الحدائق الناضرة - ج ٢٠

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٠

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

الفصل العاشر في السلم

ويقال له السلف ، وعرفوه بأنه بيع مضمون في الذمة مضبوط بمال معلوم مقبوض في المجلس إلى أجل معلوم بصيغة خاصة ، فالكلام في هذا الفصل يقع في مقامين.

الأول ـ في الشرائط، وهي الإيجاب والقبول ، وذكر الجنس ، وذكر الوصف ، وقبض الثمن قبل التفرق ، وتقدير المبيع والثمن بالكيل والوزن ، واعتبار الأجل بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، وغلبة وجوده وقت الحلول.

وتفصيل الكلام في هذه الشروط يقع في مواضع ، الأول ـ الإيجاب والقبول ، ودليل وجوبهما ظاهر ، لان السلم قسم من أقسام البيع المتوقف على ذلك ، وينعقد الإيجاب بلفظ بعت ، وكذا ينعقد بلفظ التمليك على ما ذكره بعض الأصحاب ، واستلمت منك كذا ، واما أسلفتك وأسلمت إليك ، فهما من المشترى ، وكذا سلفتك بالتضعيف.

قال في التذكرة : ويجي‌ء سلمت الا ان الفقهاء لم يستعملوه ، وينبغي القول

٢

بجوازه لدلالته صريحا على المقصود ، ووروده لغة فيه ، والإيجاب بأحد هذه العبارات من المسلم وهو المشترى ، والقبول حينئذ من المسلم اليه ، وهو البائع ، وهذا الحكم من خواص السلم بالنسبة إلى أقسام البيع ، ومثله في صحة الإيجاب من كل من المتعاقدين الصلح ، وهل ينعقد البيع بلفظ السلم كما ينعقد السلم به؟ بأن يقول أسلمت إليك هذا الدرهم في هذا الشي‌ء قولان : المشهور الجواز ، ومثله ـ على ما ذكره في القواعد ـ ما لو قال البائع : أسلمت إليك هذا الثوب في هذا الدينار ، قالوا : ووجه الصحة ان البيع يصح بكل ما أدى ذلك المعنى المخصوص ، والسلم نوع من البيع ، اعتبره الشارع في نقل الملك ، فجاز استعماله في الجنس مجازا تابعا للقصد ، ولأنه إذا جاز استعماله لما في الذمة المحتمل للغرر كان مع المشاهدة أدخل ، لأنه أبعد من الغرر ، إذ مع المشاهدة يحصل العلم أكثر من الوصف ، والحلول يتيقن معه إمكان التسليم والانتفاع بخلاف الأجل ، فكان أولى بالصحة ، ووجه العدم أن لفظ السلم موضوع حقيقة للنوع الخاص من البيع ، فاستعماله في غير ذلك النوع مجاز ، والعقود اللازمة لا تثبت بالمجازات ، ولان الملك انما ينتقل بما وضعه الشارع ناقلا ، ولم يثبت جعل الشارع هذا ناقلا في موضع النزاع ، وفصل ثالث ـ فقال : الحق انا ان قلنا باختصاص البيع بما يثبت شرعا من الألفاظ ، لم يصح هنا ، وان جوزناه بكل لفظ دل صريحا على المراد صح ، لان هذا اللفظ مع قصد البيع صريح في المطلوب ، وكلام الأصحاب في تحقيق ألفاظ البيع مختلف ، والقول بعدم انعقاد البيع بلفظ السلم لا يخلو من قوة.

أقول : وهذا التفصيل جيد إلا انك قد عرفت مما حققناه آنفا في صدر الفصل الأول في البيع في البحث عن الصيغة انه لم يقم دليل على هذه الألفاظ التي اعتبروها وعينوها وزعموا أن الشارع حصر النقل فيها على الكيفية التي أدعوها ، بل المفهوم من الاخبار ان كل ما دل من الألفاظ على التراضي من الطرفين فهو كاف في الصحة ،

٣

حتى تخطأ بعض المحدثين الى الحكم بالجواز بمجرد الرضا وان لم يقع بالألفاظ ، وظاهر هذا القائل الرجوع الى ما ذكره من الوجه الأول وهو مردود بما قلناه والله العالم.

الثاني والثالث ـ الجنس والوصف والمراد بالجنس هنا اللفظ الدال على الحقيقة النوعية ، كالحنطة والشعير ونحوهما ، والوصف هو الفارق بين أصناف ذلك النوع ، فلو أخل بهما أو بأحدهما بطل العقد ، والوجه في ذلك ـ مضافا الى الاخبار الاتية ـ لزوم الغرر المنفي لو لم يذكر ويشير الى ذلك جملة من الاخبار.

منها ما رواه في الكافي والتهذيب عن معاوية بن عمار (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا بأس بالسلم في المتاع إذا سميت الطول والعرض».

وما رواه في الكافي عن جميل بن دراج (٢) في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض».

وفي موثقة سماعة (٣) قال : «وسألته عن السلم في الحيوان إذا وصفته إلى أجل معلوم فقال : لا بأس به».

وفي صحيحة زرارة (٤) المروية في الفقيه والتهذيب عن الباقر عليه‌السلام قال : «لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض ، وفي الحيوان إذا وصفت أسنانه». وفي حسنة زرارة (٥) وصحيحة المروية في الكافي عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا بأس بالسلم في الحيوان إذا وصفت أسنانها».

