من هدى القرآن - ج ١

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-04-1
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٧٣٦

للمجتمع الظلم والفوضى و. و. أم لا. إذا أحب ذلك فليقدم ، ولينتظر النتائج السيئة. من هنا يذكر القرآن هؤلاء الظالمين بنعمة الرسالة ويقول :

(وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ)

فهل تحبون العودة الى حياة الجاهلية ، حيث لا كتاب فيه دستور حياتكم ، ولا حكمة تشرح تفاصيل سلوككم ..؟

(وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

هذه الفكرة هي ـ في الواقع ـ ضمانة تنفيذ حدود الله المبينة في الآيات السابقة ، وهي جوهر آيات هذا السياق ، الذي يتحدث لنا عن التقوى في مظاهرها المختلفة.

[٢٣٢] هل تستطيع الزوجة ان تعود الى زوجها الاول بعد انقضاء فترة العدة؟ بالطبع يجوز لها إذا اختارت ذلك ، ودون ان يتمكن زوجها من جبرها على ذلك. الا ان هناك بعض الأقارب (أبوها أو إخوتها أو أو.) قد يمنعونها من ذلك. وهم ظالمون.

(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ)

ولا تؤذوهن.

(أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ)

وذلك بعقد جديد ، يحتاج الى تراض منهما معا ، وليس من الزوج وحده ، ويكون بذلك معروفا.

٤٠١

(ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ)

حيث انكم لو منعتم المطلقة من زوجها فقد لا يخطبها أحد ، أو قد تسقط في مهاوي الرذيلة. أو قد تربطها علاقة غير طبيعية مع زوجها الاول.

(وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)

لا تعلمون إضرار الكبت الجنسي حيث يؤدي الى انفجار خطير.

٤٠٢

وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣)

____________________

٢٣٣ [حولين] الحول السنة مأخوذة من الانقلاب في قولك حال الشيء عما كان عليه يحول ومنه الاستحالة في الكلام لانقلابه عن الصواب وقيل أخذ من الانتقال في قولك تحوّل.

[تكلف] التكليف الإلزام الشاق وأصله عن الكلف وهو ظهور الأثر لأنه يلزمه ما يظهر فيه أثره.

[وسعها] الوسع الطاقة مأخوذ من سعة المسلك الى الطلب.

٤٠٣

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤) وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا

____________________

٢٣٥ [عرضتم] التعريض ضد التصريح وهو أن تضمن الكلام دلالة على ما تريد وأصله من العرض من الشيء الذي هو جانبه وناحية منه.

[خطبه] الخطبة الذكر الذي يستدعي به الى عقدة النكاح أخذ من الخطاب وهو توجيه الكلام للافصام والخطبة الوعظ المتسق على ضرب من التأليف.

[أكننتم] الأكنان الستر للشيء والكنّ الستر أيضا والفرق بين الأكنان والكنّ أن الأكنان الإضمار في النفس ولا يقال كننته في نفسي والكنّ في معنى الصون وفي التنزيل «بَيْضٌ مَكْنُونٌ».

٤٠٤

أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥) لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧) حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ

____________________

٢٣٨ [حافظوا] الحفظ ضبط الشيء في النفس ثم يشبه به ضبطه والمنع من الذهاب والحفظ خلاف النسيان والحفيظة الحمية والحفاظ المحافظة.

[قانتين] أصل القنوت الدوام على أمر واحد وقيل أصله الطاعة وقيل أصله الدعاء في حال القيام.

٢٣٩ [رجالا] جمع راجل وهو الكائن على رجله واقفا كان أو ماشيا.

[ركبانا] جمع راكب وكل شيء علا شيئا فقد ركبه.

