.

السادسة : ظاهر المشهور من غير خلاف يعرف هو أنه متى فجر بعمته أو خالته حرم عليه التزويج بابنتهما نسبا ، وسيأتي تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله.

ومقتضى النص النبوي المتقدم تحريم البنت الرضاعية أيضا حسبما عرفت في غير هذا الموضع من فرعية الرضاع على النسب في كل موضع حكم بالتحريم فيه نسبا ، وربما سبق إلى بعض الأوهام القاصرة عدم التحريم لعدم تناول نصوص المسألة للبنت الرضاعية ، والأصل الإباحة ، وهو ضعيف ، فإنك قد عرفت من الأخبار المتقدمة في صدر هذا المطلب أن هذا الخبر النبوي قاعدة كلية وضابطة

٤٤٤

جلية في تفريع الرضاع على النسب فإنهم عليهم‌السلام بعد ذكر الأحكام في تلك الأخبار يستدلون بهذا الخبر من حيث كونه قاعدة كلية في هذا الباب ، كما لا يخفى على ذوي الأذهان والألباب ، والله العالم بحقائق أحكامه.

المطلب الثالث : فيما يحرم بالمصاهرة ، وهي على ما ذكره الأصحاب علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباء كل منهما بسبب النكاح توجب الحرمة ، ويلحق بالنكاح الوطي والنظر واللمس على وجه مخصوص.

قال شيخنا الشهيد الثاني : هذا هو المعروف من معناها لغة وعرفا فلا يحتاج إلى إضافة وطئ الأمة والشبهة والزنا ونحوه إليها وإن أوجب حرمة على بعض الوجوه ، إذ ذاك ليس من المصاهرة بل من جهة ذلك الوطي وإن جرت العادة بإلحاقها بها في بابها. انتهى.

أقول : وكيف كان فلا بد من الكلام على كل من هذه المذكورات وتحقيق الحال فيها ، ثم الكلام فيما يلحق بذلك ، فهنا مقصدان :

الأول : في الكلام على هذه المذكورات ، وذلك يكون في مقامات.

الأول : في النكاح الصحيح وفيه مسائل :

الأولى : من وطأ امرأة بالعقد الصحيح دواما أو متعة أو بالملك حرم على الواطئ أم الموطوءة وبناتها وإن سفلن ، تقدمت ولادتهن أو تأخرت ولو لم تكن في حجره.

قال السيد السند في شرح النافع : هذه الأحكام مجمع عليها بين المسلمين فلا حاجة إلى التشاغل بأدلتها. انتهى.

ولا يتوهم من ظاهر الآية اشتراط كون الربائب في الحجر حيث وصف الربائب المحرمات بكونهن في الحجر ، فإنه إنما خرج مخرج الغالب ، وقد وقع الاتفاق نصا وفتوى على أن هذا الوصف غير معتبر ، والأخبار من الخاصة والعامة مستفيضة بالتحريم ، سواء كن في الحجر أم لا ، فالوصف للتعريف لا للتخصيص.

٤٤٥

فروى الشيخ في التهذيب عن غياث بن إبراهيم (١) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أن عليا عليه‌السلام قال : إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأم ، فإذا لم يدخل بالأم فلا بأس أن يتزوج بالابنة ، فإن تزوج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها فقد حرمت عليه الام ، وقال : الربائب عليكم حرام ، كن في الحجر أو لم يكن».

وروى في الفقيه (٢) قال : «قال علي عليه‌السلام : الربائب عليكم حرام» الحديث.

وعن إسحاق بن عمار (٣) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي قد دخلتم بهن ، هن في الحجور وغير الحجور سواء» الحديث.

وروى في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (٤) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة متعة ، أيحل له أن يتزوج ابنتها؟ قال : لا».

وروى الشيخ عن محمد بن مسلم (٥) في الصحيح قال : «سألت أحدهما عليهما‌السلام عن رجل كانت له جارية فأعتقت فتزوجت فولدت ، أيصلح لمولاها الأول أن يتزوج بنتها؟ قال : لا ، هي عليه حرام وهي ابنته ، والحرة والمملوكة في هذا سواء».

