الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين.

المقصد الثاني

في ما يلحق الصلاة من قواطعها وسهوها وشكوكها ، وتفصيل الكلام فيه يتوقف على بسطه في مطالب :

(الأول) ـ في قواطعها ، ومنها ما يقطعها عمدا وسهوا على الخلاف الآتي ومنها ما لا يقطعها إلا عمدا ، ومنها ما يكون الأفضل تركه وان لم يقطعها ، وإطلاق القطع عليه تجوز باعتبار قطع فضلها ، فههنا مقامات ثلاثة :

(الأول) ـ في ما يقطعها عمدا وسهوا ، لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في بطلان الصلاة بترك الطهارة عمدا أو سهوا ، والظاهر ان الحكم للذكور إجماعي نصا وفتوى ، وكذا لا خلاف في بطلانها بمبطلات الطهارة من حدث أكبر أو أصغر إذا كان عن عمد ، نقل الإجماع على ذلك جماعة من الأصحاب : منهم ـ العلامة. إلا ان الظاهر من كلام ابن بابويه ـ كما سيأتي ان شاء الله تعالى في مسألة من ترك ركعتين من الصلاة ساهيا فإنه يأتي بهما وان بلغ الصين ـ خلافه

٢

ويمكن إلحاق هذا الفرد بالسهو ايضا على نحو مسألة من تكلم في الصلاة عامدا بعد التسليم بناء على تمام صلاته ثم ظهر نقصانها فإنه يتمها وتكون صلاته صحيحة فلا يخالف الإجماع المدعى في المقام.

إنما الخلاف في ما لو أحدث ساهيا ، فأقول المشهور البطلان بل ادعى عليه العلامة في التذكرة الإجماع فقال انه مبطل للصلاة إجماعا. وقال في النهاية لو شرع متطهرا ثم أحدث ذاكرا للصلاة أو ناسيا لها بطلت صلاته إجماعا إذا كان عن اختياره. ونسبه المحقق في المعتبر إلى الخمسة. إلا ان كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا لا يخلو من إجمال ، فإن ظاهر كلامهم ان محل الخلاف في المسألة من أحدث في صلاته ساهيا ، والمتبادر من هذا انه أحدث بانيا على انه ليس في الصلاة بل سها عن كونه فيها ، فهو في الحقيقة متعمد للحدث لكنه ساه عن الصلاة كمن تكلم في الصلاة ساهيا ، فان كلامه وان كان عن تعمد إلا انه سها عن كونه في الصلاة ، مع ان القول المنقول عن المرتضى والشيخ في هذا المقام وهو اعادة الوضوء والبناء إنما هو في من سبه الحدث اى خرج منه من غير اختياره ، قال في المنتهى أما الناسي إذا سبقه الحدث فإن أكثر أصحابنا أوجبوا عليه الاستئناف بعد الطهارة ، وقال الشيخ في الخلاف والسيد المرتضى في المصباح إذا سبقه الحدث ففيه روايتان وهكذا عبائر من نقل عنهما ذلك ، والظاهر ان مرجع الجميع إلى أمر واحد وهو من أحدث غير متعمد لذلك في الصلاة اما بان يسبقه من غير اختياره أو بان يسهو عن كونه في الصلاة. وقد تقدم مذهب الشيخين في باب التيمم من تخصيص الحكم بالمتيمم إذا أحدث في الصلاة لا عن عمد ثم وجد الماء فإنه يتوضأ ويبنى.

وكيف كان فالواجب الرجوع الى ما ورد في المسألة من الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) وبيان ما يفهم منها في المقام :

فنقول اما ما يدل على القول المشهور فمنه ما ذكره جملة من الأصحاب وهو ان الطهارة شرط في صحة الصلاة فيكون انتفاؤها موجبا لانتفاء الصلاة قضية للشرطية

٣

ومنه ـ رواية أبي بكر الحضرمي عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما‌السلام) (١) انهما كانا يقولان : «لا يقطع الصلاة إلا أربعة : الخلاء والبول والريح والصوت» رواه الكليني عنه في الموثق.

وما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال «سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال ان كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شي‌ء ولم ينقض وضوءه ، وان خرج متلطخا بالعذرة فعليه ان يعيد الوضوء وان كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة».

وما رواه الشيخ عن الحسن بن الجهم (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة؟ قال ان كان قال : «اشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» فلا يعيد وان كان لم يتشهد قبل ان يحدث فليعد».

وما رواه في قرب الاسناد عن علي بن جعفر (٤) ونحوه في كتاب المسائل عن أخيه (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن رجل يكون في صلاته فيعلم ان ريحا قد خرجت منه ولا يجد ريحا ولا يسمع صوتا؟ قال يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشي‌ء مما صلى إذا علم ذلك يقينا».

