الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام «قال سألته عن الرجل يتزوج المملوكة؟ قال : لا بأس إذا اضطر إليها».

ورواه بطريق آخر في الموثق عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المملوكة؟ قال : إذا اضطر إليها فلا بأس».

وما رواه في الكافي عن زرارة بن أعين (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج الأمة؟ قال : لا ، إلا أن يضطر إلى ذلك».

وعن أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الحر يتزوج الأمة؟ قال : لا بأس إذا اضطر إليها».

والتقريب فيها ثبوت البأس مع عدم الضرورة وهو يقتضي التحريم ، لأن المراد بالبأس المنفي هو التحريم ، وقد دل الخبر على ثبوته مع انتفاء الضرر ، وإذا ثبت اشتراط الجواز بذلك كان مخصصا لعموم الآيات التي استدل بها المجوزون ورافعا للاضل الذي استندوا إليه أيضا ، استدل القائلون بالقول الثاني بالأصل وعموم قوله تعالى «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ» (٥) وقوله «وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ» (٦) وقوله «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» (٧).

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٢١ ح ٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٧ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٤ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٢ ح ٦.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٦٠ ح ٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩١ ح ١.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٣٥٩ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٤ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩١ ح ٤.

(٥) سورة النور ـ آية ٣٢.

(٦) سورة البقرة ـ آية ٢٢١.

(٧) سورة النساء ـ آية ٢٤.

٥٦١

ويؤيده ما رواه في الكافي عن يونس بن عبد الرحمن (١) عنهم عليهم‌السلام قال : «لا ينبغي للمسلم الموسر أن يتزوج الأمة إلا أن لا يجد حرة» الحديث.

وعن أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا ينبغي للحر أن يتزوج الأمة وهو يقدر على الحرة».

وعن ابن بكير (٣) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا ينبغي أن يتزوج الرجل الحر المملوكة اليوم ، إنما كان ذلك حيث قال الله عزوجل (٤) «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً» ،. والطول المهر ، ومهر الحرة اليوم مثل مهر الأمة أو أقل» وهذه الرواية هي التي أشرنا إليها آنفا بأنها تدل على أن الطول عبارة عن ملك المهر خاصة.

والتقريب في هذه الروايات أنه عبر فيها بلفظ «ينبغي» وهو ظاهر في الكراهة وأجاب في المختلف ـ حيث اختار الجواز ـ عن الآية بأنها تدل من حيث المفهوم وهو ضعيف ، وإذا عارضه المنطوق خرج عن الدلالة.

علي أن المعلق الأمر بالنكاح إما إيجابا أو استحبابا ، فإذا انتفى المعلق عليه انتفى الوصف الزائد على الجواز ، وأيضا أنه خرج مخرج الأغلب فلا يدل على نفي الحكم عما عداه ، قال : وكذا الجواب عن الخبر.

ورد بأن مفهوم الشرط حجة عند المحققين ، ولا منطوق يعارضه ، بل العموم وهو قابل للتخصيص ، وإنما يتم كون المعلق على الشرط الأمر لو قدرنا الجار في قوله «فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» متعلقا بمحذوف يدل على الأمر كقوله

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٦٠ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩١ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٦٠ ح ٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩١ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٦٠ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٤ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩١ ح ٥.

(٤) سورة النساء ـ آية ٢٤.

٥٦٢

«فلينكح» وليس بلازم ، لجواز تقديره بما يناسب الحل بغير الأمر كقوله «فنكاحه مما ملكت أيمانكم» ، ونحو ذلك.

ويؤيده أن الآية مسوقة لبيان الحل والحرمة ، لا لبيان الأمر ، وإخراج الشرط مخرج الأغلب خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بدليل بعينه ، كتقييد تحريم الربائب بكونهن في الحجور. انتهى ، وهو جيد (١).

أقول : لا يخفى أن الاستدلال بالأخبار من الطرفين لا يخلو من الإشكال ، أما أخبار القول بالتحريم فلأنه مبني على أن البأس المذكور فيها بمعنى التحريم ومفهومه أعم من ذلك ، ولذا قيل إن نفي البأس لا يخلو من البأس.

وأما أخبار القول بالجواز فلأنه مبني على أن لفظ «ينبغي» و «لا ينبغي» بمعنى الأولى وخلاف الأولي ، وقد عرفت في غير موضع مما تقدم أنه وإن كان كذلك بحسب العرف الآن بين الناس ، إلا أن المستفاد من الأخبار المتكاثرة استعماله

__________________

(١) كذا نقله في المسالك ، وقال سبطه في شرح النافع في الجواب عما ذكره العلامة : وفيه نظر ، فان المفهوم الواقع في الآية مفهوم شرط ، وهو حجة عند المحققين ومنهم العلامة (قدس‌سره) ودلالة قوله تعالى «ذلِكَ» يعنى نكاح الإماء «لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ» بمفهوم الحصر ، وهو لا يقصر عن المنطوق.

وقوله ـ وإذا عارضه المنطوق خرج عن الدلالة العامة ـ وهو غير جيد لعدم تحقق التعارض فان الخاص مقدم ، والمفروض أنه حجة.

