الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

بنظره إلى الفرج يحصل العمى (١) ، إلا أن ظاهر رواية الخدري أن المراد إنما هو عمى الولد ، بأنه لو وقع بينهما ولد فإنه يخرج أعمى.

ومنه الجماع في موضع لا يوجد فيه الماء من سفر ونحوه لما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (٢) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون أهله معه في سفر لا يجد الماء يأتي أهله؟ قال : ما أحب إلا أن يخاف على نفسه ، قلت : فطلب بذلك اللذة أو يكون شبقا إلى النساء ، فقال : إن الشبق يخاف على نفسه ، قال : قلت : طلب بذلك اللذة ، قال : هو حلال ، قلت : فإنه روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أبا ذر سأله عن هذا ، فقال : ائت أهلك تؤجر ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آتيهم وأوجر؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كما أنك إذا أتيت الحرام أزرت ، فكذلك إذا أتيت الحلال أوجرت ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال أوجر».

ومنه الجماع في الليلة التي يريد السفر فيها ، فروى في كتاب طب الأئمة (٣) عن جابر الجعفي «عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام «قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجماع في الليلة التي يريد فيها الرجل سفرا ، وقال : إن رزق ولدا كان جوالة».

وعن الباقر محمد بن علي عليه‌السلام (٤) أنه قال : «قال الحسين عليه‌السلام لأصحابه : اجتنبوا

__________________

(١) أقول : وبذلك ظهر لك ما في كلام صاحب المسالك حيث قال : وما ذكرناه في تفسير العمى في نظر الفرج بعمي الولد ، ذكره جماعة من الأصحاب ، ويحتمل قويا أن يريد عمى الناظر ، إذ ليس هناك ما يدل على ارادة الولد ، ولا هو مختص بحالته ، وهذا هو الذي رواه العامة في كتبهم ، وعليه يحسن عموم الكراهة للأوقات ، وفيه أن رواية أبي سعيد المذكورة قد صرحت بأن المراد انما هو الولد ، وروايات المسألة فورودها المنع من النظر حال الجماع خاصة ، وما أطلق هي رواية واحدة يحمل عليها ، وبذلك يظهر لك ما في قوله «ولا هو مختص بحالته» وحينئذ فما احتمله قويا ليس بذلك القريب. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٩٥ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٧٦ ح ١.

(٣ و ٤) الوسائل ج ١٤ ص ١٨٩ ح ٢ و ٣.

١٤١

الغشيان في الليلة التي تريدون فيها السفر ، فإن من فعل ذلك ثم رزق ولدا كان جوالة».

أقول : لفظ جوالة لا يظهر الآن لي ضبطه ولا معناه ، والذي في الخبر الآتي أنه ينفق ماله في غير حق ، هذا وقد عد جملة من الأصحاب منهم المحقق في كتابه في جملة الأوقات المكروهة الزوال ، ولم يحضرني الآن ما يدل عليه من الأخبار.

وروى الشيخ في التهذيب عن أبي سعيد الخدري (١) قال : «أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : يا علي إذا أدخلت العروس بيتك فاخلع خفيها حتى تجلس واغسل رجليها ، وصب الماء من باب دارك إلى أقصى دارك ، فإنك إن فعلت ذلك أخرج الله من دارك سبعين ألف لون من الفقر ، وأدخل فيه سبعين ألف لون من البركة ، وأنزل عليه سبعين ألف لون من الرحمة ، وترفرف على رأس العروس حتى تنال بركتها كل زاوية من بيتك ، وتأمن العروس من الجذام والجنون والبرص أن يصيبها ما دامت في تلك الدار ، وامنع العروس في أسبوعها من الألبان والخل والكزبرة والتفاح الحامض من هذه الأربعة الأشياء ، فقال علي عليه‌السلام : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأي شي‌ء أمنعها هذه الأشياء الأربعة؟ قال : لأن الرحم يعقم ويبرد من هذه الأربعة الأشياء عن الولد ، والحصير في زاوية البيت خير من امرأة لا تلد ، فقال علي عليه‌السلام : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما بال الخل يمنع منه؟ قال : إذا حاضت على الخل لم تطهر أبدا بتمام ، والكزبرة شي‌ء تشد الحيض في بطنها وتشدد عليها الولادة ، والتفاح الحامض يقطع حيضها فيصير داء عليها.

ثم قال : يا علي لا تجامع امرأتك في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره ، فإن الجنون والجذام والخبل يسرع إليها وإلى ولدها.

__________________

(١) ما عثرنا عليها في التهذيب ولكن وجدناها في الفقيه ج ٣ ص ٣٥٨ ح ١ ، وفي الوسائل ج ١٤ ص ١٨٥ ب ١٤٧ ح ١.

١٤٢

يا علي لا تجامع امرأتك بعد الظهر ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون أحول والشيطان يفرح بالحول في الإنسان.

يا علي لا تتكلم عند الجماع ، فإنه إن قضي بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس ، ولا ينظر أحد إلى فرج امرأته ، وليغض بصره عند الجماع ، فإن النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد.

يا علي لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك ، فإنه يخشى إن قضي بينكما ولد أن يكون مخنثا أو مخبلا.

