من هدى القرآن - ج ١

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-04-1
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٧٣٦

المؤمنون. اما في الدنيا فهو يرحم الجميع ، المؤمنين والكافرين. ولا بد ان نخلص له العبادة ونتوجه اليه وحده في كل صغيرة وكبيرة ونستعين به.

موارد الحمد

[٢] حين نحمد الله ونذكره بالصفات الحسنى التي فيه والتي تتجسد عمليا في نعمه الكبيرة والكثيرة علينا وأبرزها نعمة العناية الجسدية والروحية ، التي جعل الله بها الإنسان أكرم وأفضل من كثير ممن خلق ، ولكن هذه التربية لا تخص الإنسان وحده ، إذ أن كل الأحياء ينعمون بتربية الله ورعايته لهم ، منذ نشوئهم وحتى الممات .. فالنبات يتلقى نعمة العناية من قبل الله. متجسدة في اشعة الشمس التي لا تنقطع عنه ، وماء السماء الذي يصب عليه صبا ، واملاح الأرض ، والرياح اللواقح .. و..

والبر والبحر والجبال والكواكب والنجوم والمجرات و. و. كلها تنعم بعناية الله ورعايته الدائمة.

إذا لنقف خاشعين امام الله ، الذي شملنا بعنايته نحن والعالم الذي من حولنا ، ونقول :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)

[٣] والصفة الثانية التي نحمد الله عليها ونذكره بها هي الرحمة الواسعة والدائمة فهو.

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[٤] بيد أن نعم الله ليست عبثا وبلا حكمة. انها تهدف تربية الإنسان

٨١

واختباره. ومن ثم جزاءه على الحسنى أو السوء. فهو بالاضافة الى رحمته الواسعة والدائمة ، حكيم سريع الحساب شديد العقاب لا بد ان نخشاه ونتقي عذابه ونعمل بجد من أجل الحصول على مرضاته ، لأنه.

(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)

يوم الجزاء الأكبر. وحين يملك الله يوم الدين ، يملك الجنة والنار والميزان والحكم بالجنة أو النار. وهذا التعبير يبدو أفضل من التعبير ب (ملك يوم الدين) ، ذلك لان الملك قد لا يملك في دولته الا شيئا واحدا فقط هو الحكم والسلطة. بينما الله يملك السلطة ويملك كل الأشياء حتى الأشخاص الذين يحكم عليهم.

[٥] وإذا كان الله رب العالمين ، والرحمن الرحيم ، ومالك يوم الدين. فلا بد ان نخلص له العبادة ونتوجه اليه في كل صغيرة وكبيرة وتستعين به ..

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)

اي نعبدك وحدك ونستعين بك وحدك. وهذه الفكرة ذات اتجاهين (إيجابا وسلبا).

الاول : اننا نتوسل بالله ونوثق معه علاقاتنا ومن أبرزها الاهتداء الى تنفيذ أوامره وتنفيذها ، مما يساعدنا على تجاوز كل محنة وتحقيق التطلعات.

الثاني : اننا لا نتوسل بغير الله ، حتى لا نصبح اتكاليين وذيولا لآخرين تفرض علينا وصايتهم ، وبالتالي يستعبدوننا.

وعند ما نتعمق قليلا في معنى هذه الآية نجدها تلخص فلسفة الحرية الانسانية بصورة متينة.

٨٢

ما دام لله الأسماء الحسنى والتي منها ضمان حرية الإنسان دعنا نترك إذا الأصنام التي تعبد من دون الله لأنها لا تتصف بشيء من تلك الصفات ، فلا هي رب ولا رحمن ولا تملك جزاء.

[٦] وحين نترك الأصنام الصامتة (كالحجارة) أو الناطقة (كالذين يعبدون من دون الله) آنئذ نكون على الصراط المستقيم.