وقوله ـ ان المعلق الأمر بالنكاح اما إيجابا أو استحبابا ـ غير واضع ، إذا المتبادر من سوق الآية كون الأمر هنا للإباحة ، كما في قوله «وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» لأنها مسوقة لبيان الحل والحرمة ، لا لبيان الواجب من الوطي والمندوب ، مع أن تقدير الأمر غير متعين لجواز أن يكون المقدر «فنكاحه من ما ملكت أيمانكم» ونحو ذلك.

وقوله ـ ان التعليق في الآية والخبر خرج مخرج الأغلب ـ غير ظاهر ، وقد ظهر من ذلك أن القول بالتحريم لا يخلو عن قوة. انتهى ، وهو جيد. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٦٣

في الواجب والمحرم ، وقد ذكرنا أنه من الألفاظ المتشابهة لا يحمل على أحد المعنيين إلا بالقرينة ، ولا قرينة هنا توجب للحمل على أحدهما.

نعم الاستدلال بظاهر الآية على التحريم بالتقريب الذي تقدم في الجواب عن كلام العلامة جيد ، وسيأتي في أخبار المسألة الآتية إن شاء الله ما يدل عليه أيضا وإلى القول بالتحريم في المسألة يميل كلام السيد السند في شرح النافع وقبله جده في المسالك.

والذي يدل على القول الثالث ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن الحلبي (١) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «تزوج الحرة على الأمة ، ولا تزوج الأمة على الحرة ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل» ، وفي معناه أخبار كثيرة يأتي ذكرها ـ إن شاء الله ـ قريبا.

وأنت خبير بما في هذا الاستدلال من تطرق الاختلال ، فإن غاية ما تدل عليه الروايات المذكورة هو وقوع نكاح الأمة لمن لم يكن عنده حرة في الجملة ، فإن قوله «تزوج الحرة علي الأمة» ظاهر في سبق نكاح الأمة ، وأنه صحيح في الجملة ونحن نقول به ، فإنه يجوز نكاح الأمة عند فقد الطول وخوف العنت ، فلعل نكاح الأمة قبل إدخال الحرة عليها كان لذلك ، ولا دلالة فيها على جواز نكاح الأمة مطلقا كما هو المطلوب بالاستدلال.

وبالجملة فإنها تدل على وقوع نكاح الأمة ، لا على جوازه مطلقا ، ووقوعه ممكن في تلك الصورة المذكورة.

وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور : (أحدها) قد تقدمت الإشارة إلى أن القائلين بالتحريم منهم من أبطل العقد من أصله ، ومنهم من قال بصحته وإن أثم بالمخالفة ، وكأن الأولين نظروا إلى أن النهي توجه إلى الوطي

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٩ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٤ ح ٣٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٢ ح ١.

٥٦٤

فيتبعه العقد فيبطل حينئذ ، والآخرين إلى أن المنع راجع إلى العقد وحده فلا يبطل ، لأن النهي في غير العبادات لا يوجب البطلان.

ويمكن الجواب عنه بأن النهي هنا متوجه إلى ركن العقد وهي الزوجة ، كما لو كانت إحدى المحرمات أو إحدى الأختين أو الخمس في الجمع ، ومرجعه إلى ما تقدم في غير موضع من التفصيل في النهي في المعاملات من أنه إن توجه إلى ذات المعقود عليه بمعنى عدم صلاحيته للدخول تحت العقد فالعقد باطل ، وإن توجه إليه باعتبار أمر خارج كالبيع وقت النداء فهو صحيح وإن أثم وبه يظهر رجحان القول بالبطلان.

وممن قال بالصحة هنا شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) حيث قال : ولا يجوز لمن وجد طولا لنكاح الحرائر أن ينكح الإماء ، لأن الله اشترط في إباحة نكاحهن عدم الطول لنكاح الحرائر من النساء.

ثم بعد كلام طويل قال : ومن تزوج أمة وهو يجد طولا لنكاح الحرائر خالف الله عزوجل وشرطه عليه ، إلا أنه لا ينفسخ بذلك نكاحه ، ونحوه كلام ابن البراج (١).

وعلى هذا يتخرج في المسألة قول رابع ، وهو أن يخص القول ببطلان العقد مع التحريم ، وهذا القول بصحته وإن حرم.

و (ثانيها) إطلاق كلام الأصحاب في هذا الباب يقتضي أنه لا فرق في المنع من العقد وتحريمه على القول الأول بين النكاح الدائم والمنقطع.

وبذلك صرح في المسالك جازما به فقال : لا فرق في المنع من العقد على

__________________

(١) حيث قال : أباح الله تعالى من تضمنته الآية بشرط عدم الطول لنكاح الحرائر الا أن يخشى العنت ، الى أن قال : فان تزوج بأمة وهو يجد الطول الى نكاح الحرة فقد خالف كتاب الله تعالى وما شرط عليه ، ولا يبطل عقده على الأمة ، بل يكون العقد ماضيا. انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٦٥

القول به بين الدائم والمنقطع لشمول النكاح المشروط لهما ، وأما التحليل فإن جعلناه عقدا امتنع أيضا ، وإن جعلناه إباحة فلا ، كما لا يمتنع وطؤها بملك اليمين. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند (قدس‌سره) في شرح النافع ، فقال الأجود قصر الحكم على الدائم ، لأنه المتبادر من اللفظ عند الإطلاق.

ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن إسماعيل (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام هل للرجل أن يتمتع من المملوكة بإذن أهلها وله امرأة حرة؟ قال : نعم ، إذا رضيت الحرة ، قلت : فإن أذنت الحرة يتمتع منها؟ قال : نعم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (٢) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن امرأة أحلت لزوجها جاريتها فقال : ذلك له ، قلت : فإن خاف أن تكون تمزح ، قال : وكيف له بما في قلبها ، فإن علم بأنها تمزح فلا» ، انتهى.

أقول : أما ما ادعاه من أن المتبادر من لفظ التزويج في أخبار المسألة هو الدائم فهو جيد ، ولكن احتمال شمول المنقطع لإطلاق الزوجة على المتعة قريب وعليه بنى الأصحاب فيما ذكروه من العموم.

وأما الاستدلال بالروايتين المذكورتين فهو جيد ، والتقريب فيهما أنه بوجود الزوجة عنده فقد أحد الشرطين المجوزين للنكاح ، لأن الطول حاصل بوجود الزوجة فلا يجوز النكاح ، مع أنه قد جوز له نكاح المتعة هنا باذن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٣ ح ٣ بأدنى تفاوت ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٧ ح ٣٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٤ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٦٩ ح ٨ مع اختلاف يسير ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٢ ح ١٠ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٩ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٤ ح ١ و ٣.

٥٦٦

الزوجة ، وكذا نكاح المحللة ، إلا أنه قد روى العياشي في تفسيره عن البزنطي (١) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام يتمتع بالأمة بإذن أهلها؟ قال : نعم إن الله تعالى يقول : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)».

وقال محمد بن صدقة البصري (٢) «سألته عن المتعة ، أليس هذا بمنزلة الإماء؟ قال : نعم أما تقرء قول الله «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ ـ إلى قوله ـ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ» فكما لا يسع الرجل أن يتزوج الأمة وهو يستطيع أن يتزوج بالحرة ، فكذلك لا يسع الرجل أن يتمتع بالأمة وهو يستطيع أن يتزوج بالحرة».

فإن عجز الخبر ظاهر الدلالة على ما ذكره الأصحاب من عدم الفرق في التحريم بين الدائم والمنقطع ، وينبغي أن يحمل صدره على جواز التمتع مع وجود الشرطين المجوزين ، ولا يحضرني الآن وجه شاف في الجمع بين هذه الأخبار.

و (ثالثها) قالوا : لو وجد الشرطان فتزوج الأمة ثم تجدد زوالهما ولو بفقد أحدهما لم يقدح في صحة النكاح السابق وإن لم يدخل ، للحكم بصحته ولزومه حين إيقاعه فيستصحب ، حتى لو فرض طلاقها رجعيا جاز له رجعتها حينئذ ، لأن الرجعية بمنزلة الزوجة. انتهى.

وفيه إشكال لما عرفت في غير موضع مما تقدم في أمثال هذه التخريجات والتعليلات ومخالفة النصوص لها في غير موضع ، والحكم هنا عار عن النص بنفي أو إثبات.

و (رابعها) قال في المسالك : لو أمكن زوال العنت بوطى‌ء ملك اليمين مع

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٣٤ ح ٨٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٧ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٤ ح ٣.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٣٤ ح ٩٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٩٦ ح ١.

٥٦٧

فقده الطول للحرة لم يجز له وطئ الأمة لفقد الشرط المخل لجواز نكاح الأمة لأن قدرته على رفع العنت بوطى‌ء ملك اليمين يدفع خوف العنت مطلقا كقدرته على دفعه بالتقوى.

وربما احتمل الجواز ، لأنه لا يستطيع طول الحرة وهو الشرط ، ويضعف بأن خوف العنت شرط أيضا وهو منتف. انتهى ، وهو جيد.

و (خامسها) لا ريب أنه بوجود الحرة عنده يكون واجدا للطول فتحرم عليه الأمة بناء على القول بالتحريم ، أما لو لم يحصل القدرة على وطئها ـ إما لكونها رتقا أو ضعيفة عن الوطي بمرض أو صغر ، أو أنها غائبة عنه ، بحيث يخشى العنت قبل الوصول إليها ـ فقد صرحوا بأنه يجوز له نكاح الأمة ، لفقد شرط الطول ودفعا للحرج ، فإنه لا فرق بين عدمها بالكلية وبين وجودها على إحدى هذه الكيفيات المذكورة ، نعم لو أمكن مع وجودها زوال العنت بالاستمتاع بها على بعض الوجوه غير الوطي امتنع نكاح الأمة.

و (سادسها) لو وجدت الحرة وقدر على ما طلبته من المهر ، لكن طلبت أزيد من مهر مثلها بحيث تجحف بالزيادة ففي وجوب بذله وتحريم نكاح الأمة وجهان : من تحقق القدرة المقتضية لوجود الطول ، ومن لزوم الضرر والمشقة بدفع الزيادة وحمل القدرة على المتعارف.

قال في المسالك : وهو قوي مع استلزام بذل الزيادة الإسراف عادة بحسب حاله أو الضرر وإلا فالأول أقوى ، ولهذا نظائر كثيرة سبق ، منها وجود الماء للطهارة بأزيد من ثمن مثله ، ووجود الساتر للعورة ، ووجود الراحلة في الحج وغيرها. انتهى.