٤٠٥

فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠) وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢)

٤٠٦

التقوى في إدارة البيت

هدى من الآيات :

وبمناسبة الحديث عن الطلاق يبين الله حكم الرضاعة ، إذ كثيرا ما يشملها الخلاف العائلي ، فهل على الزوجة ان ترضع وليدها نعم ، بمثل ما يجب على الزوج ان ينفق على الزوجة وعلى وليدهما ، بيد ان حدود الرضاع ومقدار الإنفاق تتحدد بقدر المكنة والاستطاعة ، إذ ان الله لا يكلف الناس أكثر من طاقاتهم.

وعلى الزوجين ان يتشاورا في شؤون البيت وبالأخص في شؤون وليدهما ، ويتخذا القرار المناسب في إنهاء فترة الرضاعة ، كما ان بإمكان الزوج ، آنئذ ، ان يستأجر من النساء من ترضع ابنه ، بشرط ان يدفع أجورها كاملة.

بينات من الآيات :

[٢٣٣] (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ)

٤٠٧

فهذه هي فترة الرضاعة الفطرية التي يحتاج الوليد خلالها الى لبن الام الذي هو أفضل غذاء للولد ، خصوصا في أيامه الاولى. ولا ينبغي للام ان تتهرب من واجبها كأم وتخاطر بمصير ولدها لاسباب كمالية تافهة. إذ يعتمد مستقبل ولدها على هذا اللبن وقد ثبت علميا ان كثيرا من الضعف والمرض في الأولاد ، يأتي نتيجة عدم الرضاعة من لبن الام.

(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

فالأب الذي ولدت الام وليدها له وفي صالحه ، عليه الا يبخل بالنفقة ، حسب المعروف ووفقا لمستوى معيشتهما الاجتماعية.

(لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ)

لا يجوز ان يستخف بعاطفة الأبوين فيلحق بهما ضرر عبر الولد. كان يمنعا من زيارتهما أو يمنع الرجل زوجته أو العكس من لذة الجنس رعاية لحق الولد. جاء في الحديث المأثور عن الصادق (ع) ـ في تفسير الآية ـ في قوله تعالى : «لا تُضَارَّ والِدَةٌ» قال (ع) «كانت المرأة ممن ترفع يدها الى الرجل ، إذا أراد مجامعتها ، فتقول : لا أدعك ، أني أخاف ان أحمل على ولدي ، ويقول الرجل للمرأة : لا أجامعك أني أخاف ان تعلقي فأقتل ولدي فنص الله ان يضار الرجل المرأة والمرأة الرجل» (١)

يظهر من النص الثاني ان معنى ذلك : عدم جواز منع الأب من زيارة ولده أو العكس إذا كان عنده.

__________________

(١) الميزان الجزء الثاني ص ٢٥١.

٤٠٨

الحديث مأثور عن الامام الصادق عليه السلام : «لا ينبغي للوارث ـ أيضا ـ ان يضّار المرأة فيقول : لا ادع ولدها يأتيها ، ويضار ولدها ان كان لهم عنده شيء ، ولا ينبغي أن يقتر عليه» (٢)

(وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ)

الإنفاق على العائلة.

(فَإِنْ أَرادا فِصالاً)

لابنهما عن الرضاعة فلا بد ان يكون ذلك :

(عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ)

شانه شأن سائر أمور البيت ولكن بشرط الا يسبب ذلك في تضييع حقوق الأم التي أرضعت ولدها ، بل على الأب أن ينفق عليها بقدر ما أرضعت ثم يعطي الولد للمرضعة.

(فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

انها التقوى. وانه الالتزام بحدود الله في قضايا الإنسان الاجتماعية. ينقذ الإنسان من مخاطر الفوضى واللامسؤولية.

حق الزوج بعد الوفاة :

[٢٣٤] التسلسل الطبيعي لسياق الطلاق والرضاعة والعدة ، يؤدي بنا الى

__________________

(٢) الميزان ج ٢ ص ٢٥٦.

٤٠٩

الحديث عن التزام المرأة بالحداد على زوجها بعد الوفاة ، كحق مفروض من حقوقه عليها. من جهة وعدة تعتدها منه من جهة ثانية.