ولكن ليس بهذه السهولة نستطيع ان نحقق الاستقامة ، لان التخلص من الأصنام مهمة صعبة للغاية. وعلى الإنسان ان يضع امامه هدفا صعبا ليحققه في الحياة هو (الاستقامة) ويسعى من أجل تحقيقه بجد ومثابرة ، وذلك عبر ثلاثة مراحل :

المرحلة الاولى : التصميم على الاستقامة. ولن يكون التصميم على الاستقامة جادا الا إذا عرف الإنسان ان في الحياة طرقا شتى لا تؤدي به الى اهدافه المنشودة. وان هناك طريقا واحدا فقط هو الذي يوصله إليها. وعرف ان التعرف على هذا الطريق والسير فيه هو من واجباته التي عليه أن يسعى لتأديتها ، وليست من نعم الله الطبيعية عليه ، ليست مثلا كنعمة البصر ، حيث يولد الطفل بصيرا. ولهذا فاننا ندعوا الله ان يمنحنا الاستقامة ونقول :

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وهذا الدعاء دليل على ان الله لا يمنح الاستقامة الا لمن يطلبها منه.

[٧] وقد لا تكون الاستقامة ابدية ، إذ أن عواصف الشهوات وأمواج الضغوط الاجتماعية والحواجز النفسية ، ووساوس الشيطان ، تلعب بقلب الإنسان كما تلعب الأعاصير بريشة طائرة. من هنا على الإنسان ان ينتظر نعمة الله حتى تظل الاستقامة

٨٣

دائمة ومن هنا قال الله :

(صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)

اي بنعمة الهداية التي تؤدي طبيعيا الى الانتفاع بسائر نعم الله.

وما دامت الاستقامة نعمة توهب وقد لا توهب للإنسان ، فعليه ان يظل يقظا ، كلما أبعدته عوامل الانحراف عن الخط ، عاد اليه بفضل وعيه وثقته بالله ، وبتصميمه على الاستقامة في الحياة حتى يأتيه اليقين.

وعلينا ان نعرف أن الله يجسد الصراط المستقيم في أشخاص ، إذا ان الايمان لا بد ان يكون له رصيد واقعي لئلا يتحول الى أفكار مجردة ، ربما لا تكون قابلة للتطبيق.

«صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»

من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

اما المرحلة الثانية فهي تحديد دواعي الانحراف التي تضغط على الإنسان باتجاه الانحراف أو تضغط عليه لكي يختار بوعي وعمد طريق الانحراف.

مثل حب الشهوات من النساء والبنين والكماليات والتفاخر وحب السلطة.

ان أكثر الناس ينحرفون عن الاستقامة بشهواتهم لأنهم يستسلمون لضغوط الشهوات. هؤلاء يغضب الله عليهم ، ويسلب منهم نور الفطرة ووهج العقل ، فاذا بهم في ظلمات لا يبصرون ، لذلك يدعو المؤمنون ان تدوم لهم نعمة الهداية فيكونوا مستقيمين.

«غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ»

٨٤

ممن تعمدوا الانحراف فسلب الله منهم نعمة الهداية فظلوا منحرفين الى الأبد.

المرحلة الثالثة : التخلص من عوامل الانحراف الجبرية التي تدفع الإنسان الى الانحراف من دون وعي ولا تصميم ، وذلك مثل الجهل والغفلة والنسيان ، حيث انها من عوامل الضلالة التي يجب التخلص منها هي الاخرى حتى تتم الاستقامة.

وكثير من الناس ينحرفون لجهلهم بالدين وبما فيه من سعادة وخير. مثل أكثر الشبيبة الذين ابتعدوا عن قيم الله ، يمينا أو يسارا ، وضحّوا من أجل مبادئ فاسدة تضحية صادقة ، هؤلاء هم الجهلاء لأنهم لو عرفوا الدين الصحيح لما توانوا عن التضحية من أجل المبادئ. كذلك المؤمنون الذين يقعون في الذنوب في ظروف معينة ثم يتوبون من قريب. هؤلاء تقودهم الغفلة والنسيان. لذلك يدعو المؤمنون الصادقون ان يهديهم الله الى الصراط المستقيم ولا يجعلهم من (الضالين).

