الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

وأما حصول التحريم بالوطء فلقوله عزوجل (١) «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ» بناء على كون النكاح حقيقة في الوطي ، وقوله عزوجل (٢) «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ» والحليلة : فعلية بمعنى المفعول ، والمراد المحللة وهي شاملة للزوجة والمملوكة.

ويمكن المناقشة بأن التحليل يحصل بمجرد العقد والملك فإنها تكون محللة بأيهما حصل ، والمراد هنا الوطي ، فالآية أعم من المطلوب ، والأظهر الرجوع في ذلك إلى الأخبار.

ومنها رواية زرارة المروية في الكافي (٣) قال أبو جعفر عليه‌السلام في حديث : «إذا أتى الجارية وهي حلال فلا تحل تلك الجارية أبدا لابنه ولا لأبيه».

وتدل عليه الأخبار الكثيرة الآتية الدالة على التحريم بالنظر بشهوة والتقبيل ونحو ذلك ، فإنه إذا أوجب ذلك التحريم أوجبه الوطي بطريق أولى.

وبالجملة فإن الحكم اتفاقي لا خلاف فيه ولا يجوز لكل من الأب والابن أن يطأ مملوكة الآخر إلا بعقد أو ملك أو تحليل لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلا وشرعا ، وعموم الأدلة الدالة على ذلك لكل من الأب والابن بالنسبة إلى مال الآخر جارية كان أو غيرها ، نعم يجوز للأب أن يقوم جارية ابنه الصغير على نفسه ثم يطأها لدلالة الأخبار على ذلك.

ومنها ما رواه في الكافي عن داود بن سرحان (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل تكون لبعض ولده جارية ، وولده صغار ، فقال : لا يصلح أن يطأها حتى

__________________

(١ و ٢) سورة النساء ـ آية ٢٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤١٩ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٨١ ح ٢٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣١٨ ح ٥.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٧١ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٧١ ح ٨٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٤ ح ٤.

٤٦١

يقومها قيمة عدل ثم يأخذها ، ويكون لولده عليه ثمنها».

وعن عبد الرحمن بن الحجاج (١) في الصحيح أو الحسن قال : «قلت له : الرجل يكون لابنه جارية ، إله أن يطأها ، فقال : يقومها على نفسه قيمة ويشهد على نفسه بثمنها أحب إلي». وإطلاقه محمول على الابن الصغير.

وعن محمد بن إسماعيل (٢) والظاهر أنه ابن بزيع ، فيكون الخبر صحيحا قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام في جارية لابن لي صغير ، أيجوز لي أن أطأها؟ فكتب : لا ، حتى تخلصها».

أقول : الظاهر أن المراد بقوله «حتى تخلصها» أي تخرجها عن ملكه بالشراء وضمان القيمة كما دل عليه غيره من الأخبار.

وأما ما رواه في الكافي والتهذيب (٣) عن الحسن بن محبوب في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام : إني كنت وهبت لابنتي جارية حيث زوجتها فلم تزل عندها في بيت زوجها حتى مات زوجها ، فرجعت إلي هي والجارية ، أفتحل لي الجارية أن أطأها فقال : قومها بقيمة عادلة ، واشهد على ذلك ، ثم إن شئت تطأها».

فهو محمول على اذن البنت بذلك ، كما يدل عليه ما رواه في الكتابين (٤) المذكورين عن الحسن بن صدقة قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام فقلت : إن بعض أصحابنا روى أن للرجل أن ينكح جارية ابنه وجارية ابنته ولي ابنة وابن ولا بنتي جارية اشتريتها لها من صداقها ، أفيحل لي أن أطأها؟ فقال : لا ، إلا

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧١ ح ٣ و ٤، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٣ ح ٣ و ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٧١ ح ٥ ، التهذيب ج ٦ ص ٣٤٥ ح ٩١ ، الوسائل ج ١٢ ص ١٩٨ ح ١.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٧١ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٧٢ ح ٨٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٤ ح ٥.

٤٦٢

بإذنها ، قال الحسن بن الجهم : أليس قد جاء أن هذا جائز؟ قال : نعم ذاك إذا كان هو سببه ، ثم التفت إلي وأومى نحوي بالسبابة فقال : إذا اشتريت أنت لابنك وكان الابن صغيرا ولم يطأها حل لك أن تقتضها فتنكحها ، وإلا فلا ، إلا بإذنهما».

قال في المسالك : ويجوز للأب تقويم أمة الصغير على نفسه بأن يتملكها بعقد شرعي مملك لا بمجرد التقويم ، إذ لا ينتقل الملك به ، وبدون الانتقال لا يباح الوطي. انتهى.

أقول : قد عرفت من هذه الأخبار ومثلها غيرها أيضا مما لم ننقله أنه لا تعرض فيها ولو بالإشارة إلى هذا العقد ، وقد عرفت في غير موضع مما تقدم أن الأمر في العقود أوسع دائرة مما ذكروه وضيقوا به من تلك الصيغ الخاصة بالترتيب والشروط التي ذكروها ، فإنه لم يقم على شي‌ء منه دليل ، بل الدليل على خلافه واضح السبيل.