وما رواه في الفقيه عن العلاء عن محمد بن مسلم (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل كانت له جارية وكان يأتيها فباعها ، فأعتقت وتزوجت فولدت ابنة

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٧٣ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥١ ح ٤.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٢ ح ٣٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٢ ح ٦.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٧٣ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥١ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٢٢ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٧٧ ح ١١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٠ ح ١.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٢٧٧ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٨ ح ٦.

(٦) الفقيه ج ٣ ص ٢٨٧ ح ١١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٨ ح ٦.

٤٤٦

هل يصلح ابنتها لمولاها الأول؟ قال : هي حرام عليه».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن جميل بن دراج (١) عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام «في رجل كانت له جارية فوطأها ثم اشترى أمها أو بنتها ، قال : لا تحل له» وزاد في الكافي «أبدا».

إلى غير ذلك من الأخبار المتكاثرة في حكم الإماء الدالة على التحريم ولكن قد ورد في مقابلتها أخبار أخر ـ وإن كانت أقل عددا ـ دالة على عدم التحريم في الإماء ، وإنما ذلك مخصوص بالحرائر.

ومنها ما رواه الشيخ عن رزين بياع الأنماط (٢) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجل كانت له جارية فوطأها فباعها أو ماتت ، ثم وجد ابنتها أيطأها؟ قال : نعم ، إنما هذا من الحرائر ، أما الإماء فلا بأس». ومثلها رواية أخرى لرزين (٣) أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام.

ورواية الفضل بن يسار (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له مملوكة يطأها فماتت ثم يصيب بعد ، ابنتها قال : لا بأس ليست بمنزلة الحرة».

وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار بتأويلات لا يخلو من بعد ، ولا أعلم قائلا بهذه الأخبار ، بل قد عرفت مما قدمنا نقله عن صاحب المدارك في شرح النافع دعوى الإجماع على التحريم في تلك الأشياء المعدودة التي من جملتها هذا الفرد.

وكيف كان فإنه كما يحرم على الواطئ أم الموطوءة وبناتها كما تقدم يحرم على الموطوءة أبو الواطئ وإن علا وأولاده وإن سفلوا تحريما مؤبدا.

ولو تجرد العقد عن الوطي حرمت المعقود عليها على أب العاقد وإن علا ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٣١ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٧٦ ح ٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٧ ح.

(٢ و ٣ و ٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٧٨ ح ١٧ و ١٨ وص ٢٧٩ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٠ ح ١٦ و ١٤ و ١٥.

٤٤٧

وأولاده وإن سفلوا.

أما تحريمها على أب العاقد بمجرد العقد فلقوله تعالى (١) «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ» الشامل لمن كانت مدخولا بها وغيرها ، وقوله تعالى (٢) «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ» والنكاح حقيقة في العقد كما صرح به جمع من الأصحاب ولو نوقش بأنه حقيقة في الوطي أو مشترك فالآية الأولى كافية في الاستدلال.

وأما تحريمها على ابنه فيدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة والفضيل (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث العامرية والكندية ، «قال أبو جعفر عليه‌السلام : لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها أتحل لابنه؟ قالوا : لا ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعظم حرمة من آبائهم».

وما رواه في التهذيب عن يونس بن يعقوب (٤) قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام رجل تزوج امرأة فمات قبل أن يدخل بها أتحل لابنه؟ فقال : إنهم يكرهونه». والمراد بالكراهة هنا التحريم كما هو شائع في الأخبار.

الى غير ذلك من الأخبار ، وحرمت بنتها على العاقد جمعا لا عينا ، فلو فارق الام ولم يدخل بها جاز له تزويج البنت لقوله تعالى (٥) «وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ» وهو صريح في الحكم المذكور.

وهل تحرم أمها بنفس العقد أم لا تحرم إلا بالدخول بالبنت؟ المشهور الأول ، وذهب ابن أبي عقيل إلى الثاني ، والأخبار في المسألة مختلفة ، وإن كان الظاهر هو المشهور وحيث إن بعض محققي متأخري المتأخرين استشكل في

__________________

(١ و ٢) سورة النساء ـ آية ٢٣ و ٢٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٢١ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣١٣ ح ٤.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٨١ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣١٥ ح ٩.

(٥) سورة النساء ـ آية ٢٣.

