من هدى القرآن - ج ١

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-04-1
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٧٣٦

الايمان ، ولكن تبقى عقبة العادة التي لا بدّ من تجاوزها.

[٤١] أصعب ما يتعرض له المؤمنون من امتحان هو مقاومة العادة. المؤمن متعود على طريقة معينة من السلوك ، استنادا الى نصوص دينية جاءت في مرحلة معينة من مراحل الحياة ، ولكن تتبدل تلك المرحلة وتتبدل النصوص وفقا لذلك ، ولكن الفرد قد يظل أسير عاداته السابقة ، فعليه ان يبذل المزيد من الجهد حتى يقاوم عاداته السابقة ويلتزم بطاعة الله.

من هنا أخذ الله عهدا قاطعا من جميع الأنبياء ، ان يصدقوا النبي الذي يأتيهم لاحقا ويتبعوه ، ولا تأخذهم في اتباعه أنفة أو عادة أو عزة بالإثم. حاشاهم.

وفي هذه الآية يذكر الله بني إسرائيل بذلك ويقول :

(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ)

إذ ما دامت الرسالة واحدة والهدف ليس تحقيق مصالح ذاتية ، بل طموحات انسانية عامة ، فلا بد ان يسارع المؤمنون بالرسالات السابقة ، الى الايمان بالرسالة الجديدة ، والا فسوف يدفعهم التنافس الى ان يكونوا أول كافر بهذه الرسالة ، سعيا وراء كسب شارع المتدينين ، وخوفا من فقدان قاعدتهم الايمانية. كذا حذّر الله بني إسرائيل قائلا :

(وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ)

وبين ان سبب الكفر المبكّر بالرسالة قد يكون المصالح الذاتية فقال :

(وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً)

وقد يكون السبب الخوف من بعض أصحابهم من ذوي العقول المتحجرة لذلك

١٤١

قال الله لهم :

(وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)

اي اجعلوا تقواكم وخوفكم فقط مني ومن عذابي وبطشي.

[٤٢] وبعد الكفر تبدأ سلسلة من عمليات التزوير والتحريف ، أولها خلط الحق بالباطل ، وكتمان جانب من الحق وإظهار جانب آخر ، بحيث يثبت حجة أهل الباطل.

ان صاحب الرسالة يجب الا يخدع الناس فيظهر لهم الجوانب التي تبرر سلوكياته. ويخفي عنهم الجوانب التي تدين تصرفاته. وهذا ما سوف يقع فيه من لا يسارع الى إتباع الحق ، حيث حذر القرآن قائلا :

(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

[٤٣] ولكي لا يفعل صاحب الرسالة هذه الجرائم ، عليه ان يتوكل على الله ، ويستعين به عن طريق الصلاة والإنفاق. ذلك لان التنازل عن المصالح الشخصية والاستسلام المطلق للحق المتمثل في الرسالة الجديدة ليس سهلا أبدا ، بل هي بحاجة الى ما يدعمها من الصلاة والزكاة. من هنا قال الله سبحانه :

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)

وإذا كانت الصلاة لله فلما ذا تختلف صلاة عن صلاة ، ومعبد عن معبد ، ليجتمع الكل في صف واحد. ليركعوا لله الواحد الأحد ، وليمنعوا عن رسالة الله كل مظاهر المادية المقيتة.

[٤٤] إذا لم يسارع المؤمن بالرسالات السابقة الى الايمان برسالة الله الجديدة ،

١٤٢

فانه يضطر الى ممارسة الرياء والنفاق ، والتظاهر بالتدين والتنسك والعمل بالأهواء ، ذلك لان الكفر بالرسالة الجديدة ، يجعله بلا دين حقيقي فيتظاهر بالتمسك ببعض القشور وترك حقائق الدين. من هنا حذّر الله بني إسرائيل وقال :

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ)

بينما كان المفروض على هؤلاء أصحاب الرسالة ان يكونوا أكثر التزاما بالرسالة من غيرهم لأنهم يعرفون الرسالة.

(وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ)

وهل يكفي قراءة الكتاب .. بالطبع لا ، انما يجب التفكر فيه للاستفادة من جوهره ، وذلك هو العقل الذي ينبغي الوصول اليه.