ويعضده أيضا رواية أبي الصباح الكناني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة فقال ان كان لا يحفظ حدثا منه ان كان فعليه الوضوء واعادة الصلاة وان كان يستيقن انه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا اعادة».

وما رواه في التهذيب عن الحسين بن حماد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٧)

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥ و ٧) الوسائل الباب ١ من قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٥ من نواقض الوضوء.

(٦) الوسائل الباب ٣ من نواقض الوضوء.

٤

قال : «إذا أحس الرجل ان بثوبه بللا وهو يصلى فليأخذ ذكره بطرف ثوبه فيمسحه بفخذه فان كان بللا يعرف فليتوضأ وليعد الصلاة وان لم يكن بللا فذلك من الشيطان». أقول يجب حمله على ما إذا لم يستبرئ قبل وضوئه.

وأورد على الدليل الأول ان المعتبر عدم وقوع شي‌ء من اجزاء الصلاة بدون الطهارة واما اشتراط عدم تخلل الحدث في الأثناء فممنوع.

وفيه ان الصلاة ليست عبارة عن تلك الاجزاء بالخصوص من قراءة وركوع وسجود ونحوها بل هي عبارة عن ذلك وعن ما بينها من الانتقالات لقولهم (عليهم‌السلام) في ما تقدم (١) من الأخبار «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» وجواز بعض الأفعال الخارجة عنها في أثنائها لدليل كغسل الرعاف ونحوه لا يستلزم جواز ما لا دليل عليه.

وأورد على الأخبار الطعن بضعف السند وهو على ما عرفت من طريقتنا غير واضح ولا معتمد ، وبالجملة فالروايات المذكورة ظاهرة في القول المذكور تمام الظهور إلا انها معارضة بما هو أصح سندا وأكثر عددا من اخبار القولين الآخرين

وها أنا أسوق لك جملة ما وقفت عليه من اخبار المسألة زيادة على ما تقدم وأبين الوجه فيها بما اتضح لي دليله وظهر لي سبيله :

فأقول ـ وبالله التوفيق ـ من الأخبار المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار (٢) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا؟ فقال انصرف ثم توضأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا ، فان تكلمت ناسيا فلا شي‌ء عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا. قلت فان قلب وجهه عن القبلة؟ قال نعم وان قلب وجهه عن القبلة». قال المرتضى (رضى الله عنه) على ما نقل عنه : لو لم يكن الأذى والغمز ناقضا لم يأمره بالانصراف.

__________________

(١) ج ٨ ص ٤٧٨.

(٢) الوسائل الباب ١ من قواطع الصلاة.

٥

وما رواه الشيخ عن ابى سعيد القماط (١) قال : «سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول وهو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة؟ قال فقال إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس ان يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف الى مصلاه الذي كان يصلى فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام. قال قلت وان التفت يمينا وشمالا لو ولى عن القبلة؟ قال نعم كل ذلك واسع إنما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة فإنما عليه ان يبنى على صلاته».

وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع ان يصبر عليه أيصلى على تلك الحال أو لا يصلى؟ قال فقال ان احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر». ومفهومه انه لو لم يستطع الصبر فإنه يجوز له القطع ، واما انه بعد القطع ما حكمه فالخبر مجمل في ذلك.

ونحو ذلك قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٣) «وان كنت في الصلاة فوجدت غمزا فانصرف إلا ان يكون شيئا تصبر عليه من غير إضرار بالصلاة».

ويعضد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) قال : «قلت له رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء؟ قال يخرج ويتوضأ ثم يبنى على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم».

وفي الصحيح عن زرارة (٥) قال : «قلت له رجل دخل في الصلاة وهو

__________________

(١ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١ من قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٨ من قواطع الصلاة ، والمسؤول في كتب الحديث هو أبو الحسن (ع).

(٣) ص ٧.

٦

متيمم فصلى ركعة وأحدث فأصاب ماء؟ قال يخرج ويتوضأ ويبنى على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم».

وهذان الخبران وان كان موردهما التيمم خاصة إلا أنهما دالان على ان وقوع الحدث في الصلاة غير مبطل كما هو القول المشهور.

ويزيده تأييدا أيضا ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن بإبراهيم ابن هاشم عن زرارة عن أبى جعفر (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد؟ قال ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع الى المسجد وان شاء ففي بيته وان شاء حيث شاء يقعد فيتشهد ثم يسلم ، وان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته».

وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير؟ قال تمت صلاته وانما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد».

وما رواه الكليني عن عبيد بن زرارة في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل صلى الفريضة فلما فرغ ورفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث؟ فقال اما صلاته فقد مضت وبقي التشهد وإنما التشهد سنة في الصلاة فليتوضأ وليعد الى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد».