٤٤٨

المسألة غاية الاشكال وبعضا آخر (١) كذلك أيضا قد جعلها مما يرجى حكمه حتى يظهر الحق لما فيها من الإعضال ، رأيت أن أبسط الكلام في المقام بتوفيق الملك العلام بما لم يسبق إليه سابق من علمائنا الأعلام.

فأقول وبه سبحانه الثقة لا دراك المأمول ونيل المسؤل : من الأدلة الدالة علي القول المشهور قوله عزوجل في تعداد المحرمات «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ».

والتقريب فيها أن ظاهر قوله تعالى «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» في تعداد المحرمات المعدودة ، هو الشمول للمدخول بهن وغيرهن ، فإن الجمع المضاف يفيد العموم كما قرر في محله ، وبهذا المعنى وردت الأخبار المأثورة في تفسير الآية المذكورة كما ستمر بك إن شاء الله.

ونقل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (٢) عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال : أبهموا ما أبهم الله ، يعني عمموا حيث عمم بخلاف الربائب ، فإنه قيدهن بالدخول بأمهاتهن فيتقيدن.

وأنت خبير بأن ظاهر قوله سبحانه «وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» نعت للنساء اللواتي هن أمهات الربائب لا غير ، وعلى ذلك أيضا تدل الأخبار الآتية ، وبذلك يظهر لك صحة دلالة الآية بطرفيها على القول المذكور.

وأما على تقدير قول ابن أبي عقيل ، فإنهم قد حملوا الآية على أن قيد الدخول راجع إلى المعطوف والمعطوف عليه ، وأن يكون قوله تعالى «مِنْ نِسائِكُمُ» راجعا

__________________

(١) أما الأول فهو السيد السند صاحب المدارك في شرحه على النافع ، والثاني هو المحقق المدقق الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن يوسف البحراني صاحب رياض المسائل وحياض الدلائل (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) المسالك ج ١ ص ٤٧٧.

٤٤٩

إلى الجميع أيضا لا إلى الجملة الأخيرة ، فيكون المعنى بالنسبة إلى تعلقه بالجملة الاولى «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ... مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ».

ورد الحمل المذكور (أولا) بأن الوصف والشرط والاستثناء المتعقب للجمل يجب عوده للأخيرة ، كما حقق في الأصول ، إلا مع قيام القرينة الدالة على خلاف ذلك.

و (ثانيا) أن رجوع «مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» إليهما غير مستقيم حيث إن (من) على تقدير التعلق بالجملة الأولى تكون بيانية لبيان الجنس وتمييز المدخول بهن من غير المدخول بهن ، فيكون التقدير حرمت عليكم أمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن.

وعلى تقدير التعلق بربائبكم تكون ابتدائية ، لابتداء الغاية كما تقول : بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خديجة (رضي‌الله‌عنها) ، ويمتنع أن يراد بالكلمة الواحدة في الخطاب الواحد معنيان مختلفان.

و (ثالثا) ما نقله في كتاب مجمع البيان عن الزجاج من أن الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا ، قال : لا يجيز النحويون «مررت بنسائكم وهربت من نساء زيد الظريفات» على أن يكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء وهؤلاء النساء. انتهى.

أقول : ونحوه ما نقله بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين عن أحمد بن محمد المقري في شرح الوجيز للشافعي حيث قال ـ بعد كلام في المقام ـ : وذهب بعض الأمة المتقدمين إلى جواز نكاح الأم إذا لم يدخل بالبنت ، وقال : الشرط الذي في الآية يعم الأمهات والربائب وجمهور العلماء على خلافه ، لأن أهل العربية ذهبوا إلى أن الخبرين إذا اختلفا لا يجوز أن يوصف الاسمان بوصف واحد ، فلا يجوز «قام عمرو وقعد زيد الظريفان» وعلله سيبويه باختلاف العامل في الصفة لأن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف.

٤٥٠

وبيانه في الآية أن قوله «اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» يعود عند القائل إلى «نِسائِكُمْ» وهو مخفوض بالإضافة ، وإلى «رَبائِبُكُمُ» وهو مرفوع ، والصفة الواحدة لا تتعلق بمختلفي الاعراب ولا بمختلفي العامل كما تقدم. انتهى.