(أَفَلا تَعْقِلُونَ)

[٤٥] كيف نحارب النفاق والتلوّن؟ وكيف نقول بما نعمل ونعمل بما نقول ونتجاوز بالتالي المسافة بين الادعاء والواقع؟ الجواب : بالإرادة القوية ، ولكن كيف نقوي الارادة؟ ان الارادة بحاجة الى تدريب حتى تقوى ، فهي كايّ شيء في الإنسان تنمو كلما استثمرها الإنسان أكثر فأكثر ، العضلات تشتد بالرياضة والاعصاب تقوى بمواجهة المشاكل ، والفكر ينمو باستخدامه ، وهكذا الارادة تنمو كلما استفاد الإنسان منها ، جرب ذلك وصمّم على القيام بعمل صعب ، انك سوف تجد صعوبة في ممارسته أول مرة ، ولكن كلّما قمت به أو قمت بأمثاله قلت صعوبته.

والصّلاة أفضل استثمار للارادة وبالتالي أفضل وسيلة لتنميتها انك حين تصلي لله ، تقاوم الذاتية في نفسك وتحارب طبيعة التقوقع داخل زنزانة المصالح وبتعبير أوجز تحارب الشيطان بكل جنوده.

١٤٣

وحين الصلاة تهجم عليك وساوس الشيطان لتبعدك عن الاتصال بالله فتراك تركز نظرك في الله والشيطان يصرفك الى اي شيء أخر غير الله. الى الدراسة الى التجارة الى مشاكل البيت و.. و.. ولا تزال في حالة حرب حتى تنتهي الصلاة وهكذا سمي محل اقامة الصلاة (محرابا) لأنه فعلا موقع حرب.

وهكذا تكون الصلاة تجربة للارادة وممارسة لها ، بالاضافة الى انها تقربك الى الله رب كل شيء مما يشيع في نفسك الثقة لمقاومة أسباب الضعف من الخوف والرغبة.

والصبر ومن مظاهره العملية الصيام وهو الآخر ـ تجربة للارادة ـ فهو يدع الإنسان يتطلع للمستقبل ولا يفكر في حاضره فقط والصبر بما يمثل من تطلع الى المستقبل بما فيها من ثقة بالله ، قوتان هائلتان يجب الاستعانة بهما.

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)

لمقاومة ضعفنا الداخلي ، ولكنّ الاستعانة بالصبر والصلاة ، صعبة هي الاخرى فكيف نصبر وكيف نصلي؟ الجواب : علينا ان نخشع ونذلل غرور أنفسنا وكبريائها الكاذب ، بالتفكر الدائم في الآخرة حيث نتصور أنفسنا وقوفا امام الله في المحكمة الكبرى ، حيث «لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ». ان الخشوع يدفعنا الى الصبر والصلاة ، لذلك قال الله :

(وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ)

[٤٦] والخشوع بدوره ياتي من (تصور) المعاد :

(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ)

١٤٤

[٤٧] لذلك يذكر الله بني إسرائيل بذلك اليوم الرهيب وبما أنعم عليهم من الهدى ، والذي تسبب في ان يصبحوا أفضل الناس أجمعين فيقول :

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ)

[٤٨] (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)

فاذا كانت الحياة الدنيا هي هدف الإنسان ، فعليه ان يتذكر انه لن ينالها إلّا بالتمسك بهدى الرسالة. وإذا كانت الحياة الآخرة هي الهدف الأسمى ، فلا بد ان نتقي يوما توضع فيه الموازين العادلة ، ليأخذ كل إنسان جزاءه ، ولا يغني عنه أحد شيئا ، ولا يشفع له (الا بإذن الله) ولا يقبل عنه بديل ، ولا يمكن ان ينصر الكافرون.

١٤٥

(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩) وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى

_________________

٤٩ [فرعون] اسم لملك العمالقة كما يقال لملك الروم قيصر ولملك الفرس كسرى ولملك الترك خاقان ولملك اليمن تبع فهو على هذا بمعنى الصفة.

[يسومونكم] السوم أصله الذهاب في ابتغاء الشيء ، وهو إرسال الإبل في المرعى وبمناسبته للمعنى المحدد وللعلم هنا ان فرعون كان يرسلهم الى حيث العذاب السيء كما لو أرسل الإبل للمرعى ..

وسوء العذاب هو أليمة وشديدة.

[يستحيون] أي يستبقون.

[البلاء] الامتحان والاختبار.

٥٠ [فرقنا] الفرق هو الفصل بين شيئين إذا كانت بينهما فرجة والفرق الطائفة.