و (سابعها) الظاهر أنه لا إشكال في قبول قوله بخوف العنت وفي فقد الطول إذا لم يعلم كذبه بوجه من الوجوه ، ولو كان في يده مال لم يعلم كونه ملكا له وادعى أنه لغيره قبل قوله ، وكذا لو ادعى أن عليه دينا يمنع الطول ولذلك

٥٦٨

نظائر كثيرة قد دلت النصوص فيها على قبول قول مدعيها ، مثل قبول قول المرأة في الحيض والطهارة منه ، وعدم الزوج ، ووفاته ، وطلاقه لها ، وأداء الزكاة ، وعدم وجوبها ونحو ذلك.

(ثامنها) قالوا : مما يتفرع على المنع عدم جواز الزيادة على الواحدة حيث يسوغ النكاح ، ويجوز له الواحدة لحصول شرطي الجواز لانتفاء العنت بالواحدة ، هذا إذا تمكن من الوصول إليها بحيث يزول العنت المعتبر في المنع ، فلو كانت بعيدة عنه لا يمكن الوصول إليها بدون العنت جازت الثانية كما تجوز على القول الآخر مطلقا : أما الثالثة فتحرم مطلقا اتفاقا ، والله العالم.

المسألة الخامسة : في الجمع بين الأمة والحرة في النكاح وذلك إما بإدخال الأمة على الحرة أو العكس أو جمعهما دفعة.

فهنا صور ثلاث الأولى : إدخال الأمة على الحرة ، فقيل : بأنه لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها ، فإن بادر كان العقد على الأمة باطلا ، ذهب إليه ابن الجنيد وابن أبي عقيل وابن إدريس والمحقق في كتابيه للنهي عنه ، وتدل عليه حسنة الحلبي ورواية حذيفة بن منصور الآتيتان إن شاء الله.

وقيل : إنه يكون للحرة الخيار في إمضائه وفسخه من غير أن يبطل في نفسه لأن الحق في ذلك لها فلا يقصر عن عقد الفضولي ، واختاره في المسالك ، قال : وقد تقدم ما يصلح تحقيقا لهذا القول في العقد على بنت الأخ والأخت بعد العمة والخالة ، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود ، خرج منه ما إذا ردته إجماعا فيبقى الباقي ، وهذا هو الأقوى (١).

__________________

(١) ثم انه قال في المسالك : ويمكن أن يريد المصنف بالبطلان هذا المعنى لانه كثيرا ما يطلقه في مقابل عدم اللزوم ، وعليه حمل العلامة عبارات الأصحاب بذلك ـ انتهى.

أقول : لا ريب في بعد هذا المعنى ، لان الروايات التي استندوا إليها لا تقبله ، كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى فإنها صريحة في البطلان. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٦٩

أقول : قد تقدم منا في الموضع المشار إليه ما يدل على وهنه وضعفه وأنه لا يخرج عن القياس على الفضولي مع ما في الفضولي من الكلام ، وقيل : يتخير الحرة بين فسخ عقد الأمة وعقد نفسها ، وهو منقول عن الشيخين وأتباعهما ، ونقل عنهما الاستدلال عليه برواية سماعة الآتية.

أقول : يجب أن يعلم أن الكلام في هذه المسألة متفرع على ما تقدم في سابق هذه المسألة من الخلاف ، وقد عرفت أن الأصح من الأقوال المتقدمة في تلك المسألة هو التحريم ، وحينئذ فيجب الحكم ببطلان العقد كما هو القول الأول ، رضيت الحرة أم لم ترض ، وتقييدهم التحريم بعدم رضاء الحرة ـ المؤذن بأنها لو رضيت صح النكاح ـ خلاف إطلاق الأخبار الواردة في المقام.

ومنها ما رواه في الكافي الصحيح أو الحسن عن الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «تزوج الحرة على الأمة ، ولا تزوج الأمة على الحرة ، ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل».

وعن أبي بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نكاح الأمة ، فقال : تتزوج الحرة على الأمة ، ولا تتزوج الأمة على الحرة ، ونكاح الأمة على الحرة باطل».

وفي الصحيح إلى الحسن بن زياد (٣) ، وهو الصيقل (٤) كما في سند الخبر في التهذيب قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : تزوج الحرة على الأمة ، ولا تزوج الأمة على الحرة ، ولا النصرانية ولا اليهودية على المسلمة ، فمن فعل ذلك فنكاحه باطل».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٩٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٤ ح ٣٩ الوسائل ج ١٤ س ٣٩٢ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٩ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٤ ح ٤١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٣ ح ٥.

(٤) وهذا الخبر عده السيد في شرح النافع في الصحيح وهو غفلة ، فإن الحسن ابن زياد هنا مجهول. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٧٠

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام «أنه قال. قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن تنكح الحرة على الأمة ، ولا تنكح الأمة على الحرة» الحديث.

وما رواه في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : تزوج الأمة على الأمة ، ولا تزوج الأمة على الحرة ، وتزوج الحرة على الأمة ، فإن تزوجت الحرة على الأمة ، فللحرة الثلثان ، وللأمة الثلث ، ليلتان وليلة».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن الفضيل (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «لا يجوز نكاح الأمة على الحرة ، ويجوز نكاح الحرة على الأمة» الحديث.

وعن حذيقة بن منصور (٤) «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام «عن رجل تزوج أمة على حرة لم يستأذنها قال يفرق بينهما ، قلت : عليه أدب؟ قال : نعم اثنى عشر سوطا ونصف ثمن حد الزاني وهو صاغر».