وقد صرح جمع من الأصحاب ـ منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ بأنه لا يشترط وجود المصلحة في ذلك للابن ، بل يكفى انتفاء المفسدة ، والظاهر أن المستند في ذلك إطلاق النصوص المذكورة. وهل يتعدى الحكم إلى الجد أم لا؟ قال في المسالك : وجهان أجودهما ذلك لاشتراكهما في المعنى ، وقال سبطه في شرح النافع : ولا يتعدى ذلك إلى الجد ولا إلى غيره من الأولياء.

أقول : والمسألة محل إشكال من حيث إن مورد النصوص الأب ، والحكم على خلاف الأصول فيقتصر فيه على مورد النص ، ومن حيث صدق الأب على الجد وإن علا ، ومشاركته للأب في أحكام كثيرة ، ولا ريب أن الأحوط العدم ، وظاهر الأصحاب أيضا أنه لا فرق في جواز ذلك بين كون الأب مليا أم لا ، عملا بإطلاق النصوص.

٤٦٣

تنبيهات :

الأول : لو وطأ أحدهما مملوكة الآخر من غير شبهة فلا ريب في كونه زانيا ، وإنما الكلام في تحريمها بذلك على الآخر وسيأتي الكلام فيه ـ إن شاء الله ـ في التحريم بالزناء وعدمه ، ويحد الابن دون الأب.

قال في المسالك : والفرق بين الأب والابن بعد النص إن الأب أصل له فلا يناسبه إثبات العقوبة عليه بخلاف العكس. انتهى.

ولو كان ثمة شبهة ، فلا حد على واحد فيهما ، ولو حملت مملوكة الأب من الابن بوطى‌ء الشبهة انعتق الولد ، ولا قيمة على الابن ، لأن ولد الولد ينعتق على جده من حين الولادة ، ولو حملت مملوكة الابن من الأب لم ينعتق ، لأن المالك للجارية هو الابن ، وهو أخو المولود ، والأخ لا ينعتق على أخيه ، وعلى الأب فكه بالقيمة ، نعم لو كان المولود أنثى عتقت على أخيها.

الثاني : تحرم أخت الزوجة جمعا لا عينا ، فيحرم الجمع بينهما في الدائم والمنقطع ، وفي النكاح بالملك سواء كانت الأختية لأب وأم أو لأحدهما ، ولو أراد نكاح الأخت الأخرى بعد أن نكح الاولى فليس له ذلك حتى تخرج الاولى من العدة أو يكون الطلاق بائنا.

وإذا انقضى أجل المتعة فلا يجوز العقد على أختها حتى تنقضي العدة على الصحيح ، وإن كان المشهور خلافه ، حتىقال ابن إدريس في كتابه وقد روي في المتعة (١) «إذا انقضى أجلها أنه لا يجوز العقد على أختها حتى تنقضي عدتها» ، وهي رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يلتفت إليها ، ولا يجوز التصريح عليها. انتهى وهو جيد على أصله الغير الأصيل المخالف لما عليه كافة العلماء جيلا بعد جيل.

__________________

(١) السرائر ص ٢٩٠ ، الكافي ج ٥ ح ٤٣١ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٨٧ ح ٤٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٩ ح ١.

٤٦٤

والذي يدل على هذه الأحكام جملة من الأخبار منها ما رواه في الكافي عن جميل بن دراج (١) في الصحيح عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام «أنه قال في رجل تزوج أختين في عقدة واحدة ، قال : هو بالخيار يمسك أيتهما شاء ويخلى سبيل الأخرى».

وعن أبي بكر الحضرمي (٢) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجل نكح امرأة ثم أتى أرضا فنكح أختها وهو لا يعلم ، قال : يمسك أيتهما شاء ، ويخلي سبيل الأخرى».

وعن أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل اختلعت منه امرأته ، أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال : نعم ، قد برءت عصمتها منه ، وليس له عليها رجعة».

وعن الحلبي (٤) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل طلق امرأته أو اختلعت أو بارئت ، إله أن يتزوج بأختها؟ قال : فقال : إذا برءت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها ، قال : وسئل عن رجل كانت عنده اختان مملوكتان فوطئ إحداهما ثم وطئ الأخرى ، قال : إذا وطأ الأخرى فقد حرمت عليه الاولى حتى تموت الأخرى ، قال : أرأيت إن باعها أتحل له الأولى؟ قال : إن كان يبيعها لحاجة ولا يخطر على قلبه من الأخرى شي‌ء فلا أرى بذلك بأسا ، وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الاولى فلا ، ولا كرامة».

وعن زرارة (٥) في الحسن «عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل طلق امرأته وهي

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٤٣١ ح ٣ و ٢، التهذيب ج ٧ ص ٢٨٥ ح ٣٩ و ٤١، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٨ ح ٢ وص ٣٦٩ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٤٤ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٠ ح ١.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٣٢ ح ٧ الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٠ ح ٢.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٣٢ ح ٨ لكن عن أبى جعفر عليه‌السلام ، التهذيب ج ٧ ص ٢٨٦ ح ٤٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧١ ح ٢.

٤٦٥

حبلى أيتزوج أختها قبل أن تضع؟ قال : لا يتزوجها حتى يخلو أجلها».

وعن ابن أبي حمزة (١) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل طلق امرأته أيتزوج أختها؟ قال : لا ، حتى تنقضي عدتها ، قال : وسألته عن رجل ملك أختين أيطؤهما جميعا؟ فقال : يطؤ إحداهما ، وإذا وطئ الثانية حرمت عليه الاولى التي وطئ حتى تموت الثانية ، أو يفارقها ، وليس له أن يبيع الثانية من أجل الأولى ليرجع إليها ، إلا أن يبيع لحاجة أو يتصدق بها أو تموت ، قال : وسألته عن رجل كانت له امرأة فهلكت ، أيتزوج أختها؟ فقال : من ساعته إن أحب».

وما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد (٢) في الصحيح قال : «قرأت في كتاب رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة إلى أجل مسمى فينقضي الأجل بينهما ، هل له أن ينكح أختها من قبل أن تنقضي عدتها؟ فكتب : لا يحل له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها».

وسيأتي تحقيق الكلام في جملة من هذه الأحكام المذكورة في هذه الأخبار في الأبحاث الآتية إن شاء الله.

الثالث : قالوا : لو وطئ الأب زوجة ابنه لشبهة لم تحرم على ابنه لسبق الحل كما هو أحد القولين ، لأن وطئ الشبهة إنما يحرم بناء على القول المشهور به إذا كان سابقا على النكاح ، فلو كان متأخرا كما هنا لم يحرم ، ولو قلنا بأنه يحرم سابقا ولا حقا حرمت على الابن.

قالوا : ويتفرع على الخلاف ما لو وطأها الابن ثانيا ، فإن قلنا بأنه يحرم لا حقا فقد حرمت عليه ، فلو وطأها ثانيا وكانا عالمين بالتحريم فهو زان ولا مهر

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٣٢ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٠ ح ٥٤ لكن ليست فيه الفقرة الأولى ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨١ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٣١ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٨٧ ح ٤٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٩ ح ١.

٤٦٦

لها سوى الأول ، وإن كانا جاهلين أو هي جاهلة فإن لها بهذا الوطي مهر المثل كغيره من وطئ الشبهة ، فيكون لها على الولد مهران حينئذ : المسمى الأول ، ومهر المثل ثانيا ، ولها على أبيه أيضا مهر المثل لوطء الشبهة.

المسألة الثالثة : في الجمع بين العمة وبنت أخيها ، والخالة وبنت أختها أجمع العامة على تحريم الجمع في النكاح بين ما ذكرناه لقوله عليه‌السلام (١) «لا تجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها». والضابط عندهم تحريم الجمع بين كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا لحرم عليه نكاح الأخرى.

قال في المسالك : وهذا ضابط حسن ، لأنه يدخل فيه الجمع بين الأختين ، وبين البنت وأمها وإن علت وابنتها وإن سفلت ، ويبقي الكلام في الجمع بين العمة مع بنت الأخ ، والخالة مع بنت الأخت.

أقول : صحة هذه الضابطة وثبوت كونه ضابطا يتوقف على قيام الدليل بتحريم الجمع مطلقا في تلك الأفراد ، فأي فرد قام الدليل عليه كذلك صح اندراجه تحت هذا الضابط ، ومحل البحث لما كان بمقتضى أدلتهم كونه كذلك صح اندراجه.

وأما مقتضى أدلتنا وأخبارنا فحيث إنه لم يكن كذلك لجواز الجمع مع الرضاء والاذن كما سيظهر لك إن شاء الله فإنه لا يندرج تحت الضابط المذكور بل يكون الضابط المذكور مخصوصا بالأختين والبنت وأمها والام وبنتها.

وكيف كان فالكلام هنا يقع في موضعين (أولهما) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) حتى كاد يكون إجماعا ، بل نقل الإجماع العلامة في التذكرة وقبله المرتضى في الانتصار والشيخ في الخلاف ، جواز الجمع بين من ذكرناه بشرط رضاء العمة والخالة ، فبدونه يحرم ذلك ، ونقل عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٢ ح ٣ وفيه «لا يحل للرجل أن يجمع الى آخره» ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٦ ح ٧.

٤٦٧

الجواز مطلقا ، وعن الصدوق في المقنع مطلقا ، والظاهر هو القول المشهور.

وأما ما يدل على الجواز في الجملة فعموم قوله عزوجل (١) «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» بعد أن عدد المحرمات جمعا وعينا.

وما رواه علي بن جعفر (٢) قال : «سألت أخي موسى عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة على عمتها أو خالتها؟ قال : لا بأس ، لأن الله عزوجل قال (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ)».

أقول : وهذه الرواية لم تصل إلينا في كتب الأخبار المشهورة ، وإنما نقلها العلامة في المختلف عن ابن أبي عقيل في ضمن كلامه ، وسيأتي نقل صورة عبارته ، وأنا أذكر هنا ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام.

فمنها ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (٣) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا تتزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما ، وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما».

ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم (٤) عنه (عليه‌السلام) مثله إلا أنه قال : «لا تنكح وتنكح».