وهذه الأخبار وان كان موردها خاصا بالحدث قبل التشهد الأخير إلا أنه لا خلاف في وجوب التشهد وانه جزء من الصلاة وحينئذ فيكون الحدث واقعا في الصلاة وغير مبطل لها خلافا للمشهور كما عرفت.

وظاهر الصدوق القول بهذه الأخبار الأخيرة حيث قال في الفقيه : ان

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٣ من التشهد.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من التشهد. وفي الوسائل «عبيد بن زرارة» وفي التهذيب ج ١ ص ٢٢٦ والوافي باب «الحدث والنوم في الصلاة» كما هنا.

٧

رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة وأحدثت فإن كنت قد قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك وان لم تكن قلت ذلك فقد مضت صلاتك فتوضأ ثم عد الى مجلسك فتشهد. انتهى. قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار : ويشمل ظاهر كلامه العمد ايضا ولا يخلو من قوة. انتهى.

أقول ـ وبالله التوفيق والهداية إلى سواء الطريق ـ لا يخفى ان الأخبار المتقدمة التي هي مستند القول المشهور وان ضعف سندها فإنها هي الأوفق بالقبول والمطابقة للقواعد الشرعية والأصول مضافا الى الاحتياط المطلوب في الدين لذوي الألباب والعقول ، وان ما سواها وان صح سندها بهذا الاصطلاح المحدث إلا انها لا تخلو من الخلل والقصور الزائد ذلك على ما فيها من المخالفة لأخبار القول المشهور.

فاما صحيحة الفضيل بن يسار فلا دلالة فيها على محل البحث ، فان ظاهرها إنما هو من وجد في بطنه تلك الأشياء من غمز أو أذى أو ضربان وشي‌ء ، من هذه الأشياء ليس بحدث أصلا اتفاقا ، وليس في سؤاله انه أحدث فأمره (عليه‌السلام) بالانصراف عن الصلاة في تلك الحال وبقضاء الحاجة ثم الوضوء والبناء. واما جواب صاحب المدارك عن ذلك بان التعبير عن قضاء الحاجة بالانصراف شائع ليس في محله ، فان هذا الكلام إنما هو من الإمام (عليه‌السلام) ومحل الإشكال إنما هو في السؤال حيث لم يتضمن وقوع الحدث بالفعل وانما تضمن وقوع هذه الأوجاج الناشئة من حبس الغائط. ومثله في ما ذكرناه خبر القماط.

نعم لقائل أن يقول انه يمكن حمل الخبرين المذكورين على من حصل له شي‌ء من هذه الأمور المذكورة على وجه يخاف مبادرة الحدث وعدم إمكان إتمام الصلاة فإنه يجوز له قطع الصلاة وقضاء الحاجة والوضوء ثم البناء على ما فعل. ويشهد لذلك ما ذكرناه من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وكلامه (عليه‌السلام) في الفقه فإنهما وان كانا مطلقين بالنسبة إلى العود والبناء الا أنه يمكن حمل إطلاقهما على ما دل عليه الخبران المذكوران من العود بعد القطع والبناء وتكون هذه الروايات دالة على

٨

هذا الحكم وان لم يقل به أحد من الأصحاب.

وكيف كان فالخبران المذكوران بناء على ما ذكرناه خارجان عن فرض المسألة نعم فيهما دلالة على بطلان الصلاة بتخلل الحدث ، والأظهر عندي حملهما على التقية (١) التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية. على ان فيهما أيضا اشكالا من وجه آخر وهو ما تضمناه من الفرق بين الكلام متعمدا وبين الاستدبار وان الصلاة تبطل بالأول دون الثاني وهو خلاف ما دلت عليه الأخبار وكلمة الأصحاب من غير خلاف يعرف.

واما صحيحتا زرارة الواردتان بالنسبة إلى المتيمم فقد تقدم البحث فيهما في باب التيمم ، وقد تقدم (٢) في كلام المحقق الشيخ حسن في المنتفي حمل الخبرين المذكورين على معنى لا يخالف الأخبار المتقدمة ، وملخصه ان المراد بالصلاة في قوله «يبنى على ما مضى من صلاته» هي الصلاة التي صلاها بالتيمم تامة قبل هذه الصلاة التي أحدث فيها ، ومرجعه الى أن هذه الصلاة قد بطلت بالحدث وانه يخرج ويتوضأ من هذا الماء الموجود ولا يعيد ما صلى بهذا التيمم وان كان في الوقت ، قال : ويكون قوله (عليه‌السلام) في آخر الكلام : «التي صلى بالتيمم» قرينة قوية على إرادة هذا المعنى ، فيكون مفاد الخبرين حينئذ عدم وجوب إعادة الصلاة الواقعة بالتيمم بعد وجدان الماء. وهو معنى صحيح وارد في اخبار كثيرة مضى بعضها. انتهى. وهو جيد وبه ينطبق الخبران المذكوران على مقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية مع قرب احتمال التقية (٣).