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ١٩٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب السلف الرقم ٨.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ١٦٨ التهذيب ج ٧ ص ٤١.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٢٢٠.

٤

وفي موثقة لزرارة (١) أيضا عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس بالسلم في في الحيوان إذا سميت سنا معلوما».

وفي موثقة سماعة (٢) المروية في الكافي قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السلم في الحيوان قال : أسنان معلومة وأسنان معدودة إلى أجل معلوم لا بأس به».

وقول ابى عبد الله عليه‌السلام في رواية ابن الحجاج الكرخي (٣) «ومن اشترى من طعام موصوف ولم يسم فيه قرية ولا موضعا فعلى صاحبه أن يؤديه».

وفي صحيحة الحلبي (٤) «قال سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسلم في وصفاء بأسنان معلومة ولون معلوم الحديث». الى غير ذلك من الاخبار المتفرقة الاتى إنشاء الله تعالى جملة منها.

والضابط في الوصف أن كل ما يختلف لأجله الثمن اختلافا لا يتسامح بمثله عادة فإنه يجب ذكره ، قالوا : والمرجع في هذه الأوصاف إلى العرف ، فإنه ربما كان العامي أعرف بها من الفقيه وحظ الفقيه فيها البيان الإجمالي ، ثم انه متى وصفه فلا يبالغ في الوصف ويستقصي فيه ، إذ ربما تعذر وجوده ، فيبطل السلم ، بل ينبغي الاقتصار على ما يتناوله اسم الموصوف بالوصف الذي يزيل اختلاف أثمان الأفراد الداخلة في ذلك المعين ، فان استقصى ذلك ووجد الموصوف صح السلم ، والا بطل كما ذكرناه.

قالوا : ولو شرط الأجود لم يصح لتعذره ، إذ ما من فرد جيد الا ويمكن أن يكون فرد أجود منه فلا يتحقق حينئذ كون المدفوع من أفراد الحق ، وكذا لو شرط الأردى لعين ما تقدم ، وقيل هنا بإمكان التخلص من ذلك بأن الأردى وان لم يمكن الوقوف عليه لما عرفت من انه لا فرد كذلك الا ويمكن أن يكون فوقه ما هو أردى

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٢٢١ عن عبيد بن زرارة.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ١٣١.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٢٢١.

٥

منه ، الا انه يمكن التخلص من الحق بدونه ، وطريقه ان يدفع فردا من الافراد ، فإن كان هو الأردى فهو الحق وان لم يكن كذلك كان قد دفع الجيد عن الردى ، وهو جائز كما سيأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ ذكره ، فيحصل التخلص ، ولا يبطل العقد ، بخلاف ما لو شرط الأجود.

وأورد عليه بأنه وان أمكن التخلص بالوجه المذكور ، لكنه غير كاف في صحة العقد ، إذ الواجب تعيين المسلم فيه بالضبط بحيث يمكن الرجوع اليه ، عند الحاجة ويمكن تسليمه ولو بالقهر بان يدفعه الحاكم الشرعي من مال المسلم اليه لو فرض امتناعه من تسليمه ، ومن الظاهر أن هذين الأمرين منتفيان عن الأردى لأنه غير متعين ، فلا يمكن تسليمه ، والجيد غير مستحق عليه ، فلا يجوز للحاكم ونحوه دفعه من ماله. وكذا لا يجب عليه مع المماكسة وحينئذ فيتعذر التخلص ، وبه يظهر ان الأقوى عدم الصحة في هذا الفرد ايضا كسابقه.

ولشيخنا الشهيد (عطر الله مرقده) في الدروس هنا كلام في ذكر أوصاف جملة من المبيعات سلما لا بأس بذكره وان طال به زمام الكلام في المقام ، قال (قدس‌سره) ولنذكر مما يعم به البلوى ثلاثة عشر ، أحدها الرقيق ، وليذكر فيه الذكورة والأنوثة ، والنوع واللون ، والسن والقد كالطويل والقصير والربعة ، ولو قدره بالأشبار كالخمسة والستة احتمل المنع ، لإفضائه إلى العزة ويحتمل وجوب ذكر الكحل (١) والدعج (٢) والزجج (٣) وتكلثم الوجه في الجارية وكونها خميصة ريانة اللمس ، ثقيلة الردف ، أو أضداد ذلك لتفاوت الثمن به وعدم عزته ، والأقرب تعيين البكارة والثيوبة في الأمة ، فلو أطلق بطل ، ولا يشترط ذكر الملاحة فلو ذكرها روعي العرف ويحمل على أقل درجة ، ويحتمل البطلان لعدم انضباطها ، فان مرجعها

__________________

(١) وكحلت العين كحلا من باب تعب وهو سواد يعلو جفونها خلقة.

(٢) الدعج والدعجة : السواد في العين.

(٣) الزجج : وهو تقويس في الحاجب مع طول في طرفه.

٦

الى الاستحسان والشهوة المختلفين باختلاف الطبائع ، ولا يجب التعرض لآحاد الأعضاء لعدم تفاوت الثمن فيه بينا ، وربما ادى الى عزة الوجود ، وكذا لو شرط الولد مع الام المقصود بها التسري ، ولو قصدها الخدمة كالزنجية جاز لقلة التفاوت واولى بالجواز اشتراط كونها حاملا سواء كانت حسناء أو شوهاء ، ومنع في المبسوط منه لعدم إمكان ضبطه ، ومنع ابن الجنيد من اشتراط الحمل في الحيوان كله ، والوجه الجواز ولا يجب وصف الحمل لانه تابع.