١٤٦

أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ

___________________

٥٥ [لن نؤمن لك] أي لن نصدقك.

[جهرة] الجهر والعلامة والمعاينة نظائر يقال جهر بكلامه وبقراءته جهرا إذا أعلن وحقيقة الجهر ظهور الشيء معاينة.

[الصاعقة] على ثلاثة أوجه «أحدها» نار تسقط عن السماء كقوله (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) ، و «الثاني» الموت في قوله «فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» وقوله (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) و «الثالث» العذاب من قوله «أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ ...» ٥٦ [بعثناكم] البعث إثارة الشيء من محله ومنه يقال بعث فلان

١٤٧

بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩) وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ

___________________

راحلته إذا أثارها من مبركها للسير ، ومنه يقال ليوم القيامة يوم البعث لأنه يثأر الناس فيه من قبورهم لموقف الحساب. وأصل البعث الإرسال.

٥٧ [ظلنا] الظلة والسترة والغمامة نظائر يقال ظللت تظليلا والظل ضد الضيح ونقيضه. وظل الشجرة سترها ويقال لسواد الليل ظل لأنه يستر الأشياء.

[الغمام] السحاب والقطعة منها غمامة وانما سمى غماما لأنه يغم السماء أي يسترها وكل ما يستر شيء يسمى غمه.

١٤٨

اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ

___________________

٦١ [أدعوا] الدعاء أصله النداء. وكل من يدعو ربه فهو يناديه.

[تنبت] الإنبات إخراج النبات وأصله من الظهور فكأنه ظهر إذا أنبت.

[بقلها] البقل كل نبات ليس له ساق. وهو ما ينبته الربيع.

[فومها] الفوم الحنطة وقيل هو الثوم بابدال الثاء مكان الفاء.

[أدنى] أي أقرب وأدون كما تقول هذا شيء مقارب أو دون ويجوز أن يكون أدنى من الدناءة وهي الخسة.

[ضربت] أي فرضت ووضعت عليهم والزموها ، من قولهم ضرب الامام الجزية على أهل الذمة.

[الذلة] المشقة والهوان.

١٤٩

اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))

___________________

[المسكنة] مصدر المسكين والمسكنة هنا مسكنة الفاقة والحاجة وهي خشوعها وذلها.

[باءوا] أي انصرفوا ورجعوا ولا يقال باء الا موصولا! إما بخير وإما بشر وأكثر ما يستعمل في الشر ، ويقال باء بذنبه يبوء به.

١٥٠

دور رسالات الله في بناء الحضارات

هدى من الآيات :

لا تزال الآيات تتحدث عن ذات الفكرة التي بدأها القرآن ، حين ذكّر بانّ الذين يتمسكون بالرسالة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ويقص علينا من حياة بني إسرائيل قصصا ، تدل على ان رسالات الله كيف تقوم بدور المنقذ للإنسان المعذب والمحروم ، كبني إسرائيل في عهد فرعون ، ثم كيف يقود الأنبياء هذا الإنسان الى بر الامان.

ومن ثم كيف تربّي الرسالة ، الإنسان ، ثقافيا ، واجتماعيا ، وعلميا ، وعمرانيا ، ليتخلص من رواسب جاهليته ، ثم تنير امامه صراط المدنية ، وتزوّده بوسائل الكلاء والماء ..

ثم كيف تهدد المدينة والرخاء المجتمع الرسالي ، فتحوّله الى مجتمع ضعيف متهاوي.

١٥١

ابرز القرآن هنا دور الرسالة الإلهية في تكوين الحضارة البشرية ومن خلالها ، وقد ذكّرنا ببعض العوامل الاخرى التي نشير إليها إنشاء الله فيما يلي.

بينات من الآيات :

[٤٩] اين كان بنوا إسرائيل؟

أبوهم الكبير إبراهيم (عليه السلام) كان في العراق ثم هاجر الى فلسطين. ولكن حفيد إبراهيم يعقوب انتقل هو وأبناؤه الاثنى عشر الى مصر في قصة يوسف. ودارت الأيام وتحولوا من شعب جاء مصر ملكا ، الى طوائف محرومة ، مستضعفة ، ومستثمرة من قبل فراعنة مصر. وكانوا بحاجة الى قائد ورسالة ، فأرسل الله موسى نبيا ، وانزل معه التوراة رسالة ، فجّرت فيهم طاقاتهم ، وقادهم عبر البحر الى جزيرة سيناء ، ومن ثم الى فلسطين. هكذا استطاع الإنسان ان ينتصر على المستغلين والطواغيت بفضل الرسالة الإلهية.