وعن أبي عبيدة الحذاء (٥) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها إلا بإذن العمة والخالة».

وما رواه الشيخ عن علي بن جعفر (٦) عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام «قال :

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ٢٤.

(٢) الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٧ ح ١١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٢٤ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٥ ح ١.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٠ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٥ ح ١.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٢٤ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٥ ح ٢.

(٦) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٣ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٥ ح ٣.

٤٦٨

سألته عن امرأة تزوجت على عمتها وخالتها؟ قال : لا بأس ، وقال : تزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت ، ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضا منهما ، فمن فعل فنكاحه باطل».

وعن محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «تزوج العمة والخالة على بنت الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما».

وبالإسناد عن محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلا بإذنها ، وتزوج الخالة على ابنة الأخت بغير إذنها».

وعن أبي الصباح الكناني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها».

وعن أبي عبيدة (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة».

وما رواه الصدوق والكليني مثله (٥).

وعن مالك بن عطية (٦) عنه عليه‌السلام قال : «لا يتزوج المرأة على خالتها ، ويتزوج الخالة على ابنة أختها».

وما رواه الصدوق في كتاب العلل عن محمد بن مسلم (٧) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تزويج المرأة على عمتها وخالتها إجلالا للعمة

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٢ ح ١ و ٢، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٦ ح ٥ و ٦.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٢ ح ٣ و ٦، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٦ ح ٧ و ٨.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٤٥ ح ١١ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦٠ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٦ ح ٨.

(٦) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٠ ح ٢٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٧ ح ٩.

(٧) العلل ص ٤٩٩ ب ٢٥٧ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٧ ح ١٠.

٤٦٩

والخالة ، فإذا أذنت في ذلك فلا بأس».

وما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره بسنده عن محمد بن مسلم (١) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا تنكح ابنة الأخت على خالتها ، وتنكح الخالة على ابنة أختها ، ولا تنكح ابنة الأخ على عمتها ، وتنكح العمة على ابنة أخيها».

وبسنده عن محمد بن مسلم (٢) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا تنكح الجارية على عمتها ولا على خالتها إلا بإذن العمة والخالة ، ولا بأس أن تنكح العمة والخالة على بنت أخيها وبنت أختها».

وما رواه الشيخ عن السكوني (٣) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «إن عليا عليه‌السلام أتي برجل تزوج امرأة على خالتها فجلده وفرق بينهما».

هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة ، وأنت خبير متى ضم بعضها إلى بعض يحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها كما هو القاعدة المطردة في غير مقام من الأحكام فإنها ظاهرة في المراد ، عارية عن وصمة الإيراد.

وربما يقال إن هذا الجواب إنما يتم على تقدير جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد ، وفيه أنه وإن وقع الخلاف في ذلك في الأصول إلا أن المختار ـ كما صرح به جمع من المحققين منهم شيخنا الشهيد الثاني في هذه المسألة ـ هو الجواز فلا منافاة.

فأما خبر السكوني المذكور فحمله الشيخ (رحمه‌الله) على عدم الرضاء وانتفاء الاذن ، وجوز حمله على التقية.

أقول : وهو الأظهر فإن العامة كما عرفت مجمعون على تحريم الجمع مطلقا ، وبذلك يظهر لك قوة القول المشهور ، وأنه المؤيد المنصور.

وقال ابن أبي عقيل على ما نقله عنه في المختلف لما عد المحرمات في الآية

__________________

(١ و ٢) الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٧ ح ١٢ و ١٣.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٢ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٦ ح ٤.

٤٧٠

قال : فهذه جملة النساء التي حرم الله نكاحهن وأحل نكاح ما سواهن ألا تسمعه يقول بعد هذه الأصناف الستة «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» فمن ادعى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرم عليه غير هذه الأصناف وهو يسمع الله يقول «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» فقد أعظم القول على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قال : ألا لا يتعلقن على أحد بشي‌ء فإني لا أحل إلا ما أحل الله ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه ، وكيف أقول ما يخالف القرآن وبه هداني الله عزوجل.

وقد روي عن علي بن جعفر (١) قال : «سألت أخي موسى عليه‌السلام». ثم ساق الرواية كما قدمناه ، وقال ابن الجنيد : وقول الله عزوجل «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» غير حاظر الجمع بين العمة وابنة الأخ أو الخالة وابنة الأخت والحديث الذي روى فيه إنما هو نهي احتياط لا تحريم.

وقد روي جوازه إذا تراضيا عن أبي جعفر عليه‌السلام وموسى بن جعفر عليه‌السلام قال يحيى بن الحسن وعثمان المثنى : والاحتياط عندي ترك ذلك ، ومن عقده لم ينفسخ كما ينفسخ نكاح الأخت على الأخت ، والأم علي البنت انتهى.

