الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

الصادق على الحي والميت ، ومن أنه بالموت خرج عن إلحاق أحكام الأحياء وصار جاريا مجرى الجمادات. انتهى.

أقول : أما ما استندوا إليه في وجه التحريم من إطلاق النصوص ففيه ما صرح غير واحد من الأصحاب ـ في غير موضع من الأحكام ، بل صار كالقاعدة الكلية ـ من أن إطلاق الأخبار إنما يحمل على الأفراد الغالبة المتكثرة المتكررة وهي التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة التي ربما لا تقع وإنما تذكر فرضا ، وبذلك يظهر لك أن ما ذكره المحقق المتقدم ذكره ـ من أن التحريم غير بعيد ـ في غاية البعد.

السادس : قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لا يحرم على المفعول بسبب ذلك الفعل شي‌ء ، وإنما التحريم على الفاعل خاصة ، وقال السيد السند في شرح النافع : أنه نقل عن بعض الأصحاب تعلق التحريم به كالفاعل ، ثم قال : وهو ضعيف انتهى ، وهو كذلك لعدم الدليل على ذلك.

السابع : ما تضمنته مرسلة موسى بن سعدان (١) عن بعض رجاله من تحريم بنت الفاعل على ابن المفعول وبالعكس لم أقف على قائل به من الأصحاب ، ولا على من نبه عليه في هذا الباب ، بل الظاهر منهم الجواز ، إلا أن الخبر لا معارض له إلا العمومات ، ويمكن تخصيصها به حيث لا معارض له على الخصوص إلا أنه بعد لا يخلو من الاشكال ، والاحتياط لا يخفى سيما في الفروج ، كما صرحت به الأخبار.

الثامن : قد تقدم في صدر المسألة أن تحريم المذكورات مشروط بسبق الفعل على العقد عليهن ، فلو سبق العقد عليهن فإنه لا تحرم ، وهو مما لا إشكال فيه لما تقدم ، وإنما الإشكال فيما لو فارق من سبق عقدها قبل الفعل ، فهل يجوز

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٧ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣١٠ ح ٤٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٠ ح ٣.

٦٠١

له تجديد نكاحها بعده أم لا؟

استظهر السيد السند في شرح النافع الأول ولم يبين وجهه ، ثم احتمل عدمه ، لصدق سبق الفعل بالنسبة إلى العقد الجديد ، والمسألة عندي لا يخلو من شوب الاشكال لعدم النص والاحتمال المذكور قريب ، بل لا يبعد ترجيحه لدخوله بالنسبة إلى هذا العقد المتأخر تحت إطلاق الأخبار المتقدمة الموجبة للتحريم ، ويؤيده أنه الأحوط في المقام. والله العالم.

المسألة الرابعة : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في أنه لو عقد المحرم على امرأة عالما بالتحريم حرمت عليه مؤبدا وإن لم يدخل بها ، ولو كان جاهلا فسد العقد ولم تحرم مؤبدا وإن دخل.

ونقل في المنتهى إجماع الفرقة على الحكمين المذكورين ـ أعني حكمي العالم والجاهل ـ وأسنده في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، والأصل في ذلك الأخبار ، إلا أنها بحسب الظاهر مختلفة.

فمنها ما يدل على أن النكاح باطل بقول مطلق ، ومن ذلك ما رواه الشيخ في فمنها ما يدل على أن النكاح باطل بقول مطلق ، ومن ذلك ما رواه

الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج ، فإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل بقول مطلق» ، وبهذا المضمون روايات عديدة.

ومنها ما يدل على البطلان أيضا مع التصريح بجواز تزويجها بعد الإحرام كصحيحة محمد بن قيس (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قضي أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم قبل أن يحل ، فقضى أن يخلي سبيلها ولم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل فإذا أحل خطبها إن شاء ، فإن شاء أهلها زوجوه». وهي دالة

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٨ ح ٤١ ، الفقيه ج ٢ ص ٢٣٠ ح ٦٨ الا ان فيه «ولا يزوج محلا» ، الوسائل ج ٩ ص ٨٩ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٣٠ ح ٤٧ ، الوسائل ج ٩ ص ٩٢ ح ٣.

٦٠٢

بإطلاقها على عدم التحريم المؤبد أعم من أن يكون عالما أو جاهلا.

ومنها ما دل بإطلاقه على تحريم المؤبد عالما كان أو جاهلا ، وهو ما رواه الشيخ عن أديم بن الحر الخزاعي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ولا يتعاودان أبدا».

وفي الموثق عن ابن بكير عن إبراهيم بن الحسن (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ثم لا يتعاودان أبدا».

ومنها ما يدل على التحريم المؤبد إن كان عالما بالتحريم ، وهو ما رواه الكليني والشيخ عن زرارة وداود بن سرحان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال فيه «والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبدا».

وروى الحسين بن سعيد في كتابه بسنده فيه عن أديم بياع الهروي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الملاعنة إذا لا عنها زوجها لم تحل له أبدا ـ إلى أن قال ـ : والمحرم إن تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لا تحل له أبدا».