ويذكّر القرآن بني إسرائيل بهذه القصة ، ليقول لهم : إنّهم لو تركوا رسالة الله ، لعادوا مرة اخرى ، امة مستضعفة محرومة. وهكذا يذكّر الامة الاسلامية بهذه الحقيقة أيضا ، وهي : ان التمسك بالهدى الذي أنزله الله ، والتمحور حوله ، هو الكفيل بضمان استقلالهم وحريتهم ... يقول الله سبحانه :

(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ)

اي يذيقونكم عذابا أليما يتمثل فيما يلي

(يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ)

انهم كانوا يقتلون أبناء النساء الخادمات لكي لا تنشغل النساء عن خدمتهم. أو كانوا يفعلون ما هو أعظم وأشد ضررا على كرامة الإنسان.

١٥٢

(وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)

انه شر عظيم ، ولكنه ـ بالرغم من ذلك ـ اختبار (بلاء) يمكن ان يتمخض عن ارادة قوية في التحدي والصمود ، وبالتالي في التحرر الحقيقي.

[٥٠] ولكن لم يستطع بنوا إسرائيل الخلاص من كل تلك المأساة الا بفضل الرسالة الإلهية ، إذ جاءت ، ووحدتهم ، وأنقذتهم من ويلات الطغاة.

(وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ).

وكم هي رائعة ان ينظر المحروم الى جلّاده : تتقاذفه أمواج البحر ، جزاء على جرائمه.

[٥١] الطاغوت انتهى ولكن آثار سيطرته لم تزل كامنة في النفوس ، وبارزة في التصرفات ، متمثلة في حالة الاستسلام والهزيمة النفسية والتعّود على الخضوع. من هنا تركهم قائدهم ومنقذهم عدة أيام ، فلمّا عاد إليهم فاذا بهم يسجدون للعجل. لأنهم لا يزالون عبيدا في نفوسهم بالرغم ، من تحررهم الظاهر. هؤلاء كانوا بحاجة الى ثورة ثقافية قوية تحرر نفوسهم من الذل والخنوع. كما كانوا بحاجة الى ثورة اجتماعية تخلصهم من عبودية الرأسمالية العفنة التي كانت مرتبطة بنظام فرعون الطاغوتي. وكانوا أيضا بحاجة الى ثورة علمية ترفعهم عن حضيض الماديات ، الى عالم التوحيد الخالص. ثم انهم يحتاجون الى ثورة عمرانية تهديهم الى بناء المدن وزراعة الأرض.

وفيما يلي نجد كيف ان رسالة الله فجرّت هذه الثورات في واقع بني إسرائيل حتى استطاعوا بناء امة مجيدة.

الف : ذهب موسى الى طور سيناء ، ليتلقى الوحي فلما عاد وجد قومه في نكسة جاهلية.

١٥٣

(وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ)

هذه كانت مشكلة عقائدية (إيديولوجية) حلها موسى (ع) بإذن الله وقال الله تعالى :

[٥٢] (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

[٥٣] (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)

ماذا فعل موسى (ع) عفا عنهم بأمر الله ثم تلا عليهم الكتاب (وفيه الرؤى العقائدية العامة) والفرقان (وفيه التعاليم التفصيلية للحياة) فصحح بذلك رؤاهم وعلمهم كيف يقتلعون من أنفسهم جذور الاستعباد حتى لا يعودوا الى عبادة المال (العجل) مرة اخرى هذه كانت ثورة ثقافية.

[٥٤] باء : ولكن انتهاء عبادة المال ، من قبل أكثر الامة ، لم تدل على انتهاء دور الثروة في تهديد تحرر الامة اجتماعيا. إذ كانت هناك طبقة قد أشربت قلوبهم بحبّ العجل. وكانت الامة بحاجة الى عملية تطهير ، لتصفية العناصر الخبيثة منها.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

[٥٥] جيم : وبقيت المشكلة الثالثة هي التي نسميها بالمشكلة الايدلوجية ، حيث كان لا بد من ثورة علمية توحيدية ، تخلص الامة من رواسب الجاهلية المادية ، المتمثلة في تصور الله في شيء مادي ، وبالتالي تقديس الأشياء ، انطلاقا من الباسها ثوب الالوهية. والامة لا تصبح متحررة بالكامل ، الا إذا تحررت من تقديس اي شيء أو شخص من دون الله سبحانه. إذ لو لا ذلك لكانت الامة معرضة للاستعباد.