وروى الصدوق في كتاب الخصال (٥) بسنده عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : «سئل أبي عليه‌السلام عما حرم الله عزوجل من الفروج في القرآن ، وما حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سنته ، فقال ، الذي حرم الله عزوجل أربعة وثلاثون وجها سبعة عشر في القرآن وسبعة عشر في السنة ـ إلى أن قال ـ : وأما التي في السنة فالمواقعة في شهر رمضان نهارا ـ إلى أن قال ـ وتزويج الأمة على الحرة ، وتزويج الأمة لمن يقدر على تزويج الحرة».

وفي الخبر دلالة على ما اخترناه في المسألة السابقة من تحريم تزويج الأمة مع فقد الشرطين المجوزين.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٩ ح ٦٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٣ ح ٦.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٠ ح ٦٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٣ ح ٧.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٤ ح ٤٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٣ ح ٤.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٤ ح ٤٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٤ ح ٢.

(٥) الخصال ص ٥٣٢ ح ١٠ ط النجف الأشرف.

٥٧١

ومن ذلك جملة من الأخبار المنقولة في كتاب البحار (١) عن الحسين بن سعيد في كتابه ، وهي ما رواه عن صفوان عن العلاء عن محمد عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المملوكة على الحرة؟ قال : لا ، وإذا كانت تحته امرأة مملوكة فتزوج عليها حرة ، قسم للحرة مثلي ما يقسم للأمة ، قال : محمد وسألته عن الرجل يتزوج المملوكة؟ فقال : لا بأس إذا اضطر إليها».

وعن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل نكح أمة فوجد طولا إلى حرة ، وكره أن يطلق الأمة ، قال : ينكح الحرة على الأمة إن كانت الأمة أو ليهما عنده ، وليس له أن ينكح الأمة على الحرة إذا كانت الحرة أو ليهما عنده» الحديث.

وعن النضر عن عبد الله بن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا ينكح الرجل الأمة على الحرة ، وإن شاء نكح الحرة على الأمة ، ثم يقسم للحرة مثلي ما يقسم للأمة».

وعن القاسم عن أبان عن عبد الرحمن (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته هل للرجل أن يتزوج النصرانية على المسلمة والأمة على الحرة؟ قال : لا يتزوج واحدة منهما على المسلمة ، ويتزوج المسلمة على الأمة والنصرانية ، وللمسلمة الثلثان ، وللأمة والنصرانية الثلث».

أقول : هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، وهي متفقة الدلالة واضحة المقالة في التحريم الذي تضمنه القول الأول ، وبه يظهر أنه هو الذي عليه المعول ، وإطلاقها شامل لما رضيت الحرة أو لم ترض ، إذ لا إشعار في شي‌ء منها فضلا عن الظهور بالصحة مع رضاها إلا ما ربما يشعر به خبر حذيفة بن منصور ، وهو ـ مع كونه في كلام الراوي ـ إنما يدل بالمفهوم الضعيف الذي لا دليل على حجيته.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) البحار ج ١٠٣ ص ٣٤٢ ح ٢٥ و ٢٦ وص ٣٤٣ ح ٢٧ و ٣٠ و ص ٣٤٤ ح ٣٢.

٥٧٢

ومن هذه الأخبار المتكاثرة كما عرفت يظهر قوة القول بالتحريم في المسألة السابقة ، وهو الذي اخترناه وأشرنا سابقا إلى مجي‌ء ما يدل عليه من الأخبار ، وهي هذه الأخبار ، مضافا إلى ظاهر الآية المتقدمة ثمة ، لأنه لو كان تزويج الأمة جائزا ـ مع اختلال أحد الشرطين كما ذهب إليه من ذهب من أصحابنا ـ لما خرجت هذه الأخبار مع كثرتها على البطلان في بعض ، والنهي في آخر ، ولا يجوز في ثالث ، وأن فاعله يستحق للأدب والجلد ثمن حد الزاني في رابع ، ونحو ذلك.

وبالجملة فإن دلالة هذه الأخبار على القول المذكور أظهر من أن يعتريها القصور ، بل هي في الظهور كالنور على الطور ، والأصحاب لم يذكروا من هذه الروايات إلا حسنة الحلبي ورواية الحسن بن زياد.

وأجاب عنهما في المختلف بأن معنى أن العقد باطل يعني آئل إلى البطلان ، بتقدير اعتراض الحرة وعدم رضاها ، وهو بعيد غاية البعد ، مع أنه لا ضرورة تلجئ إليه ، إذ لا معارض للروايتين المذكورتين ، ولهذا أنه قال في المختلف في آخر كلامه : إن القول بالبطلان غير بعيد من الصواب.

وأما القول الثاني : فقد أشرنا آنفا إلى أنه لا يخرج عن القياس بناء على حمله على الفضولي ، مع أنه لا دليل على اعتبار رضاء الحرة في صحة العقد ، فيصير قياسا مع الفارق ، وكيف كان فالأخبار المذكورة واضحة في رده وإبطاله.

وأما الثالث : فاستدلوا عليه برواية سماعة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل تزوج أمة على حرة فقال : إن شاءت الحرة أن تقيم مع الأمة أقامت ، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها».