وظاهره في المسالك المنع من دلالة كلاميهما على الجواز مطلقا ، كما فهمه الأصحاب قال : لأنهما أطلقا القول بالجواز واستدلا بالآية ، وهو مذهب الأصحاب

وإنما الكلام في أمر آخر وهو غير مناف لما أطلقاه مع أن ابن الجنيد قال ـ عقيب ذلك ـ : وقد روي جوازه إذا تراضيا عن أبي جعفر وموسى بن جعفر عليهما‌السلام وعادته في كتابه أن يعد قول الأئمة كذلك مع اختياره له ، وحجتهما الآية والخبر السابق عن الكاظم عليه‌السلام الدالان على الحل ، وجوابه أنهما مطلقان والأخبار الأخرى مقيدة ، فيجب الجمع بحمل المطلق على المقيد. انتهى.

أقول : الظاهر ـ بعد ما تكلفه (قدس‌سره) ـ أن ظاهر كلاميهما إنما هو الجواز وإن لم يحصل الرضاء من العمة والخالة ، ألا ترى ابن الجنيد حمل الأخبار

__________________

(١) الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٧ ح ١١.

٤٧١

المطلقة في المنع على الاحتياط الراجع إلى الكراهة ، وعضد ذلك بالرواية عن أبي جعفر وموسى عليهما‌السلام الدالة على الجواز مع التراضي.

ولو كان الأمر كما زعمه (قدس‌سره) لكان الواجب على ابن الجنيد أن يخصص خبر النهي بخبر التراضي ، فيقول إنه منهي عنه إلا مع التراضي.

وبالجملة فالظاهر من كلاميهما هو ما نقله الأصحاب عنهما من الجواز مطلقا.

وأما الصدوق فإنه قال في المقنع : ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على بنت أختها فعمم المنع ولم يفرق بين دخول العمة والخالة على بنت الأخ وبنت الأخت وبين العكس ، مع أن الأخبار كما عرفت قد صرحت بالفرق ، وهو (قدس‌سره) قد نقل جملة من هذه الأخبار في الفقيه ، فقوله بالتعميم هنا عجب خارج عن مقتضى قاعدته وعادته في فتاويه ، ويمكن تقييد إطلاقه هنا بالأخبار المذكورة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن تحقيق الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور.

أحدها : أن المفهوم من الأخبار المتقدمة وبه صرح الأصحاب أنه ليس له إدخال بنت الأخ وبنت الأخت على العمة والخالة إلا مع إذن العمة والخالة (١) ، وله إدخال العمة والخالة على بنت الأخ وبنت الأخت من غير استيذان المدخول عليها ، ولا يعرف هنا مخالف إلا ما يظهر من ظاهر عبارة المقنع ، إلا أنك قد عرفت أن الأخبار على خلافه ، فإنها قد صرحت بجواز إدخال العمة والخالة وإن لم ترض المدخول عليها.

وثانيها : أنه هل يشترط علم العمة والخالة بكون المدخول عليها ابنة أخ

__________________

(١) أقول : المخالف في الصورة الأولى ابن أبى عقيل وابن الجنيد في ظاهر كلاميهما كما عرفت ، حيث قالا بالجواز مطلقا وفي الصورة الثانية ظاهر عبارة المقنع كما ذكرنا.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٧٢

أو بنت أخت ويرضيان بذلك أم لا؟ أطلق أكثر الأصحاب الجواز ولم يشترطوا ذلك ، كما نقله السيد السند في شرح النافع ، وجزم العلامة في جملة من كتبه باشتراط ذلك ، ومستنده غير ظاهر من الأخبار التي قدمناها ، وهي أخبار المسألة كملا بل ظاهر إطلاقها عدمه.

وثالثها : أنه على تقدير القول باعتباره واشتراطه ، فلو أدخلهما جاهلتين بالحال فهل يقع العقد باطلا أم يتوقف عقد الداخلة على رضاها ، أم عقدها وعقد المدخول بها؟ أوجه : واستوجه في المسالك الوسط منها ، محتجا بأن جواز عقد الداخلة مشروط برضاها فلا وجه لإبطاله بدونه ، بل يقع موقوفا على الرضاء فإن حصل صح ، وإلا فلا ، ولهذا بطل الوجه الأول ، وعقد السابقة قد حكم بصحته ولزومه قبل العقد الثاني فيستصحب.

والحق في ذلك للداخلة ، فيتخير في عقد نفسها بين فسخه والرضاء بمصاحبة المدخول عليها ، وبهذا بطل الوجه الثالث ، قال : وكون رضاها شرطا في صحة جواز الجمع لا يدل على أزيد من ذلك ، لأن العقد لا يقصر عن عقد الفضولي ، وسيأتي تحقيقه. انتهى.

واختار سبطه في شرح النافع الأول من الوجوه الثلاثة قال : لأن إلحاق ذلك بعقد الفضولي لا يخرج عن القياس ، وهو جيد.

ورابعها : هل يختص هذا الحكم بالجمع بينهما بالزوجية ، فلا يحرم الجمع في الوطي بملك اليمين أو يعم التحريم؟ : وجهان : استظهر الأول منهما شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، وسبطه في شرح النافع مستندين إلى أن أكثر الروايات إنما وردت بلفظ التزويج ، وبعضها وإن عبر فيه بلفظ النكاح ، لكن الظاهر منه إرادة العقد سيما مع القول بكونه حقيقة في العقد ، وأيدوه بأن المملوكة ليست أهلا للإذن والسلطنة في النكاح ، فلا يكون استيذانها معتبرا.

