الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

المحقق في الشرائع التوقف فيه ، حيث نسب الحكم إلى قول المشهور ، قال في. المسالك : إنما نسبه إلى الشهرة مع عدم ظهور المخالف لعدم وقوفه على مستند صالح له من النص ، وعدم تحقق الإجماع على وجه يكون حجة كما حققناه سابقا.

نعم يتوجه على ما تقدم ـ من إلحاق العقد على ذات البعل بالمعتدة ـ تحريمها هنا مع الدخول ، لأنه إذا ثبت تحريمها بالعقد المجرد مع لعلم فمع الدخول أولى ، أو نقول : إذا ثبت تحريمها بالدخول مع العقد فمع التجرد عنه أولى انتهى.

أقول : هذا الحكم قد استدل عليه الشيخ في التهذيب بمرفوعة أحمد بن محمد (١) المتقدمة وموثقة أديم بن الحر (٢) المتقدمة أيضا ، وردهما المتأخرون بضعف الاسناد وقصور الدلالة ، والظاهر أن الشيخ بنى في الاستدلال بهذه الأخبار مع كون موردها إنما هو التزويج ، والمدعى إنما هو الزنا ، أما على ما ذكره المحقق الشيخ علي (قدس‌سره) في شرح القواعد من شمول هذه الأخبار لمحل النزاع ، قال : لأن ذلك شامل لما إذا أدخل بها عالما بأن لها زوجا فإنه زان حينئذ. وإن احتمل اختصاص الحكم بحال العقد دون مطلق الزنا. انتهى.

وما ذكره المحدث الكاشاني (عطر الله مرقده) في الوافي من الجمع بين هذه الأخبار وبين ما دل على جواز تزويجه لها في الصورة المذكورة مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم ، فطلقها الأول أو مات عنها ثم علم الأخير ، أيراجعها؟ قال : لا ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٢٩ ح ١١ ، التهذيب ح ٧ ص ٣٠٥ ح ٢٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٣ ح ١٠.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٥ ح ٢٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤١ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٧٧ ح ١٢٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤١ ح ٣.

٥٨١

حتى تنقضي عدتها». وفي بعض النسخ «أيتزوجها» بدل «أيراجعها» وهو أظهر ، وعلى تقدير النسخة التي في الخبر فالمراجعة بمعنى تزويجها مرة أخرى ، كما يدل عليه قوله «حتى تنقضي عدتها» بأن تحمل هذه الروايات على ما إذا لم يثبت الموت أو الطلاق ثبوتا شرعيا مع علمه بأنها ذات زوج ، فإنه يكون حينئذ زانيا.

بخلاف ما دل عليه صحيح عبد الرحمن ، فإنه صريح في عدم علمه بأن لها زوجا ، ومرفوعة أحمد بن محمد ظاهرة في أنه تزوجها مع علمه بأن لها زوجا ، فيكون ذلك زنا البتة ، ووقوعه مع الاقتران بالعقد لا يكون سببا في الفرق ، فإن وقوع العقد والحال أنه عالم بالزوج في حكم العدم ، هذا.

والظاهر عندي أن الحكم إنما خرج عن المتقدمين بهذه الكيفية استنادا الى ما ذكره الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي فإنه صرح به في موضعين من الكتاب المذكور أحدهما (١) قوله عليه‌السلام «ومن تزوج امرأة لها زوج دخل بها أو لم يدخل بها أو زنا بها لم تحل له أبدا». وقال في موضع آخر (٢) : «ومن زنا بذات بعل محصنا كان أو غير محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها وأراد الذي زنى بها أن يتزوج بها لم تحل له أبدا ، ويقال لزوجها يوم القيامة : خذ من حسناته ما شئت».

وقد ذكر شيخنا المجلسي وأبوه «رضوان الله تعالى عليهما» بأن كثيرا من الأحكام التي ذكرها المتقدمون عارية من الدليل ، واعترضهم فيها المتأخرون بعدم وجود دليل ، أو تكلفوا لها الاستدلال بما لا يدفع الاختلال ولا يزيل الإشكال فإن أدلتها موجودة في هذا الكتاب ، وقد نبهنا على مواضع كثيرة في كتب العبادات من هذا الكتاب.

__________________

(١ و ٢) فقه الرضا ص ٣٢ و ٣٧، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٧٧ ب ١٦ ح ١ وص ٥٧٦ ب ١١ ح ٨.

٥٨٢

وأعظم السبب في ذلك أن المتقدمين كثيرا ما يعدون فتاوى على بن الحسين بن بابويه في عداد النصوص فيعتمدون في الإفتاء عليها ، وفتاوى علي بن الحسين في رسالته إلى ابنه الصدوق جلها مأخوذة من هذا الكتاب كما نبهنا عليه في مواضع لا تحصى سيما في كتب العبادات ، وكذلك كثيرا ما يذكره الصدوق في الفقيه عاريا عن النسبة إلى المعصوم فإنه من هذا الكتاب.

وأما ما ربما يعترض به من أن الكتاب لم يثبت كونه عنه عليه‌السلام فإنه ناشئ عن قصور التتبع ، فإن اعتماد الصدوقين على الإفتاء بعبائر هذا الكتاب بعينها ـ سيما في مقابلة الأخبار المتكاثرة الصريحة الظاهرة ـ أدل دليل على اعتماد هما عليه وثبوته عندهما.