قال في المسالك بعد نقل الخبر دليلا للقول المذكور : وهو يدل على جواز فسخها عقد نفسها ، ويسهل بعده القول بجواز فسخها عقد الأمة ، لكن الخبر ضعيف السند. انتهى.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٩ ح ٤ بعكس ما في التهذيب ، التهذيب ، ج ٧ ص ٣٤٥ ح ٤٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٤ ح ٣.

٥٧٣

أقول : كأنه أراد بهذا الكلام تتميم الاستدلال بالخبر لقصور الخبر المذكور ، حيث إن أقصى ما يدل عليه تخيرها بين فسخ عقد نفسها وعدمه ، وأما فسخ عقد الأمة فلا يدل عليه بوجه ، مع أن الذي نقله سبطه السيد السند في شرح النافع عن الشيخين وابن حمزة وابن البراج أنهم أفتوا بمضمون هذه الرواية ، ومضمونها كما عرفت إنما هو تخيرها بين فسخ عقد نفسها وعدمه.

وظاهر كلام العلامة في المختلف (١) أن مذهب الشيخين وأتباعهما إنما هو تخير الحرة بين فسخ عقد الأمة وإمضائه ، وهو القول الثاني الذي قدمناه.

وبالجملة فإن كلامهم هنا مختلف (٢) في نقل مذهب الشيخ وأتباعه في هذه المسألة ، وعلى أي تقدير فإن رواية سماعة المذكورة لا يبلغ قوة في معارضة ما قدمناه من الأخبار الدالة على بطلان عقد الأمة في الصورة المذكورة ، فلا بد من ارتكاب التأويل فيها وإلا فطرحها.

الثانية من الصور الثلاث الذي تقدم ذكرها : ما لو تزوج الحرة على الأمة والأخبار المتقدمة صريحة في الجواز ، وهو مما لا خلاف فيه.

بقي الكلام في علم الحرة بذلك وعدمه ، والذي صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا أنه إن كانت الحرة عالمة بزوجية الأمة فلا اعتراض لها بعد رضاها أولا بذلك ، لأن دخولها والحال هذه يتضمن رضاها ، وإن لم تعلم كان لها فسخ عقد نفسها لا فسخ عقد الأمة.

أما عدم تسلطها على فسخ عقد الأمة فللزومه قبل دخولها فلا سبيل لها إلي

__________________

(١) حيث قال : إذا تزوج الأمة على الحرة ولم تعلم الحرة فالأقرب أن نكاح الأمة لا يقع باطلا من أصله ، بل إذا فسخت الحرة نكاحها بطل والأصح ، وبه قال الشيخان وابن براج وابن حمزة الى آخره ، فان الضمير في نكاحها إلى الأمة كما لا يخفى.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) فشيخنا في المسالك نقله كما قدمنا ذكره في صدر البحث ، وسبطه قد نقله كما أشرنا اليه ، وصاحب المختلف قد نقله بوجه ثالث ، كما ذكرناه في الحاشية السابقة.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٧٤

إبطاله كذا قيل ، والأجود أن يقال إنه لا دليل على تسلطها عليه مع ثبوت لزومه أولا.

أما تسلطها على فسخ عقد نفسها فلما رواه الشيخ في الصحيح عن يحيى الأزرق عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل كانت له امرأة وليدة ، فتزوج حرة ولم يعلمها بأن له امرأة وليدة ، فقال إن شاءت الحرة أقامت ، وإن شاءت لم تقم ، قلت : قد أخذت المهر فتذهب به؟ قال : نعم بما استحل من فرجها».

أقول : وروى هذه الرواية الحسين بن سعيد في كتابه أيضا عن علي بن نعمان عن يحيى الأزرق (٢) «قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام مثله.

وروى فيه أيضا على ما نقله شيخنا المجلسي في كتاب البحار عن الحسن بن محبوب عن يحيى اللحام عن سماعة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل يتزوج امرأة حرة وله امرأة أمة ، لم تعلم الحرة أن له امرأة أمة ، فقال : إن شاءت الحرة أن تقيم مع الأمة أقامت ، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها ، قلت له : فإن لم يرض بذهابها إله عليها سبيل؟ قال : لا سبيل له عليها إذا لم ترض بالمقام ، قلت : فذهابها إلى أهلها هو طلاقها؟ قال : نعم إذا خرجت من منزله اعتدت ثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر ، ثم تتزوج إن شاءت».

وذهب الشيخ في التبيان إلي تخيرها بين فسخ عقد نفسها وفسخ عقد الأمة وفيه ما عرفت من أن عقد الأمة بسبقه لازم لا يتسلط على فسخه إلا بدليل ، ولا دليل ، والضرر يندفع عنها بفسخ عقد نفسها.

الثالثة من الصور المشار إليها : ما لو جمعهما في عقد واحد من غير علم الحرة ولا تقدم رضاها ، فقيل : إن عقد الحرة يقع صحيحا لازما ، وعقد الأمة يقع باطلا ، وهو ظاهر المحقق في كتابيه ، وهو اختيار جملة من الأصحاب ، منهم السيد

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٥ ح ٤٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٤ ح ١.

(٢) النوادر ص ٦٧ ، البحار ج ١٠٣ ص ٣٤٣ ح ٢٩.

(٣) البحار ج ١٠٣ ص ٣٤٣ ح ٢٨ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٢ ب ٤٣ ح ٢.

٥٧٥

السند في شرح النافع.