و (رابعا) وهو أقواها وأمتنها وأظهرها وأبينها ـ وإن كانت هذه الوجوه كلها ظاهرة بينة الدلالة على المطلوب ـ الأخبار الواردة بتفسير الآية حيث إنها فصلت بين الجملتين وصرحت بأن الجملة الأولى مطلقة شاملة للمدخول بها وغيرها ، والثانية مقيدة وأن القيد المذكور راجع إليها على الخصوص ، ومنه يعلم دلالة الأخبار أيضا على الحكم المذكور ، وتطابق القرآن معها على الدلالة على القول المشهور ويظهر بطلان ما ادعوه من حمل الآية على ذلك المعنى أتم الظهور.

فمن الأخبار المشار إليها رواية إسحاق بن عمار (١) «عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي قد دخلتم بهن في الحجور وغير الحجور سواء ، والأمهات مبهمات دخل بالبنات أم لم يدخل ، فحرموا وأبهموا ما أبهم الله».

وهذه الرواية كما ترى صريحة الظهور في القول المشهور ، وفيها إشارة إلى تفسير الآية بالإطلاق في الجملة الاولى والتقييد في الثانية ، فإن قوله عليه‌السلام : «والأمهات مبهمات» مأخوذ من إبهام الباب ، بمعنى إغلاقه ، وأمر مبهم لا مأتي له ، أو من أبهمت الشي‌ء إبهاما إذا لم يتبينه ، أو من قولهم فرس مبهم ، وهو الذي لا يخالط لونه لون أحمر ، والمعنى أنها مغلقة في التحريم لا مدخل للحل فيها بوجه ، أو أنها لم تبين وتفصل أو أنها لم تميز تميز الربائب بوقوع التقييد بالدخول الذي أوجبه الاستثناء فيها ، فكأنه لم يخلط صفة حرمتها بحل ، فهي كالمصمتة لا يخالطها لون سوى لونها.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٧٣ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥١ ح ٣.

٤٥١

ومنها رواية غياث (١) وقد تقدمت بتمامها في صدر المسألة وهي أيضا صريحة الدلالة على القول المشهور.

ومنها موثقة أبي بصير (٢) قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فقال : تحل له ابنتها ولا تحل له أمها». وهي أيضا صريحة الدلالة على المراد.

ومنها ما رواه العياشي في تفسيره عن أبي حمزة (٣) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها ، أتحل له ابنتها؟ قال : فقال : وقد قضى في هذا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لا بأس به إن الله تعالى يقول «وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ». ولكنه لو تزوج الابنة ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له أمها ، قال : قلت : أليس هما سواء؟ قال : فقال : لا ليس هذه مثل هذه ، إن الله تعالى يقول «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» لم يستثن في هذه كما اشترط في تلك ، هذه هنا مبهمة ليس فيها شرط وتلك فيها شرط.

أقول : وهذه الرواية نص في المطلوب صريحة في المعنى الذي حملنا عليه الآية ، وبه يظهر ضعف تلك التخريجات الباردة والتوهمات الشاردة في حمل الآية على القول الآخر.

ومما استدل به للقول الآخر صحيحة منصور بن حازم (٤) المروية في الكافي قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٧٣ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥١ ح ٤.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٧٣ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٢ ح ٥.

(٣) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٣٠ ح ٧٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٦ ح ٧.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٢٢ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٧٤ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٤ ح ١.

٤٥٢

فماتت قبل أن يدخل بها ، أيتزوج بأمها؟ فقال : أبو عبد الله عليه‌السلام قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا ، فقلت : جعلت فداك ما تفخر الشيعة إلا بقضاء علي عليه‌السلام في هذه الشمخية التي أفتاها ابن مسعود أنه لا بأس بذلك.

ثم أتى عليا عليه‌السلام فسأله ، فقال له علي عليه‌السلام : من أين أخذتها؟ فقال : من قول الله عزوجل (١) «وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ» فقال علي عليه‌السلام : إن هذه مستثناة ، وهذه مرسلة وأمهات نسائكم ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام للرجل : أما تسمع ما يروى هذا عن علي عليه‌السلام؟ فلما قمت ندمت وقلت : أي شي‌ء صنعت يقول هو : قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا ، وأقول أنا : قضى علي عليه‌السلام فيها فلقيته بعد ذلك فقلت له : جعلت فداك مسألة الرجل إنما كان الذي قلت يقول كان ذلة منى ، فما تقول فيها؟ فقال : يا شيخ تخبرني أن عليا عليه‌السلام قضى بها وتسألني ما تقول فيها؟».