وثانيهما الإبل فيذكر السن كالثني والذكورة والأنوثة واللون كالأسود والأحمر ، والصنف كالعرابى والبخاتي ، والنتاج إذا كان معروفا عام الوجوه كالعبادى.

وثالثها الخيل فيذكر الذكورة والأنوثة والسن والنوع والعربي والتركي ، واللون ، ولو ذكر الشباب والهيئات كالأغر والمحجل واللطبم جاز وان لم يجب ذكرها.

ورابعها ـ البقر والحمير ، ويتعرض فيه للسن والنوع والذكورة والأنوثة واللون والبلد.

وخامسها ـ الطير ويتعرض فيه للنوع واللون وكبر الجثة أو صغرها ، لان سنها غير معلوم ، وكلما لم يعلم سنه يرجع فيه الى البينة فإن فقدت ، فالى السيد ان كان رقيقا صغيرا أو الى الرقيق ان كان بالغا فإن فقد فالى ظن أهل الخبرة :

وسادسها زوائد الحيوان كاللبن واللبأ والسمن والزبد والرائب (١) والصوف والشعر والوبر فيتعرض في اللبن للنوع كالماغر والمرعى فان قصد به الجبن أو الكشك احتمل ذكر الزمان في الصفا والغيم ، فان لهما أثرا بينا في ذلك عند اهله ويلزم عند الإطلاق حليب يومه ، وفي اللبإ ذلك ويزيد في اللون والطبخ أو عدمه وفي السمن النوع كالبقري ، واللون والحداثة والعتاقة وفي الجبن ذلك ، والرطوبة أو اليبوسة وكذا القريش والأقط ، وربما وجب في القريش ذكر اليومي أو غيره

__________________

(١) الرائب : لبن الخاثر.

٧

لتفاوته بذلك ، وفي الزبد جميع ما تقدم ويتعرض في الصوف والشعر والوبر للنوع والزمان والطول والقصر والنعومة والخشونة والذكورة والأنوثة ان ظهر لهما تأثير في الثمن.

وسابعها ـ الثياب ويذكر فيه النوع والبلد والعرض والصفافة والغلظ والنعومة أو أضدادها ولا يجب ذكر الوزن لعسره ، وله الخام عند الإطلاق وان ذكر المقصور جاز ، فان اختلف البلدان ذكر بلد القصارة كالبعلبكى والقبطي (١) والروسى ويجوز اشتراط المصبوغ فيذكر لونه وإشباعه أو عدمه ولا فرق بين المصبوغ بعد نسجه أو قبله على الأقوى ومنع الشيخ إذا صبغ بعد غزله ، لان الصبغ مجهول ، ولانه يمنع من معرفة الخشونة والنعومة وفي وجوب ذكر عدد الخيوط نظر أقربه ذلك لاشتهاره بين أهله وتأثير في الثمن.

ثامنها ـ الحرير والكرسف والكتان : ويذكر فيهما البلد واللون والنعومة والخشونة ويختص الحرير بالغلظ أو الرقة ، ويجوز السلف في جوز القز ، فيذكر اللون والطراوة أو اليبس والبلدة وأبطله الشيخ إذا كان فيه دود ، لان الحي يفسد بالخروج ، والميت لا يصح بيعة ، قلنا هو كنوى التمر في بلد لا قيمة له فيه ، والكرسف بوجوب ذكر حلجه أو عدمه وقيل يحمل الإطلاق على عدمه وهو بعيد الا مع القرينة ، ولو سلف في الغزل وجب ذكر ما سلف ، واشتراط الغلظ والدقة ولو أسنده إلى غزل امرأة بعينها بطل.

تاسعها ـ الحبوب والفواكه والثمار فيذكر في الحنطة البلد والحداثة والعتق واللون والكبر والصغر والصرابة أو ضدها ، ولا يشترط ذكر حصاد عام أو عامين ، وان ذكره جاز وفي الشعير والقطنية (٢) ذلك كله وفي التمر البلد والنوع والكبير

__________________

(١) القبطية : ثياب بيض من كتان يتخذ بمصر.

(٢) القطنية بكسر القاف وسكون الطاء اسم جامع للحبوب التي تطبخ مثل العدس والباقلاء واللوبيا والحمص وغيرها.

٨

والصغير والحداثة والعتاقة واللون ان اختلف النوع ، وفي الرطب ذلك كله إلا العتاقة ويجب المتعارف ، ولو شرط المنصف أو المذنب لزم ، وفي الزبيب البلد والنوع والكبر والصغر واللون ان اختلف نوعه ، والمزيت أو غيره ، وله الجاف من التمر والزبيب الخالي من التفالة ، ولا يجب تناهي الجفاف.

وفي الفواكه البلد والنوع والطراوة أو ضدها ، واللون ان اختلف.

وفي الجوز الصنف والكبر والصغر والبلد والحديث أو العتيق ، وله منزوع القشرة العليا وكذا اللوز.

وفي الطلاء البلد والنوع والحديث والعتيق واللون والصفا والقوام ، ويجب كونه مما ذهب ثلثاه فصاعدا خاليا من التفل غير المعتاد ، وان ضم اليه ظروفه ، ويشترط كونها مما يصح فيه السلم فلو كانت من أديم احتمل المنع ، لعسر وصفه ، والأقرب الجواز لعدم تعلق الغرض بجميع أوصافه.