ويدل عليه ما رواه الشيخ والصدوق عن أبي عبيدة الحذاء (١) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سئل عن رجل تزوج امرأة حرة وأمتين مملوكتين في عقدة واحدة ، فقال : أما الحرة فنكاحها جائز فإن كان قد سمى لها مهرا فهو لها ، وأما المملوكتان فإن نكاحهما في عقدة واحدة مع الحرة باطل ، يفرق بينه وبينهما». وهي نص في المراد.

وقيل : إن عقد الحرة كما تقدم ، وأما الأمة فإنه يقف على رضاء الحرة ، فإن أجازته لزم وإن فسخته انفسخ ، وهو منقول عن الشيخين وأتباعهما ، قال في المسالك : وهو الأقوى.

أقول : لا أعرف لقوته وجها ، مع عدم دليل في الأخبار عليه ، بل دلالتها على خلافه كما عرفت من الصحيحة المذكورة ، حيث صرحت بالبطلان ، وأنه يفرق بينه وبينهما.

وقيل : تتخير الحرة بين فسخ عقد نفسها وعقد الأمة ، إختاره العلامة في المختلف محتجا بأن العقد واحد ، وهو متزلزل ولا أولوية.

ورد بأنها إذا لم ترض بعقد الأمة فسر فتحققت الأولوية مع أنها حاصلة بالرواية الصحيحة ، وبوجوب الوفاء بالعقود خرج منه عقد الأمة لحق الحرة فيبقى الباقي ، والضرر مندفع عنها بتخيرها والحكم ببطلان عقد الأمة. انتهى.

أقول : لا ضرورة إلى هذا التطويل في التعليل ، ويكفي في بطلان ما ذكره ما ذكرناه من وجود النص الصحيح الصريح في لزوم عقد الحرة وبطلان عقد الأمة.

ونقل الشيخ المجلسي في كتاب البحار عن كتاب نوادر الراوندي أنه روى

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٦ ح ٤٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٥ ح ٤٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٥ ح ١.

٥٧٦

فيه بإسناده (١) عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال : «قال علي عليه‌السلام إذا تزوج الرحل حرة وأمة في عقد واحد فنكاحهما باطل».

وهي ظاهرة في بطلان نكاحهما معا ، ولا أعرف بها قائلا ، وهي تضعف عن معارضة الصحيحة المذكورة المتقدمة فهي مرجوعة إلى قائلها عليه‌السلام.

واعلم أن الجمع في عقد واحد يتحقق بأن يزوج الرجل ابنته وأمته لآخر في عقد واحد ، أو يزوج ابنته وأمة غيره بالوكالة لذلك أو بالعكس ، أو يزوجهما بالوكالة فيهما معا ، والله العالم.

المورد الثاني فيما يحرم عينا : وفيه أيضا مسائل :

الأولى : قالوا : لا يحل العقد على ذات البعل ولا تحرم به مع الجهل بكونها ذات بعل ، وأما مع العلم فإشكال ، نعم لو زني بها حرمت ، وكذا لو زنى بها في العدة الرجعية من غير خلاف يعرف في الموضعين.

وتفصيل هذا الإجمال بما يزيح عنه غشاوة الإشكال يقع في مواضع.

الأول : هل المراد من قولهم. «لا يحل» هو أنه يحرم عليه العقد ويأثم لو أوقعه في هذه الحال ، أو أن المراد أنه يبطل ويصير لاغيا ، لا يترتب عليه أثر شرعي؟ احتمالان : ونظير ذلك ما صرحوا به في قولهم ـ لا يجوز استعمال الماء النجس في الطهارة ـ فإنه قد صرح بعضهم بأن المراد به تحريم ذلك وترتب الإثم عليه ، لأن استعمال المكلف الماء النجس فيما يعد طهارة في نظر الشارع أو إزالة نجاسة يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه ، كالصلاة بغير طهارة فيكون حراما لا محالة.

وقيل : إن المراد به إنما هو عدم الاعتداد به في الطهارة ورفع الحدث. به صرح العلامة في النهاية ، فقال ـ بعد أن حكم بتحريم ذلك ـ : لا نعني بالتحريم

__________________

(١) البحار ج ١٠٣ ص ٣٤٤ ح ٣٤ ، نوادر الراوندي ص ٣٨ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٣ ب ٤٤ ح ١.

٥٧٧

حصول الإثم ، بل نعني عدم الاعتداد به في رفع الحدث ، انتهى. وهو الأقرب ، فإن الحكم بالتأثيم يتوقف على دليل واضح.

نعم لو اعتقد صحته وصحة ما يترتب عليه كان مشرعا ، وإلا فمجرد الاستعمال لا يوجب ذلك ، بل غايته أن يكون لاغيا عابثا ، وكيف كان فإنه قد تقدم ما يدل على تحريم التعريض بالخطبة لذات العدة الرجعية بالآية ، فتحريم العقد على ذات البعل أولى.

الثاني. في أنها هل تحرم على العاقد بذلك العقد فلا يجوز له تزويجها لو طلقها زوجها أم لا؟ ظاهر الأكثر الجواز ، للأصل السالم من المعارض.

قال : السيد السند (قدس‌سره) في شرح النافع ـ بعد فتواه بما أفتى به المصنف من عدم التحريم ـ : وفي المسألة وجه بالتحريم مع العلم بكونها ذات بعل ، لتحريم المعتدة بمجرد العقد عليها مع العلم بأنها في العدة فذات البعل أولى ، لأن علاقة الزوجية أقوى من علاقة الاعتداد.