وقد تقدم في الجلد الثاني في كتاب الطهارة نقل كلام والد الصدوق في صورة ظهور هذا الكتاب في الأعصار المتأخرة ، واعتماد شيخنا المجلسي وأبيه على الكتاب المذكور ، وما وجدا على نسخة الكتاب بخط جملة من العلماء المتقدمين.

وبالجملة فإن الكتاب عندي معتمد لاعتماد الصدوقين عليه ، كما لا يخفى على المتتبع البصير والفاضل النحرير ، ولا ينبئك مثل خبير.

وتقييد العدة في كلامهم بالرجعية عن احتراز البائن ، لأن الأولى زوجة ، بخلاف الثانية ، والأصل العدم حتى يقوم دليل على خلافه. ثم إنه لا فرق على على ما اخترناه ـ كما هو المشهور ـ بين علم الزاني بكونها ذات بعل أو في عدة أم لا ولا بين دخول الزوج بها أم لا ، ولا بين المتمتع بها والدائم ، عملا بعموم النص المتقدم ، ولا يلحق به الزنا بذات العدة البائنة ولا عدة الوفاة ، ولا يلحق به الزنا بذات البعل الموطوءة بالشبهة ولا بالأمة الموطوءة بالملك ، عملا بأصالة الحل وعدم وجود ما يخرج منها.

٥٨٣

تذنيب :

طعن في المسالك في موثقة زرارة (١) المتقدمة في الموضع الثاني الدالة على مساواة النكاح للعدة بأنها مع ضعف سندها تضمنت الاكتفاء بعدة واحدة وهم لا يقولون به ، وكذا إطلاق كون العدة ثلاثة أشهر ، إلا أن هذا سهل ، أقول : لا ريب في أنه وإن كان المشهور بينهم عدم تداخل عدة وطئ الشبهة وعدة النكاح الصحيح ، بل تعتد لكل منهما عدة ، وربما ظهر من كلام شيخنا المذكور في موضع آخر من الكتاب اتفاق الأصحاب على ذلك إلا أن الظاهر من من الأخبار خلافه ، ومنها الخبر المذكور.

ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة عن موسى بن بكر عن زرارة (٢) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت وتزوجت ، فجاء زوجها الأول ففارقها ، وفارقها الآخر ، كم تعتد للناس ، قال : ثلاثة قروء ، وإنما تستبرئ رحمها بثلاثة قروء ، وتحل للناس كلهم ، قال زرارة : وذلك أن الناس قالوا : تعتد عدتين من كل واحد عدة ، فأبى ذلك أبو جعفر عليه‌السلام وقال تعتد ثلاثة قروء وتحل للرجال».

وما رواه في الكافي عن يونس (٣) عن بعض أصحابه «في امرأة نعي إليها زوجها فتزوجت ثم قدم زوجها الأول فطلقها ، وطلقها الآخر قال : فقال إبراهيم النخعي :

عليها أن تعتد عدتين فحملها زرارة إلى أبي جعفر عليه‌السلام فقال : عليها عدة واحدة».

ومن هذين الخبرين يظهر أن تعدد العدة مذهب العامة ، فما ورد بذلك

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٨ ح ٣٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤١ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٥٠ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٨٩ ح ١٧١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٥٥ ح ٣ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٣ ح ٧.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٥١ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٨ ح ٢.

٥٨٤

في أخبارنا يجب حمله على التقية ، وإن اشتهر بينهم العمل عليه ، والله العالم.

المسألة الثانية : إذا تزوج الرجل امرأة في العدة فلا ريب في أن العقد فاسد ، ثم إنه إن كان عالما بكونها في عدة وأنه يحرم ذلك ، فلا ريب في أنها تحرم مؤبدا بمجرد ذلك العقد ، وإن كان جاهلا بأحدهما لم تحرم عليه إلا بالدخول.

وهذه الأحكام مع الاتفاق عليها قد تكاثرت بها النصوص عن أهل الخصوص (صلوات الله عليهم وسلامه).

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له أبدا ، عالما كان أو جاهلا ، وإن لم يدخل بها حلت للجاهل ولم تحل للآخر».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة ، أهي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال : لا ، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك ، فقلت : بأي الجهالتين يعذر؟ بجهالته أن يعلم أن ذلك محرم عليه؟ أم بجهالته أنها في عدة؟ فقال : إحدى الجهالتين أهون من الأخرى ، الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه ، وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها ، فقلت : فهو في الأخرى معذور ، قال : نعم ، إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها ، فقلت : فإن كان أحدهما متعمدا والآخر يجهل ، فقال : الذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى صاحبه أبدا».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٢٦ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٧ ح ٣٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٥ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٢٧ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٦ ح ٣٢ ، وفيه «أعذر» بدل «أهون» وعن أبي عبد الله عليه‌السلام بدل أبي إبراهيم عليه‌السلام ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٥ ح ٤.

٥٨٥

وما رواه في الكافي والتهذيب عن إسحاق بن عمار (١) في الموثق قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : بلغنا عن أبيك ان الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبدا ، فقال : هذا إذا كان عالما ، فإذا كان جاهلا فارقها وتعتد ، ثم يتزوجها نكاحا جديدا».