والشيخ (رحمه‌الله) قد حمل روايتي أديم بن الحر وإبراهيم بن الحسن ـ الدالتين بإطلاقهما على التحريم المؤيد مطلقا ـ على ما إذا كان عالما ، وحمل صحيحة محمد بن قيس ـ الدالة على جواز المراجعة بعد الإحرام مطلقا عالما كان أو جاهلا ـ على الجاهل ، واستند في هذا الحمل إلى رواية زرارة وداود بن سرحان ، فإنها تدل بمنطوقها على التحريم المؤبد مع العلم ، وتدل بمفهومها على عدم التحريم

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٩ ح ٤٥ ، الوسائل ج ٩ ص ٩١ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٣٧٢ ح ٣ ، التهذيب ج ٥ ص ٣٢٩ ح ٤٦ ، الوسائل ج ٩ ص ٩١ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٢٦ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٥ ح ٣٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٨ ح ١.

(٤) مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨١ ب ٣٢ ح ١.

٦٠٣

مع الجهل وهو جمع حسن لا يعتريه الاشكال ، سيما مع تأيده بالإجماع المدعى في المقام كما عرفت ، والرواية الثانية المنقولة من كتاب الحسين بن سعيد.

وبذلك يظهر ضعف مناقشة صاحب المسالك وسبطه السيد السند في هذا المقام من حيث ضعف رواية زرارة وداود بن سرحان مع أنهما في غير موضع قد عملا بالأخبار الضعيفة من حيث جبرها بالشهرة ، وقد عرفت دعوى الإجماع هنا وعدم ظهور المخالف ، ويظهر من صاحب المسالك أنه ليس في هذا الباب من الأخبار إلا رواية زرارة المذكورة ، ونقل عن ابن إدريس والشيخ فخر الدين بن العلامة أنهما أطلقا التحريم مع العلم ومع الدخول في صورة الجهل.

ولا بأس بنقل كلامه ليظهر لك ما في نقضه وإبرامه ، قال (قدس‌سره) ـ بعد ذكر عبارة المصنف الدالة على الحكم بالتحريم المؤبد مع العلم وعدمه مع الجهل ـ ما لفظه : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ومستنده رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ومن جملتها أن «المحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لا تحل له أبدا».

وهي دالة بإطلاقها على التحريم مع العلم وان لم يدخل ، ومفهومها على عدم التحريم مع عدمه وإن دخل ، ويعتضد المفهوم بالأصل فيقوي من ضعفه ، وإنما الكلام في حالة العلم لضعف الرواية إلا أنه لا قائل بعدم التحريم مطلقا وإن اختلفت كلماتهم في الشرط ، فإن الأكثرين اعتبروا ما ذكره المصنف.

ومنهم من اقتصر على حال العلم كالمفيد (رحمة الله عليه) (١) وقوفا مع الرواية

__________________

(١) أقول : صورة عبارة الشيخ المفيد (رحمه‌الله) على ما نقله في المختلف : ومن عقد على امرأة وهو محرم مع العلم بالنهي عن ذلك فرق بينهما ولم تحل له أبدا ، انتهى. وهي وان لم تدل على الجهل ولا الدخول ، لكنها تدل من حيث المفهوم على ما ذكره الشيخ من عدم التحريم مع الجهل وان دخل ، وحينئذ فلا يعد ذلك قولا مخالفا كما لا يخفى.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٦٠٤

ومنهم من أطلق التحريم من غير فرق بين العالم وغيره كسلار والصدوق ، وجماعة أطلقوا التحريم مع العلم ، ومع الدخول في حالة الجهل ، منهم ابن إدريس وقواه فخر الدين في شرحه إلى غير ذلك من الاختلافات ، وليس في الباب من النصوص سوى ما ذكرناه. انتهى.

أقول : الظاهر أنه تبع العلامة في المختلف (١) في هذا المقام ، فإنه بعد أن نقل عبائر هؤلاء المذكورين في الكتاب كما أشار إليه هنا قال : والذي بلغنا في هذا الباب ما رواه زرارة عن الصادق عليه‌السلام «والمحرم إن تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لا تحل له أبدا».

وأنت قد عرفت أن الأخبار في المسألة متكاثرة ، إلا أنها بحسب الظاهر مختلفة ، وإن ادعيا أنه ليس في الباب إلا رواية زرارة ، غفلة عن مراجعة باقي الأخبار المذكورة ، وحينئذ فما ذكره المحقق ونحوه غيره من بيان حكم العالم والجاهل فالظاهر أنهم قد تبعوا الشيخ فيما قدمنا نقله عنه من الجمع بين الأخبار ، وهو جيد وجيه ، كما لا يخفى على الفطن النبيه ، وما ذكره الشيخ المفيد فإنه يرجع إلى الوقوف على رواية زرارة المذكورة منطوقا ومفهوما.

وما ذكره الصدوق وسلار من الحكم بالتحريم المؤبد أعم من أن يكون جاهلا أو عالما الظاهر (٢) أنهما استندا فيه إلى روايتي أديم وإبراهيم المذكورتين.

__________________

(١) أقول : وعلى هذا النهج جرى المحقق الشيخ على في شرحه على القواعد فقال بعد نقل الأقوال التي في المختلف ملخصا : قال المصنف في المختلف : والذي بلغنا في هذا الباب ما رواه زرارة ثم ساق كلامه الى آخره ، ثم قال : وهو صحيح في موضعه.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) بل الأظهر أنه انما استند في ذلك الى كتاب الفقه الرضوي كما هي قاعدته غالبا فإنه عليه‌السلام قال في الكتاب المذكور «والمحرم إذا تزوج في إحرامه فرق بينهما ولا تحل له أبدا». وقد قدمنا في كتب العبادات أمثال هذا من الصدوق وأبيه (عطر الله مرقديهما).