وفي السيلان والمعصر البلد والنوع والقوام واللون ، وفي الدبس كذلك ولا يمنع منه سليس النار ، ويجوز السلم في المصفر من الرطب والتمر ويوصف بوصفهما.

وعاشرها ـ العسل ويذكر فيه البلد والزمان واللون ويحمل الإطلاق على المصفى لا الشهد ، ويحمل المصفى على ما لم تمسه النار الا ان يشترط ذلك.

وحادي عاشرها الخشب والحطب فيذكر النوع واليبس والرطوبة والطول والثخن ، ولا يجيئان في الحطب ، نعم يذكر فيه الغلظ والدقة والوزن وفي خشب العريش ذلك ويزيد السمع أو المعقد.

وثاني عاشرها ـ الحجر واللبن والآجر ، ففي الحجر النوع واللون والقدر والوزن ، وللطحن يزيد الرقة أو الثخن والبلد ، وفي اللبن القالب المشهور ، والمكان الذي يضرب فيه وكذا في الآجر ويزيد فيه اللون.

وثالث عشرها ـ الآنية فيذكر النوع والشكل والقدر والطول والسمك والسعة

٩

وكونه مصبوبا أو مضروبا والوزن ، خلافا للشيخ ومدار الباب البناء على الأمور العرفية ، وربما كان العوام اعرف بها من الفقهاء وحظ الفقيه البيان الإجمالي ، انتهى.

وأنت خبير بان الظاهر من الاخبار المتقدمة ونحوها هو الاكتفاء بالوصف في الجملة فإنها دلت في الحيوان على الاكتفاء بوصف الأسنان ، وفي المتاع بوصف الطول والعرض دون الاستقصاء في جميع الأوصاف كما هو ظاهر كلامهم ، وان كان ما ذكروه أحوط.

إذا عرفت ذلك فهنا فوائد يجب التنبيه عليها الاولى ـ المشهور جواز إسلاف الاعراض في الاعراض إذا اختلفت ، بل ادعى عليه المرتضى الإجماع ، وكون الثمن نقدا أو عرضا ما لم يؤد الى الربا ، وعن ابن الجنيد انه منع من إسلاف عرض في عرض إذا كانا مكيلين أو موزونين أو معدودين كالسمن بالزيت.

أقول : ويدل على ما ذهب اليه ابن الجنيد هنا ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان (١) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أسلف رجلا زيتا على ان يأخذ منه سمنا قال : لا يصلح».

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن عبد الله بن سنان (٢) في الحسن قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : لا ينبغي إسلاف السمن بالزيت ولا الزيت بالسمن».

ويدل على المشهور ما رواه في الفقيه والتهذيب عن وهب (٣) «عن جعفر عن أبيه عن على عليهم‌السلام قال : لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال ، وما يكال فيما يوزن». والشيخ جمع بين الخبرين الأولين والثالث ، بحمل الخبرين الأولين المذكورين اما على المنع من حيث كونهما متفاضلين ، قال : لان التفاضل بين الجنسين

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ١٨٩.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ١٦٧.

١٠

المختلفين انما يجوز إذا كان نقدا ، وإذا كان نسيئة فلا يجوز ، واما ان يكون على الكراهة قال : ولأجل ذلك قال : «لا يصلح ولا ينبغي» ولم يقل انه لا يجوز أو ذلك حرام والأصحاب حملوها على الثاني لمنع ما ذكره الشيخ من التحريم في المتفاضلين نسيئة كما تقدم في تحقيق المسألة المذكورة.

وأنت خبير بأن استعمال لا يصلح ولا ينبغي في التحريم في الاخبار أكثر كثير. نعم هما في العرف الآن بمعنى الكراهة ، ونقل عن ابن ابى عقيل انه منع من إسلاف غير النقدين ، ولم نقف له على دليل ، بل ظاهر جملة من الاخبار يرده واما إسلاف الأثمان في العروض فهو متفق عليه نصا وفتوى ، واما إسلاف الأثمان وان اختلفا فالظاهر انه لا خلاف في عدم جوازه لدخوله في باب الصرف المشترط فيه التقابض في المجلس.

نعم يأتي على ما تقدم نقله عن الصدوق في باب الصرف من عدم اشتراط ذلك الصحة هنا إلا أنك قد عرفت ضعف القول المذكور ، وفيه ايضا مع تماثل العوضين مانع آخر ، وهو الزيادة الحكمية في الثمن المؤجل باعتبار الأجل ، فإن له حظا من الثمن ، فيلزم الربا حينئذ.

الثانية ـ قد ذكر جملة من الأصحاب للسلم ضابطة ، وهي أن كلما ينضبط وصفه يصح السلم منه ، كالأشياء المعدودة في كلام صاحب الدروس ، ومنعوا من السلم في اللحم والخبز والجلود والنبل المعمول ، والجواهر واللئالي ، والعقار والأرض ، لتعذر الضبط ، وناقش بعض محققي متأخر المتأخرين في هذا الضابط قال هذا الضابط ظاهر ، ولكن العلم بتحققه في بعض الجزئيات غير ظاهر ، والفرق مشكل.

