من هدى القرآن - ج ١

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-04-1
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٧٣٦

أـ تحدث القرآن عن ذلك ، بعد ان اعطى صورة واقعية عن الهزيمة ، هي صورة الفرار عن المعركة دون نظر إلى ورائهم توغلا في حب الذات.

(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)

وهنا كان يعالج الرسول الهزيمة في نفوسهم ، بتذكيرهم بالآخرة وضرورة التضحية ، لان أفضل علاج لحب الذات هو التذكير بالله واليوم الآخر.

ب ـ ثم بين القرآن بعد إعطاء هذه الصورة عن الهزيمة ، ان الهزيمة ذات اثار سلبية تتجاوز ساحة المعركة.

[١٥٤] المؤمن بشر ، يتعرض لعوامل الهزيمة ولكنه يتغلب عليها بفضل الايمان بالله الذي يعينه على ذاته ، ويملأ قلبه بالاطمئنان ، ومن ثم يملأ جسمه بالراحة. ذلك لأن اطمئنان القلب ينعكس على سلامة الجسم ، وقدرته على مواجهة المواقف الصعبة.

اما المنافق فلان ايمانه كان مجرد سراب يخادع نفسه به ، ويحاول ان يخدع الناس ، لذلك فان عوامل الهزيمة تؤثر في نفسيته ، ولا يشفي منها ، ولذلك فهو يتعلق بذاته ويخشى عليها ويظن بالله ظنون السوء الباطلة ويقول : نحن منهزمون لا محالة ويحتج على فكرته اليائسة بعدد القتلى ، ولكن الله يدحض حجته ، ويذكره بان الله هو الذي يقدر المستقبل ، وليس ظن المنافق المشحون بعوامل اليأس والخوف والهزيمة ، ثم ان القتلى هم الذين قدر الله لهم ان يستشهدوا لكي يتم اختيار الناس ، وتطهير قلوب المؤمنين منهم ، ولو شاء الله لمنع القتل من أيّ فرد من المؤمنين ، والله يقدر الموت بوسائل شتى ، وحتى لو لم يكن القتال مشتعلا إذا لاستشهد طائفة من المؤمنين بأسباب اخرى ، مثلا : بفعل غارات الكفار عليهم في عقور دارهم.

٦٨١

(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ)

هم المؤمنون وحدهم والغم هو حالة انعدام الرؤية في القلب ، حيث تظلم النفس بسبب خوف شديد منشأه حب الذات والخوف عليها. والنعاس حالة الراحة الجسدية المنبعثة من راحة نفسية واطمئنان كاف.

(وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ)

انهم يمارسون الظن الباطل الذي يشبه ظنون الجاهلية ، وذلك لأنّهم يقيسون أوضاعهم بعد الإسلام باوضاعهم قبله ، فيزعمون أنّ مقياس النصر أو الهزيمة ، هو بضعة قتلى أو جرحى ، يبعدون ـ من جهة أخرى دور الله ورسوله ورسالته في القوة العسكرية وتحقيق النصر.

والظن الذي يظنونه هو : انهم :

(يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ)

انهم يهتمون بأنفسهم أكثر من اهتمامهم بالرسالة ، ويريدون الوصول سريعا الى المكاسب الشخصية ، وبدون التضحيات.

(قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)

وعليكم ان تفكروا في انتصار الرسالة التي يرعاها الله ، لا انتصاركم أنفسكم.

(يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ)

انهم يخفون حب الذات. والخوف الشديد عليها ، وعدم الايمان بالله ، وعدم الاهتمام في تقدم الرسالة.

٦٨٢

(يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا)

وكأنّ مقياس الانتصار هو انتصار أشخاصهم ، لا انتصار الأمة كأمة ، أو انتصار الرسالة الإلهيّة.

(قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ)

ذلك لان هؤلاء الذين قتلوا إنما هم غيركم ، ويختلفون عنكم ، هؤلاء قوم ناداهم ربهم للاستشهاد فلبوا النداء ، وحين كتب عليهم القتل أسرعوا إلى الشهادة ، حتى ولو لم تكونوا تبرزون أنتم الى المعركة.

والله قادر على ان ينصر رسالته من دون اية تضحيات ، ولكنه لا يفعل ذلك أو تدري لأية حكمة؟ لأهمية التضحيات في كشف العناصر المنافقة ، وفي تطهير قلوب العناصر المؤمنة.

(وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)

دور الذنوب في الهزيمة :

[١٥٥] ويبقى ان نعرف الأسباب الأساسية وراء هزيمة طائفة وامنة طائفة ، هل هي أسباب وقتية تمليها مواقف الطرفين داخل المعركة ، أم تمتد إلى خارج المعركة.