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٦٠٥

قال في المقنع : ولا يجوز للمحرم أن يتزوج ولا يزوج المحل ، وإذا تزوج في إحرامه فرق بينهما ولم تحل له أبدا ، وهو كما ترى موافق لما دل عليه الخبران المذكوران وما ذكره ابن إدريس ، أما بالنسبة إلى التحريم مع العلم فدليله واضح من الرواية المذكورة ، وأما مع الدخول في صورة الجهل فلا أعرف عليه دليلا من الأخبار ، إلا بأن يكون نوعا من الاعتبار كما هي قاعدتهم الجارية في هذا المضمار.

قال ابن إدريس في كتاب السرائر في تعداد المحرمات : ويحرم أيضا على التأييد المعقود عليها في عدة معلومة أي عدة كانت أو إحرام معلوم ، والمدخول بها فيهما على كل حال ، سواء كان عن علم أو جهل بحالهما ، ونحوها عبارة أبي الصلاح ، ويمكن أن يكون قد حمل الإحرام على العدة في ذلك.

ومما يدل على عدم التحريم ـ مع الجهل دخل أو لم يدخل ـ مفهوم رواية زرارة وداود بن سرحان وإطلاق صحيحة محمد بن قيس ، خرج عنها العالم بتقييدها بروايتي أديم وإبراهيم وبقي الجاهل ، وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور ، فإنه لا يعتريه قصور ولا فتور.

وينبغي أن يعلم أنه إنما يحصل التحريم بالعقد مع صحته لولا المانع الذي هو الإحرام ، وحينئذ فلا عبرة بالفاسد ، ولا يترتب عليه تحريم سواء علم بفساده أم لا.

ونقل عن العلامة في التحرير أنه استقرب إلحاقه بالصحيح إذا اعتقد صحته والظاهر بعده ، ولا فرق في التحريم بين إحرام الحج والعمرة في ذلك ، ولا بين الفرض والنفل ، ولا بين كونه عن نفسه أو غيره ، ولا بين كون المعقود عليه محرما وعدمه ، كل ذلك لإطلاق النص ، ولو انعكس الفرض في الأخير بأن كان الزوج محلا والزوجة محرمة ، فالأصل يقتضي عدم التحريم ، ولا نص هنا يوجب الخروج عنه وفي بعض عبارات الأصحاب ما يدل على التسوية بين الأمرين ، وكيف كان فالعقد

٦٠٦

فاسد ، والله العالم.

المسألة الخامسة : لا خلاف في أنه يحرم وطئ الصبية قبل بلوغ تسع سنين ، وعلى هذا فلو خالف وتزوج بصبية لم تبلغ تسع سنين فوطأها فقد اختلف كلام الأصحاب في ذلك.

فقال الشيخ في النهاية : إنه إذا وطأها فرق بينهما ولم تحل له أبدا.

وقال : الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) : الرجل إذا جامع الصبية ولها دون تسع سنين فأفضاها كان عليه دية نفسها ، والقيام بها حتى يفرق الموت بينهما.

وقال : ابن الجنيد : فإن أولج عليها بالوطء فأفضاها قبل تسع سنين فعليه أن لا يطلقها حتى يموت ، وينفق عليها ويقوم بأمرها ، فإن أحب طلاقها غرم ديتها ولزمه مع ذلك مهرها.

وقال ابن حمزة لما عد المحرمات وذكر من جملتها التي أفضاها بالوطي وهي في حباله : ولها دون تسع سنين ، وتبين منه بغير طلاق.

وقال ابن إدريس : إنها تحرم مؤبدا لكن لا تبين منه ولا ينفسخ عقدها بمجرد ذلك ، بل هو بالخيار بين أن يطلقها أو يمسكها ولا يحل له وطؤها أبدا ، وليس بمجرد الوطي تبين منه وينفسخ عقدها ، كما يظن ذلك من لا يحصل شيئا من هذا الفن ، ولا يفهم معنى ما يقف عليه من سواد الكتب.

ومعنى قول الشيخ ـ فرق بينهما ـ أي في الوطي ، دون بينونة العقد وانفساخه ، لا جماع أصحابنا على أن من دخل بالمرأة وطأها دون تسع سنين وأراد طلاقها طلقها على كل حال ، ولا عدة عليها بعد الطلاق ، وإذا كانت قد بانت بوطئها قبل بلوغ التسع فلا حاجة إلى طلاقها. انتهى.

أقول : ظاهر كلام الشيخ أنه بمجرد الدخول بها تحرم عليه وينفسخ عقدها ، إلا أن ابن إدريس حمل التفريق في كلامه على المنع من الوطي وإن بقيت زوجته ،

٦٠٧

والمشهور في كلام المتأخرين أن المحرم إنما هو الإفضاء لا مجرد الدخول (١) وإن قلنا ان التحريم إنما هو في الوطي خاصة.