نعم قد يوجد في بعض الافراد ، ولكن غير معلوم ، لنا كليته ، فان الفرق بين الحيوان ولحومه مشكل ، وكذا بين اللحم والشحم حتى لا يصح في الأول منهما ويصح في الثاني ، وان تخيل الفرق بينهما ، ويمكن ان يقال بالصحة فيما

١١

ينضبط في الجملة إلا ما ورد النهى عن مثله ، وما علم التفات العظيم بين افراده مثل اللحم ، فإنه ورد النهى عنه ، ومثل اللؤلؤ الكبير فان التفاوت بين افراده باللون والوضع كثير جدا بحيث يشكل ضبطه في العبارة ، وكذا أكثر ما يباع عددا مشاهدة كالبطيخ والباذنجان والقثاء والنارنج وغير ذلك. انتهى وهو جيد.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك ما رواه في الكافي عن جابر (١) عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن السلف في اللحم قال : لا تقربنه فإنه يعطيك مرة السمين ، ومرة التساوي ومرة المهزول واشتره معاينة يدا بيد ، قال : وسألته عن السلف في روايا الماء فقال : لا تقربنها فإنه يعطيك مرة ناقصة ومرة كاملة ، ولكن اشتره معاينة وهو أسلم لك وله». والظاهر من هذا الخبر ان النهى عن السلم في هذين الجنسين المذكورين انما هو من حيث عدم وفاء المسلم اليه بما اشترط عليه لا من حيث عدم الانضباط ، ولهذا ان ظاهر بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) جعل الخبر المذكور على الكراهة (٢) وهو جيد.

وما رواه المشايخ الثلاثة عطر الله مراقدهم عن حديد بن حكيم (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل اشترى الجلود من القصاب فيعطيه كل يوم شيئا معلوما قال : لا بأس به». والخبر وان كان مطلقا الا انه محمول على تعيين الأجل ، واما احتمال ان يكون المراد بقوله يعطيه في كل يوم شيئا يعنى من الثمن ، فيكون من باب النسية ، فالظاهر بعده ، نعم يحتمل حمله على وقوع البيع حالا وان تأخر التسليم ، وانه انما يعطيه آنا فآنا ويوما فيوما مع حصول التراضي ، فإنه لا ينافي الحلول ، وبعض الأصحاب

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٢٢ الفقيه ج ٣ ص ١٦٥.

(٢) قال (قدس‌سره) المشهور بين الأصحاب والمقطوع به في كلامهم عدم جواز السلم في اللحم والخبز ، والخبر مع ضعفه يمكن حمله على الكراهة بقرينة آخر الخبر ، مع أنه أضبط من كثير مما جوزوا السلم فيه انتهى. منه رحمه‌الله.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٢٢ مع اختلاف يسير الفقيه ج ٣ ص ١٦٥.

١٢

استدل بهذا الخبر لما ذهب اليه الشيخ من جواز السلم في الجلود مع المشاهدة.

وفيه ما عرفت من الاحتمال الذي ذكرناه ، الا انه قد روى في الكافي والتهذيب عن أبى مخلد السراج (١) قال : «كنا عند أبى عبد الله عليه‌السلام ، فدخل عليه معتب فقال : بالباب رجلان ، فقال أدخلهما فدخلا فقال أحدهما : انى رجل قصاب وانى أبيع المسوك (٢) قبل ان أذبح الغنم؟ قال : ليس به بأس ، ولكن انسبها غنم أرض كذا وكذا». وهذا الخبر كما ترى ظاهر في جواز السلم في الجلود ، والمشهور في كلام الأصحاب العدم ، تمسكا بحصول الجهالة واختلاف الخلقة ، وتعذر الضبط حتى بالوزن ، لأن القيمة لا ترتبط به.

وعن الشيخ القول بالجواز مع المشاهدة (٣) وأورد عليه انه مع المشاهدة يخرج عن السلم ، لان المبيع في السلم أمر في الذمة مؤجل إلى مدة ، وأجيب بأن المراد مشاهدة جملة كثيرة يكون المسلم فيه داخلا فيها ، ولهذا لا يخرج عن السلم ، لان المبيع غير معين ، وانما يخرج عن السلم مع تعيين المبيع ، وكلام الشيخ أعم منه فيمكن حمله على ما ذكرناه ، أنت خبير بان النص المذكور ظاهر في الجواز كما عرفت فلا تسمع هذه المناقشات في مقابلته ، وهو أيضا أحد الاحتمالين في الخبر

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٠١ التهذيب ج ٧ ص ٢٧.

(٢) أى الجلود.

(٣) قال في الخلاف : اختلفت روايات أصحابنا في السلم في الجلود فروى انه لا بأس به إذا شاهد الغنم ، وروى انه لا يجوز ، ثم استدل على الجواز بآية البيع وباخبار المروية في ذلك وبالأصل الدال على الجواز مع انتفاء المانع ، وقال في المبسوط بجواز السلم في جلود الغنم إذا شاهدها وروى انه لا يجوز وهو أحوط لأنه مختلف الخلقة واللون ولا يمكن ضبطه بالصفة لاختلاف خلقته ، ولا يمكن ذرعه ولا يجوز وزنه لانه يكون ثقيلا وثمنه أقل من ثمن الخفيف ، وتبعه في الجواز ابن البراج في الكامل ورجع عنه في كتابه الآخر وابن إدريس ومن تأخر عنه عدا القول بالمنع. منه رحمه‌الله.

١٣

الأول كما عرفت ، ولذلك عده في الوسائل في جملة أخبار السلم.

والعلامة قد نقل في المختلف الخبرين المذكورين حجة للشيخ ، وأجاب عن خبر مخلد السراج بضعف السند الذي قد عرفت في غير موضع انه غير مرضى ولا معتمد وعن الأخر بأنه لا دلالة فيه على بيع السلم ، والظاهر انه اشارة الى ما ذكرناه من الاحتمال في الخبر المذكور.