وروى هذه الرواية أيضا العياشي في تفسيره عن منصور بن حازم (٢) وفيها «فقلت له : والله ما تفخر الشيعة على الناس إلا بهذا ، إن ابن مسعود أفتى في هذه الشمخية أنه لا بأس بذلك». إلى آخر ما تقدم.

قوله عليه‌السلام «إن هذه مستثناة» إشارة إلى تحريم الربائب ، ومعنى كونها «مستثناة» أي مقيدة ، فإن التحريم مقيد بالدخول بالأم ، والكلام المقيد من حيث القيد فيه استثناء لما خرج عن محل القيد ، فكأنه قيل حرمت عليكم الربائب إلا مع عدم الدخول بالأم.

وقوله «هذه مرسلة» راجع إلى تحريم الأمهات ، ومعنى كونها «مرسلة» أي مطلقة مأخوذ من قولهم «دابة مرسلة» أي غير مربوط : وهو يقابل التقييد

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ٢٢.

(٢) تفسير العياشي ح ١ ص ٢٣١ ح ٧٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٤ ح ١.

٤٥٣

الذي في الاولى ، والمراد أن تحريم الأمهات مع العقد على البنات مطلق ، سواء دخل بالبنت أم لا ، فقوله «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» بدل من قوله «وهذه مرسلة» ، والواو من الكلام المحكي فلا يتوهم كونها عاطفة.

وهذه الرواية مما استدل به لابن أبي عقيل ، وهي ـ عند التأمل الصادق في سياقها ـ بالدلالة على القول المشهور أشبه ، فإن عدوله عليه‌السلام عن الجواب الصريح بالجواز في قوله «قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا» ، مع احتمال كون الفعل المنفي بالياء وضمير الغائب مجهولا أو معلوما إنما كان لنوع علة في المقام ، والظاهر أنها للتقية.

والاستدلال بالخبر مبني على كون الفعل المنفي بالنون ، ليكون دالا على أنهم لا يرون بذلك بأسا ، وهو غير متعين.

ويؤيده بأظهر تأييد قول منصور بن حازم ونقله عن علي عليه‌السلام ما نقله مع عدم تكذيب الامام عليه‌السلام له ولا إنكاره عليه ، بل ظاهره تقريره على ذلك ، سيما ما تضمنه الكلام من افتخار الشيعة بقضاء علي عليه‌السلام في هذه الواقعة المؤيد بما تضمنته الأخبار المتقدمة من حكاية ذلك عن علي عليه‌السلام ، ونسبته إلى الشيعة بطريق الجزم يشعر باستفاضته يومئذ إن لم ندع أنه مجمع عليه إذ لا يقصر عن قول ـ بعض الفقهاء في كتبهم ـ وهذا مذهب الشيعة فإنهم يجعلونه مؤذنا بدعوى الإجماع ، بل إجماعا حقيقة ، وأن قول الصادق عليه‌السلام أخيرا لما اعتذر إليه منصور بن حازم من تعرضه عليه «يا شيخ تخبرني أن عليا عليه‌السلام قضى فيها وتسألني ما تقول» مراد به : أن قولي قول علي عليه‌السلام في ذلك وقضائه ، فكيف تسألني بعد علمك بقضاء علي عليه‌السلام فيها.

وبالجملة فسوق الكلام ينبئ عن الإبهام في جوابه عليه‌السلام لذلك الرجل ، ولعل وجه الإبهام ما ذكره بعض مشايخنا الاعلام من متأخري المتأخرين من أنه حيث كان نقل الشيعة عن علي عليه‌السلام في هذه الواقعة خلاف ما نقله العامة عنه

٤٥٤

حيث قال العلامة في التذكرة ، ونقل العامة عن علي عليه‌السلام أنه يشترط في تحريم الام الدخول بالبنت كالبنت ، وبه قال أنس بن مالك ، ومجاهد وداود الأصفهاني وبشر المريسي كان عدم التصريح بتصحيح ما نقله منصور بن حازم من تقية ، وعدم التصريح بجواب أصل المسألة دفعا لما يدل عليه الجواب من تصحيح أحد النقلين. وبالجملة فالرواية لما فيها من الإجمال والاحتمال لا تصلح للاستدلال.