يا علي من كان جنبا في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن. فإني أخشى أن ينزل نار من السماء فتحرقهما.

يا علي لا تجامع امرأتك إلا ومعك خرقة ، ولأهلك خرقة ، ولا تمسحا بخرقة واحدة ، فتقع الشهوة على الشهوة ، فإن ذلك يعقب العداوة بينكما ، ثم يؤديكما إلى الفرقة والطلاق.

يا علي لا تجامع امرأتك من قيام ، فإن ذلك من فعل الحمير ، فإن قضي بينكما ولد كان بوالا في الفراش كالحمير البوالة في كل مكان.

يا علي لا تجامع امرأتك في ليلة الأضحى ، فإنه إن قضى بينكما ولد يكون له ست أصابع أو أربع أصابع.

يا علي لا تجامع امرأتك تحت شجرة مثمرة ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون جلادا أو قتالا أو عريفا.

يا علي لا تجامع امرأتك في وجه الشمس وتلؤلؤها إلا أن ترخي سترا يستركما ، فإنه إن قضي بينكما ولد لا يزال في بؤس وفقر حتى يموت.

يا علي لا تجامع امرأتك بين الأذان والإقامة ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون حريصا على إهراق الدماء.

١٤٣

يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلا وأنت على وضوء ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون أعمى القلب بخيل اليد.

يا على لا تجامع أهلك في النصف من شعبان ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون مشوما ذا شامة في وجهه.

يا علي لا تجامع امرأتك في آخر درجة منه ، يعني إذا بقي منه يومان ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون عشارا وعونا للظالمين ، ويكون هلاك فئام من الناس على يديه.

يا علي لا تجامع أهلك على سقوف البنيان ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون منافقا مرتابا مبدعا.

يا علي إذا خرجت في سفر لا تجامع أهلك تلك الليلة ، فإنه إن قضي بينكما ولد ينفق ماله في غير حق ، وقرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ).

يا علي لا تجامع أهلك إذا خرجت إلى سفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون عونا لكل ظالم عليك.

وفي رواية الصدوق : الجماع ليلة الاثنين ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون حافظا لكتاب الله عزوجل ، راضيا بما قسم الله عزوجل له.

يا علي إن جامعت أهلك في ليلة الثلاثاء فقضي بينكما ولد فإنه يرزق الشهادة بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله ، ولا يعذبه الله مع المشركين ، ويكون طيب النكهة والفم ، رحيم القلب ، سخي اليد ، طاهر اللسان من الغيبة والكذب والبهتان.

يا علي إن جامعت أهلك ليلة الخميس ، فقضي بينكما ولد فإنه يكون حاكما

__________________

(١) سورة الإسراء ـ آية ٢٧.

١٤٤

من الحكام ، أو عالما من العلماء ، وإن جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس عند كبد السماء ، (١) فقضي بينكما ولد فإن الشيطان لا يقر به حتى يشيب ، ويكون فهما ، ويرزقه السلامة في الدين والدنيا.

يا علي إن جامعتها ليلة الجمعة ، وكان بينكما ولد ، فإنه يكون خطيبا قوالا مفوها ، وإن جامعتها يوم الجمعة بعد العصر ، فقضي بينكما ولد ، فإنه يكون معروفا مشهورا عالما ، وإن جامعتها ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة ، فإنه يرجى أن يكون من الأبدال ، إن شاء الله.

يا على لا تجامع أهلك في أول ساعة من الليل ، فإنه إن قضي بينكما ولد فإنه لا يؤمن أن يكون ساحرا مؤثرا للدنيا على الآخرة.

يا علي احفظ وصيتي هذه كما حفظتها عن جبرئيل».

أقول : هذا الخبر رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن أبي سعيد الخدري (٢) ورواه الصدوق في العلل والأمالي مسندا عن الطالقاني عن الحسن بن علي العدوي عن يوسف بن يحيى الأصفهاني عن إسماعيل بن حاتم عن أحمد بن صالح بن

__________________

(١) قال السيد في شرح النافع : وأما كراهة الجماع عند الزوال فأطلقه المصنف وجماعة واستثنى بعضهم من ذلك يوم الخميس ، ولم أقف على مستنده ، نعم ورد كراهة التزويج في الساعات الحارة عند نصف النهار. انتهى.

أقول : الظاهر أنه أراد بعدم الوقوف على المستند بالنسبة إلى أصل الحكم من كراهة الجماع وقت الزوال كما أشرنا اليه واليه يشير قوله أخيرا ، نعم ورد كراهة التزويج في الساعات الحارة ، وان أراد بالنسبة الى ما استثنى بعضهم ، ففيه أنه قد ورد ذلك في حديث أبى سعيد الخدري المذكور في الأصل بقوله «وان جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس الى آخره». ويمكن أن يكون المستند في أصل الحكم قوله في حديث الخدري «لا تجامع امرأتك بعد الظهر ، فإنه ان قضى بينكما ولد يكون أحول» بأن يكون المراد بعد تحقق الظهر الذي هو عبارة عن الزوال. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣٥٨ ح ١ ، الاختصاص ص ١٣٢ ، علل الشرائع ج ٢ ب ٢٨٩ ح ٥ ، أمالي الصدوق في المجلس ٨٤ ح ١.