وما رواه الشيخ عن حمران (٢) في الحسن قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن امرأة تزوجت في عدتها بجهالة منها بذلك ، قال : فقال : لا أرى عليها شيئا ، ويفرق بينها وبين الذي تزوج بها ولا تحل له أبدا ، قلت : فإن كانت قد عرفت أن ذلك محرم عليها ثم تقدمت على ذلك ، فقال : إن كانت قد تزوجته في عدة لزوجها الذي طلقها عليها فيها الرجعة ، فإني أرى أن عليها الرجم ، وإن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها الذي طلقها عليها فيها الرجعة ، فإني أرى عليها حد الزاني ويفرق بينها وبين الذي تزوجها ، ولا تحل له أبدا».

أقول : قيد في الاستبصار صدر الخبر بما إذا دخل بها ليصح تأبيد الحرمة وأنت خبير بأن الخبر بتمامه وما اشتمل عليه من الأحكام لا يتم إلا مع الدخول بها فالتقييد لا يختص بصدر الخبر ، بل لا بد من التقييد في جملة ما اشتمل عليه من الأحكام ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن الحلبي (٣) في الحسن أو الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشرا ، فقال : إن كان دخل بها فرق بينهما ، ثم لم تحل له أبدا ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٢٨ ح ١٠ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٧ ح ٣٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٧ ح ١٧.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٨٧ ح ١٦٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٨ ح ١٠.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٢٧ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٦ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٦ ح ٦.

٥٨٦

واعتدت بما بقي عليها من الأول ، واستقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما واعتدت بما بقي عليها من الأول ، وهو خاطب من الخطاب».

وعن محمد بن مسلم (١) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها؟ قال : إن كان دخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا ، وأتمت عدتها من الأول ، وعدة اخرى من الآخر ، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما وأتمت عدتها من الأول ، وكان خاطبا من الخطاب».

قال الشيخ في كتابي الأخبار قوله «وهو خاطب من الخطاب» محمول على من عقد عليها وهو لا يعلم أنها في عدة ، وحينئذ يجوز له العقد عليها بعد انقضاء عدتها.

وعن سليمان بن خالد (٢) في الموثق قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة في عدتها؟ فقال : يفرق بينهما ، فإن كان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، ويفرق بينهما ولا تحل له أبدا ، وإن لم يكن دخل بها فلا شي‌ء لها من مهرها».

وعن أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال في رجل نكح امرأة وهي في عدتها قال : يفرق بينهما ، ثم تقضي عدتها ، فإن كان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ويفرق بينهما ، وإن لم يكن دخل بها فلا شي‌ء لها».

أقول : ينبغي تقييد استحقاقها المهر ـ بما استحل من فرجها ـ بما إذا كانت جاهلة بالتحريم.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٢٨ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٦ ح ٩.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٢٧ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٨ ح ٣٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٦ ح ٧.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٢٧ ح ٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٦ ح ٨.

٥٨٧

وما رواه في التهذيب عن زرارة (١) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام «في امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها ، قال : يفرق بينهما ، وتعتد عدة واحدة منهما جميعا».

وعن أبي العباس (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المرأة تتزوج في عدتها قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا».

وما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (٣) في الموثق قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الأمة يموت سيدها ، قال : تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ، قلت : فإن رجلا تزوجها قبل أن تنقضي عدتها؟ قال : يفارقها ، ثم يتزوجها نكاحا جديدا بعد انقضاء عدتها ، قلت : فأين ما بلغنا عن أبيك في الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبدا ، قال : هذا جاهل».

وما رواه الشيخ عن جميل عن بعض أصحابه (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام «في المرأة تزوج في عدتها ، قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا ، وإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول». ورواه الصدوق بطريقه إلى جميل بن دراج (٥) نحوه.

وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي (٦) عن بعض مشيخته قال : «قال : أبو عبد الله عليه‌السلام : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة توفي زوجها وهي جبلي فولدت قبل أن يمضي أربعة أشهر وعشرا ، وتزوجت قبل أن تكمل الأربعة الأشهر والعشر فقضى

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٨ ح ٣٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٧ ح ١١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٨ ح ٣٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٧ ح ١٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٧١ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٥ ح ١٣٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٥ ح ١٥.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٩ ح ٤١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٧ ح ١٤.

(٥) الفقيه ج ٣ ص ٣٠١ ح ٢٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٧ ح ١٤.

(٦) التهذيب ج ٧ ص ٤٧٤ ح ١١١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٨ ح ١٦.

٥٨٨

أن يطلقها ، ثم لا يخطبها حتى يمضي آخر الأجلين ، فإن شاء موالي المرأة أنكحوها ، وإن شاؤا أمسكوها وردوا عليه ماله».

أقول يجب حمله على عدم الدخول ويشير إليه قوله «وردوا عليه ماله» يعني المهر ، ولو دخل بها لكان لها المهر عوض البضع ، والطلاق هنا عبارة عن المفارقة لبطلان العقد ، وقد تقدم ما يفصح عن جميع ذلك في صحيحة الحلبي أو حسنته الأخيرة.