وظاهر عبارة الشيخ المفيد بقاء الزوجية ، وأن الإفضاء لها إنما يوجب الدية ، والقيام بها حتى يفرق الموت بينهما ، بمعنى أنه لا يجوز له طلاقها والحال هذه ، وأما تحريمها عليه في الوطي أو خروجها من الزوجية بالكلية فلم يتعرض له ، وكذلك عبارة ابن الجنيد ، إلا أنه بالإفضاء حرم عليه الطلاق وأوجب عليها القيام بها ، وأنه مع ارادة الطلاق يجب عليه ديتها ، ويلزمه مهرها.

وعبارة الشيخ المفيد ظاهرة في وجوب الدية وإن لم يطلق ، وأما كلام ابن حمزة فإنه صريح في البينونة وانفساخ العقد بالإفضاء (٢). وقد عرفت إنكار ابن إدريس ذلك أشد الإنكار ، وتشنيعه على صاحب هذا القول. والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من الأخبار ، فإنها هي التي عليها المدار في الإيراد والإصدار.

ومنها ما رواه الصدوق بطريقه إلى الحسن بن محبوب عن أيوب عن حمران (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك ، فلما

__________________

(١) قال المحقق في الشرائع : إذا أدخل بصبية لم تبلغ تسعا فأفضاها حرم عليه وطؤها ولم تخرج عن حبالته ، ولو لم يفضها لم تحرم على الأصح. وقال العلامة في القواعد : لا يحل وطي الزوجة الصغيرة قبل أن تبلغ تسعا فان فعل لم تحرم على الأصح إلا مع الإفضاء فتحرم مؤبدا ، قيل ولا تخرج من حباله وفيه نظر.

ويجب عليه الإنفاق عليها الى أن يموت أحدهما ، وان طلقها وتزوجت بغيره على اشكال ، وعلى هذا النهج كلام غيرهما. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) بمعنى أن الإفضاء هو الموجب للتحريم أعم من أن يكون تحريم الوطي خاصة أو تحريم بقائها على الزوجية بمعنى أنها لا تكون زوجته بعد ذلك بل تحرم عليه مؤبدا.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٢ ح ٧٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٠ ح ١.

٦٠٨

دخل بها افتضها فأفضاها فقال : إن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين وكان لها أقل من ذلك بقليل حين افتضها فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج ، فعلى الامام أن يغرمه ديتها ، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شي‌ء عليه». وطريق الصدوق إلى الحسن بن محبوب في الصحيح ، فتكون الرواية حسنة بحمران.

وما رواه في الكافي عن يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم تحل له أبدا».

وعن بريد بن معاوية (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل افتض جارية يعني امرأته فأفضاها ، قال : عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ سنين ، قال : فإن كان أمسكها ولم يطلقها فلا شي‌ء عليه ، وإن كان دخل عليه ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه إن شاء أمسك ، وإن شاء طلق».

وعن الحلبي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج جارية فوقع بها فأفضاها ، قال : عليه الاجراء عليها ما دامت حية».

قال الشيخ : هذا محمول على من دخل بعد تسع سنين فلا يلزمه الدية ، بل الاجراء عليها إن أمسكها أو طلقها.

هذا ما حضرني من روايات هذه المسألة.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٢٩ ح ١٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣١١ ح ٥٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨١ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٣١٤ ح ١٨ ، التهذيب ج ١٠ ص ٢٤٩ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨١ ح ٣.

(٣) التهذيب ج ١٠ ص ٢٤٩ ح ١٨ ، الفقيه ج ٤ ص ١٠١ ح ١٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨١ ح ٤ ، وج ١٩ ص ٢١٢ ح ٢.

٦٠٩

وأنت خبير بأن غاية ما تدل عليه الرواية الأولى هو أنه بالإفضاء قد عطلها وأفسدها على الأزواج ، فعلى الامام أن يغرمها ديتها ، وإن أمسكها ولم يطلقها وقام بواجبها فلا دية عليه ، والمفهوم منه بقاء النكاح وعدم البينونة بالإفضاء ، وأما أنه يحرم عليه نكاحها ويجب التفريق بينهما في النكاح فلا دلالة في الخبر عليه ، بل هو في ذلك مطلق ، وهذا الرواية مطابقة لما ذهب إليه ابن الجنيد.

وأما الرواية الثانية فهي مطابقة لما تقدم نقله عن الشيخ في النهاية ، من أنه بالدخول بها يفرق بينهما ولم تحل له أبدا.

وأما الرواية الثالثة فهي كالرواية الاولى في أنه بالافضاء عليه الدية إن طلقها ، وإن أمسكها وقام بواجبها لم يكن عليه شي‌ء ، وهي ظاهرة في بقائها على الزوجية ومطلقة في تحريم الوطي وعدمه.

وأما الرواية الرابعة فقد دلت على أنه بالإفضاء عليه القيام بواجبها وإجراء النفقة ونحوها عليها ما دامت حية ، وهي أشد الروايات إطلاقا وأعظمها إغلاقا من جهات عديدة.

ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بحمل الدخول الذي اشتملت عليه الرواية الثانية على الإفضاء كما هو القول المشهور ، وتقييد إطلاق ما عدا الرواية الثانية بها حيث ما عدا الرواية الثانية مطلق في تحريم الوطي وعدمه وإن دلت على بقاء الزوجية ، فيحمل إطلاقها على ما دلت عليه الرواية الثانية من أنه بالإفضاء يجب التفريق بينهما يعني في النكاح ، ولا يحل له وطؤها أبدا وإن كانت باقية على الزوجية ، كما دلت عليه الأخبار الباقية ، وبه يظهر ضعف قول ابن حمزة من أنها تبين منه بغير طلاق.