١٤٥

سعيد عن عمرو بن حفص عن إسحاق بن نجيح عن خصيب عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحديث.

ورواه الشيخ المفيد في كتاب الاختصاص على ما ذكره في البحار عن عمرو بن حفص وأبي بصير عن محمد بن الهيثم عن إسحاق بن نجيح الى آخر ما تقدم.

ولا يبعد أن يكون الخبر المذكور عاميا ، ولهذا أن بعض أصحابنا طعن فيه ، قال في المسالك ـ بعد الاستدلال ببعض ما تضمنه ـ ما لفظه : وعلى هذه الوصية تفوح رائحة الوضع ، وقد صرح به بعض النقاد. انتهى.

وقال المحدث الكاشاني في الوافي ـ بعد نقل الخبر وشرح بعض المواضع منه كما هي عادته ـ : ولا يخفى ما في هذه الوصايا وبعد مناسبتها ، لجلالة قدر المخاطب ، ولذلك قال بعض علمائنا : أنها مما يشم منها رائحة الوضع. انتهى.

والظاهر أنه أشار إلى ما قدمنا نقله عن صاحب المسالك ، وكان مراد صاحب المسالك من أنه تفوح منه رائحة الوضع هي ما ذكره المحدث المذكور هنا من عدم مناسبة هذا الخطاب لجلالة قدر المخاطب به.

وفيه : أن الظاهر أن الخطاب وإن وقع لعلي عليه‌السلام إلا أن المراد حقيقة إنما هو الأمة ، وقد وقع في القرآن في خطاب الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما هو أعظم من ذلك ، ودلت الأخبار على أن المعنى بذلك الخطاب إنما هو الأمة ، وهو من باب إياك أعني واسمعي يا جارة كما صرحت به الأخبار بالنسبة إلى ما وقع في القرآن من الخطاب الغير المناسب لعلو قدره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما تضمنه هذا الخبر من ذلك القبيل.

ومما يؤيده أن جل ما اشتمل عليه هذا الخبر من الأحكام ، قد دلت عليه أخبارنا المروية عن الأئمة عليهم‌السلام كما عرفت مما قدمنا من الأخبار قبله ، ويعضده رواية هؤلاء المشايخ الأجلاء له في كتبهم ، ولا سيما الصدوق في الفقيه بناء على

١٤٦

ما ذكره من القاعدة في صدر كتابه ، ومن وراء جميع ذلك أنهم صرحوا بأن العمل بالأخبار الضعيفة في السنن إنما هو عمل في الحقيقة بالأخبار الصحيحة (١) الدالة على أن «من بلغه شي‌ء من الثواب على عمل فعمله ابتغاء ذلك الثواب كتب له وإن لم يكن كما بلغه» ، وما نحن فيه من ذلك ، والله العالم.

تنبيه :

قد اشتهر في كلام الأصحاب أن من جملة المكروهات : الخطبة على خطبة المؤمن بعد إجابة الأول ، بمعنى أنه لو خطب أحد امرأة وأجابه وليها ، أو هي إن لم يكن نكاحها بيد الولي ، فإنه يكره لغيره الخطبة لها.

وقد تتبعت ما حضرني من كتب الأخبار حق التتبع ، فلم أقف له على دليل ، بل نقل عن الشيخ القول بالتحريم لظاهر النهي.

قال المحدث الكاشاني في المفاتيح : ويكره الخطبة على خطبة المؤمن بعد الإجابة ، للنص ، ولما فيه من الإيذاء وإثارة الشحناء ، وحرمه الشيخ ، لظاهر النهي المؤيد بالنهي الوارد بالدخول في سومه ، وعلى التقديرين لو عقد صح لعدم المنافاة ، وبعد الرد جائز بلا كراهة. انتهى.

وشارح الكتاب المذكور إنما نقل هنا بعض نصوص العامة ، قال : كما رواه العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) «أنه قال : لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه».

وما رواه عنه (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا يخطب أحد على خطبة أخيه» ، وما رواه عنه (٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا يخطب أحد على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك».

ثم قال : ولما في هذه الاقتحام من الإيذاء لأخيه المؤمن ووقوع العداوة

__________________

(١) الوسائل ج ١ ص ٥٩ ب ١٨.

(٢ و ٣ و ٤) كنوز الحقائق في هامش الجامع الصغير ج ٢ ص ١٧٢ و ١٧٥ و ١٧٦.

١٤٧

والنزاع بينهما ، وقال الشيخ بتحريم ذلك ، لظاهر النهي المذكور في الخبرين ، ولأن التزويج نوع من السوم الذي في المبايعة لقوله عليه‌السلام في رواية غياث بن إبراهيم الواردة في جواز النظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها «لا بأس إنما هو مستام» ـ وفي لفظ آخر ـ «إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن» ، والدخول في سوم أخيه المؤمن منهي عنه. انتهى.

ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه ، فإنه لو صلح تأسيس الأحكام الشرعية على الأخبار العامية ، وأمثال هذه التعليلات الرسمية لأشكل الأمر أي إشكال.