وعن علي بن بشير النبال (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة في عدتها ولم يعلم ، وكانت هي قد علمت أنه بقي من عدتها ، وأنه قذفها بعد علمه بذلك ، فقال : إن كانت علمت أن الذي صنعت محرم عليها فقدمت على ذلك ، فإن عليها الحد حد الزاني ، ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئا ، وإن فعلت ذلك بجهالة منها ثم قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحد ، وفرق بينهما ، وتعتد ما بقي من عدتها الأولى وتعتد بعد ذلك عدة كاملة».

وروى أحمد بن محمد (٢) بن عيسى في كتاب النوادر عن النضر عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يتزوج المرأة المطلقة قبل أن تنقضي عدتها؟ قال : يفرق بينهما ولا تحل له أبدا ، ويكون لها صداقها بما استحل من فرجها ، أو نصفه إن لم يكن دخل بها».

إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في مواضع : الأول : ينبغي أن يعلم أن تفصيل أحكام المسألة أنهما إما أن يكونا عالمين أو جاهلين ، أو تكون المرأة عالمة والرجل جاهلا أو بالعكس.

وعلى كل من هذه التقديرات إما أن يحصل دخول أم لا؟ فهنا صور :

(الأولى) أن يكونا عالمين بالعدة والتحريم ويدخل بها.

(الثانية) الصورة بحالها إلا أنه لم يدخل بها ، وفي هاتين الصورتين تحرم مؤبدا اتفاقا نصا وفتوى كما عرفته من النصوص المذكورة.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٩ ح ٤٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٩ ح ١٨.

(٢) فقه الرضا : ص ٦٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٥٠ ح ٢١.

٥٨٩

(الثالثة) أن يكونا جاهلين بالعدة أو التحريم ويدخل بها وهذه كذلك تحرم مؤبدا نصا وفتوى.

(الرابعة) الصورة بحالها إلا أنه لم يدخل ، وهذه لا تحرم اتفاقا نصا وفتوى.

(الخامسة) علم إحداهما وجهل الآخر والذي صرح به جملة من الأصحاب أنه يلزم كل واحد منهما حكمه ، فالعالم يلزمه مقتضى علمه ، والجاهل يلزمه مقتضى جهله. ويدل على ذلك ما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج من قوله «فقلت : وإن كان أحدهما متعمدا والآخر يجهل ، فقال : الذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى صاحبه أبدا» ، وقريب منها رواية علي بن بشير النبال.

وأورد في هذا المقام بأنه كيف يعقل التحريم في أحد الجانبين خاصة مع أنه متى حرم على أحدهما الآخر لم يجز للآخر التزويج به ، لما في ذلك من المعاونة على الإثم والعدوان.

وفيه أن هذا إنما يتم فيما لو علم الآخر بأن من حرم عليه ذلك قدم على ارتكاب المحرم ، وأما لو كان جاهلا بذلك فلا ورود لما أوردوه ، مثلا إذا كانت الزوجة عالمة بأنها في العدة وأنها يحرم عليها التزويج في هذه الحال ، والذي أراد أن يتزوج بها لا علم له بشي‌ء من ذلك بالكلية فهو جاهل بمعرفة حال المرأة ، وما هي عليه من العلم بالأمرين المذكورين فإنه لا يحصل بتزويجه لها معاونة على الإثم والعدوان.

وعلى ما ذكرنا تدل رواية علي بن بشير النبال فإنها دلت على أن المرأة كانت عالمة بأنها في العدة ، والزوج غير عالم بذلك ولا عالم بحالها ، فإن تزويجه لها صحيح من الجانبين إن جهلت تحريم التزويج في العدة ، وأن قذفه لها بالزنا والحال هذه موجب للحد عليه.

وإن علمت التحريم فالنكاح من جهته صحيح لا يلحقه إثم بذلك ولا عقوبة ، ومن جهتها باطل فإنها زانية ، ويجب عليها حد الزاني ، وليس على زوجها

٥٩٠

بقذفه لها شي‌ء لثبوت الزنا.

وبالجملة فإن ما ذكروه ـ من هذا الاشكال وتكلفوا للجواب عنه بما لا يخلو من الاختلال ـ لا أعرف له وجها وجيها ، والحكم هنا باعتبار صحة النكاح من جهته وبطلانه من اخرى إنما هو بحسب الظاهر ، لا بحسب الواقع ونفس الأمر ، كما في المختلفين في صحة العقد وفساده.

الثاني : قد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه لا فرق في العدة بين كونها رجعية أو بائنة ، أو عدة وفاة ، أو عدة شبهة ، ولا في العقد بين الدائم والمنقطع ، وهو كذلك لا طلاق النصوص المتقدمة.

قال في المسالك : وفي إلحاق مدة الاستبراء بالعدة وجهان ، وعدمه أقوى ، وقوفا على موضع النص واستصحابا للحل في غيره ، ومثله يأتي في الوفاة المجهولة ظاهرا قبل العدة مع وقوعه بعد الوفاة في نفس الأمر ، لأن العدة لا تصح إلا بعد بلوغ الخبر والأقوى عدم التحريم مطلقا أيضا. انتهى.