ومنها صحيحة جميل وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام على ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في كتابيه (١) قال : «الام والابنة سواء إذا لم يدخل بها ، يعني إذا تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فإنه إن شاء تزوج أمها وإن شاء تزوج ابنتها» (٢).

وأنت خبير بأنه لا دلالة في هذه الرواية صريحا ولا ظاهرا إلا بمعونة التفصيل المذكور وهو غير معلوم كونه من الامام عليه‌السلام ، بل الظاهر أنه من بعض الرواة ، وحينئذ فلا يكون حجة.

وبالجملة فإن حجية الاستدلال به موقوفة على كون ذلك عن الامام عليه‌السلام وهو غير معلوم ولا ثابت. وأما أصل الرواية مع قطع النظر عن هذا التفسير المذكور فيحتمل أن يكون المعنى فيه أنه إذا تزوج الام ولم يدخل بها فالام والبنت

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٢١ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٧٣ ح ٤ وفيه «الام والبنت» ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٥ ح ٣.

(٢) قال الشيخ (رحمه‌الله) بعد نقل هذا الخبر : هذا الخبر مخالف للقرآن فلا يجوز العمل عليه ، لانه روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام أنهم قالوا إذا جائكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فإذا وافق كتاب الله فخذوه وما خالف فاطرحوه وردوه إلينا. قال : ويجوز أن يكون ورد مورد التقية لأنه موافق لمذهب بعض العامة ، انتهى.

أقول : قد عرفت مما ذكرنا في الأصل أن ما ذكره غير محتاج اليه الا مع ثبوت كون تلك الزيادة عنه عليه‌السلام وهو غير معلوم. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٥٥

سواء في أصل الإباحة فإن شاء دخل بالأم وإن شاء فارقها وتزوج البنت ، ويؤيده إفراد الضمير فإنه راجع إلى الأم.

ويحتمل أن يكون معناه أنه إذا تزوج الام والبنت ولم يدخل بهما فهما سواء في التحريم جمعا لا عينا.

ومما يؤيد ما ذكرنا ـ من أن التفسير ليس من أصل الرواية ـ أن صاحب الوسائل نقل هذه الرواية في أخبار المسألة من كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى (١) عارية عن هذه الزيادة.

نعم روى هذه الرواية الصدوق في الفقيه بما هذه صورته : عن جميل بن دراج (٢)» أنه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها أتحل له ابنتها؟ قال : الام والابنة في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى».

وهذه الرواية وإن كانت صريحة الدلالة على القول المذكور ، إلا أنه من المحتمل قريبا أن قوله ـ «إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى» ـ تفسير بالمعنى من الصدوق (رحمه‌الله) تبعا لما فسر به في تلك الرواية لما علم من تصرفه في الأخبار على حسب ما ذهب إليه فهمه.

ويؤيده اختلاف المحدثين في نقل الخبر فبين من نقله عاريا من التفسير بالكلية وبين ما نقله بلفظ يعني كما في الرواية المتقدمة ، وبين من نقله بما يوهم كونه من أصل الخبر كما فعله في الفقيه ، ومع هذا الاحتمال فلا يتم الوثوق والاعتماد على الخبر المذكور.

نعم ربما كان نقل الصدوق للخبر بهذه الكيفية مؤذنا بكون مذهبه ذلك بناء على قاعدته في كتابه ، إلا أن فيه أنا قد تحدينا مواضع عديدة في كتابه

__________________

(١) الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٥ ح ٣.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٢ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٦ ح ٦.

٤٥٦

وقت قراءة بعض الأعلام الكتاب علينا فوجدناه في جملة من المواضع قد جمع فيها بين الأخبار المتنافية التي لا يمكن جعلها جميعا مذهبا له ، ولم يذكر وجه الجمع فيها بما يوجب رجوع بعضها إلى بعض ، كما لا يخفى على من راجع الكتاب ، وتأمله حق التأمل في هذا الباب.

ومنها معلقة محمد بن إسحاق بن عمار (١) قال : «قلت له رجل تزوج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها تحل له أمها ، وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل بها». وهذه الرواية أوضح ما استدل به لهذا القول.