وعلى هذا فلو كانت العمة والخالة أمتين ، وأدخل عليهما بنت الأخ والأخت

٤٧٣

أمتين جاز ذلك للتعليل المذكور ، وأولى بالجواز لو كانت بنت الأخ وبنت الأخت حرتين ، فإنه لا يستأذن العمة ولا الخالة.

ولو كانت العمة والخالة حرتين وأدخلت عليهما بنت الأخ وبنت الأخت بالملك احتملا اعتبار استيذانهما ، لأن توقف إدخال الحرة عليهما على الاذن يقتضي توقف إدخال المملوكة عليه بطريق أولى ، إلا أنه ربما يناقش في ثبوت الأولوية من حيث عدم استحقاق الأمة للاستمتاع ، والاحتياط في أمثال هذه المواضع مما لا ينبغي تركه بل ربما كان واجبا.

و (ثانيهما) أنك قد عرفت أنه لا يجوز إدخال بنت الأخ وبنت الأخت على العمة والخالة إلا برضاهما ، وحينئذ فلو عقد عليهما وأدخلهما بدون ذلك ، فهل يقع عقد الداخلة باطلا خاصة مع لزوم عقد الاولى المدخول عليها ، أو يبطل عقد الداخلة ويتزلزل عقد المدخول عليها ، فلها أن يفسخ عقد نفسها ، أو يتزلزل العقدان السابق والطارئ ، أو يتزلزل العقد الطارئ خاصة بحيث يكون موقوفا على رضا المدخول عليها مع لزوم عقد المدخول عليها أقوال :

(أولها) للمحقق في كتابيه ، والوجه فيه أما بالنسبة في لزوم عقد الاولى فلانعقاده لازما ، والأصل بقاؤه حتى يقوم دليل على خلافه ، والنهي في الأخبار إنما توجه إلى العقد الثاني ، فلا موجب لتأثر الأول بوجه.

وأما بالنسبة إلى بطلان العقد الثاني فللنهي عنه في الأخبار المتقدمة المقتضي للفساد ولتصريح رواية علي بن جعفر (١) المتقدمة بأنه مع عدم رضاء العمة والخالة باطل ، ولأن ظاهر الأخبار المتقدمة أن رضاء العمة والخالة شرط في صحة العقد لأن قوله عليه‌السلام «لا يتزوج ابنة الأخت على العمة والخالة إلا بإذنهما» يقتضي النهي إلا مع مصاحبة الاذن واتصافه به ، فيجب حصوله وقت التزويج بمقتضى

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٣ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٥ ح ٣.

٤٧٤

ذلك.

واعترض على هذه الأدلة في المسالك فقال : إن النهى لا يدل على الفساد في المعاملات كما حقق في الأصول ، والخبر المصرح بالبطلان ـ مع ضعف سنده ـ يمكن حمله على البطلان مع كراهتهما لذلك جمعا بين الأدلة.

قال : ونمنع شرطية الرضاء في صحة العقد ، والأخبار لا يدل عليه ، لما عرفت من أن النهي لا يدل على الفساد بنفسه ، ودلالتها على اعتبار مصاحبة الاذن في وقوعه لازما أو غير منهي عنه لا مطلقا.

ثم قال : فإن قيل إن النهي في المعاملات وإن لم يدل على الفساد بنفسه ، لكنه إذا دل على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح ، فهو دال على الفساد من هذه الجهة كالنهي عن نكاح الأخت والعمة والخالة ، وكما في النهي عن بيع الغرر ، والنهي في محل النزاع من هذا القبيل.

قلنا : لا نسلم دلالته على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح ، فإنها عند الخصم صالحة له ، ولهذا صلحت مع الاذن بخلاف الأخت ، وبيع الغرر فإنهما لا يصلحان أصلا.

وصلاحية الأخت على بعض الوجوه كما لو فارق الأخت لا يقدح ، لأنها حينئذ ليست أختا للزوجة ، بخلاف بنت الأخت ونحوها فإنها صالحة للزوجية مع كونها بنت أخت الزوجة ، والأخبار دلت على النهي عن تزويجها ، وقد عرفت أنه لا يدل على الفساد ، فصار النهي عن هذا التزويج من قبيل ما حرم لعارض كالبيع وقت النداء لا لذاته ، والعارض هو عدم رضاء الكبيرة ، فإذا لحقه الرضاء زال النهي. انتهي كلامه زيد مقامه.

أقول : أما حمله ـ رواية علي بن جعفر الصريحة بالبطلان ـ على البطلان مع كراهتهما لذلك ، ففيه من البعد ما لا يخفى ، فإن لفظ الرواية هكذا «ولا يتزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضاء منهما ، فمن فعل فنكاحه باطل». يعني من فعل بغير الرضا منهما فهو باطل ، وهو ظاهر في اشتراط مصاحبة الرضاء

٤٧٥

للتزويج ، وإلا كان التزويج باطلا فالبطلان مترتب على عدم الرضاء وقت التزويج الذي هو أعم من الكراهة (١).