وأقول : ينبغي أن يعلم أن الحكم في الوفاة المجهولة مقيد بما إذا علم الزوج بالوفاة ، وإلا فلو لم يعلم ولا حصل دخول فإنه لا تحرم بغير إشكال ، وحينئذ فإذا علم بالوفاة وعقد في تلك المدة المتخللة بين الوفاة وبين العدة ، أو دخل والحال كذلك فالأظهر عدم التحريم المؤبد ، لعدم المقتضي له من كونها معتدة أو ذات بعل ، أما عدم كونها معتدة فلأن العدة انما تكون بعد العلم بالوفاة أو ما في معناه وإن طال الزمان ، والمفروض عدمه. وأما عدم كونها ذات بعل فظاهر ، لفرض كونه بعد علم الزوج بالوفاة.

وكيف كان فالمسألة لا تخلو من الاشكال ، وإن كان ما ذكره (قدس‌سره) وغيره من الأصحاب هو الأظهر في بادى النظر لما ذكر ، إلا أن الفرع المذكور غريب يحتاج الحكم فيه إلى دليل واضح وإن كان الأصل الحل ، وهو معتمد الأصحاب.

واحتمل بعض هنا التحريم المؤبد ، قال : لأنه لو تزوجها بعد هذا الزمان

٥٩١

في زمان العدة لاقتضى التحريم ففيه أولى لأنه أقرب إلى زمان الزوجية ورد بمنع تحقق الأولوية. وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال.

الثالث : قد صرحوا أيضا بأنه مع الدخول فإنها تحرم على أبيه وابنه مطلقا ، لأنه إما زنا أو وطئ شبهة ، وقد تقدم أنهما موجبان لذلك على الأصح وإن كان الثاني منهما عندي لا يخلو عن توقف كما تقدم ذكره.

الرابع : إطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي أنه متى كان العقد في العدة فإنه يقتضي التحريم المؤبد مع الدخول جاهلا سواء كان الدخول في العدة أو بعدها ، إلا أنه قال في المسالك : ووطئ الجاهل بالتحريم بعد العدة لا أثر له في التحريم وإن تجدد له العلم ، وإنما المحرم الوطي فيها أو العلم بالتحريم حاله العقد ، وهو مشكل ، ولم أقف على من ذكر ذلك غيره ، وإلى ما ذكرناه هنا تنبه صاحب الكفاية أيضا.

الخامس : قد اختلفت الروايات المذكورة هنا في تعدد العدة واتحادها والمشهور بين الأصحاب وجوب التعدد ، حتى قال السيد السند في شرح النافع : إن القول بإجزاء العدة الواحدة غير معروف القائل.

وفي شرح المختصر لابن فهد أن القائل هنا أبو علي بن الجنيد ، ومن أجل قولهم بوجوب التعدد (١) حمل الشيخ في كتابي الأخبار روايتي زرارة وأبي العباس المتقدمتين ـ الدالتين على العدة الواحدة ـ على ما إذا لم يكن الثاني قد دخل بها.

وهو كما ترى ، فإن الخبرين قد صرحا بأنها تعتد عدة واحدة منهما جميعا ، فكيف تعتد من الثاني وهو لم يدخل بها ، ما هذه إلا غفلة ظاهرة ،

__________________

(١) أقول ظاهره في المسالك الميل الى القول باتحاد العدة حيث قال : في القول بالاكتفاء بواحدة مجهول القائل ، ولكن مستنده روايات كثيرة ، ثم نقل صحيحة زرارة ، بل رواية أبي العباس ونقل جواب الشيخ عنهما ، ورده بما ذكرناه في الأصل ولم يرد على ذلك. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٩٢

وجملة من المتأخرين منهم السيد السند في شرح النافع والمحدث الشيخ محمد الحر جمعوا بين الأخبار بحمل التعدد على الاستحباب ، وزاد في الوسائل حمل أخبار العدة الواحدة على التقية.

أقول : قد عرفت مما قدمناه في التذنيب الذي في آخر المسألة المتقدمة أن الأظهر إنما هو حمل أخبار التعدد على التقية ، لما عرفت من ظهور تلك الروايتين المتقدمتين ثمة في ذلك.

السادس : قد صرح الشيخ وغيره من الأصحاب بأنه مع الدخول يجب عليه المهر ، وهو مما لا إشكال فيه ، لكن هل الواجب هو المسمى في العقد أو مهر المثل؟ الذي صرح به الشيخ والمحقق في الشرائع هو المسمى ، نظرا إلى أن المسمى هو الذي وقع التراضي عليه في العقد ، والأظهر ما صرح به آخرون من مهر المثل لانه الواجب مع عدم المقدر وهو هنا كذلك لأن العقد وقع باطلا فيبطل ما اشتمل عليه من المسمى ، وقد تقدم ما فيه مزيد إيضاح لذلك.

والظاهر من كلام الأصحاب هو أن المهر مخصوص بالدخول ، ومع عدم الدخول فلا شي‌ء لها ، وعليه تدل رواية أبي بصير المتقدمة ، وقوله فيها «وإن لم يكن دخل بها فلا شي‌ء لها» ومثلها رواية سليمان بن خالد أيضا إلا أن رواية أحمد بن محمد بن عيسى في كتابه النوادر دلت على أنه مع عدم الدخول لها نصف المهر ، وهي دالة على التنصيف في انفساخ عقد الشبهة ، ولا أعلم بمضمونها قائلا ، وسيأتي تحقيق المسألة في محله إن شاء الله.