واما الأخبار الأخيرة الدالة على صحة الصلاة مع حصول الحدث بعد السجدة الأخيرة وقبل التشهد فقد تقدم البحث فيها في فصل التشهد.

__________________

(١ و ٣) ارجع الى التعليقة ١ ص ٤٤٨ ج ٨ والتعليقة ١ ص ٣٨٧ ج ٤.

(٢) ج ٤ ص ٣٩٢.

٩

وبالجملة فإن التمسك بذيل الاحتياط في أمثال هذه الأحكام طريق النجاة. والله العالم.

(المقام الثاني) ـ في ما يبطلها عمدا ، قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان كل من أخل بواجب من واجبات الصلاة عمدا أو جهلا من اجزاء الصلاة كالقراءة والركوع والسجود أو صفاتها كالطمأنينة في حال القراءة مثلا أو شرائطها كالوقت والاستقبال وستر العورة بطلت صلاته ، قالوا وهذه كلية ثابتة في جميع مواردها عدا الجهر والإخفات فإن الجاهل يعذر فيهما كما تقدم في فصل القراءة.

وههنا أشياء قد صرح بها الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب لا بد من ذكرها تفصيلا والكلام فيها تحقيقا ودليلا :

(الأول) ـ وضع اليمين على الشمال حال القيام فوق السرة أو تحتها وهو المسمى بالتكتف والتكفير.

وقد اختلف الأصحاب هنا في موضعين (الموضع الأول) في حكمه فالمشهور بين الأصحاب التحريم بل نقل المرتضى والشيخ عليه إجماع الفرقة ، ونقل عن ابن الجنيد انه جعل تركه مستحبا وعن أبى الصلاح انه جعل فعله مكروها واختاره المحقق في المعتبر.

واستدل على القول المشهور بالإجماع المنقول ، وبالاحتياط ، وبأن أفعال الصلاة متلقاة من الشرع ولا شرع هنا ، وبأنه فعل كثير خارج عن الصلاة.

وبما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «قلت الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى ، قال ذلك التكفير فلا تفعل».

وعن حريز عن رجل عن أبى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال «لا تكفر إنما

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٥ من قواطع الصلاة.

١٠

يصنع ذلك المجوس». ونحوه قوله (عليه‌السلام) في حسنة زرارة المتقدمة في صدر الباب (١) «ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس».

أقول : ويدل عليه أيضا ما رواه في الخصال عن ابى بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يجمع المؤمن يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عزوجل يتشبه بأهل الكفر يعنى المجوس».

وروى في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) انه قال : «إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى ولا اليسرى على اليمنى فان ذلك تكفير أهل الكتاب ولكن أرسلهما إرسالا فإنه أحرى ان لا تشغل نفسك عن الصلاة».

وروى الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال على بن الحسين (عليه‌السلام) وضع الرجل احدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل».

وروى على بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته أيضع احدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه؟ قال لا يصلح ذلك فان فعل فلا يعود له. قال على قال موسى (عليه‌السلام) سألت أبي جعفر (عليه‌السلام) عن ذلك فقال أخبرني أبي محمد بن على عن أبيه على ابن الحسين عن أبيه الحسين بن على عن أبيه على بن ابى طالب (عليهم‌السلام) قال ذلك عمل وليس في الصلاة عمل».

قال بعض مشايخنا (قدس الله أسرارهم) «ليس في الصلاة عمل» اى لا ينبغي

__________________

(١) ج ٨ ص ١٠.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ١٥ من قواطع الصلاة.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١٤ من قواطع الصلاة.

(٥) البحار ج ٤ ص ١٥٥ وفي الوسائل الباب ١٥ من قواطع الصلاة.

١١

أن يعمل في الصلاة عمل غير أفعال الصلاة أو هو بدعة ولا يجوز الابتداع فيها أو هو فعل كثير كما فهمه بعض الأصحاب.