وأما ما ادعاه ـ من أن دلالة الأخبار على اعتبار مصاحبة الاذن إنما هو في وقوعه لازما أو غير منهي عنه لا مطلقا ، ـ فهو تقييد للأخبار من غير دليل ، بل ظاهرها إنما هو مصاحبته مطلقا ، لأن قولهم عليهم‌السلام في جملة من تلك الروايات المتقدمة «لا يتزوج ابنة الأخ وابنة الأخت على العمة والخالة إلا بإذنهما». ظاهر في اشتراط وقوع التزويج مطلقا بمصاحبة الإذن بمعنى أنه لا بد في وقوع العقد من الاذن ليصح ويترتب عليه أحكامه.

وأما ما ذكره من أن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات ففيه ما ذكره سبطه السيد السند في شرح النافع من أن النهي وإن لم يقتض الفساد في المعاملات لكن الحكم بصحة العقد الذي تعلق به النهي يحتاج إلى دليل يدل عليه بخصوصه أو عمومه ، وبدونه يجب الحكم بالفساد ، وليس على صحة العقد الذي تعلق به النهي دليل من نص أو إجماع فيجب القول بعدم الترتب عليه لأن ذلك مقتضى الأصل ومنه يظهر اختياره (قدس‌سره) لهذا القول.

وحاصله أنه بعد نهي الشارع عن هذا العقد الدال على عدم اعتباره في نظره ، وإلا لما نهي عنه ـ لا يمكن الحكم بترتب أثر من الآثار عليه كما في غيره من العقود التي لم يتعلق بها نهي فلا بد للحكم بصحته وترتب آثار العقود عليه من دليل من خارج.

وبالجملة فإنه بواسطة النهي عنه قد صار محلا للريبة وتطرق البطلان إليه وإن لم يمكن الجزم ببطلانه ، وهو كلام موجه ، وكيف كان فإن الظاهر هو البطلان كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة ، ويؤيده أوفقيته للاحتياط المطلوب

__________________

(١) لان عدم الرضا يصدق مع علمهما وكراهتهما ذلك ويصدق مع عدم العلم بالكلية. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٧٦

سيما في النكاح.

و (ثانيها) لابن إدريس ، ودليله على بطلان عقد الداخلة النهي الوارد في الأخبار لدلالته على الفساد ، وأما تزلزل عقد المدخول عليها فلم يتعرض لدليله ، وكأنه أخذه من كلام الشيخ الآتي حيث انه نقل عنه أن العمة والخالة تتخير بين إمضاء عقد الداخلة وبين فسخ عقديهما والاعتزال ، ثم اعترض عليه بالنسبة إلى إمضاء عقد الداخلة بأنه لوقوعه من غير إذن عقد باطل للنهي عنه في الأخبار ، فلا بد من تجديد عقد جديد عند الرضاء ، وجمد على باقي كلامه.

وضعف هذا القول أظهر من أن يخفى ، فإن عقد الداخلة إذا وقع فاسدا كما حكم به لم يبق لتخيرها في فسخ عقد نفسها وجه لأن المقتضي للفسخ إنما هو حصول الجمع بين العمة وبنت أخيها ، والخالة وبنت أختها ، ومع وقوع العقد فاسدا لم يتحقق الجمع ، فلا موجب للفساد بالكلية.

و (ثالثها) للشيخين ومن تبعهما فإنهما قالا : تتخير العمة والخالة بين إمضاء عقد الداخلة وفسخه ، وبين فسخ عقد أنفسهما السابق والاعتزال ، ويكون اعتزالهما بمنزلة الطلاق وإن أمضيا العقد كان ماضيا ، ولم يكن لهما بعد ذلك فسخه.

وعلل القول المذكور بوقوع العقدين صحيحين ، وأما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلأنه عقد صار من أهله في محله جامعا بشرائطه. ولا يؤثر تجدد البطلان بفسخ العمة والخالة في صحته الأصلية كغيره من العقود الموقوفة على رضاء الغير ، وإذا وقع صحيحا كانت نسبة العقدين إلى العمة والخالة على السواء ، ولما كان الجمع موقوفا على رضاهما تخيرتا في رفع الجمع بما شائتا من فسخ عندهما وعقد الداخلة.

وأورد عليه بأن العقد الأول لازم بالأصل ، والأصل يقتضي بقاءه على اللزوم إلى أن يثبت المزيل ، وما ذكر لا يصلح له ، لأن رفع الجمع يحصل بفسخ العقد الطارئ ، وهو متعلق الرضا ، ورفع الجمع وإن كان يحصل بفسخ أحد العقدين

٤٧٧

إلا أن فسخ السابق قد منع منه مانع شرعي وهو لزومه ، فتسلط على رفع الثاني خاصة ، وهو جيد.

و (رابعها) للعلامة في جملة من كتبه وجمع من المتأخرين ، ووجهه : أما بالنسبة إلى لزوم عقد المدخول عليها فلما تقدم.