السابع : قال في المسالك في هذا المقام : وفي إلحاق ذات البعل بالمعتدة وجهان أيضا : من مساواتها لها في المعنى ، وزيادة علقة الزوجية فيكون من باب مفهوم الموافقة ، وانتفاء العدة التي هي مورد النص ، وإن كان اختصاص العدة بمزية خاصة.

أقول : قد تقدم تحقيق الكلام في ذلك وأن الظاهر كون الحكم في الموضعين

٥٩٣

واحدا للروايات التي تقدمت ثمة ، لا بهذه التعليلات العليلة.

الثامن : إذا تزوج في العدة ودخل بها فحملت فمتى كان جاهلا كان النكاح شبهة فيلحق به الولد ، لأنه في حكم النكاح الصحيح كما تقدم ، بشرط أن يكون لستة أشهر فصاعدا من وقت الوطي ، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من حين الوطي فهو للأول ، وعلى ذلك يدل مرسلة جميل (١) المتقدمة ، وقوله فيها «وإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير ، وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول».

التاسع : ما اشتملت عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) من تقسيم الجاهل إلى من كان جاهلا بالعدة أو جاهلا بالتحريم وإن علم العدة ، وأن كلا منهما معذور يصح نكاحه ظاهرا مما لا إشكال ولا خلاف فيه.

وتوضيح معنى الخبر على وجه يظهر لكل من نظر أن نقول : قد اشتمل هذا الخبر على فردي الجاهل بالحكم الشرعي والجاهل ببعض جزئيات الحكم الشرعي وأفراد موضوعه ، ودل على معذورية كل منهما ، إلا أن الأول أعذر ، لعدم قدرته على الاحتياط ، وذلك فإن الجاهل بالحكم الشرعي ، وهو تحريم التزويج في العدة جهلا ساذجا غير متصور له بالمرة ، لا يتصور الاحتياط في حقه بالكلية لعدم تصوره الحكم بالمرة كما عرفت.

وأما الجاهل بكونها في عدة مع علمه فتحريم التزويج في العدة ، فهو جاهل بموضوع الحكم المذكور مع معلومية أصل الحكم له ، وهذا يمكنه الاحتياط بالفحص والسؤال عن كونها ذات عدة أم لا ، إلا أنه غير مكلف به ، بل

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٩ ح ٤١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٠١ ح ٢٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٧ ح ١٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٢٧ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٦ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٥ ح ٤.

٥٩٤

ظاهر جملة من الأخبار مرجوحية السؤال والفحص ، كما في غير هذا الموضع كما حققناه في محل أليق ، عملا بسعة الشريعة الحنفية.

نعم متى كان الجهل ببعض جزئيات الحكم الشرعي مع العلم بأصل الحكم فإنه يجب الفحص والسؤال ، كما تضمنته

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) «قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان الجزاء عليهما أو على كل واحد منهما؟ قال : لا ، بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما عن الصيد ، قلت : إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك ، فلم أدر ما عليه ، فقال : عليه‌السلام إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط».

وظاهر الخبر أن السائل كان عالما بأصل وجوب الجزاء عليهما ، وإنما الشك في موضعه بأن يكون عليهما معا جزاء واحد يشتركان فيه ، أو على كل واحد جزاء بانفراده (٢).

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣٩١ ح ١ ، التهذيب ج ٥ ص ٤٦٦ ح ٢٧٧ ، الوسائل ح ٩ ص ٢١٠ ح ٦.

(٢) فهو يرجع الى الشك في جزئي من جزئيات ذلك الأمر الكلى ، وهو وجوب الجزاء على المحرم ، وبالجملة مع العلم بأصل الحكم الشرعي ان حصل الشك في معروضه ومحله ، كما إذا علم بتحريم الميتة وشك في كون هذا اللحم ميتة أم لا؟ وعلم بتحريم التزويج في العدة ولكن شك في كون تلك المرأة في عدة أم لا؟ فإنه لا يجب عليه الفحص والسؤال ، بل ورد النهى عنه عملا بسعة الشريعة.

وان حصل الشك في كون هذا الجزئي هل هو من جزئيات ذلك الحكم أم لا؟ وجب الفحص والسؤال ، لأنه شك في نفس الحكم الشرعي ، وقد علم من الآيات والاخبار وجوب البناء على اليقين والعلم ، وحينئذ فيجب عليه الفحص والسؤال : وان تعذر فالوقوف على جادة الاحتياط. هذا كله مع العلم بأصل الحكم الشرعي ، وأما مع عدمه بأن كان جاهلا به فان كان جهلا سازجا بالاصطلاح فهو معذور لعدم إمكان الاحتياط في حقه كما

٥٩٥

المسألة الثالثة : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأن من لاط بغلام فأوقب فإنه يحرم على الواطئ العقد على أم ذلك الموطوء وأخته وبنته ، هذا مع عدم سبق عقدهن على الفعل المذكور ، فلو سبق فإن الفعل المذكور لا يوجب تحريما ، عملا باستصحاب الحل السابق ، «وأن الحرام لا تحرم الحلال».

ومما يدل على الوجه الذي قلناه أخبار عديدة ، والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة في هذا المقام.

منها : ما رواه في الكافي عن حماد بن عثمان (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل أتى غلاما ، أتحل له أخته ، قال : فقال : إن كان ثقب فلا».