ويشكل بأن الأولوية إنما تثبت إذا ثبت التعليل وهو غير ثابت هنا ، ومن الجائز اختصاص المعتدة بمزية اقتضت ذلك ، وبالجملة فإلحاق ذات البعل بالمعتدة في هذا الحكم لا يخرج عن القياس. انتهى.

أقول : بل الظاهر الاستناد في التحريم هنا إلى الأخبار الدالة بإطلاقها على ذلك ، مثل موثقة أديم بن الحر (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : التي تتزوج ولها زوج يفرق بينهما ، ثم لا يتعاودان أبدا».

ومرفوعة أحمد بن محمد المروية في الكافي (٢) عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد رفعه «أن الرجل إذا تزوج المرأة وعلم أن لها زوجا فرق بينهما ولم تحل له أبدا».

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٥ ح ٢٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤١ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٢٩ ح ١١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٥ ح ٢٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٣ ح ١٠.

٥٧٨

وقوله «وعلم لها زوجا» جملة حالية ، فتكون الرواية دالة على أنه مع العلم بكونها ذات بعل لا تحل له أبدا ، والأولى دالة على ذلك أيضا بإطلاقها ، فتكونان هما المسند في الحكم المذكور ، وما ذكر من التعليل يكون توجيها للنص مؤكدا له.

وسيأتي في الموضع الثالث في عبارة كتاب الفقه الرضوي ما يدل على التحريم مؤبدا (فيما إذا تزوج امرأة لها زوج دخل بها أو لم يدخل) وهي صريحة في التحريم دخل بها أو لم يدخل ، لكن ينبغي تقييدها بالعالم بأن لها زوجا ، هذا في صورة العلم مع عدم الدخول.

وأما في صورة الدخول ، فإن كان عالما بأنها ذات بعل فإنها تحرم عليه اتفاقا ، لكونه زانيا بذات بعل ، وسيأتي الكلام فيه.

وإن كان جاهلا فإنها تحرم أيضا لموثقة زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت ، ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها ، فقال : تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة ، وليس للأخير أن يتزوجها أبدا».

ورواية زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا نعي الرجل إلى أهله أو أخبروها أنه قد طلقها فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها الأول ، فإن الأول أحق بها من هذا الأخير دخل بها الأول أو لم يدخل ، وليس للأخير أن يتزوج بها أبدا ، ولها المهر بما استحل من فرجها».

قوله «ولها المهر بما استحل من فرجها» يعنى مع فرض الدخول بها ، وما دلت عليه من أنه «ليس للأخير أن يتزوج بها» مع عدم الدخول يجب تقييده وإن بعد بالعلم بكونها ذات بعل ، وإلا فمع الجهل فإنها لا تحرم عليه.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٨ ح ٣٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤١ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٤٩ ح ١ مع اختلاف يسير ، التهذيب ج ٧ ص ٤٨٨ ح ١٦٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٢ ح ٦.

٥٧٩

وربما قيل : بعدم التحريم في الموضعين ، استنادا إلى أصالة الصحة ، واستضعافا للأخبار المذكورة ، ومن ثم استشكل السيد السند في شرح النافع لذلك وهو ضعيف ولا يلتفت إليه ، فإن رد هذه الأخبار من غير معارض لا يتجشمه ذو مخافة من الله سبحانه وتقوى في دينه.

وبالجملة فإن المستفاد من هذه الروايات هو الحكم بالتحريم في صورتي العلم بكونها ذات بعل ، فإن نكاحها محرم دخل بها أو لم يدخل ، وفي صورة الدخول بها علم أو لم يعلم ، وهذا حكم العقد في العدة.

نعم يبقى الكلام فيما لو انتفى الأمران : من العلم بكونها ذات بعل والدخول بها ، بأن عقد عليها غير عالم بأنها ذات بعل ولم يدخل بها ، والظاهر من كلامهم من غير خلاف يعرف هو عدم التحريم.

وبما ذكرنا هنا يظهر لك ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروضة والمسالك حيث قال في الروضة : ففي إلحاق ذات البعل بالمعتدة وجهان : من أن علاقة الزوجية فيها أقوى ، وانتفاء النص ونحوه في المسالك ، وقبله العلامة في القواعد حيث قال : لو تزوج بذات البعل ففي إلحاقه بالمعتدة إشكال ، ينشأ من عدم التنصيص وأولوية التحريم ، وقال ابنه في الإيضاح : الأولى عندي الاقتصار على محل النص ، أعني القول بالتحريم في المعتدة خاصة التي هي موضع النصوص دون ذات البعل حيث لا نص فيها ، مع أن النصوص كما شرحناه ظاهرة في التحريم ، وأن حكم ذات البعل والمعتدة واحد في التحريم.

الثالث : أنه لا خلاف بين الأصحاب بل ادعى عليه غير واحد منهم الإجماع (١) في أنه لو زنى بذات بعل أو في عدة رجعية فإنها تحرم عليه مؤبدا ، وظاهر

__________________

(١) قال السيد المرتضى (رضوان الله عليه) في الانتصار : مما انفردت به الإمامية القول بأن من زنى بامرأة ولها بعل حرم عليه نكاحها أبدا وان فارقها بعلها ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ، والحجة في ذلك إجماع الطائفة. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٨٠