وأما بالنسبة إلى تزلزل الطارئ من غير أن يكون باطلا فوجهه في المسالك قال : لعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (١) فإن المتنازع فيه إذا تعقبه رضاء من يعتبر رضاه اندرج في هذا العموم فوجب الحكم بصحته ، فقبل الرضاء لا يكون فاسدا ، وإلا لم ينقلب صحيحا ، ولا معنى للموقوف إلا ذلك.

قال : ولأنه عقد صدر بدون رضاء من يعبر رضاه في صحته ، فكان كالفضولي وقد تقدم صحة الفضولي في النكاح ، فهنا أولى ، لأن المدخول عليها ليس لها أولوية مباشرة العقد بل الرضاء به بخلاف الزوجة في عقد الفضولي فإن بيدها مباشرته والرضاء به ، فإذا صح في الأقوى لزم مثله في الأضعف بطريق أولى ، والنهي السابق في الأخبار قد عرفت أنه لا يدل على الفساد على المنع منه بدون الاذن ، وهو أعم من السابق واللاحق ، وعلى تقدير إرادة السابق لا يلزم الفساد ، قال : وهذا هو الأقوى. انتهى كلامه.

وأنت خبير بما فيه أما (أولا) فلما عرفت في غير مقام مما قدمناه من أن بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات التقريبية لا يخلو من مجازفة.

و (ثانيا) أنك قد عرفت مما قدمنا في القول الأول أن الأظهر هو البطلان في هذا العقد المتأخر ، وإليه يميل كلام سبطه في شرح النافع كما يدل عليه كلامه الذي قدمنا نقله ثمة.

و (ثالثا) أن المفهوم من الأخبار اعتبار تقدم الإذن ، فإن قوله عليه‌السلام «لا يتزوج إلا بإذن العمة والخالة». يعني لا يقع العقد إلا بعد الاذن ، سواء كانت الباء للمصاحبة

__________________

(١) سورة المائدة ـ آية ١.

٤٧٨

أو السببية ، وحينئذ فلا يجزى الرضاء بعد وقوع العقد ليلحق ذلك بالفضولي ، أو يكون أولى منه ، وبه يظهر عدم اندراج هذا العقد تحت قوله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» كما تكلفه ، إلى آخر ما ذيله به فإنها مجرد ادعاء ، ويمنعها الخصم.

وبالجملة فكلامه (قدس‌سره) هنا غير موجه عندي والأظهر عندي في المسألة هو القول الأول. والله العالم.

المقام الثاني في الزنا : لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن الزنا المتأخر عن العقد الصحيح لا ينشر حرمة المصاهرة ، سواء في ذلك الزنا بالعمة والخالة أو غيرهما ، لأصالة بقاء الحكم الحاصل بالعقد ، وقولهم عليهم‌السلام (١) «لا يفسد الحرام الحلال». وإنما الخلاف في الزنا المتقدم هل ينشر حرمة المصاهرة أم لا؟ الأشهر ذلك.

ومما يدل على الحكمين المذكورين ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام «أنه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، ولكن إن كانت عنده امرأة ثم فجر بأمها أو ابنتها أو أختها لم تحرم عليه امرأته ، إن الحرام لا يفسد الحلال».

وما رواه في التهذيب عن أبي الصباح الكناني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبدا ، وإن كان قد تزوج ابنتها قبل ذلك ولم يدخل بها فقد بطل تزويجه ، وإن هو تزوج ابنتها ودخل بها ثم فجر بأمها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأمها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها وهو قوله : لا يفسد الحرام الحلال إذا كان هكذا». وفي هذا الخبر إشكال يأتي التنبيه

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٢٩ ح ١١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٧ ح ٨.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤١٥ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٢٩ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٦ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٢٩ ح ١١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٧ ح ٨.

٤٧٩

عليه إن شاء الله.

ومما يدل على الأول ما رواه في الكافي في الحسن أو الصحيح عن الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل تزوج جارية فدخل بها ثم ابتلى بها ففجر بأمها ، أتحرم عليه امرأته؟ فقال : لا ، إنه لا يحرم الحلال الحرام».

وعن زرارة (٢) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال في رجل زنا بأم امرأته أو بابنتها أو بأختها فقال : لا يحرم ذلك عليه امرأته ، ثم قال : ما حرم حرام قط حلالا».

وعن زرارة (٣) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل زنى بأم امرأته أو بأختها فقال : لا يحرم ذلك عليه امرأته إن الحرام لا يفسد الحلال ولا يحرمه».

وما رواه في الفقيه عن موسى بن بكر عن زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سئل عن رجل كانت عنده امرأة فزنى بأمها أو بابنتها أو بأختها فقال : ما حرم قط حلالا ، امرأته له حلال».

وعن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يصيب من أخت امرأته حراما ، أيحرم ذلك عليه امرأته؟ فقال : إن الحرام لا يفسد الحلال ، والحلال يصلح به الحرام».

ومما يدل على الحكم الثاني ما رواه في الكافي عن منصور بن حازم (٦) في

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٠ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٦ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤١٦ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٠ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٦ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤١٦ ح ٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٧ ح ٤.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٣ ح ٤١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٧ ح ٦.

(٥) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٣ ح ٤٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٧ ح ٥.

(٦) الكافي ج ٥ ص ٤١٦ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٠ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٣ ح ٣.

٤٨٠