«وَلَا الضَّالِّينَ»

ان التخلص من الضلالة اللاواعية لا يكون الا بعد التخلص من الانحراف الواعي ، إذ أن نور الله لا يدخل قلبا متكبرا معاندا مصمما على الانحراف ، لذلك نجد القرآن يأمر بالتخلص من غضب الله أولا ، ثم يأمر بالتخلص من الضلالة.

وكلمة اخيرة .. ان سورة الحمد بآياتها السبعة ، هي خلاصة لرؤى الإسلام وبصائره في الحياة. واما التفصيل فنجده في القرآن كله.

٨٥
٨٦

سورة البقرة

٨٧
٨٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

فضل السورة :

قال الله الى رسوله (ص):

«أعطيت لك ولامتك كنزا من كنوز عرشي فاتحة الكتاب وخاتمة سورة البقرة» (بح ٨٩ ص ٢٦٣)

وقال الصادق (ع):

«من قرأ البقرة وآل عمران جاءتا يوم القيامة تظلانه على رأسه ، مثل الغمامتين ، أو مثل العباءتين» (بح ج ٨٩ ص ٢٦٥)

٨٩
٩٠

الإطار العام

الاسم أولا :

ألف : ما ذا تعني كلمة السور؟ انها تعني الإطار المحدّد للشيء ، والسورة تعني واحدة من الإطارات التي تحدد مجموعة أفكار معينة ، وتعطينا في المجموع شخصية متفاعلة ، وربما نستطيع أن نعبّر عنها ب (وحدة فكرية) قياسا على تعبيرنا بوحدة حرارية ، وحدة ضوئية ، أو أية وحدة كمية أخرى.

وهذا اللفظ أفضل من التعبير ب (الفصل .. القسم .. البحث الأول و.. و..) لأن لفظ السورة لا يدل على فصل القرآن بعضه عن بعض وتقسيمه أقساما مختلفة مما قد توحي بأفكار بعيدة عن حقيقة القرآن بل يدل على مدى التفاعل بين أفكار مجموعة آيات قرآنية تشكلها السورة الواحدة ، حتى إننا نستطيع أن نحددها باطار ونعتبرها كوحدة فكرية مستقلة.

باء : البقرة .. ذكرت في هذه السورة ضمن قصة طريفة ذات عبرة أساسية (الآيات ٦٧ ـ ٧٤) من الطاعة والثقة بالقيادة في حل المشاكل. وهي تنسجم مع

٩١

الخط العام لهذه السورة.

الإطار العام للسورة :

عمّ تتحدث سورة البقرة؟

قد تواجهنا صعوبة في الإجابة على هذا السؤال ، ولكن يمكن أن نقول بما ان مطلع السورة يقسّم الناس ثلاثة : المسلم ، والكافر ، والمنافق ، وتتحدث السورة بعدئذ عن هذه الأنواع بإسهاب ، ثم مع التركيز على صفات المؤمن ، نستطيع القول بأن الخط العام للسورة هو إرساء قواعد الشخصية الإيمانية ، سواء في مستوى الفرد المؤمن أو الأمة المؤمنة.

ومن هذا المنطلق تتحدث السورة عن بني إسرائيل ، وعن قصة البقرة ، وعن الانحرافات التي وقعت في هذه الأمة المؤمنة. حيث جاء القرآن يحذّر المؤمنين منها. ومن هذا المنطلق أيضا تتحدث السورة بعدئذ عن واجبات المؤمن (الفرد ، الأمة) مبتدء إياها بالقبلة (رمز الوحدة وصبغة الشخصية المؤمنة) ثم الحجّ (رمز الوحدة والعبادة) ثم القصاص ، ثم الصيام و.. و..

وذكرت في هذه السورة كلمة تستطيع أن تعبّر بوضوح عن الخط العام لهذه السّورة هي كلمة (صبغة) في قوله سبحانه وتعالى : «صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً» لقوم يؤمنون فهذه السّورة تحدّد الصّبغة الإيمانيّة في كافّة أنشطة المؤمن.