قال المحقق في المعتبر : الوجه عندي الكراهة أما التحريم فيشكل لأن الأمر بالصلاة لا يتضمن حال الكفين فلا يتعلق بها تحريم لكن الكراهة من حيث هي مخالفة لما دل عليه الأحاديث من استحباب وضعهما على الفخذين. واحتجاج علم الهدى بالإجماع غير معلوم لنا وخصوصا مع وجود المخالف من أكابر الفضلاء. والتمسك بأنه فعل كثير في غاية الضعف لان وضع اليدين على الفخذين ليس بواجب ولم يتناول النهى وضعهما في موضع معين فكان للمكلف وضعهما كيف شاء. واما احتجاج الطوسي (قدس‌سره) بأن أفعال الصلاة متلقاة (قلنا) حسن لكن كما لم يثبت تشريع وضع اليدين لم يثبت تحريم وضعهما فصار للمكلف وضعهما كيف شاء وعدم تشريعه لا يدل على تحريمه لعدم دلالة التحريم. وقوله الاحتياط يقتضي ترك ذلك (قلنا) متى؟ إذا لم يوجد ما يدل على الجواز أم إذا وجد ، لكن الأوامر المطلقة بالصلاة دالة بإطلاقها على عدم المنع (قوله) عندنا تكون الصلاة باطلة (قلنا) لا عبرة بقول من يبطل إلا مع وجود ما يقتضي البطلان اما الاقتراح فلا عبرة به. وأما الرواية فظاهرها الكراهة لما تضمنت من قوله «يتشبه بالمجوس» وأمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بمخالفتهم ليس على سبيل الوجوب لأنهم قد يفعلون الواجب من اعتقاد الإلهية وانه فاعل الخير فلا يمكن حمل الحديث على ظاهره ، فإذن ما قاله الشيخ أبو الصلاح من الكراهة أولى. انتهى.

قال في المدارك بعد نقله : وهو جيد لكن في اقتضاء التشبيه ظهور الرواية في الكراهة نظر ، مع أن رواية محمد بن مسلم المتضمنة للنهي خالية من ذلك. وبالجملة فحمل النهى على الكراهة مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة وهي منتفية فاذن المعتمد التحريم دون الابطال. انتهى. ومنه يعلم قول ثالث في المسألة أيضا وهو التحريم بغير إبطال ، والى هذا القول أشار جده (قدس الله روحهما) في الروض

١٢

ورده بأنه إحداث قول ثالث مخالف لما أجمع عليه الفريقان.

وقال الشهيد في الذكرى بعد نقل كلام المحقق : قلت في بعض كلامه (قدس‌سره) مناقشة وذلك لأنه قائل في كتبه بتحريمه وإبطاله الصلاة ، والإجماع وان لم نعلمه فهو إذا نقل بخبر الواحد حجة عند جماعة من الأصوليين. واما الروايتان فالنهي فيهما صريح وهو للتحريم على ما اختاره معظم الأصوليين ، وخلاف العين لا يقدح في الإجماع ، والتشبه بالمجوس فيما لم يدل دليل على شرعيته حرام واين الدليل الدال على شرعية هذا الفعل؟ والأمر بالصلاة مقيد بعدم التكفير الثابت في الخبرين المعتبري الاسناد الذين عمل بهما الأصحاب (رضوان الله عليهم) فحينئذ الحق ما صار إليه الأكثر وان لم يكن إجماعا. انتهى. وجرى على نحوه الشهيد الثاني في الروض أيضا.

أقول : ما ذكره الشهيدان (قدس الله سرهما) بالنسبة إلى الإجماع هو الأنسب بالقواعد الأصولية وما ذكره المحقق (قدس‌سره) هو الأوفق بالتحقيق.

بقي الكلام في الروايات التي قدمناها مما ذكروه وما لم يذكروه ولا ريب ان مقتضى صيغة النهي فيها هو التحريم الى ان يقوم ما يوجب صرفه عن حقيقته ، إلا ان عده في رواية حريز وصحيحة زرارة (١) في سياق جملة من المكروهات مما يثمر ظنا بكونه كذلك لقوله في الاولى «لا تكفر انما يصنع ذلك المجوس ولا تلثم ولا تحتفز ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك». وقوله في الثانية «إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثأب ولا تتمط ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس ، ولا تلثم ولا تحتفز ولا تفرج كما يتفرج البعير ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك ولا تفرقع أصابعك فإن ذلك نقصان في الصلاة (٢) الحديث». والظاهر ان قوله «نقصان في الصلاة» راجع الى كل من هذه

__________________

(١) ص ١٠ و ١١.

(٢) لفظ الحديث في فروع الكافي ج ١ ص ٨٢ والوافي باب (الإقبال على الصلاة) والوسائل هكذا «فان ذلك كله نقصان من الصلاة».

١٣

الأشياء المذكورة وهو مؤيد للحمل على الكراهة ، والى ذلك ايضا يشير قوله (عليه‌السلام) في رواية على بن جعفر المنقولة من كتابه (١) بعد قوله «لا يصلح ذلك» «فان فعل فلا يعود له» فإن مؤذن بالكراهة أيضا.

وبالجملة فإن المسألة لا تخلو من شوب تردد وان كان القول بالتحريم كما ذهب إليه في المدارك لا يخلو من قوة. والله العالم.