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) فهن حرائر في التصرف بأنفسهن ، ويستطعن الزواج ممن شئن دون تدخل الآخرين في حريتهن. اللهم الا بقصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي العام بين المسلمين ، لذلك كرر القرآن هنا وفي آيات سابقة كلمة بالمعروف وقال هنا :

(فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

للدلالة على انهن هن المسؤولات عن تصرفهن في اطار القيم العامة للمجتمع ، والتي تسمي ب (المعروف) في لغة القرآن ، اي القيم الرسالية التي تعارف عليها المجتمع ، اما لو تعدين المعروف الى المنكر ، فالكل مسئول عنهن وعن تصرفهن ، وعليهم ردعهن عن المنكر.

(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)

يعلم تعديكم على حقوقهن ، كما يعلم اهتمامكم بتوجيههن الى المعروف ، وإذا لا تبرروا تدخلاتكم غير المشروعة في تصرفاتهن بغطاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

كيف تختار زوجتك :

[٢٣٥] الشهوة الجنسية لا بد ان تجد لها سبيلا نافعا للمجتمع والا فهي تضر ولا

٤١٠

تنفع والسبيل الصالح هو الزواج ، والزواج يبدأ بالاختيار وفي عملية الاختيار يتدخل الشيطان سلبيا. ويدعو الطرفين الى الفاحشة ، وعلى المسلم ان بصبر ويتقي ربه في هذا الوقت الحرج ، ولا يخرج من حدود الشريعة ، بل يجعل لقاءه بأنثاه تمهيدا للزواج بها ، وبناء الاسرة الفاضلة. ومناسبة الحديث عن الخطبة هنا ، هي الحديث عن المطلقات اللاتي يبحثن عن الأزواج بطريقة أكثر شجاعة من الفتيات الأبكار ، حيث ان الأخيرات يغلّف شهوتهن الجنسية ، لباس الحياء والكبرياء.

(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ)

اي في الدعوة المبطنة لهن بالزواج ، كأن يقول لها : داري واسعة ، أو انا محتاج الى زوجه. أو سوف أجدد أثاث بيتي .. وهكذا ..

(أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ)

وجعلتم الزواج مجرد مشروع تفكرون في تطبيقه.

(عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا)

لان الشيطان قد يدخل بين الرجل والمرأة إذا اختليا ببعضهما.

(إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً)

هو التفكر في الزواج ذاته وليس أشياء اخرى.

(وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ)

وينتهي موعد العدة.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)

٤١١

فلا تعتدوا على حدود الله في خطبة النساء. ولا تستعجلوا في إنشاء علاقة جنسية ، ثم تفكروا في الزواج ، ولكن لو فعلتم شيئا من ذلك ، فلا تيأسوا من روح الله ، وعودوا الى رشدكم وتوبوا الى الله.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)

[٢٣٦] وإذا تزوجتم بواحدة من المطلقات أو غيرهن ولكن قبل ان تباشروهن ، تبدل الرأي بسبب من الأسباب ، فمن الممكن التراجع عن تكميل الزواج بعد دفع جزء من المهر. ولكن لو لم تحددوا المهر سلفا ، فعليكم دفع مقدار من المال يتناسب مع مقدوركم الاقتصادي. فالغني يدفع بقدره والفقير بقدره.

(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَ)

متعة تقدر حسب وضع الزوج غنى وفقرا ف ..

(عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ)

ولا يكون هذا المتاع بهدف غير شريف ومقدمة للمنكر.

(حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)

ويعتبر هذا المتاع ، في الواقع ، نوعا من الإحسان الواجب ، إذ لم يحصل الزوج على ما يقابله من المتعة ، ولكنه قد يمكن ان يسبب للزوجة نوعا من الأذى باقدامه عليها وتراجعه عنها.