وعلى هذا تلتئم الأخبار ويتلخض من ذلك أنه بالإفضاء يحرم عليه وطؤها ونكاحها وإن كانت زوجته ، ولا تبين منه بمجرد ذلك ، وأنه إن أمسكها وقام بواجبها فلا إشكال ، ولا يجب عليه شي‌ء أزيد من ذلك ، وإن طلقها وجب عليه الدية.

٦١٠

وتمام تحقيق القول في المقام يتوقف على رسم فوائد الأولى : قد عرفت من كلام ابن إدريس أنه بالإفضاء لا يخرج عن الزوجية ، وإنما يحرم عليه وطؤها مؤبدا وإن كانت زوجته ، ومن كلام ابن حمزة أنه صريح في الخروج عن الزوجية كما هو ظاهر الخبر الثاني.

وأيد هذا القول جملة من المتأخرين منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والمحقق الثاني في شرح القواعد بأن التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح إذ ثمرته حل الاستمتاع ، ولأنه يمنع النكاح سابقا فيقطعه لاحقا ، كالرضاع واللعان والقذف للزوجة الصماء والخرساء.

ومن أجل ذلك توقف العلامة في المختلف في هذا المقام وتبعه الفاضلان المتقدمان ، فقال في المسالك ـ بعد ذكر ما ذكرناه ، وأن الحكم بالبينونة هو الظاهر من مرسلة يعقوب بن يزيد ، وعدمه هو الظاهر من رواية بريد بن معاوية ـ ما لفظه : والطريق فيهما مظلم فيبنغي التوقف فيه ، وقال المحقق الثاني : وتوقف المصنف في المختلف لعدم الظفر بقاطع من الجانبين ، وقول ابن حمزة ليس ببعيد والتوقف طريق السلامة. انتهى.

أقول : لا ريب أن ما ذكروه من الوجه الاعتباري ـ وهو أنه كما يمنع التحريم من النكاح سابقا كذا يبطله لاحقا ـ جيد ، إلا أنك قد عرفت اتفاق حسنة بكير وإن كانوا لم يذكروها في هذا المقام ، ورواية بريد على بقاء الزوجية ، وهما صريحتان في ذلك مع تأيدهما بالاستصحاب ، وهو هنا حجة شرعية لأنه عبارة عن وجوب العمل بمقتضي العقد السابق حتى يثبت المخرج عنه ، ومرسلة يعقوب ابن يزيد وإن كان ظاهرها ما ذكروه ، إلا أن تأويلها بالحمل على التفريق والتحريم المؤبد في النكاح خاصة جمعا بين الأخبار قريب جدا.

وما ذكروه من التقريب الاعتباري وإن كان جيدا إلا أنه من الجائز ـ بعد دلالة الخبرين المذكورين على خلافه ـ أن يكون ذلك عقوبة له ومؤاخذة له

٦١١

بسوء فعله وارتكابه هذا الأمر الفظيع ، كما دلت على وجوب الدية عليه ، فيكون ما ذكروه من ذلك الوجه الاعتباري مخصصا بهذه الروايات بالتقريب المذكور.

والأصحاب لم ينقلوا في المقام إلا روايتي يعقوب بن يزيد وبريد بن معاوية على أنهم قد خرجوا عن العمل بالرواية المذكورة بالنسبة إلى الدخول فحملوه على الإفضاء ، مع أنه لا معارض في ذلك لها فإن ما تضمن الإفضاء من الروايات إنما يترتب عليه الدية خاصة ، فكيف يتوقفون في الخروج عنها في محل البحث ، والحال أن المعارض موجود وهو أصرح وأرجح.

الثانية : المشهور أن الإفضاء هو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا بذهاب الحاجز بينهما ، وقيل : صيرورة مسلك الغائط والحيض واحدا ، والظاهر أنه لا يخلو من بعد ، لشدة ما بين المسلكين وقوة الحاجز بينهما فلا يكاد يتفق زواله ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ مزيد تحقيق لذلك في كتاب الديات.

الثالثة : قال العلامة في القواعد : ويجب عليه الإنفاق عليها إلى أن يموت أحدهما وإن طلقها وتزوجت بغيره على إشكال.

أقول : الظاهر من كلامهم أنه بالإفضاء يجب على الزوج الإنفاق عليها إلى أن يموت أحدهما ، وإن خرجت بالإفضاء من الزوجية كما هو أحد القولين أو طلقها فإنه يجب عليه الإنفاق عليها ، واستندوا في ذلك إلى إطلاق رواية الحلبي المتقدمة حيث دلت على الأمر بالإجراء عليها ما دامت حية ، مع أنك قد عرفت ان مقتضى حسنة حمران ورواية بريد أنه مع الطلاق فالواجب إنما هو الدية وهم لم يتعرضوا لذكر الدية في هذه المسألة بالكلية ، كما لا يخفى على من راجع كلامهم.

