قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

نفح الطّيب [ ج ٢ ]

55/488
*

فلا تلم يا صاح من بعد ذا

إذا تمثّلت بحال الجريض(١)

ورأيت بخطه رحمه الله تعالى مما نسبه جده القطب الخيضري الحافظ لإبراهيم بن نصر الحموي ثم المصري المعروف بابن الفقيه : [مجزوء الرمل]

يا زمانا كلّما حا

ولت أمرا يتمنّع

إن تعصّبت فإنّي

باصطباري أتقنّع

وهذه تورية بديعة للغاية في التعصب والتقنع ، مع حلاوة النظم وجودة السبك وخفة الوزن ، والله سبحانه يروّح تلك الأرواح في الجنان ، ويعاملنا وإياهم بمحض الفضل والامتنان ، ويكفينا شجون دهر جرى بنا طلق العنان!!.

رجع إلى ما كنا فيه ـ وكنت وقفت في كلام بعض العلماء على أن البيتين السابقين المنسوبين إلى أمير المؤمنين الناصر المرواني ـ رحمه الله تعالى! ـ قالهما في الزهراء التي بناها ، وسيأتي ذكرها قريبا ، وقال الشيخ سيدي محيي الدين بن العربي في المسامرات : قرأت على مدينة الزهراء بعد خرابها وصيرورتها مأوى الطير والوحش ، وبناؤها عجيب في بلاد الأندلس ، وهي قريبة من قرطبة ، أبياتا تذكر العاقل ، وتنبه الغافل ، وهي : [الطويل]

ديار بأكناف الملاعب تلمع

وما إن بها من ساكن وهي بلقع(٢)

ينوح عليها الطّير من كلّ جانب

فيصمت أحيانا وحينا يرجّع(٣)

فخاطبت منها طائرا متغرّدا

له شجن في القلب وهو مروّع

فقلت : على ما ذا تنوح وتشتكي؟

فقال : على دهر مضى ليس يرجع

ثم قال : وأخبرني بعض مشايخ قرطبة عن سبب بناء مدينة الزهراء أن الناصر ماتت له سرّيّة ، وتركت مالا كثيرا ، فأمر أن يفك بذلك المال أسرى المسلمين ، وطلب في بلاد الإفرنج أسيرا فلم يوجد ، فشكر الله تعالى على ذلك ، فقالت له جاريته الزهراء ـ وكان يحبها حبا شديدا ـ : اشتهيت لو بنيت لي به مدينة تسميها باسمي ، وتكون خاصة لي ، فبناها تحت جبل العروس من قبلة الجبل ، وشمال قرطبة ، وبينها وبين قرطبة اليوم ثلاثة أميال أو نحو ذلك ، وأتقن بناءها ، وأحكم الصنعة فيها ، وجعلها مستنزها ومسكنا للزهراء وحاشية أرباب دولته ،

__________________

(١) الجريض : الغصة. والشاعر هنا يشير إلى المثل القائل : حال الجريض دون القريض.

(٢) البلقع : القفر ، الخالية التي لا شيء فيها.

(٣) رجع الطائر : ردد صوته في حلقه.