واما الجواهر واللئالي فظاهر جملة من الأصحاب عدم الفرق فيها بين الكبار والصغار ، لاشتراك الجميع في علة المنع ، وهو تعذر ضبطها على وجه يرتفع بسببه اختلاف الثمن ، وفرق آخرون فخصوا المنع بالكبار ، لما ذكر من تفاوتها باعتبارات لا تحصل بدون المشاهدة أما الصغار التي تستعمل في الأدوية والكحل ونحوها فهي لا تشتمل على أوصاف كثيرة بحيث يختلف القيمة باختلافها ، فيجوز السلم فيها وما ذكرنا من التفصيل مثل المعاجين خيرة الشهيدين رحمهما‌الله وهو جيد.

واما ما ذكروه من العقار والأرض فلم أقف فيه على خبر ، الا ان الحميري روى في قرب الاسناد عن على بن جعفر (١) عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن السلم في النخل قبل أن يطلع قال : لا يصلح السلم في النخل وفي موضع آخر قال : «سألته عن الرجل يسلم في النخل قبل ان يطلع قال : لا يصلح السلم في النخل».

والظاهر أن المراد منه ما هو ظاهره من كون السؤال عن السلم في العقار لا في الثمرة ، إذ لا اشكال ولا خلاف في جوازه ، فيكون الخبران المذكوران مستندا لعدم جواز السلم في العقار ، الا ان موردهما النخل كما ترى.

الثالثة شرط الشيخ في جواز السلم في البيض والجوز ضبطهما بالوزن لاختلافهما ، والأظهر الاكتفاء بالعدد مع ذكر النوع الذي يقل الاختلاف فيه بحيث يختلف الثمن باختلافه ، ومنع الشيخ من السلم في جوز القز محتجا بان في جوفه دودا ليس مقصودا ولا فيه مصلحة ، فإنه إذا ترك فيه أفسده ، لانه يقرضه ويخرج منه ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١ ـ من أبواب بيع الثمار الرقم ـ ١٨ و ٢٠.

١٤

وان مات فيه لم يجز من حيث انه ميتة ، والأشهر الأظهر الجواز ، لان المقصود بالبيع خال من هذه الموانع ، والدود غير مقصود ، وانما هو بمنزلة النوى الذي لا فائدة فيه.

ومنع الشيخ ايضا من السلم في الشاة معها ولدها ، محتجا بأنه لا يوجد الا نادرا ، وكذا في الجارية الحامل لجهالة الحمل ، وعدم إمكان وصفه ، ورد الأول بإمكان الوصف بالصفات المعتبرة في السلم من غير أداء الى عزة الوجود ، والثاني باغتفار الجهالة في الحمل ، لانه تابع ، ووافقه العلامة في الجارية الحسناء مع ولدها لعزة وجودها ، قيل وفي الفرق نظر.

وبالجملة فضابط المنع وعدمه عزة الوجود وعدمه ، ويجوز الإسلاف في شاة لبون ، والمراد بها ما من شأنها ذلك ، بان يكون لها لبن ، وان لم يكن موجودا بالفعل حال البيع ، بل لو كان موجودا حال البيع لم يجب تسليمه ، بل له أن يحلبه ويسلمها بعد ذلك ، وبالجملة فضابط اللبون ما يكون لها لبن يحلب في اليوم أو الليلة.

واما الحامل فالمراد بها ما كان الحمل موجودا فيها بالفعل ، لا ما يمكن ان تحمل فان الحامل لا يطلق عرفا الا على الأول ، بخلاف اللبون ، فإنه يطلق على ما يحلب في اليوم أو الليلة لا ما كان موجودا بالفعل خاصة.

الشرط الرابع : قبض الثمن قبل التفرق فيبطل بدونه على الأشهر ، بل نقل في التذكرة عليه الإجماع ، قال : فلا يجوز التفرقة قبله ، وان تفارقا قبل القبض بطل السلم عند علمائنا اجمع ، وظاهره انه مع البطلان يحصل الإثم أيضا وقد تقدم.

قولهم في الصرف ايضا بنحو ذلك. وقد بينا ما فيه ثمة ونقل عن ابن الجنيد جواز تأخير القبض ثلاثة أيام ، ولم أقف في الحكم المذكور على نص ، والظاهر أن دليل الأصحاب انما الإجماع المدعى مع ما عرفت من خلاف ابن الجنيد ، وكأنه غير ملتفت اليه عندهم بناء على قاعدتهم من عدم الاعتداد بمخالفة معلوم النسب.

١٥

ولعله لعدم وجود النص هنا توقف صاحب البشرى (١) في الحكم المذكور كما نقل عنه وهو في محله.

قالوا ولو قبض بعض الثمن خاصة ، صح فيما يخصه من المبيع وبطل في الباقي ، ثم انه لو كان عدم الإقباض بتفريط المسلم اليه وهو البائع فلا خيار له ، والا تخير لتبعيض الصفقة ، ولو شرط تأجيل بعض الثمن قالوا : بطل في الجميع ، لجهالة ما يواذى المقبوض (٢) واحتمل في الدروس الصحة وانه يقسط فيما بعد البيع سلعتين فيستحق إحديهما.