وكيف كان فإنه لو أقدم ذلك الغير على الخطبة في موضع النهي وتزوجها صح نكاحه بلا خلاف ، إذ لا منافاة بين صحة العقد وتحريم الخطبة ، كما لو عقد في وقت يضيق فيه عن الصلاة ، خلافا لبعض العامة ، والله العالم.

الفائدة الثامنة عشر : في جملة من نوادر الأحكام الداخلة في هذا المقام ، روى الصدوق مرسلا (١) قال : «قال الصادق عليه‌السلام : ثلاثة يهدمن البدن ، وربما قتلن : دخول الحمام على البطنة ، والغشيان على الامتلاء ، ونكاح العجائز».

وروى البرقي في المحاسن (٢) قال : «روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ثلاث يهزلهن البدن ، وربما قتلن ـ إلى أن قال ـ : ونكاح العجائز ، وقال : وزاد فيه أبو إسحاق النهاوندي : وغشيان النساء على الامتلاء».

ورواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله مثله.

أقول : فيه دلالة على كراهية جماع العجوز والجماع على الامتلاء.

وروى في الفقيه مرسلا (٣) قال : «قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ثلاثة

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣٦١ ح ٦.

(٢) المحاسن كتاب المآكل ص ٤٦٣ ح ٤٢٥ ، الكافي ج ٦ ص ٣١٤ ح ٦.

(٣) الفقيه ج ١ ص ٧٥ ح ١٠٢.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ١٩١ ب ١٥٢ ح ١ و ٢ وج ١٧ ص ٣٨ ح ٤ وج ١ ص ٤١٤ ح ٢.

١٤٨

من عرفهن لم يدعهن : جز الشعر ، وتشمير الثوب ، ونكاح الإماء».

أقول : فيه دلالة على لذة نكاح الإماء زيادة على الحرائر.

وروى الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن مسلم (١) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامرأة سألته أن لي زوجا وبه علي غلظة وإني صنعت شيئا لأعطفه علي ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أف لك كدرت البحار وكدرت الطين ولعنتك الملائكة الأخيار وملائكة السموات والأرض ، قال : فصامت المرأة نهارها وقامت ليلها وحلقت رأسها ولبست المسوح ، فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إن ذلك لا يقبل منها».

أقول : لا خلاف بين الأصحاب في تحريم ذلك بأن تفعل المرأة ما يوجب تقليب قلب زوجها من البغض إلى المحبة ونحو ذلك ، ولكن الخبر بحسب ظاهره غير خال من الإشكال.

أما أولا : فإن ما فعلته إنما كان من جهل والجاهل معذور كما دلت عليه الأخبار المستفيضة.

وثانيا : أنها بما فعلته من هذه الأمور قد حصلت لها التوبة النصوح ، فكيف لا تقبل توبتها ولا يقبل ذلك منها.

وفي الوافي حمل الخبر تفاريا عما ذكرناه على أن ما فعلته في عطفه عليها كان من قبيل السحر ، والساحر حده القتل ، ولذلك قال : «لا يقبل منها» يعني في الظاهر وإن كانت توبتها مقبولة فيما بينها وبين الله.

ولا يخفى بعده ، إلا أنه لا مندوحة عن الحمل عليه لما عرفت من مخالفة الخبر بحسب ظاهره لمقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٨٢ ب ١٣٤ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ١٨٤ ح ١.

١٤٩

وروي في الكافي عن الحسن بن الجهم (١) قال : «رأيت أبا الحسن عليه‌السلام اختضب ، فقلت : جعلت فداك اختضبت؟ فقال : نعم إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء ، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة ، ثم قال : أيسرك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت : لا ، قال : فهو ذلك ، ثم قال : من أخلاق الأنبياء التنظيف وحلق الرأس وكثرة الطروقة ، ثم قال : كان لسليمان بن داود ألف امرأة ، في قصر واحد ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرية ، وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضع أربعين رجلا ، وكان عنده تسع نسوة ، وكان يطوف عليهن في كل يوم وليلة».

أقول : فيه استحباب التزين لمن عنده من النساء بالخضاب ونحوه ، واستحباب التطيب وحلق الشعر وكثرة الجماع مع القوة ، فلو كان مما يورث ضعف بدنه فلا.

وفي صحيح هشام بن سالم (٢) المتضمن لإهداء الله الهريسة لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته قال : «فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام ، فأكلوا واعطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المباضعة من تلك الأكلة قوة أربعين رجلا ، فكان إذا شاء غشي نساءه كلهن في ليلة واحدة».

وروى في الكافي عن هشام بن (٣) الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أو أبي الحسن عليه‌السلام قال : «قيل له : إنا نزوج صبياننا وهم صغار ، قال : إذا زوجوا وهم صغار لم يكادوا أن يتألفوا».

أقول : فيه دلالة على كراهية تزويج الصبي الصغير قبل البلوغ ، والمراد بالتزويج هنا الدخول لا مجرد العقد.

وروى الشيخ في التهذيب عن السكوني (٤) «عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام إن عليا عليه‌السلام

__________________

(١ و ٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ٥٦٧ ح ٥٠ وص ٥٦٥ ح ٤١ وص ٣٩٨ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ١٨٣ ح ١ وص ١٨٠ ح ٧ وص ٧٢ ح ١.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٧٥ ح ٨٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٣ ب ٤٦ ح ١.