وكيف كان فالقول الفصل ـ في هذا المقام والمذهب والذي لا يعتريه شائبة الإبهام ـ هو أن يقال : لا ريب في صراحة الروايات الأول في الدلالة على القول المشهور ، ولا شبهة في مطابقتها للكتاب العزيز ، ولا سيما مع ما ورد من تفسيرها بذلك عنهم عليهم‌السلام كما دريت.

وقد استفاض عنهم عليهم‌السلام عرض الأخبار عند التعارض والاختلاف عليه ، والأخذ بما وافقه وطرح ما خالفه ، وهذه الأخبار الدالة على هذا القول الآخر ظاهرا أو احتمالا مخالفة له فيجب طرحها بمقتضى القاعدة المذكورة ، ومع التحاشي عن طرحها بالكلية فما كان منها قابلا للحمل على ما يجتمع به على تلك الأخبار يجب أن يصار إليه ، تفاديا من طرحها ، وما لا يكون قابلا لذلك يجب حمله على التقية التي هي الأصل في اختلاف الأخبار في جميع الأبواب.

ويعضد ذلك شهرة الحكم بالقول المشهور سابقا ولا حقا كما سمعت من صحيحة منصور بن حازم (٢) بتقريب ما ذيلناها به.

وأما نسبة هذا القول إلى الصدوق كما ذكره في المختلف ففيه ما عرفت ، ويؤيده أيضا أنه قال في كتاب المقنع إذا تزوج البنت فدخل بها أو لم يدخل

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٧٥ ح ٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٦ ح ٥.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٧٤ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٤ ح ١.

٤٥٧

فقد حرمت عليه الام.

وقد روى «أن الأم والبنت في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى».

وهو ظاهر في فتواه بالقول المشهور ، ونسبة القول الآخر إلى الرواية ، والمعلوم من حاله وعادته أنه لا يختلف فتواه في كتبه كغيره من المجتهدين.

وبالجملة فهو قرينة ظاهرة فيما نقلناه ، ويعضد أخبار القول المشهور موافقتها للاحتياط الذي هو أحد المرجحات المنصوصة عند التعارض كما تضمنه مرفوعة زرارة.

وبما قررناه في هذه السطور وأوضحناها بما لا يداخله القصور يظهر لك قوة القول المشهور ، وأنه المؤيد المنصور.

وأما من استشكل في هذه المسألة من المحققين المتقدمين ، فإن منشأ ذلك بالنسبة إلى أولهما أنه حيث كان من أرباب هذا الاصطلاح المحدث ، ولا يعمل من الأخبار إلا على الصحيح منها أو الحسن.

وأخبار إلا على الصحيح منها أو الحسن. وأخبار القول المشهور وإن كانت ضعيفة باصطلاحه ، إلا أن المشهور العمل بها ، حصل له الاشكال والتوقف لمعارضة صحة تلك الروايات بشهرة العمل بهذه الروايات ، وهذا الاشكال مفروغ عنه عندنا ، حيث إنه لم يقم لنا دليل على صحة هذا الاصطلاح ، بل الأدلة قائمة على خلافه وأنه إلى الفساد أقرب من الصلاح ، كما تقدم إيضاحه في مقدمات الكتاب في الجلد الأول من كتاب الطهارة (١).

وأما ثانيهما فإنه قال ـ بعد الكلام في المقام بإبرام النقض ونقض الإبرام ـ : ويمكن ترجيح قول ابن أبي عقيل بأصالة الحل ، وقوله عليه‌السلام (٢) «كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه». وظاهر الكتاب لا يأباه ، بحيث إن

__________________

(١) ج ١ ص ١٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣١٣ ح ٤٠ التهذيب ج ٧ ص ٢٢٦ ح ٩ ، الوسائل ج ١٢ ص ٦٠ ح ٤.

٤٥٨

الخبر المخالف له يعد مخالفا للكتاب المخالفة الموجبة للرد.

واحتمال إطلاق أخبار التحريم شدة الكراهة المقتضي للجمع بين الأخبار الذي هو أولى من العمل بها المقتضى لطرح أخبار الجواز أصلا ورأسا ، والمسألة قوية الإشكال جدا ، ثم ساق الكلام إلى أن قال : هذه المسألة من المعضلات المأمور بالإرجاء حتى يظهر الحق. انتهى كلامه ، علت في الفردوس أقدامه.