ولو كان للمشتري دين في ذمة البائع فأراد جعله ثمنا فهنا صورتان إحديهما أن يشترط ذلك في العقد بمعنى أن يجعل الثمن ما في الذمة بأن يقرنه بالباء ، والمشهور بين الأصحاب بطلان العقد لانه بيع دين بدين ، قالوا : أما كون المسلم فيه دينا فواضح ، وأما ، الثمن الذي في الذمة فلانه دين في ذمة المسلم اليه ، فإذا جعل عوضا للمسلم فيه الذي هو دين كما عرفت صدق بيع الدين بالدين ، وقيل بالجواز على كراهة وهو اختيار المحقق في الشرائع والعلامة في التحرير (٣) ووجهه أن ما في الذمة بمنزلة المقبوض.

الثانية ـ المحاسبة به قبل التفرق ، بمعنى أن يتقابضا في المجلس من غير أن يعينه

__________________

(١) هو السيد الفاضل أبو الفضائل أحمد بن طاوس أخ السيد رضى الدين على بن طاوس منه رحمه‌الله.

(٢) ووجهه أنه بتأجيل البعض كما هو المفروض يبطل البيع في المؤجل لاشتراط قبض الثمن قبل التفرق المنافي له ، وإذا بطل البيع في المؤجل بطل في الحال لجهالة قسطه من الثمن وان جعل كلا منهما قسطا معلوما عين للتأجل خمسين من مائة لان المعجل يقابل قسطا من المبيع أكثر مما يقابله المؤجل بتعيين الثمن على الآجل والنسبة عند العقد غير معلوم منه رحمه‌الله.

(٣) حيث قال في التحرير ولو شرط ان يكون الثمن بأجمعه من دين عليه فالوجه الكراهة وقيل بالمنع ، انتهى منه رحمه‌الله.

١٦

ثمنا لانه استيفاء دين قبل التفرق ، مع عدم ورود العقد عليه فلا يقصر عما لو أطلقا الثمن ، ثم أحضره في المجلس ، وينبغي أن يعلم انه انما يفتقر إلى المحاسبة مع تخالفهما جنسا أو وصفا أو هما معا ، اما لو اتفق ما في الذمة وما عينه ثمنا فيهما وقع التهاتر قهريا ولزم العقد ، وظاهر شيخنا الشهيد في الدروس (١) الاستشكال في صحة العقد على هذا التقدير من حيث ان مورد العقد دين بدين ، ورد بان بيع الدين بالدين المنهي عنه انما يتحقق إذا جعلا جميعا في نفس العقد متقابلين في المعاوضة بمقتضى الباء وهي هنا منتفية ، لأن الثمن هنا أمر كلي ، وتعيينه بعد العقد في شخص لا يقتضي كونه هو الثمن الذي جرى عليه العقد ، ومثل هذا التقابض والتحاسب استيفاء لا معاوضة ، ولو اثر مثل ذلك للزم مثله فيما لو أطلق ثم أحضره في المجلس ، لصدق بيع الدين بالدين ابتداء مع انه لا يقول به.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا الفرع ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن عمر (٢) «انه كان له على رجل دراهم فعرض عليه الرجل ان يبيعه بها طعاما إلى أجل مسمى فأمر إسماعيل من يسأله ، فقال : لا بأس بذلك قال : ثم عاد إليه إسماعيل فسأله عن ذلك وقال : انى كنت أمرت فلانا فسألك عنها فقلت : لا بأس ، فقال : ما يقول فيها من عندكم؟ قلت : يقولون : فاسد ، قال : لا تفعله فإني أوهمت».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن طلحة بن زيد (٣) عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يباع الدين بالدين».

__________________

(١) قال في الدروس : ولو أطلقا ثم تقابضا في المجلس فالظاهر الجواز ويقع التقابض قهرا ان كان الجنس والوصف واحدا ، ويلزم منه كون مورد العقد دينا بدين فيشكل انتهى. منه رحمه‌الله.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب السلف الرقم ـ ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٠٠ التهذيب ج ٨ ص ١٨٩.

١٧

وما رواه عبد الله الجعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر (١) عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن المسلم في الدين قال : إذا قال : اشتريت منك كذا وكذا بكذا وكذا فلا بأس».

والكلام في هذه الاخبار مع أصل المسألة يتوقف على بيان مقدمة ، وهي ان بيع الدين بالدين الممنوع منه كما دل عليه خبر طلحة هل هو عبارة عما كان دينا قبل العقد كان يكون العوضان دينا قبل العقد كما لو باعه الذي في ذمته بدين آخر له في ذمته أيضا أو في ذمة ثالث أو تبايعا دينا في ذمة غريم لأحدهما بدين في ذمة غريم آخر للآخر فيخص المنع بهذه الصورة ، أو يشمل ما صار دينا بسبب العقد وان لم يكن دينا قبله كما إذا بيع بمؤجل في العقد ، ويدخل ذلك في بيع الدين بالدين بناء على ان الثمن مؤجل غير حال. المشهور الثاني ، وقيل بالأول وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني في كتاب الدين من الروضة الا انه ناقض نفسه في باب السلم من الروضة أيضا في مسألة اشتراط قبض الثمن قبل التفرق أو المحاسبة به من دين عليه فقال بعد ذكر المصنف «لو جعل الثمن نفس ما في الذمة بطل لانه بيع الدين بالدين» ما لفظه اما كون المسلم فيه دينا فواضح واما الثمن الذي في الذمة فلانه دين في ذمة المسلم اليه انتهى. (٢)

وفيه انما صار دينا بالعقد لا قبله وهو في كتاب الدين قد منع من كون ذلك من باب بيع الدين بالدين ، حيث قال ـ بعد قول المصنف «ويصح بيعه اى الدين بحال لا بمؤجل ما صورته لانه بيع الدين بالدين ، وفيه نظر لان الدين الممنوع منه ما كان عوضا حال كونه دينا بمقتضى تعلق الباء به ، والمضمون عند العقد ليس بدين وانما يصير دينا بعد ، فلم يتحقق بيع الدين بالدين الى آخر كلامه زيد في إكرامه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب السلف الرقم ـ ٣.