وعن ابن أبي عمير (٢) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يعبث بالغلام قال : إذا أوقب حرمت عليه ابنته وأخته».

قال في الكافي (٣) وبهذا الاسناد عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل يأتي أخا امرأته فقال : إذا أوقبه فقد حرمت عليه المرأة» ، أقول : المراد أنه أتى أخاها قبل أن يتزوج بها».

__________________

ذكرناه في الجاهل بتحريم التزويج في العدة ، والا فالواجب عليه الفحص والسؤال ، وان تعذر العلم بالحكم فليعمل على الاحتياط كما تضمنته رواية بريد الكناسي بالنسبة إلى العالمة بالعدة الا إلها لم تقدر بقدرها ، قال عليه‌السلام : «إذا علمت أن عليها العدة لزمت الحجة فتسأل حتى تعلم». (منه ـ قدس‌سره ـ).

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٧ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٠ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤١٧ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٩ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤١٨ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٩ ح ٢.

٥٩٦

وعن موسى بن سعدان (١) عن بعض رجاله قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام جالسا فقال له رجل : ما ترى في شابين كانا مصطحبين ، فولد لهذا غلام وللآخر جارية ، أيتزوج ابن هذا ابنة هذا ، قال : فقال : نعم سبحان الله لم لا يحل؟ فقال : إنه كان صديقا له ، قال : فقال : وإن كان فلا بأس ، قال : فإنه كان يفعل به ، قال : فأعرض بوجهه ، ثم أجابه وهو مستتر بذارعيه ، فقال : إن كان الذي كان منه دون الإيقاب فلا بأس أن يتزوج ، وإن كان قد أوقب فلا يحل له أن يتزوج».

وما رواه الصدوق في كتاب عقاب الأعمال (٢) قال : «روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل لعب بغلام ، قال : إذا أوقب لن تحل له أخته أبدا». ورواه البرقي في المحاسن (٣) مثله.

وما رواه الشيخ (٤) عن إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل لعب بغلام ، هل تحل له امة؟ قال : إن كان ثقب فلا».

وهذه الأخبار كلها كما ترى ضعيفة السند بالاصطلاح المحدث ، ولكن أصحابنا المتأخرين تمسكوا هنا في الحكم المذكور بالإجماع المنقول وجبر ضعف الأخبار بالشهرة بين الأصحاب ، ولا يخفى عليك ما فيه ، ولكن ضيق الخناق بالعمل بهذا الاصطلاح ألجأهم إلى هذه الأعذار الواهية.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أن تحقيق الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور :

الأول الظاهر أن الإيقاب المترتب عليه التحريم في هذا المقام هو إدخال بعض الحشفة ولو قليلا وإن لم يترتب عليه الغسل ، فإن الغسل إنما يجب بغيبوبة الجميع ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٧ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣١٠ ح ٤٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٠ ح ٣.

(٢) عقاب الأعمال ص ٣١٦ ح ٤ ط إيران ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٠ ح ٥.

(٣) المحاسن ص ١١٢ ح ١٠٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٠ ح ٥.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣١٠ ح ٤٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٠ ح ٧.

٥٩٧

يقال : وقب الشي‌ء يقب وقوبا : إذا أدخل ، والدخول يصدق بإدخال بعض الحشفة وبالجملة فإن الحكم مما لا خلاف فيه لغة وشرعا.

الثاني : ظاهر الأصحاب الاتفاق على تعدي الحكم إلى الأم وإن علت ، والبنت وإن سفلت ، فتحرم على الفاعل جدات المفعول لأب كن أو لام ، لصدق الام على كل منهن ، وكذا القول في البنات ، سواء كن بنات أولاد أو بنات بنات ، وتعدي الحكم في الموضعين ، إما من حيث شمول اللفظين المذكورين لذلك حقيقة (١) أو للاتفاق على الحكم المذكور ، وظاهره في المسالك أنه لو لا ذلك لكان للكلام في التعدي مجال ، قال : لما عرفت من أنهما حقيقتان في المتصلتين دون المنفصلتين بالوسائط.

أقول : لا يخفى أن المستفاد من الآيات والروايات الواردة في الميراث والنكاح هو العموم والشمول في الأمهات والبنات ، والآباء والأولاد لمن ارتفع من الآباء والأمهات ، ومن نزل من الأولاد والبنات ، فلو ادعى كون ذلك حقيقة شرعية ـ لاستعمال الشارع لهما في هذا المعنى ـ لم يكن بعيدا.

وقد تقدم الكلام في ذلك وتحقيق القول فيه في مواضع ، ولا سيما في كتاب الخمس ، نعم المستعمل في عرف الناس إطلاق الأم والأب على من يولد منهما الولد بغير فاصلة ، والجد والجدة على من كانا بفاصلة وهكذا في البنت وبنت البنت ، وبالجملة فإن الحكم هنا مما لا خلاف ولا إشكال فيه ، أما الأخت فلا يتعدى الحكم إلى بنتها اتفاقا.