بقي الكلام فيما إذا تزوجت ، فهل يكون الحكم كذلك عملا بإطلاق الرواية المذكورة أم لا؟ نظرا إلى أن الظاهر أن الأمر بالإجراء عليها إنما هو لأنها قد خرجت بالإفضاء عن ان يرغب فيها الأزواج ، فأوجب الشارع علي المفضي

٦١٢

نفقتها إرفاقا بها ، فإذا تزوجت انتفى المقتض من الإرفاق.

ومال المحقق الثاني في شرح الكتاب إلى وجوب الإنفاق عليها في الصورة المذكورة قال بعد الكلام في المسألة : فالذي يجب أن يقال : إن الرواية إن كانت معتبرة وجب العمل بظاهرها ، ولا يسقط وجوب الإنفاق بالتزويج. انتهى.

أقول : لا يخفى أن الاستناد في هذا الحكم إلى الرواية المذكورة لا يخفى ما فيه من الاشكال لما هي عليه من غاية الإجمال ، فإنه لم يصرح فيها ببلوغ التسع ولا عدمه. فلذا حملها الشيخ على ما بعد بلوغ التسع هذا ، مع أن الحكم المذكور ظاهر تمام الظهور من حسنه حمران ورواية بريد فإنهما قد اتفقتا على الدلالة على أنها بالإفضاء فالواجب على زوجها الدية إن طلقها ، أعم من أن تتزوج أم لا ، والقيام بواجبها إن أمسكها ، وبذلك يزول الاشكال ويؤول إلى الاضمحلال.

الرابعة : لو وطأ أجنبية قبل البلوغ بزنا أو نكاح شبهة فأفضاها ، فهل تثبت فيها الأحكام المذكورة من التحريم المؤبد والإنفاق إلى أن يموت أحدهما أم لا؟ استقرب العلامة في القواعد الأول عدا النفقة فإنه استشكل فيها ، وعلل وجه القرب في التحريم أن هذا الفعل حيث اقتضى التحريم المؤبد في الزوجة ففي الأجنبية أولى ، لأنه أفحش فيناسبه زيادة العقوبة ، وذلك لأنه إذا كانت الزوجة التي قد ملك بالعقد الشرعي نكاحها فتحرم عليه أبدا بالإفضاء ، فبطريق الأولى في الأجنبية التي هي يحرم عليه نكاحها.

وأما النفقة فوجه الاشكال فيها ينشأ من أن المقتضي له في الزوجية العقوبة بارتكاب الوطي المحرم ، وهي في الأجنبية أفحش ، ولحصول الضرر بعدم رغبة الأزواج فيها ، ومن أن الظاهر أن النفقة تابعة للزوجية ، وهي غير موجودة في محل الفرض فلا تكون واجبة ، وقال المحقق الشيخ على في الشرح : والذي يقتضيه النظر ثبوت التحريم المؤبد بإفضاء الأجنبية بزناء أو شبهة من باب مفهوم الموافقة ، فإن وطئ الزوجة

٦١٣

قبل البلوغ وإن حرم إلا أن وطئ الأجنبية أبلغ منه في التحريم وأفحش ، وأما باقي الأحكام فإن إثباتها مشكل ، ولا دليل قويا عليه. انتهى.

ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه ألحق بالإفضاء للزوجة الإفضاء بوطى‌ء الشبهة في التحريم ووجوب الإنفاق ، وعن ابن إدريس أنه منع ذلك.

أقول : والتحقيق في المقام أن جميع ما ذكروه في الأجنبية من الأحكام إنما هو من قبيل أضغاث الأحلام ، وإن تستروا عنه بكونه مفهوم موافقة أو أولوية أو نحو ذلك من الكلام ، فإن المدار عندنا في الأحكام الشرعية إنما هو على النصوص ودلالتها بالعموم أو الخصوص.

ولا ريب أن القدوم على تحريم ما أحله الله وتحليل ما حرم الله بغير نص واضح جرأة عظيمة لمخالفة الآيات والروايات ، وهذه الأجنبية مما علم حل نكاحها قبل وقوع الفعل اتفاقا ، والقول بتحريمها به يحتاج إلى النص الصريح كما ورد في الزوجة.

على أن الأمر في الزوجة كما عرفت آنفا محل إشكال ، فنحن في عويل من ذلك لعدم تحقق الجزم بالحكم بكون المحرم هو مجرد النكاح ، أو أنها تبين بذلك بالكلية لما عرفت من إجمال النصوص ، فكيف بالملحق بها في ذلك.

الخامسة : لا يخفى أن مورد الأخبار المتقدمة الزوجة ، وعلى هذا لا تدخل الأمة لو أفضاها ، والظاهر من الأخبار أيضا الإفضاء بالوطء فلا تدخل فيه الإفضاء بالإصبع ونحوها ، وبذلك صرح العلامة في القواعد أيضا فقال : والأقرب عدم تحريم الأمة والمفضاة بالإصبع ، ووجه قربه ظاهر مما ذكرناه.

وبالجملة فإن الدليل الوارد في المسألة غير شامل لهما فإدخالهما بغير دليل مجرد قياس لا يوافق أصول الشريعة.