١٥٤

فالامة التي تقدّس الأصنام ، لا بد ان تستعبدها الأصنام أو كهنة الأصنام. والامة التي تؤله عيسى (ع) لا بد ان يستعبدها كهنة الكنيسة. والامة التي تقدس الأولياء على أنهم قد دخلتهم روح من الله ، لا بد ان يستعبدها المنتسبون الى أولئك الأولياء.

من هنا حرصت الرسالة الإلهية على إنقاذ البشرية من جاهلية الشرك ، لتصبح حرة كريمة لا تقدس الا الله سبحانه. ولا تطيع الا من امر الله بطاعته.

(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ).

اختار موسى من قومه سبعين رجلا ليرافقوه الى الطور ، ولكنهم سرعان ما استبدت بهم جاهليتهم الاولى وقالوا : أرنا الله والا سوف نعود كفارا. فاذا بصاعقة من السماء تحرقهم جزاء كفرهم الصريح.

[٥٦] (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

وكانت هذه الهزة كافية لتصفية نفوس هؤلاء من رواسب الشرك وتسبيح الله وحده.

[٥٧] دال : وبعد ان أنقذ الله بني إسرائيل برسالته الكريمة عن مشاكلهم (استعباد فرعون ، عبودية العجل ، طبقة أصحاب العجل ، رواسب الشرك) أسبغ عليهم مختلف النعم المادية وقال سبحانه :

(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى)

فهناك نعمة السكن ونعمة الغذاء. والمن هو الحلوى. والسلوى هو طير معروف.

(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ)

١٥٥

ولكنهم كفروا بأنعم الله .. مثلما يحدثنا القرآن بعدئذ.

(وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)

انهم أرادوا الدخول في المدينة ، وكانت تلك نكسة لهم. إذ الاستقرار كان سيفقدهم الكثير من مزاياهم ، ومنها بالطبع حريتهم وقدرتهم على مواجهة أعدائهم. ولكنهم تعبوا من حياة البدو ، وأسلموا أنفسهم للخفض والدعة. فقال لهم الله : اهبطوا مصرا.

[٥٨] (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً).

ولكي يضمن لكم الاستقرار في المدينة فعليكم التزام الطاعة لله ، والتضرع وحسن السلوك.

(وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً)

لله

(وَقُولُوا حِطَّةٌ)

اي توبة الى الله.

(نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ).

[٥٩] ولكن ، يبدو انهم لم يطبقوا تعاليم الله ، فأخذوا يتكبرون ويسرفون ويقولون حنطة خير لنا من حطة ..

(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ)

١٥٦

متمثلا في نقص في الثمرات ، وخلاف عريض بينهم على مغانم المدينة. حسبما يذكره القرآن في آية آتية. والسبب في ذلك الرجز هو فسقهم ، وابتعادهم عن تعاليم الله.

[٦٠] تلك كانت نعمة الاستقرار التي أسبغها الله عليهم ، ولكنهم كفروا بها. وهذه نعمة الماء الأشد ضرورة للعمران يسبغها عليهم ربنا ويقول :

(وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ)

لأنهم كانوا اثنتي عشرة قبيلة مختلفين. وكان من المفروض الا تتدخل حياتهم مع بعضهم لوجود الحساسيات القديمة بينهم.

(كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ)

ولكن مع توافر النعم تنمو عند الإنسان حالة الطغيان ويقوم بالاعتداء على الآخرين ، أو الإسراف في استهلاك المواد. من هنا حذّرهم الله فقال :

(وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)

[٦١] كان بنوا إسرائيل امة بدوية ثم تحضرت. ولكنها لم تستطع ان تقاوم سلبيات التحضر فاستعبدها فرعون في مصر ، وتجذرت بذلك حالة العبودية في نفوسهم. فأصبحوا ضعفاء جبناء مختلفين لا يثق بعضهم ببعض. ثم قادهم النبي موسى (عليه السلام) الى سيناء. وتربّى في الصحراء جيل منهم استعادوا بعضا من خصائصهم الاولى التي تميزوا بها حين كانوا بدوا. ولكن كثيرا من اثار مرحلة العبودية لم تزل في نفوسهم. وحين طلبوا من نبيهم ان يأذن لهم بالعودة الى فلسطين والاستقرار في المدن ، لم يكن في صالحهم ذلك إذ ان اثار العبودية والتي منها

١٥٧

الاختلافات المتجذرة في نفوسهم ، كانت تهددهم بالانحراف مرة اخرى وتحطيم حضارتهم.