ان تحديد مقدار المهر في هذه الحالة يعود الى العرف العام حسب ظروف كل منطقة. جاء في حديث مأثور عن الصادق (ع) في رجل طلق امرأته قبل ان يدخل

٤١٢

بها؟ ، «قال عليه نصف المهر ان كان فرض لها شيئا ، وان لم يكن فرض لها فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها من النساء» (٣)

[٢٣٧] تلك كانت إذا لم تحدد فريضة المهر. اما إذا حددت وطلقها الزوج قبل المباشرة ، فان عليه ان يدفع نصف المهر.

(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً)

معينة من المهر.

(فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ)

ان تعفي النساء عن نصف الفريضة.

(أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ)

أولياؤهن الذين يمكنهم إنشاء عقد النكاح.

(وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)

ذلك ان الزوج لم يستطع ان ينتفع شيئا بزوجته.

(وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)

اي لا تنسوا انكم ذوي علاقة بينكم وعليكم المحافظة عليها وعدم قطعها بسبب سوء المعاملة ذلك ان هناك مجالات تنفع الأطراف في المستقبل.

__________________

(٣) الميزان ص ٢٥٨.

٤١٣

(إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

وسوف يجازيكم بالحسنات ، لو تحاببتم وأحسن بعضكم الى البعض الآخر.

المجتمع الاسلامي يجب ان يكون متينا الى درجة لا تؤثر فيه السلبيات الطارئة. فحتى الخلافات يجب ان تسوي بطريقة تخلف وراءها امكانات لانشاء وفاق أفضل ربما في ميادين اخرى.

ان المسلم يجب ان يتفضل على اخوته ، ولا ينتظرهم يتفضلون عليه.

[٢٣٨] ان العلاقة بين المسلم والمسلم يجب ان يباركها الله ، حيث ان المسلم أخ المسلم في الله ، وكلما ضعفت هذه العلاقة بسبب الخلافات الطارئة يجب ان تعالج عن طريق زخم ايماني جديد. يمتن اخوّة الايمان بين المؤمنين.

لذلك يوصي الله هنا وفي زحمة الخلافات العائلية بالعودة الى الصلاة باعتبارها وسيلة التقرب الى الله. ويقول :

وقوموا لله قانتين :

(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ)

يبدو ان الصلاة الوسطى هي الظهر ، حين يتوغل المرء في شؤون الدنيا ، فالمحافظة على الصلاة فيه ، يعطي المسلم مناعة من التأثر بسلبيات الدنيا.

[٢٣٩] والمحافظة على الصلوات لا تختص بأيام السلم بل حتى في الحرب يجب الاهتمام بها إذ انها تعطينا روحا جديدة تساعدنا على القتال وعلى الانتصار :

(فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً)

٤١٤

في حالة المشي إذا كنتم مشاة الجيش ، أو في حالة الركوب ، وفي هذه الحالة عليكم أداء الصلاة باي شكل ممكن ، ولكن بعدها يجب الاهتمام بشرائط الصلاة بالكامل.

(فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)

اذكروا الله وتذكروا نعمة الهداية الى الدين الجديد. حيث أنقذكم من الضلالة ان تذكركم له ضمان للمحافظة عليه. والتمسك الشديد به.

[٢٤٠] بعد ان أمرنا القرآن بالمحافظة على الصلاة في كل حال وخصوصا في حال اشتداد الخوف ، لكي يزودنا بالتقوى في مسيرة الحياة الصعبة ، بعد ذاك عاد ليبين لنا بعضا من احكام الزواج المستحبة ، وأبرزها اثنان : ان يوصي الزوج ببقاء زوجته في بيته بعد وفاته الى عام ، دون ان يجبرها الورثة على الخروج منه. وثانيا : ان يحافظ المرء على علاقته الانسانية بزوجته المطلقة ، فيتعهدها بالإحسان بالرغم من انتهاء علاقتهما الزوجية. فقال عن الموضوع الاول :

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ)

اي يوصي بان تبقى الزوجة تتمتع بالنفقة وبالسكنى الى عام. وإذا وصى الزوج ذلك ، فانه لا يعني ان يفرض على الزوجة البقاء في البيت ، بل ان يكون لها الحق في ذلك فقط.

(فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ)

فهي حرة. بعد انقضاء عدة الوفاة فيما تفعل لنفسها تستطيع ان تتزوج ، أو ان تعمل أو تسافر أو ما أشبه.

٤١٥

(وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

يهيمن على اعمال عباده ، بعزته ، ويقدر لهم الجزاء المناسب بحكمته ، وهذه الزوجة المتوفي عنها زوجها ، لا تستطيع ان تخرج من عزة الله وحكمته ان خرجت من بيت زوجها لتفعل المنكر ، ولذلك ليس من الصحيح : حجزها في البيت ، لان الله يكفيها .. فهو العزيز الحكيم.

[٢٤١] وعن موضوع استمرار العلاقة الانسانية مع المطلقات بالرغم من انتهاء الروابط الزوجية يقول ربنا :

(وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)

هذا فيما إذا انتهت فترة العدة. اما خلالها فانها كالزوجة ما يجب عليها الإنفاق بالكامل.

[٢٤٢] وبانتهاء بيان القرآن لحدود العلاقة الزوجية التي يجب الالتزام بها ، وتقوى الله فيها. بذلك ينتهي فصل من فصول التربية الاسلامية للشخصية المسلمة وبيان لمكوناتها الرئيسية. وفي الختام يذكرنا القرآن بان التقوى بدورها نتيجة لنمو العقل في المسلم ، إذ ان آيات الله في القرآن تستثير العقل ، وتحرك طاقة التفكر في الإنسان المسلم ، فيتوجه المرء الى ربه ، ويتقيه ، وبالتالي يلتزم بحدود الشريعة في كافة جوانب حياته ، لذلك قال الله :

(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)

٤١٦

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً

____________________

٢٤٣ [ألم تر] الرؤية هنا بمعنى العلم وأ لم تر ألم تعلم.

٢٤٥ [يقرض] القرض هو قطع جزء من المال بلا عطاء على أن يرد بعينه أو يرد مثله بدلا منه وأصل القرض القطع بالناب يقال قرض الشيء يقرض إذا قطعه بنابه وأقرض فلانا إذا أعطاه ما يتجازاه منه. والاسم منه القرض.

[يضاعفه] التضعيف والمضاعفة بمعنى الزيادة على أصل الشيء حتى يصير مثلين أو أكثر.

٤١٧

كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥) أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ

____________________

[يقبض] القبض خلاف البسط يقال قبضه يقبضه قبضا والقبض ضم الكف على الشيء وقبض الإنسان إذا مات.

٢٤٦ [الملأ] الجماعة الأشراف من الناس. وأصله الاجتماع فيما لا يحتمل المزيد وإنما سمي الأشراف ملأ لأنه لا مزيد على شرفهم وقيل لأن هيبتهم تملأ الصدور.

٢٤٧ [اصطفاه] أختاره.

٤١٨

عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً

____________________

[بسطة] فضيلة في الجسم والمال.

٢٤٨ [التابوت] ما يوضع فيه الميت.

[سكينة] مأخوذة من السكون .. والسكينة والسكن واحد وهو زوال الرعب.

٢٤٩ [فصل] الفصل القطع وفصل بالجنود أي سار بهم وقطعهم عن موضعهم وفصل الصبي فصالا قطعه عن اللبن.

[يطعمه] يقال طعم الماء كما طعم الطعام.

٤١٩

مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩)

____________________

[جاوزه] المجاوزة من الجواز يقال جاز الشيء يجوزه إذا قطعه.

[فئة] الطائفة من الناس.

٤٢٠