وفيه نظر من وجوه : الأول : أن أصالة الحل التي استند إليها فهو مما يجب الخروج عنها بعد قيام الدليل على خلافها ، وقد تقدم ذلك من الكتاب والسنة على وجه واضح الظهور ، بل كالنور على الطور.

الثاني : أن ما استند إليه من خبر «كل شي‌ء لك حلال» مردود بأن الظاهر أن أفراد هذه الكلية إنما هي موضوعات الحكم الشرعي ، لا نفس الحكم الشرعي كما تقدم إيضاحه في مسألة الإنائين من كتاب الطهارة ، وفي مقدمات الكتاب من جلد كتاب الطهارة ، وكذا مثل ذلك في كتاب الدرر النجفية ، فأفراد هذه الكلية إنما هي الأفراد المعلوم حلها ثم يعرض لها ما يوجب الشك في التحريم ، فإنه يجب استصحاب الحكم بحلها المعلوم أولا حتى يثبت التحريم ، فلا يكتفي في ذلك بالظن فضلا عن الشك.

والغرض من ذلك بيان سعة الشريعة وسهولتها ، ودفع الوساوس الشيطانية ، وحينئذ فافرادها الجهل بمعروض الحكم الشرعي ، لا أن إفرادها الجهل بالحكم الشرعي ، ومن أحب تحقيق الكلام في هذا المقام ، فليرجع إلى المواضع المذكورة.

الثالث : قوله «وظاهر الكتاب لا يأباه» فإن فيه ما عرفت سابقا من الوجوه الدالة على بطلان حمل الآية على هذا المعنى فظهور الآية في إبائه مما لا يستراب فيه ، ولا شك يعتريه كما لا يخفى على من نظر إلى ما قدمناه بعين الإنصاف ، وبه يكون مخالفتها موجبة للرد بلا ريب ولا إشكال.

الرابع : قوله «واحتمال إطلاق أخبار التحريم شدة الكراهة فإنه بعيد

٤٥٩

غاية البعد عن سياق تلك الأخبار سيما ما تضمن منها تفسير الآية مع اعتضادها بظاهر الآية وعدم صراحة المخالف من الأخبار في المخالفة سوى الرواية الأخيرة التي يضعف عن مقاومة تلك الأخبار.

وما تمسك به ـ من لزوم طرح المقابل متى عمل على أخبار التحريم ـ مردود بما ذكرنا سابقا من أن الأخبار المقابلة منها ما ليس بصريح في المخالفة ، بل يمكن حمله على تلك الأخبار.

وما كان صريحا أو ظاهرا يمكن حمله على التقية ولو لم يكن قائلا به من العامة بالكلية كما تقدم بيانه في غير موضع ، فكيف مع وجود القائل ، فلا يلزم ما توهمه من طرحها بالكلية.

وبالجملة فأخبار التحريم مع صراحتها مؤيدة بالقرآن ، والشهرة في قوله عليه‌السلام (١) «خذ بما اشتهر بين أصحابك». والاحتياط الذي هو كما عرفت من جملة المرجحات ، وليعلم أن ما ذكرنا هنا من هذا التحقيق قد سبق لنا قبل تصنيف هذا الكتاب ، فأثبتنا هنا كما هو ، لما فيه من الإحاطة بأطراف الكلام في الباب ، والله العالم.

المسألة الثانية : لا خلاف بين الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) في أنه لا يحرم مملوكة الأب على الابن ولا العكس بمجرد الملك ، وأما مع وطئ كل منهما مملوكته ، فإنها تحرم على الآخر : قال السيد السند في شرح النافع : هذان الحكمان إجماعيان منصوصتان.

أقول : أما عدم التحريم بمجرد الملك فلأن الأصل الإباحة حتى يقوم دليل على التحريم ، والمحرمات معدودة في الأخبار وكلام الأصحاب ، وليس منها بمجرد ملك الأب أو الابن بالنسبة إلى الآخر ، وهو ظاهر.

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ٣ ص ١٢٩ ح ١٢ ، مستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٨٥ ب ٩ ح ٢.

٤٦٠