بيد انهم أصروا على ذلك فلما (هبطوا مصرا) عادت إليهم سلبيات الحضارة كما يحدثنا عنها القرآن.

(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ)

فهبطوا مصرا وشاعت في أنفسهم صفات الجبن واللاثقة والفردية ، وفقدوا الروح العسكرية التي اكتسبوها في الصحراء وكانت النتيجة ..

(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ)

ومع العبودية السياسية تأتي العبودية الاقتصادية. إذ لا يستعبد الطغاة الناس الا لكي يستثمروا طاقاتهم ، ويستفيدوا من خيراتهم. فضربت عليهم المسكنة أيضا.

(وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ)

حتى كادوا يفقدوا قوتهم اليومي. ولكن لماذا؟ لأنهم كفروا بمنهج الله في الحياة وتركوا الالتفاف حول رسالتهم ، والانتماء إليها ، دون الانتماء الى العنصريات المقيتة. وتركوا الاهتمام بتعاليم الدين في العمل الصالح والتعاون عليه ، والجهاد من أجل الدين.

وزادوا ضعفا واستسلاما حين حوّلوا عنفهم الى الداخل ، فأخذوا يصفّون العناصر الخيرة فيهم ، ويقتلون الأنبياء لأنهم يأمرونهم بالعودة الى رسالتهم.

١٥٨

ولم يكونوا يكفرون بآيات الله ، ويقتلون النبيين لو لم يعصوا الله سبحانه منذ البدء ، في تنفيذ تعاليمه. إذ ان العصيان لا بد ان ينتهي بالكفر ، كما ان الاعتداءات البسيطة ضد بعضهم تعاظمت حتى اعتدوا على المصلحين الكبار في مجتمعهم وهم الأنبياء عليهم السلام. يقول الله سبحانه :

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ)

ان كل امة تنتهي بانتشار روح العصيان والاعتداء فيها ، إذ تنمو هذه الروح الخبيثة حتى تقضي على قيم الامة وعلى الصفوة الصالحة فيها. وماذا تبقى من الامة لو انتهت قيمها ورجالها الصالحون؟

وكلمة اخيرة :

ان تعبير القرآن في هذه الآيات يوحي إلينا بان الله هو مصدر كل نعمة ظاهرة وباطنة ، وهو كذلك مصدر الوحي. وعلينا ان نقبل بهما معا (النعم والوحي) ولا يمكن ان نقبل بواحدة دون اخرى.

[٦٢] كيف اعتدى هؤلاء على بعضهم؟ وعصوا ربهم في ظلم بعضهم ، وبالتالي في الكفر بالله وقتل أنبياء الله؟ انهم حتى الأمس القريب كانوا امة صالحة؟

الجواب :

ان الاعتداء يبدأ فرديا ، وينشأ من نوازع ذاتية شيطانية (كاعتداء قابيل على هابيل) ولكن مع تطور الظروف ، يتحول الاعتداء الى حالة اجتماعية ، وذلك عن طريق تقولب الاعتداء في إيديولوجية عنصرية مقيتة ، توحي الى كل طائفة انها هي

١٥٩

شعب الله المختار ، وان الله أعطاها صلاحية استعباد الآخرين.

وقد انتشرت هذه الأيدلوجية الفاسدة ، في بني إسرائيل (كما يحدثنا القرآن الكريم في أكثر من مناسبة) واتخذت دعما لها من القشرية الدينية ، بالاعتماد على بعض النصوص المجملة وتفسيرها بما يتناسب مع العنصرية.

وجاء القرآن لينسف أسس العنصرية ، وبالتالي : أسس الاعتداء المنظم على الآخرين فقال :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

ان الله يريد الايمان والعمل الصالح ولا شيء وراءه ، إذا دعنا نتنافس على هاتين القيمتين دون غيرهما. ويوم القيامة سيحكم الله بحكمه العادل.

١٦٠