السادسة : لو كان الإفضاء بالوطء بعد بلوغ الزوجة لم يكن على الزوج شي‌ء لأن الوطي مأذون فيه محلل له شرعا ، وإذا حصل به الإفضاء لم يثبت به

٦١٤

شي‌ء من هذه الأحكام لعدم الدليل عليه ، بل قيام الدليل على خلافه ، لقوله عليه‌السلام في حسنة حمران المتقدمة «إن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه» ، ومفهوم الشرط في رواية بريد «وإن كان بالنسبة إلى الدية».

وبذلك يظهر ما في كلام الشيخ في حمله رواية الحلبي ـ المتضمنة لوجوب الاجراء عليها ـ على ما إذا دخل بها بعد بلوغ التسع ، وأنه يجب عليه الاجراء عليها أمسكها أو طلقها ، فإن فيه أن مقتضى الأصل المؤيد بما نقلناه من حسنة حمران أنه بعد بلوغ التسع لا يتعلق به شي‌ء من هذه الأحكام بالكلية ، وإنما هي مخصوصة بالإفضاء قبل التسع.

والرواية المذكورة فيها من الإجمال ما يمنع الاعتماد عليها في الاستدلال ، وذلك من جهات عديدة : (أحدها) أن الحكم مخصوص بمن لم تبلغ التسع وهي مجملة فيه. (وثانيها) التحريم مؤبدا في النكاح خاصة أو التزويج وهي مجملة فيه (وثالثها) وجوب الدية إن طلقها وهي مجملة فيه ، وكيف كان فإنه يجب حمل إطلاقها في هذه الأحكام على ما فصله غيرها ، وجواب الشيخ عنها في هذه الصورة التي ذكرها لا يحسم مادة الاشكال. والله العالم.

المسألة السادسة : المشهور بين الأصحاب من غير خلاف يعرف أن البنت المتولدة من الزنا حرام على الزاني ، واستدل عليه الشيخ في الخلاف بوجهين :

الأول ـ أنه إذا زنى بامرأة حرمت عليه بنتها وانتشرت الحرمة ، وطريقة الاحتياط يقتضي تجنب هذه.

الثاني : قوله تعالى (١) «وَرَبائِبُكُمُ» وهذه بنتها وبنته لغة وإن لم يكن شرعا ، وقال ابن إدريس بالتحريم أيضا ، لكن لا من هذه الحيثية ، بل من حيث إن بنت الزنا كافرة فلا يحل على المسلم نكاحها وليست بنتا له شرعا وعرف الشارع هو الطاري على عرف اللغة.

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ٢٢.

٦١٥

ورد (أولا) بمنع كفر ولد الزنا لعدم الدليل عليه ، و (ثانيا) بالمنع من طريان عرف شرعي في ذلك لقوله تعالى (١) «إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللّائِي وَلَدْنَهُمْ» فجعل المولدة مطلقا اما : فتكون المتولدة بنتا على حسب القانون اللغوي.

أقول : والحق في هذا المقام أن يقال : إن المسألة لعدم ورود شي‌ء فيها من النصوص بالعموم أو الخصوص من المتشابهات «حلال بين ، وحرام بين ، وشبهات بين ذلك». كما استفاضت به الأخبار.

والحكم في الشبهات كما دلت عليه الأخبار هو الوقوف عن الفتوى فيها والعمل بالاحتياط متى احتيج إلى ذلك ، فالواجب هنا ـ في البنت المتولدة من ماء الزاني بالنسبة إليه ، والولد المتولد من الزانية بالنسبة إليها ، وكذا بالنسبة إلى الاخوة وأشباههم في الموضعين ـ هو العمل بما يقتضيه الاحتياط من المعاملة تارة بحكم الأجنبي ، وتارة بحكم الأولاد النسبية ، فتحرم المناكحة بينه وبين من تولد منه كالولد النسبي ، ويحرم النظر واللمس كما يحرم في الأجنبي وعلى هذا فقس ، والله العالم.

__________________

(١) سورة المجادلة ـ آية ٢.

٦١٦

المطلب الرابع(*)

في استيفاء العدد

والمراد به ما هو أعم من العدد في الزوجات والمطلقات وحينئذ فهنا مقامات :

الأول : في عدد الزوجات وفيه مسائل :

الاولى : لا خلاف بين الأصحاب بل بين علماء الإسلام كما نقله جملة من الاعلام في أنه لا يجوز للحر أن يجمع بين ما زاد على أربع حرائر بالعقد الدائم ، إما بملك اليمين والعقد المنقطع فله ما شاء.

والأصل في ذلك الكتاب والسنة ، قال الله عزوجل (٢) «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ» والواو للتخيير كما صرحوا به لا للجمع ، وإلا لجاز نكاح ثماني عشرة والجمع بينهن ، لأن معنى مثنى : اثنان اثنان ، وثلاث : ثلاث ثلاث ، ورباع ، أربع أربع ، وهو باطل.

وأما الأخبار بذلك فهي مستفيضة ، ومنها ما رواه الصدوق (٣) في كتاب عيون الأخبار عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون قال : «ولا يجوز الجمع بين أكثر من

__________________

(١) الصحيح حسب الظاهر «المطلب الرابع» بدل «الفصل الرابع».

(٢) سورة النساء ـ آية ٣.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٢٣ طبع النجف الأشرف ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٩ ح ٣.

٦١٧

أربع حرائر». ورواه في الخصال (١) عن الأعمش عن الصادق عليه‌السلام مثله ، ورواه الحسن ابن على بن شعبة في كتاب تحف العقول (٢) مرسلا.