وبالرغم من انّ سور القرآن الأخرى تتحدّث عن صبغة الله أيضا ، ولكن تلك السّور تركّز في الحديث عن جوانب من هذه الصّبغة ، بينما تتحدّث هذه السّورة عنها بوجه عام وبشكل يترابط فيه ظلال هذه الصّبغة لتكوّن صورة متكاملة أمامنا.

٩٢

سورة البقرة

مدنية وآياتها ٢٨٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ

______________________

٢ [ذلك] لفظة يشاربها الى ما بعد.

[ريب] الشك وقيل هو أسوأ الشك.

[هدى] دلالة.

[المتقين] من الوقاية وهي مأخوذة من الاتقاء وهو الحجز بين الشيئين.

٣ [يؤمنون] يصدقون والايمان يعني الثقة والتصديق.

[الغيب] كلما غاب عنك ولم تشهده [يقيمون] يؤدون ، وأقام الصلاة أدّاها بحدودها ، وأقام السوق لم يعطلها ، ويقيمون الصلاة تأتي بمعنى يديمون أداء فرائضها.

[الصلاة] الدعاء.

٩٣

الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ

______________________

[هما] حرف موصول بمعنى الذي.

[الرزق] العطاء الجاري.

[الإنفاق] إخراج المال.

٤ [يوقنون] يعلمون وسمي العلم يقينا لحصول القطع عليه وسكون النفس اليه فكل يقين علم وليس كل علم يقين وذلك كأنه علم يحصل بعد الاستدلال والنظر لغموض المعلوم أو لاشكال ذلك على الناظر.

٥ [أولئك] اسم مبهم يصلح لكل حاضر تعرفه الاشارة وهو جمع ذلك في المعنى.

[المفلحون] والفلاح النجاح ويأتي الفلاح بمعنى البقاء والظفر.

٩٤

لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ

______________________

٦ [الكفر] فالكفر ستر النعمة واخفاؤها والشكر نشرها وإظهارها ، وكل ما ستر شيئا فقد كفره.

[سواء] مصدر أقيم مقام الفاعل بمعنى مستو ، والاستواء الاعتدال ، والسواء العدل.

[الإنذار] إعلام معه تخويف فكل منذر معلم وليس كل معلم منذرا.

٧ [ختم] أي طبع ، فيقال ختم عليه أو طبع عليه.

[غشاوة] غطاء.

[العذاب] استمرار الألم.

٨ [اليوم الآخر] يوم القيامة وإنما سمى آخرا لأنه يوم لا يوم بعده.

٩ [يخدعون] أصل الخدع الإخفاء والإبهام.

١٠ [المرض] لعلة في البدن ونقيضه الصحة. [أليم] الموجع.

٩٥

لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)

______________________

١٤ [اللقاء] الاجتماع مع الشيء على طريق المقارنة.

[الخلاء] نقيض الملأ ، ويقال خلوت اليه وخلوت به ويقال خلوت معه على ضربين أحدهما بمعنى خلوت معه ، والآخر بمعنى سخرت منه.

١٥ [المدّ] أصله الزيادة في الشيء كما تأتي بمعنى الجذب لأنه سبب الزيادة في الطول [الطغيان] تجاوز الحد. [عمه] : يعمه أي تحيّر. والعمه التحيّر.

١٦ [اشترى] الاشتراء الاستبدال ، والعرب تقول لمن تمسك بشيء

٩٦

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠))

______________________

وترك غيره قد اشتراه وليس ثم شراء ولا بيع.

[ربح] الربح الزيادة على رأس المال.

[التجارة] التعرض للربح في البيع وأضاف العرب الربح الى التجارة لأن الربح يكون فيها.

١٧ [المثل] كالشبه وهو ما جعل كالعلم على معنى سائر يشبه فيه الثاني بالأول.

[استوقد] أوقد ، أي طلب الوقود والوقود الحطب. [ترك] الترك للشيء مثل الإمساك عنه. [ظلمات] جمع ظلمة وأصلها انتقاص الحق.

[أبصر] من الأبصار وهو ادراك الشيء بحاسة البصر يقال أبصر عينه والأبصار بالقلب مثله.