(الثاني) ـ في تفسيره ، والتكفير في اللغة هو الخضوع وان ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعله من يريد تعظيم صاحبه ، ففي القاموس فسره بان يخضع الإنسان لغيره. وفي النهاية الأثيرية هو أن ينحني الإنسان. إلى آخر ما ذكر.

وقد اختلف الأصحاب في تفسيره ، فالفاضلان على انه عبارة عن وضع اليمين على الشمال وقيده العلامة في المنتهى والتذكرة بحال القراءة. وقال الشيخ لا فرق بين وضع اليمين على الشمال وبالعكس وتبعه ابن إدريس والشهيدان ، ويدل على هذا القول ما تقدم من رواية صاحب كتاب دعائم الإسلام وهو ظاهر روايتي على بن جعفر المتقدمتين ايضا وبه يظهر قوة القول المذكور.

قال بعض مشايخنا المتأخرين : والظاهر انه لا فرق في الكراهة أو التحريم بين أن يكون الوضع فوق السرة أو تحتها وبين أن يكون بينهما حائل أم لا وبين أن يكون الوضع على الزند أو على الساعد ، وقد صرح بالجميع جماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) واستشكل العلامة في النهاية الأخير. انتهى.

أقول : ويدل على الأخير ما تقدم (٢) في رواية على بن جعفر الثانية من قوله «يضع احدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه» وبه يضعف استشكال العلامة في ذلك.

__________________

(١ و ٢) ص ١١.

١٤

وكيف كان فلا ريب في جوازه حال التقية (١) بل وجوبه ان أدى تركه الى الضرر ، ولو تركه حال التقية فالظاهر عدم البطلان لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة.

فائدة : روى العياشي في تفسيره عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال لا بأس ان بنى إسرائيل كانوا إذا دخلوا في الصلاة دخلوا متماوتين كأنهم موتى فانزل الله على

__________________

(١) في عمدة القارئ ج ٣ ص ١٤ «يبحث عن وضع احدى اليدين على الأخرى (أولا) عن أصله ، قال به الحنفية والشافعي واحمد وإسحاق وعامة أهل العلم وهو قول أبي هريرة والنخعي والثوري وسعيد بن جبير وابى مجلز وابي ثور وابى عبيد وابن جرير وداود. والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وحكاه ابن المنذر عن مالك. وقال ابن الزبير والحسن البصري وابن سيرين يرسلهما وهو المشهور عن مالك وقال الليث بن سعد ان طال عليه الإرسال وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة. وقال الأوزاعي هو مخير بين الوضع والإرسال. و (ثانيا) في كيفيته وهي ان يضع بطن كفه اليمنى على رسغه اليسرى فيكون الرسغ وسط الكف ، وقال الاسبيحاتى وعند ابى يوسف يقبض بيده اليمنى على رسغه اليسرى فيكون الرسغ وسط الكف ، وفي المفيد يأخذ الرسغ بالخنصر والإبهام وهو المختار. وفي الدراية يضع باطن أصابعه على الرسغ طولا ولا يقبض. واستحسن كثير من مشايخنا الجمع بان يضع باطن كفه اليمنى على كفه اليسرى ويحلق بالخنصر والإبهام على الرسغ. و (ثانيا) في مكان الوضع فعندنا ـ الحنفية ـ تحت السرة وعند الشافعي على الصدر ، وقال الترمذي العمل عند أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وضع اليمين على الشمال ورأى بعضهم فوق السرة وبعضهم تحت السرة وكل ذلك واسع. و (رابعا) وقت الوضع والأصل فيه كل قيام ذكر فيه مسنون فيعتمد بيده اليمنى على اليسرى فلا يعتمد في حال القنوت وصلاة الجنازة والقيام عن الركوع وبين تكبيرات العيد الزوائد ، وهذا هو الصحيح ، وعند ابى على النسفي والامام ابى عبد الله يعتمد في كل قيام سواه ذكر فيه مسنون أولا».

(٢) مستدرك الوسائل الباب ١٤ من قواطع الصلاة.

١٥

نبيه «خذ ما آتيتك بقوة» (١) فإذا دخلت الصلاة فادخل فيها يجلد وقوة. ثم ذكرها في طلب الرزق فإذا طلبت الرزق فاطلبه بقوة».