١٥٠

قال في المرأة تعطي الرجل مالا يتزوجها فتزوجها ، قال : المال هبة والفرج حلال».

أقول : فيه دلالة على أن مجرد العطية ، سواء كان لغرض يترتب عليها أم لا هبة صحيحة يملكها المدفوع إليه وإن لم يشتمل على القربة.

إلا أن يقال : إن هذا إنما هو من قبيل الهبة المعوضة ، فإنها إنما أعطته المال في مقابلة تزويجه بهذا ، وقد تزوجها ، فتكون الهبة لازمة.

وروى في الكافي عن علي بن جعفر (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يقبل قبل المرأة؟ قال : لا بأس».

وعن مسمع (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا نظر أحدكم إلى المرأة الحسناء فليأت أهله ، فإن الذي معها مثل الذي مع تلك ، فقام رجل فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم فإن لم يكن له أهل فما يصنع؟ قال : فليرفع نظره إلى السماء وليراقبه وليسأله من فضله».

وروى الصدوق في كتاب الخصال بإسناده (٣) عن علي عليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال : «إذا رأى أحدكم المرأة تعجبه فليأت أهله ، فإن عند أهله مثل ما رأى ، فلا يجعلن للشيطان على قلبه سبيلا ليصرف بصره عنها ، فإن لم يكن له زوجة فليصل ركعتين ويحمد الله كثيرا ، ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يسأل الله من فضله فإنه ينتج له من رأفته ما يغنيه».

وروي في كتاب نهج البلاغة (٤) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام «أنه كان جالسا في أصحابه إذ مر بهم امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم فقال علي عليه‌السلام : إن أبصار هذه الفحول طوامح ، وإن ذلك سبب هبابها ، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٤٩٧ ح ٤ وص ٤٩٤ ح ٢، الوسائل ج ١٤ ص ٧٧ ح ١ وص ٧٣ ح ٢. (٣) الخصال ج ٢ ص ٦٣٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٧٣ ح ٣.

(٤) نهج البلاغة الحكم رقم ٤٢٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٧٣ ح ٤.

١٥١

أهله فإنما هي امرأة كامرأته ـ الحديث».

وروى في الكافي عن حماد بن عثمان (١) قال : «رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة فأعجبته فدخل على أم سلمة وكان يومها ، فأصاب منها وخرج إلى الناس ورأسه يقطر ، فقال : أيها الناس إنما النظر من الشيطان ، فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله».

أقول : في هذه الأخبار دلالة ظاهرة على ما تقدم من جواز كشف الوجه واليدين من المرأة الأجنبية ، وعدم وجوب سترها ، وإلا فلو كان النساء يومئذ مسترات مخمرات غير مسفرات لم يعلم حال الجميلة من القبيحة حتى يترتب عليه ما ذكر في هذه الأخبار ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنما النظر من الشيطان» يعنى حب النظر ومعاودته بعد حصول النظرة الأولى التي وقعت اتفاقا إذا ترتبت عليها اللذة والفتنة.

وأما قوله عليه‌السلام «فأعجبته» فإنه لا منافاة فيه لمقتضى مقامه صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن استحسان الحسن واستقباح القبيح ، والرغبة في الأول والنظرة من الثاني أمر جبلي وخلق بشري كما لا يخفى.

وروى في الكافي عن عثمان (٢) عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن الله تعالى غيور يحب الغيرة ، ولغيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها».

وروى في الكافي عن إسحاق بن جرير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أغير الرجل في أهله أو بعض مناكحه من مملوكه فلم يغر ولم يغير بعث الله إليه طائرا يقال له القفندر حتى يسقط على عارضة بابه ، ثم يمهله أربعين يوما ثم يهتف به :

إن الله تعالى غيور يحب كل غيور ، فإن هو غار وغير وأنكر ذلك فأنكره ، وإلا طار حتى يسقط على رأسه ، فيخفق بجناحيه على عينيه ، ثم يطير عنه فينزع الله عزوجل منه بعد ذلك روح الايمان ، وتسميه الملائكة الديوث».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ٤٩٤ ح ١ وص ٥٣٥ ح ١ وص ٥٣٦ ح ٣. الوسائل ج ١٤ ص ٧٢ ح ١ وص ١٠٧ ح ٢ وص ١٠٨ ح ٤.

١٥٢

أقول : في الوافي الغيرة : الحمية والأنفة ، وقفندر : كسمندر يقال لقبيح المنظر ، وعارضة الباب : هي خشبة العليا التي يدور عليها الباب.

وروى في الفقيه مرسلا (١) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي الكافي مسندا عن الحسن بن محبوب عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان أبي إبراهيم عليه‌السلام غيورا وأنا أغير منه ، وجدع الله أنف من لا يغار من المؤمنين والمسلمين».

وروى في الكافي عن غياث بن إبراهيم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا أهل العراق نبئت أن نسائكم يدافعن الرجال في الطريق أما تستحيون».

قال في الكافي : وفي حديث آخر (٣) إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «أما تستحيون ولا تغارون نسائكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج».