وروى العياشي (٣) في تفسيره عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر».

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (٤) قال : «قال الصادق عليه‌السلام لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام».

ومنها ما رواه في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج عن زرارة ومحمد بن مسلم (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا جمع الرجل أربعا فطلق إحداهن ، فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلق ، وقال : لا يجمع الرجل ماءه في خمس».

وعن علي بن أبي حمزة (٦) قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل يكون له أربع نسوة فيطلق إحداهن ، أيتزوج مكانها اخرى؟ قال : لا حتى تنقضي عدتها».

وعن محمد بن قيس (٧) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في رجل كانت تحته

__________________

(١) الخصال ص ٦٠٧ طبع إيران ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٩ ح ٣.

(٢) تحف العقول ص ٤٢٠ طبع إيران ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٩ ح ٣.

(٣) تفسير العياشي ج ١ ص ٢١٨ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٩ ح ٤.

(٤) مجمع البيان ج ٣ ص ٦.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٢٩ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٤ ح ٦٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٩ ح ١.

(٦) الكافي ج ٥ ص ٣٢٩ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٤ ح ٧٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٠ ح ٢.

(٧) الكافي ج ٥ ص ٤٣٠ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٤ ح ٧١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٠ ح ١.

٦١٨

أربع نسوة فطلق واحدة ، ثم نكح اخرى قبل أن تستكمل المطلقة العدة ، قال : فليلحقها بأهلها حتى تستكمل المطلقة أجلها ، وتستقبل الأخرى عدة اخرى ، ولها صداقها إن كان قد دخل بها ، وإن لم يكن دخل بها فله ماله ، ولا عدة عليها ، لم إن شاء أهلها بعد انقضاء عدتها زوجوه ، وإن شاؤا لم يزوجوه».

إلى غير ذلك من الأخبار الواضحة المنار ، ولا حاجة إلى التطويل بنقلها مع كون الحكم اتفاقيا كما عرفت.

ولا خلاف بين أصحابنا في أنه لا يجوز للحر الزيادة على أمتين بأن يكونا من جملة الأربع ، فيحل له حرتان وأمتان ، ولا يحل له أربع إماء ولا ثلاث إماء مع حرة وبدونها ، ولا أمتان مع ثلاث حرائر ، هذا مع القول بجواز نكاح الأمة اختيارا ، وأما على القول بتقييد نكاحها بالشرطين المتقدمين فتقيد صحة النكاح بحصولهما ، فعلى هذا لو فقد الطول وخاف العنت جاز له نكاح واحدة ، ولو تعذر الوصول إليها لبعد ونحوه بحيث يخاف العنت جاز أخذ ثانية وأما الثالثة فلا يجوز مطلقا لما عرفت من أنه لا يحل له أزيد من ثنتين.

والذي يدل على أصل الحكم المذكور ما رواه في الكافي (١) في الصحيح عن ابن رئاب عن أبي بصير وهو مشترك ، والخلاف في الضرير مشهور ، إلا أن الأظهر عندي عد حديثه في الصحيح وفاقا لجملة من متأخري المتأخرين عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل له امرأة نصرانية ، إله أن يتزوج عليها يهودية ، فقال : إن أهل الكتاب مماليك للإمام ، وذلك موسع منا عليكم خاصة فلا بأس أن يتزوج ، فقلت : إنه يتزوج عليها أمة ، فقال : لا يصلح أن يتزوج ثلاث إماء» الحديث.

ولا خلاف أيضا بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في أنه لا يجوز للعبد

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٨ ح ١١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٩ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٩ ح ٢.

٦١٩

الزيادة على أربع إماء ، أو حرتين ، أو حرة وأمتين بالعقد الدائم دون المنقطع أو ملك اليمين فإن له ما شاء ، وخالفنا فيه العامة أجمع ، فذهب بعضهم إلى أنه لا يتجاوز اثنتين مطلقا على النصف من الحر ، وذهب الأقل إلى أن له أربعا مطلقا.

والذي يدل على ما ذكره الأصحاب روايات عديدة منها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح (١) عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن العبد يتزوج أربع حرائر؟ قال : لا ، ولكن يتزوج حرتين ، وإن شاء تزوج أربع إماء».

وعن ابن مسكان (٢) في الصحيح عن الحسن بن زياد ، «وهو مجهول» عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : سألته عن المملوك ما تحل له من النساء؟ فقال : حرتان أو أربع إماء» الحديث.

وما رواه الصدوق عن حماد بن عيسى (٣) «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له : كم يتزوج العبد؟ قال : قال أبي عليه‌السلام : قال علي عليه‌السلام : لا يزيد على امرأتين».

وما رواه الشيخ عن زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا يجمع العبد المملوك من النساء أكثر من حرتين».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسين بن علوان (٥) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «ان عليا عليه‌السلام كان يقول : لا يتزوج العبد أكثر من امرأتين».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٦ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٦ ح ٧٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٥ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٧ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ٢١٠ ح ٥٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٥ ح ٢.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٧١ ح ٧٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٦ ح ٣.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٩٦ ح ٧٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٦ ح ٤.

(٥) قرب الاسناد ص ٥٠ ، وفيه «لا يتزوج العبد إلا امرأتين» ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٦ ح ٥.

٦٢٠