الثالث : الظاهر من كلام الأصحاب أنه لا فرق في الفاعل والمفعول بين الصغير والكبير عملا بالإطلاق ، ونسبه في المسالك إلى الأقوى ، والظاهر أنه أشار

__________________

(١) أقول : قال ابن إدريس هنا : ويدخل في تحريم الأم الجدة وان علت لأنها أم عندنا حقيقة ، وكذلك بنت البنت ، وكذلك بنت ابن بنته وان سفلن ، لأنهن بناته حقيقة. انتهى ، وهو مبنى على ما تقدم نقله عند من مذهبه في كون أولاد الأولاد أولادا حقيقة ، كما تقدم في كتاب الخمس. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٩٨

إلى ما ذكره العلامة في القواعد من الإشكال في شمول ذلك للفاعل إذا كان صغيرا.

ووجه الاشكال على ما ذكره بعض شراح الكتاب (١) من حيث عموم «من وطأ غلاما» المتناول للصغير والكبير ، ومن قرينة «حرم عليه» الدالة على اختصاص الحكم بالمكلفين ، فإن الصغير لا يحرم عليه شي‌ء ، كما لا يجب عليه شي‌ء ولأصالة عدم التحريم. انتهى.

وقال المحقق الشيخ على (رحمه‌الله) في توجيه الاشكال المذكور ، منشأه من أن التحريم الوارد في النص دليل على أن هذا الحكم إنما هو في البالغ ، لامتناع تعلق التحريم في الصبي ، ومن أن النص خرج مخرج الغالب ، وأن هذا الفعل إنما يقع غالبا من البالغ ، ولأنه بعد البلوغ يصدق عليه أنه رجل أوقب غلاما تعلق به التحريم ، لعموم النص لمن تقدم إلحاقه على البلوغ ومن تأخر عنه. انتهى.

أقول : لا يخفى على من راجع أخبار المسألة وهي التي قدمناها لم يشذ منها شي‌ء ـ أن موردها بالنسبة إلى الفاعل إنما هو الرجل ، وهو ظاهر بل صريح في الكبير ، وبه يظهر أنه لا وجه لقول الشارح الأول أن مستند الاشكال عموم «من وطأ غلاما» المتناول للصغير والكبير ، وقوله في الوجه الثاني من وجهي الاشكال ومن قرينة «حرم عليه» الدالة على اختصاص الحكم بالمكلفين.

ولا معنى أيضا لما ذكره المحقق الشيخ على في وجهي الإشكال ، من الاستناد إلى التحريم الوارد في النص بمعنى أن الدليل على كونه كبيرا ، إنما هو التحريم الوارد في النص ، فإن الصبي لا تحريم بالنسبة إليه ، إذ هو غير مخاطب بالمرة ، ومن أن التحريم إنما خرج مخرج الغالب ، وذلك فإنه إذا كان المصرح به في الأخبار بالنسبة إلى الفاعل إنما هو الرجل الذي إنما يطلق على البالغ ، ولا سيما بقرينة

__________________

(١) أقول : هو الفاضل عميد الحق والدين عبد المطلب بن الأعرج الحسيني أحد تلامذة العلامة في شرحه المسمى بكنز الفوائد في حل مشكلات القواعد. (منه ـ قدس‌سره).

٥٩٩

المقابلة بالغلام ، فأي وجه لهذه الاعتبارات المتكلفة والتوجيهات المتعسفة ، نعم ما ذكره أخيرا ـ من قوله ـ ولأنه بعد البلوغ يصدق عليه أنه رجل إلى آخره ـ محتمل إلا أنه مقابل بأصالة الحلية وعدم التحريم.

وبالجملة فالمسألة لا يخلو من شوب الاشكال ، وإن كان الاحتياط فيما ذكروه (رضوان الله تعالى عليهم) ، وكيف كان فإنه على تقدير الشمول للصغير فإن التحريم يتعلق بالولي قبل بلوغ الفاعل ، وبعد البلوغ يتعلق به كما صرحوا به أيضا.

الرابع : هل الام والبنت الرضاعيتان تدخلان تحت التحريم هنا فتحرمان كما تحرمان من النسب؟ استشكل العلامة في القواعد في ذلك ، ومنشأه من أن صدق الام والبنت عليهما إنما هو بطريق المجاز ، لأن الحقيقة إنما تصدق على ما إذا كان بالولادة ، فلا يتناولهن النص الوارد بالتحريم ، ومن عموم قوله عليه‌السلام (١) «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

أقول : وقد تقدم الكلام هنا في هذه المسألة في آخر المطلب الثاني في الرضاع في المسألة الثانية من مسائل المورد السابع ، وقد ذكرنا ثمة أن التحريم هو الأقوى وهو المشهور ، وأن القول الأخر بمحل من القصور.

الخامس : استشكل العلامة في القواعد في شمول المفعول للميت ، بمعنى لو لاط ميتا فهل تحرم عليه تلك المحرمات المذكورة أم لا؟ ومنشأه الإشكال من العموم الشامل للميت ، ومن خروجه بالموت عن كونه مشهية طبعا ، وتعلق أحكام الجناية ، فإن المتبادر إلى الفهم من النص إنما هو الحي دون الميت ، كذا ذكره المحقق الشيخ علي ، ثم قال : والتحريم ليس ببعيد.

وقال بعض شراح الكتاب (٢) في توجيه الاشكال أنه ينشأ من عموم النص

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٣٧ ح ٢ و ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩١ ح ٥٩ وص ٢٩٢ ح ٦٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٨١ ح ٣ و ٤.

(٢) هو السيد عميد الدين المتقدم ذكره في الحاشية السابقة. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٦٠٠