أقول : في هذين الخبرين ما يدل على كراهة مزاحمة النساء للرجال في الزيارات سيما مع الكثرة والغلبة في أيام الفضائل ، ومثله في الأسواق أيضا ، وإن كان قليلا.

وروى في الكافي عن حماد بن عثمان (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير نساء ركبن الرجال نساء قريش أحناهن على ولد ، وخيرهن لزوج». وعن الحرث الأعور (٥) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير نسائكن نساء قريش ألطفهن بأزواجهن وأرحمهن بأولادهن المجون لزوجها ، الحصان على غيره ، قلنا : وما المجون؟ قال : التي لا تمنع».

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٨١ ب ١٣٣ ح ١ ففيه أرغم ، الكافي ج ٥ ص ٥٣٦ ح ٤.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الكافي ج ٥ ص ٥٣٦ ح ٦ وص ٥٣٧ ذيل ح ٦ وص ٣٢٦ ح ١ و ٢.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ١٠٩ ح ٧ وص ١٧٤ ح ١ و ٢ وص ٢٠ ح ١ و ٣.

١٥٣

وروى الشيخ في كتاب الأمالي (١) بسنده عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي».

وروى الصدوق في كتاب معاني الأخبار بسنده فيه عن زيد بن ثابت (٢) قال : «قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا زيد تزوجت؟ قلت : لا ، قال : تزوج تستعف مع عفتك ، ولا تزوجن خمسا قلت : من هن؟ قال : لا تزوجن شهبرة ، ولا لهبرة ، ولا نهبرة ، ولا هيدرة ولا لفوتا ، قال زيد : قلت : ما عرفت مما قلت شيئا يا رسول الله قال : ألستم عربا؟ أما الشهبرة : فالزرقاء البذية ، وأما اللهبرة : فالطويلة المهزولة وأما النهبرة : فالقصيرة الدميمة ، وأما الهيدرة : فالعجوز المدبرة ، وأما اللفوت :

فذات الولد من غيرك».

وروى في الكافي عن أحمد بن محمد بن عيسى (٣) عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته».

وعن بعض أصحابنا (٤) قال الكليني : سقط عني إسناده ، قال : «إن الله عزوجل لم يترك شيئا مما يحتاج إليه إلا علمه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان من تعليمه إياه أنه صعد المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير فقال : إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر ، إذا أدرك ثمرها فلم تجتن أفسدته الشمس ونثرته الريح ، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما يدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة وإلا لم يؤمن عليهن الفساد ، لأنهن بشر ، قال : فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن نزوج؟ فقال : الأكفاء ، فقال : يا رسول الله ومن الأكفاء؟ فقال : المؤمنون بعضهم أكفاء بعض» ، وفي معناه

__________________

(١) الوسائل ج ١٤ ص ٢١ ح ٥.

(٢) معاني الأخبار ص ٣١٨ ح ١. الوسائل ج ١٤ ص ١٩ ح ٨.

(٣ و ٤) الكافي ج ٥ ص ٣٣٦ ح ١ وص ٣٣٧ ح ٢.

وهذه الروايات في ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩ ح ١ و ٢.

١٥٤

أخبار أخر والجميع دال على استحباب تعجيل تزويج الأبكار.

وروى في الكافي عن عبد الله بن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يكره للرجل إذا قدم من سفر أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح».

أقول : فيه دلالة على كراهية دخول المسافر ليلا إلى أهله ، وبذلك صرح الأصحاب أيضا ، وإطلاق الخبر يقتضي عدم الفرق في الكراهة بين أن يعلمهم بذلك قبل الليل وعدمه ، وبذلك صرح في المسالك.

وقيل : تختص الكراهة بعدم الاعلام ، واختاره في الوسائل ، فقال : باب أنه يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا حتى يعلمهم ، ولا أعرف له وجها ، وقال في المسالك : المراد بالأهل من في داره أعم من الزوجة.

أقول : المراد من لفظ الأهل في الأخبار إنما هو الزوجة ، ويؤيد ذلك ما في كتاب المصباح المنير قال : وأهل الرجل يأهل أهولا إذا تزوج ، وتأهل كذلك فيطلق الأهل على الزوجة. انتهى.

وروى في الكافي عن محمد بن يحيى (٢) رفعه قال : «جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس عندي طول فأنكح النساء ، فإليك أشكو العزوبية فقال : وفر شعر جسدك ، وأدم الصيام ، ففعل فذهب ما به من الشبق».

وروى الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن أبي زياد (٣) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قال علي عليه‌السلام : ما كثر شعر رجل قط إلا قلت شهوته».

وروى في الكافي عن سدير (٤) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : يا سدير بلغني عن

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٤٩٩ ح ٤ وص ٥٦٤ ح ٣٦.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٣٠٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٥٦٩ ح ٥٦ ، وفيه «قد أصبتها جعلت فداك».

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٤ ص ٩٣ ب ٦٥ ح ١ وص ١٧٨ ح ١ و ٢ وص ١٨٤ ح ١.