أقول : الظاهر ان نفي البأس في الخبر المذكور خرج مخرج التقية وفيه إشارة الى ان التكفير يحصل بوضع اليد على الذراع كما قدمنا ذكره. وباقي الخبر لا يخلو من غموض واشكال فيحتمل أن يكون المراد بنبيه هنا هو موسى (عليه‌السلام) وما ذكر فيه من تماوت بني إسرائيل يحتمل أن يكون راجعا الى تكفيرهم في الصلاة فإن التكفير في هيئة التماوت وعلى هذا فالآية دالة على النهى عنه والأمر بالدخول بقوة الذي هو عبارة عن وضع اليدين على الفخذين ، وعلى تقدير كونه خطابا لنبينا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكون المراد انه ينبغي لهذه الأمة ان يأتوا بذلك من الإرسال على الفخذين وعدم التكفير. والله العالم.

(الثاني) ـ الكلام بحرفين فصاعدا مما ليس بقرآن ولا دعاء ، ولا خلاف في ذلك بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقد نقل اتفاقهم على ذلك جمع : منهم ـ الفاضلان والشهيدان وغيرهم.

ويدل على ذلك جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يأخذه الرعاف أو القي‌ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال ينفتل فيغسل انفه ويعود في الصلاة وان تكلم فليعد الصلاة». ورواه الشيخ عن محمد بن مسلم بإسناد آخر صحيح (٣) وكذا رواه الكليني عنه بإسناد صحيح (٤) وزاد عليه «وليس عليه وضوء» ،

وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن عبد الخالق (٥) قال : «سألته عن الرجل يكون في جماعة من القوم يصلى المكتوبة فيعرض له رعاف كيف

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٦٣ و ٩٣ «خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ».

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢ من قواطع الصلاة.

(٥) الوسائل الباب ٢ من قواطع الصلاة. وفي التهذيب ج ١ ص ٢٢٩ «يصلى بهم المكتوبة» وفي الوسائل والوافي باب (الرعاف والقي‌ء والدم) والاستبصار ج ١ ص ٤٠٣ كما هنا.

١٦

يصنع؟ قال يخرج فان وجد ماء قبل أن يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد فليبن على صلاته».

وما رواه الكليني والشيخ عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة؟ فقال ان قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصل ما بقي من صلاته وان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته».

وقال في الفقيه : وفي رواية أبي بصير عنه (عليه‌السلام) (٢) «ان تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة». وقد تقدم قريبا (٣) في صحيحة الفضيل بن يسار ورواية أبي سعيد القماط ما يدل على ذلك أيضا.

وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على رسم مسائل (الأولى) قد صرح بعضهم بان الكلام جنس لما يتكلم به سواء كان من حرف واحد أو أكثر إلا ان ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا تقييده بما تركب من حرفين فصاعدا ، وظاهرهم الإجماع على ان الحرف الواحد الغير المفهم لا يسمى كلاما ، نقل الإجماع على ذلك جمع : منهم ـ العلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى.

قال في المدارك : وقد قطع الأصحاب بعدم بطلان الصلاة بالكلام بالحرف الواحد لأنه لا يسمى كلاما في العرف بل ولا في اللغة أيضا لاشتهار الكلام لغة في المركب من حرفين كما ذكره الرضي (رضى الله عنه) وان ذكر بعضهم انه جنس لما يتكلم به سواء كان على حرف واحد أو أكثر لأن الإطلاق أعم من الحقيقة. انتهى ولا يخفى ما فيه فإنه عدول عن ظاهر اللفظ المذكور إلا انه يمكن ان يقال

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٣ و ٢٥ من قواطع الصلاة.

(٣) ص ٥ و ٦.

١٧

كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع ـ ان الأحكام المودعة في الأخبار تبنى على ما هو الغالب المتكرر الذي يتبادر إليه الإطلاق وهو هنا إنما يصدق على ما كان من حرفين فصاعدا. ولعل إجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الحكم المذكور مبنى على ذلك.

نعم يبقى الكلام في الحرف الواحد المفهم مثل «ق» من «وقى يقي» و «ع» من «وعي يعي» ونحوهما من الأفعال المعتلة الطرفين ، وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) دعوى صدق الكلام عليها لغة وعرفا بل هو كلام عند أهل العربية فضلا عن الكلمة لتضمنه الإسناد المفيد فيدخل في عموم الأخبار المتقدمة. ويمكن بناؤه على ان المحذوف في هذه الأوامر بمنزلة المذكور فيكون حرفين فصاعدا.

(الثانية) حيث قد عرفت ان الكلام عندهم هو ما تركب من حرفين فصاعدا وهو أعم من أن يكون موضوعا أو مهملا فالتكلم بالألفاظ المهملة مبطل إجماعا بالترتيب المذكور.

(الثالثة) الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في أن التنحنح والتأوه والأنين والتنخم ونحوها مما لا يشتمل شي‌ء منها على حرفين فإنه غير مبطل لعدم صدق التكلم بذلك لغة ولا عرفا.

ويدل على ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يسمع صوتا بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح لتسمع جاريته أو أهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو؟ فقال لا بأس به».

وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن رجل من بنى عجل (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المكان يكون فيه الغبار فأنفخه إذا أردت

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من قواطع الصلاة. والرواية رواها في الفقيه ج ١ ص ٢٤٢ ولم ينقلها صاحبا الوسائل والوافي إلا عنه.

(٢) الوسائل الباب ٧ من السجود.

١٨

السجود؟ فقال لا بأس». ورواه في الفقيه مرسلا نحوه (١).

إنما الكلام في ما إذا اشتمل على حرفين والظاهر انه غير مبطل لان الحكم دائر مدار التسمية فما لم يسم كلاما لا يحصل به الإبطال والسامع إنما يقول تنحنح أو تأوه أو نحو ذلك ، وظاهر جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) الابطال به لصدق الكلام عليه باعتبار تضمنه حرفين. وفيه ما عرفت من أنه وان تضمن حرفين لكنه لا يقال في العرف أنه تكلم وإنما يقال تنحنح أو تنخم أو نحو ذلك

والى ما ذكرنا يميل كلام المحقق في المعتبر حيث انه استحسن جواز التأوه بحرفين للخوف من الله عند ذكر المخوفات ، قال وقد نقل عن كثير من الصلحاء التأوه في الصلاة ، ووصف إبراهيم (عليه‌السلام) بذلك (٢) يؤذن بجوازه. واستحسنه في المدارك.

وفيه ان جواز ذلك إن كان من حيث خصوص ما ذكره من خوف الله ففيه انه لا دليل عليه مع صدق الكلام عرفا ، والكلام عندهم مبطل إلا ما استثنى وليس هذا منه ، وان كان من حيث عدم تسميته كلاما عرفا كما ذكرنا فلا وجه للتقييد بما ذكره.

قال في المنتهى : لو تنحنح بحرفين وسمى كلاما بطل صلاته. قال بعض مشايخنا بعد نقل ذلك عنه : وهذا الفرض مستبعد بل يمكن ادعاء استحالته إلا ان ينضم اليه كلام آخر. انتهى. وهو جيد فان مع صدق التنحنح عرفا فصدق الكلام والحال كذلك مستبعد بل محال كما ذكره إلا ان يصل هذين الحرفين بكلام يخرج بهما عن صدق التنحنح فيكون خارجا عن محل الفرض.

نعم روى الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من السجود.

(٢) في قوله تعالى «إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ» في سورة هود الآية ٧٧ ، وقوله تعالى «إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ» في سورة التوبة الآية ١١٥.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من قواطع الصلاة. والسند في كتب الحديث هكذا «عن جعفر عن أبيه عن على ع».

١٩

ان عليا (عليه‌السلام) قال : «من أن في صلاته فقد تكلم». والأصحاب (رضوان الله عليهم) حملوه على الأنين بحرفين والأظهر حمله على تأكيد الكراهة لما قلناه.

ويمكن ايضا استثناء الأنين من الحكم المذكور للخبر المشار اليه. ويؤيده أيضاما رواه في الفقيه عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «ومن أن في صلاته فقد تكلم». ولعله الأجود فيكون الأنين من جملة القواطع زائدا على الكلام ولا تعلق به بوجه ، ولا ضرورة إلى تكلف اشتماله على الحرفين كما ذكروه.

(الرابعة) ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا فرق في بطلان الصلاة بالكلام بين أن يكون الكلام لمصلحة الصلاة أم لا ولا بين أن يكون لمصلحة أخرى غير الصلاة كإنقاذ الأعمى والصبي إذا خيف عليهما التردي في بئر أو الوقوع في نار ونحو ذلك ، ويفهم من المعتبر والمنتهى ان الحكم إجماعي. ونقل عن العلامة في التذكرة انه غير مبطل.

والظاهر الأول لما رواه الشيخ عن إسماعيل بن ابى زياد عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (٢) انه قال : «في رجل يصلى ويرى الصبي يحبو الى النار أو الشاة تدخل البيت لتفسد الشي‌ء؟ قال فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبنى على صلاته ما لم يتكلم».

(الخامسة) قد تقدم انه يستثني من الكلام المبطل ما إذا كان دعاء أو ذكرا أو قرآنا ، ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق في تتمة الرواية المتقدمة عنه في المسألة الثالثة (٣) «وعن الرجل والمرأة يكونان

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من قواطع الصلاة. والرواية ـ كما في الفقيه ج ١ ص ٢٣٢ والوسائل والوافي باب (الالتفات والفرقعة والتكلم) مرسلة لم تسند الى ابى بصير.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من قواطع الصلاة.

(٣) ص ١٨ والرواية للصدوق لا للشيخ كما تقدم هناك.

٢٠