(٢) اما المسلم فيه فظاهر واما الثمن فلأنه أمر كلي ثابت في الذمة فهو دين وان كان غير مؤجل منه رحمه‌الله.

١٨

وسؤال الفرق متجه فان المسلم فيه ايضا كذلك انما يصير دينا بعد العقد لا قبله ، وبذلك يظهر ان الحكم بالبطلان في الصورة الاولى من الصورتين المتقدمتين انما يتجه على القول بالعموم ، كما هو المشهور ، واما على القول الأخر فلا ، وحينئذ فموافقة الأصحاب في البطلان هنا غفلة عما اختاره ، وخالفهم فيه في تلك المسألة وعلى هذا فيمكن ان يقال : ان نفى البأس في خبر إسماعيل بن عمر المتقدم انما وقع بناء على القول الثاني الذي اختاره شيخنا المتقدم ذكره من عدم دخول بيع الطعام سلما في الدين وان صار دينا بعد العقد فلا يدخل في بيع الدين بالدين ، وحينئذ يصح البيع سواء كان الدراهم التي جعلت ثمنا حالة أو مؤجلة ، ويحتمل على بعد ، في الخبر المذكور ـ ان وجه الصحة ونفى البأس انما هو من حيث الثمن ، وان تلك الدراهم التي في الذمة كانت حالة ، والبيع انما وقع بعد حلولها ، وان بيع الطعام سلما داخل في الدين كما هو المشهور ـ والصحة انما اتجهت من جهة كون الثمن حالا والمبيع وان كان دينا لكن الثمن حال فلا يدخل في بيع الدين بالدين ، والى هذا الاحتمال جنح صاحب الوافي فذكر الخبر المشار إليه في باب بيع الدين بالدين ، واما على ما ذكرناه فالأنسب به باب السلف كما أوضحناه في حواشينا على الكتاب المذكور.

واما خبر قرب الاسناد فالظاهر ان المراد بقوله وسألته عن السلم في الدين في حال كون الثمن دينا وجوابه عليه‌السلام بنفي البأس «فيما إذا قال : اشتريت منك كذا وكذا بكذا وكذا» فالظاهر ان مراده كون الثمن كليا في الذمة ، لا عين ما في الذمة والا لقال : بما في ذمتك ، وحينئذ يصير من قبيل الصورة الثانية المتقدمة ، وتحصل المقاصة والمحاسبة بعد العقد أو التهاتر والتساقط على الوجهين المتقدمين.

واما رجوعه عليه‌السلام عما افتى به أولا في رواية إسماعيل بن عمر ونسبة نفسه الى الوهم فإنما خرج مخرج التقية كما ينادى به سياق الكلام ، وكيف كان فقد عرفت ان أصل المسألة خال من النص ، وبه ينقدح الإشكال في بعض فروع

١٩

المسألة ، وان كان الاحتياط في الوقوف على ما ذكروه والله العالم.

الشرط الخامس تقدير المبيع والثمن بالكيل والوزن ، ولا خلاف فيه نصا وفتوى لما تقدم في أحكام البيع المطلق وهذا أحد أقسامه.

ومن الاخبار هنا ما رواه المشايخ الثلاثة نور الله تعالى مراقدهم عن غياث بن إبراهيم (١) عن ابى عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لا بأس بالسلف بكيل معلوم إلى أجل معلوم لا يسلم الى دياس ولا الى حصاد». والدياس دق السنبل يخرج منه الحب.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد الحلبي (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السلف في الطعام بكيل معلوم قال : لا بأس به».

وما رواه في الفقيه عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن سنان (٣) في الصحيح والحسن بإبراهيم بن هاشم عن ابى عبد الله عليه‌السلام «قال سالته عن الرجل يسلم في غير زرع ولا نخل قال : يسمى كيلا معلوما إلى أجل معلوم» الحديث.

وما رواه الشيخ عن الشحام (٤) عن ابى عبد الله عليه‌السلام «في رجل اشترى من رجل مأة من صفرا وليس عند الرجل شي‌ء منه قال : لا بأس به إذا وفى بالوزن الذي اشترط له». ورواه الصدوق بإسناده عن ابى الصباح الكناني (٥) عن الكناني عن ابى عبد الله عليه‌السلام مثله.

وفي صحيحة الحلبي (٦) عن ابى عبد الله عليه‌السلام «والزعفران يسلم فيه الرجل الدرهم في عشرين مثقالا أو أقل أو أكثر من ذلك قال : لا بأس» الحديث.

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ١٨٤ الفقيه ج ٣ ص ١٦٧ التهذيب ج ٧ ص ٢٧.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ١٦٥.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٤٤ ، بتفاوت الفقيه ج ٣ ص ١٧٥.

(٥) الفقيه ج ٣ ص ١٧٩.

(٦) الكافي ج ٥ ص ١٨٦ الفقيه ص ١٦٦.

٢٠