١٥٥

نساء أهل الكوفة جمال وحسن تبعل ، فابتغ لي امرأة ذات جمال في موضع ، فقلت : قد أصبتها فلانة بنت فلان بن محمد بن الأشعث بن قيس فقال لي : يا سدير إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم إلى يوم القيامة ، وأنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار».

أقول : فيه دلالة على استحباب التزويج للجمال وحسن التبعل ، وفي غيره من الأخبار ما يدل عليه أيضا.

بقي الكلام في أن ما تضمنه الخبر من كراهية تزويج أحد من أهل النار ، وكراهية إصابة جسده جسده مشكل بالمرأتين المعروفتين تحته صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه عالم بأنهما من أهل النار ، وأظهر منهما امرأتا نوح ولوط على نبينا وآله وعليهما‌السلام.

وروى في الكافي عن السكوني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا جلست المرأة مجلسا فقامت عنه فلا يجلس في مجلسها رجل حتى يبرد».

ورواه الصدوق (٢) مرسلا إلا أنه قال : «فلا يجلس في مجلسها أحد حتى يبرد». إلى غير ذلك من الأخبار.

الفصل الأول في العقد

والكلام فيه يقع في الصيغة وما يلحقها من الأحكام والأولياء للعقد وما يتعلق بهم في المقام ، وحينئذ فالبحث هنا يقع في مقصدين :

الأول : في الصيغة وما يلحقها من الأحكام ، وفيه مسائل :

الأولى : أجمع العلماء من الخاصة والعامة على توقف النكاح على الإيجاب والقبول اللفظيين.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٦٤ ح ٣٨.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٨ ح ٣.

وهما في الوسائل ج ١٤ ص ١٧٤ ب ١٤٥.

١٥٦

واتفقوا على أن الإيجاب في العقد الدائم يقع بلفظ : زوجتك وأنكحتك ، بل صرح جملة منهم بأنه لا يقع إلا بهذين اللفظين.

قال الشيخ في المبسوط : لا ينعقد عقد الدوام إلا بلفظين : زوجتك وأنكحتك وبه قال ابن الجنيد والسيد المرتضى وأبو الصلاح وأبو حمزة وابن إدريس.

والأصل في الانعقاد بهما ، ما ورد في الكتاب العزيز من قوله تعالى (١) «فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها» وقوله تعالى (٢) «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ» فإن المراد منه العقد هنا ، للإجماع على تحريم من عقد عليها الأب على ابنه وإن لم يدخل بها الأب.

واختلفوا في لفظ متعتك ، وهل ينعقد به أم لا؟ قولان :

نقل (الأول) منهما في المختلف عن بعض أصحابنا ، وهو صريح المحقق في كتابيه ، وإليه يميل كلام السيد السند في شرح النافع.

و (الثاني) منهما اختيار العلامة في جملة من كتبه ، واختاره في المسالك ونقله عن الأكثر.

والوجه فيما ذهب إليه الأولون هو أن المستفاد من الأخبار أن المعتبر من الألفاظ في العقود ما دل على المطلوب والمقصود ، ولفظ متعتك من الألفاظ الدالة على هذا المعنى.

ويعضد ذلك ما دل عليه الخبر ، وقال به جملة من الأصحاب من أنه لو تزوج متعة وأخل بذكر الأجل انقلب دائما ، وذلك فرع صلاحية الصيغة له ، فإنه لو لم يكن الصيغة صالحا لذلك لما لزم الانقلاب.

ويؤيد ذلك أيضا عدم ورود لفظ مخصوص من الشارع لذلك مع عموم البلوى بهذا الحكم وشدة الحاجة إليه بل المستفاد من الأخبار الواردة في هذا

__________________

(١) سورة الأحزاب ـ آية ٣٧.

(٢) سورة النساء ـ آية ٢٢.

١٥٧

الباب وغيره مما تقدم هو اتساع الدائرة في العقد كما تقدم ذكر ذلك في غير مقام.

وغاية ما احتج به العلامة في المختلف على ما ذهب إليه من المنع أن الأصل عصمة الفروج عن الغير ، خرج منه ما أجمعوا عليه من الصيغ فيبقي الباقي على المنع الأصلي إلى أن يثبت الدليل على التحليل.

ولأن المتعة حقيقة في النكاح المنقطع في العرف الشرعي فيكون مجازا في الدائم لأصالة عدم الاشتراك.

ولا يكفي في صيغ العقد ما يدل بالمجاز ، وإلا لم تنحصر الألفاظ وهو باطل إجماعا. انتهى.

والجواب عن الأول بثبوت الدليل بما ذكرنا ، وعن الثاني بمنع كون اللفظ المذكور حقيقة في العقد المنقطع ، وذلك فإن أصل اللفظ صالح للنوعين ، فيكون حقيقة في القدر المشترك بينهما ، ويتميزان بذكر الأجل وعدمه ، سلمنا أنه مجاز في الدائم ، ولكن لا نسلم عدم انعقاد العقد بالألفاظ المجازية ، خصوصا إذا كان المجاز مشهورا ، ولهذا حكم الأكثر بانعقاد البيع الحال بلفظ السلم.