٩٧

كيف يقسم القرآن البشر؟

هدى من الآيات :

تتحدث هذه الآيات عن ثلاثة نماذج بشرية ، وتعطي رؤية واضحة عنها ، ليختار القارئ واحدا من النماذج عن بصيرة نافذة وعلم.

وهذا التقسيم طبيعي للإسلام باعتباره فكرة جديدة لا تعترف بالتقسيمات الموجودة بين الناس (الإقليم واللون واللغة والعشيرة والعنصر) التي أتت بها المبادئ الوضعية.

إن الدين الجديد يطرح تقسيمات جديدة ليتخذ الناس مواقفهم حسب هذه التقسيمات.

ولا تزال الأمة بحاجة الى الإيمان بهذه التقسيمات وتجاوز سائر التقسيمات الخاطئة ، حتى تستطيع أن تكون أكثر قدرة على تطبيق مبادئ الدين الحنيف.

٩٨

بينات من الآيات :

[١] [الم] ما هي هذه الأحرف التي نراها في أوائل كثير من السور القرآنية؟ وهل هي مفهومة لدينا ، أم انها كالمتشابه في القرآن ، لا يعلمه إلّا الراسخون في العلم. أم ان سرها مكنون عند الله ومن يطلعه على غيبه من رسول.

لقد اختلفوا في ذلك اختلافا كبيرا. ففي الوقت الذي زعم المتحكمون؟ انه قبيح عند العقل أن ينزّل الله سبحانه وتعالى آية لا نعرف معناها. واحتجوا على ذلك بان القرآن هدى ، ولسانه عربي مبين وقد أمر بالتدبر في آياته.

في ذات الوقت نراهم يختلفون في معاني هذه الأحرف على أحد وعشرين رأيا.

فهل الاختلاف دليل العلم؟

ويبدو لي ان حال هذه الأحرف حال المتشابه ، وارى أنّ المتشابه من آيات الله مفهوم للراسخين في العلم ، وان درجات الناس في العلم مختلفة ودرجات فهمهم كذلك للآيات متباينة ، وكل من حوى علما بدرجة ، كان فيها راسخا وفي الأعلى منها غير راسخ وعليه أن يراجع الراسخين.

وعليه فإن الإحاطة علما بكلّ معاني الكتاب وبكلّ أبعاد علم آية قرآنية ، غير ممكن. وعلينا أن نسلم لما نعلم وفيما لا نعلم نسلم لمن يعلم.

وفي هذه الأحرف لا يمكننا أن ندّعي أننا سنعلم كلّ أسرارها ، كما لا يسعنا أن ننكر معرفة بعض الحقائق منها.

٩٩

ونتساءل : إذا ما هي تلك الحقائق؟

قبل الإجابة نذكّر بأن للقرآن ظهرا وبطنا ، وأنّ لتفسير آياته أوجها لا يرى الواحد منا إلّا بعضها فيزعم ان الآخرين على خطأ ، وقد يكون الجميع على صواب نسبي.

وهكذا قد تكون الكثير من الأقوال هنا صحيحة ، دون أن يعني أن غيرها باطل.

قالوا : الأحرف هذه أسماء للسورة التي فيها.

قالوا : انها أداة تنبه تشجع المستمعين لمتابعة الانتباه ، والتفكير فيها وفيما بعدها.

وقالوا : انها تدل على انقطاع معنى ما واستئناف كلام جديد.

وقالوا : ان الله اثنى على نفسه بها ، وانها اشارة الى أسمائه الحسنى ، حتى روي في الأدعية مناجاة الرب بها حيث جاء (يا كهيعص) (يا حم عسق).

وقالوا : انها احتجاج على العرب حيث ان القرآن تحداهم بكتاب الف من هذه الأحرف فلم يستطيعوا أن يأتوا بمثله.

وقالوا : انها قسم لأنها مباني كتبه ، ووسائل النطق بين العباد ، أو لم يقل ربنا : «ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ».

وقالوا : انها معجزة البلاغة حيث لم يقصد العرب الاستفادة من هذه الأحرف هكذا من قبل وقالوا غير ذلك مما يرجع جزئيا الى بعض ما ذكرت.

١٠٠