أقول : والتحقيق عندي في هذا المقام وهو الأوفق بالاحتياط المطلوب سيما في النكاح كما استفاضت به أخبارهم عليهم‌السلام هو أن يقال : لا ريب أن الذي تكاثرت به الأخبار في العقد الدائم إنما هو التعبير بالتزويج أو النكاح خاصة ، ولم يرد في شي‌ء منها على كثرتها وانتشارها التعبير بلفظ المتعة.

وأما لفظ المتعة فإنه لم يعبر به في الأخبار إلا في النكاح المنقطع خاصة ، وظاهر ذلك اختصاص لفظ المتعة بالمنقطع ، واشتراك لفظي التزويج والنكاح بين الدائم والمنقطع وإن احتيج في المنقطع إلى التقييد بذكر الأجل ، فالاحتياط يقتضي الوقوف على ذلك.

وحيث إن المشهور بين الأصحاب بل هو من القواعد المسلمة عندهم أن

١٥٨

العقود اللازمة يجب أن يكون لها ألفاظ معينة من الشارع صريحة الدلالة ، وأما العقود الجائزة فليست كذلك بل يكفي فيها كل ما دل على المراد ولم تكن من قبل الشارع أوجبوا في هذا المقام بهذين اللفظين ، واختلفوا في الثالث.

وأنت خبير بأن هذه القاعدة المدعاة لم نقف لها على مستند بل ظاهر الأخبار وهو أن الأمر أوسع من ذلك فإن المطلوب من العقود يحصل بكل ما دل على المقصود ، لكنا في هذا الباب لما رأينا الأخبار بالنسبة إلى لفظ المتعة إنما تضمنت التعبير به في المنقطع خاصة حكمنا احتياط بالتخصيص به وعدم انعقاد الدائم به (١) فإنه من المحتمل أن تصريح الأخبار بذلك لعلة موجبة للاختصاص وإن كنا لا نهتدي إلى الآن بوجهها.

ثم إن المشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين أنه يشترط في عقد النكاح وغيره من العقود اللازمة وقوع الإيجاب والقبول بلفظ الماضي.

قالوا : لأنه دال على صريح الإنشاء المطلوب في العقود ، بخلاف صيغة المضارع والأمر فإنهما ليستا موضوعتين للإنشاء ، ولاحتمال الأول منهما الوعد ، ولأن العقد مع الإتيان باللفظ الماضي متفق على صحته وغير مشكوك فيه ، فيقتصر على المتيقن ، ولأن تجويز غيره يؤدي إلى انتشار الصيغة وعدم وقوفها على قاعدة ، فيصير العقد اللازم مشبها للإباحة ، والعقود اللازمة موقوفة على ثبوت أمر من الشارع لأنها أسباب توقيفية فلا يتجوز فيها.

وأنت خبير بما فيه ، أما (أولا) فلما ذكره السيد السند في شرح النافع حيث قال ـ بعد قول المصنف بأنه يشترط الماضي لأنه صريح في الإنشاء ، ونعم ما قال ـ :

__________________

(١) نعم ربما أشكل ذلك بخبر أبان بن تغلب الدال على أنه مع عدم ذكر الأجل ينقلب دائما فان لحكم بانقلابه دائما مشعر بأن لفظ المتعة مما ينعقد به العقد الدائم ، والجواب عن ذلك ما سيأتي ان شاء الله تعالى في المسألة المذكورة ، من أن التحقيق عدم دلالة الخبر على ما ادعوه. (منه ـ قدس‌سره ـ).

١٥٩

قد تكرر هذا التعليل في كلام الأصحاب وهو غير مستقيم ، فإن الأصل في الماضي أن يكون أخبارا لا إنشاء ، وإنما التزموا بجعله إنشاء بطريق النقل ، فاللفظ بمجرده يحتمل الاخبار والإنشاء ، وإنما يتعين لأحدهما بقرينة خارجة فلا يكون صريحا في الإنشاء ، ومع اقترانه بالقرينة يمكن ذلك في غيره من صيغة الأمر والاستقبال وبالجملة الاسمية ، كما في الطلاق. انتهى.

و (ثانيا) ما في هذه الوجوه التخريجية من النظر الظاهر لكل من تأمل الأخبار وجاس خلال تلك الديار.

وقد قدمنا جملة من الأخبار في الفصل الأول في البيع من كتاب المتاجر دالة على ما قلناه ، فارجع إليها لتعلم ما هو الحق الحقيق بالاتباع وإن كان قليل الاتباع.

ومن ذلك أيضا ما رواه في الكافي عن عبيد بن زرارة (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التزويج بغير خطبة ، فقال : أو ليس عامة ما تزوج فتياننا ونحن نتعرق الطعام على الخوان نقول : يا فلان زوج فلانا فلانة ، فيقول : نعم قد فعلت».

والقبول هنا قد وقع بلفظ الأمر مقدما على الإيجاب وهو على خلاف قاعدتهم المذكورة.

وما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (٢) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : زوجني فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لهذه؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زوجنيها فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شي‌ء ، قال : لا ، فأعادت فأعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام ، فلم يقم أحد غير الرجل ، ثم أعادت ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المرة الثالثة : أتحسن من القرآن شيئا؟ قال :

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٣٦٨ ح ١ وص ٣٨٠ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٦ ح ١ وج ١٥ ص ٣ ح ١.

١٦٠