الجواب : بل هي امتداد لما قبل المعركة ، وما المعركة الا كالنار التي تكشف الذهب عن غير الذهب ، ان الرجل المؤمن الذي يتحمل مسئولياته الايمانية كاملة ، هو الذي يثبت في المعركة ، اما الذي لا يلتزم بواجباته الايمانية ويكتسب المعاصي فانه

٦٨٣

ينهزم في المعركة.

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا)

فهم قد كسبوا السيئات فأصبحت تلك السيئات مدخلا للشيطان الى قلوبهم ، توسوس عليهم وأضلهم عن الاقدام في سبيل الله.

(وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)

وأعطاهم مهلة جديدة ليمارسوا فيها اختيارهم ان خيرا أو شرا.

[١٥٦] المؤمن يرى في الشهادة حياة جديدة ، اما الكافر فانه يراها نهاية أبدية للحياة ولذلك يتحسر كلما سقط شهيد من إخوانه وأقاربه ، وكان الكفار من أهل الكتاب يحسبون الموت نهاية (بالرغم من عقائدهم الدينية بخلاف ذلك) ، وإذا قتل أحدهم في المعركة فان قتله كان يدعوهم الى ترك القتال ، لأنه يحسب خسارة ، وينعكس في صدورهم حسرة ، ولقد نهى الله المؤمنين عن هذه الحالة لأنها كفر بالله وباليوم الآخر.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ)

وهاجروا من بلد الى بلد في سبيل الله ، أو ذهبوا لتحقيق مهام رسالية ثم ماتوا.

(أَوْ كانُوا غُزًّى)

يقاتلون في سبيل الله فقتلوا ، كانوا يقولون لهؤلاء.

(لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا)

٦٨٤

ان هذه النظرة الكافرة الى الموت أو الى القتل جعلتهم يتحسرون كثيرا لقتلاهم.

(لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ)

وهل الموت خاص بمن يضرب في الأرض ، أو يقاتل في سبيل الله؟ وهل الحياة خاصة بمن يحتضن بيته كلا .. الله يقدر الموت والحياة كما يشاء.

(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

فلا يبخس جزاء من يسافر ويقاتل في سبيله.

[١٥٧] فاذا بقي الإنسان فانه يتسلم جزاءه من الله غير منقوص ، واما إذا مات فانه يذهب الى رحمة الله.

(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)

اننا كبشر نتعرض لضغوط الشهوات ، وقد نسقط ونكتسب السيئات ، فاذا أدركنا الموت فان تلك السيئات تلاحقنا ، وتتحول هناك الى عذاب شديد. اما إذا قتلنا في سبيل الله فان الشهادة تمحي الذنوب كلها.

وطوبى لمن مات طاهرا من الذنوب انه يدخل الجنة بغير حساب.

[١٥٨] العمل لله والموت ، أو القتل ، مدخل الى رحمة الله فلما ذا يخاف المؤمن الصالح منهما.

(وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ)

٦٨٥

فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠) وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ

____________________

١٥٩ [فظا] : الغليظ الجافي القاسي القلب.

[عزمت] : العزم عقد القلب على الشيء تريد ان تفعله.

[توكل] : أي فوض الأمر الى الله وثق بحسن تدبيره.

١٦١ [يغل] : أصل الغلول من الغلل ، وهو دخول الماء في خلل الشجر. والغلول الخيانة ومنه الغل الحقد.

٦٨٦

اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣) لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤)

____________________

١٦٢ [باء] : رجع.

[سخط] : ارادة العقاب لمستحقه.

٦٨٧

ظروف الهزيمة ، ومسئوليات القيادة

هدى من الآيات :

في جو الهزيمة التي عاشها المسلمون ـ بعد واحدة من معاركهم الصعبة (أحد) ـ تنتشر الشائعات المغرضة ، وتطفو على السطح النفسيات المنافقة والمترددة ، ويكون من واجب الرسالة ترصد هذه النفسيات لمعالجتها ، أو إبعادها عن الساحة كما يجب عليها ترقب شائعاتها الضالة ، لدحضها وتبديلها بأفكار ايجابية بناءة ، والقرآن إذ يعالج هذه الأمور بشيء من التفصيل يعالج ـ أيضا ـ موضوع القيادة ، باعتبارها مما يتعرض للنقد ولا سيما في ظروف الهزيمة.

ان المنافقين والانهزاميين من المسلمين ، أخذوا ينالون من كفاءة بل من أمانة قيادة الرسول لهم ، وكذلك تفعل الفئات المنافقة والمنهزمة مع كل قيادة في ظروف النكسة ، بيد أن القرآن يدحض هذه الفكرة فيما يخص رسول الله بالذات ، وفيها يخص كل قيادة امينة اتبعت نهج قيادة الرسول بصفة عامة ، ذلك النهج الذي تتحدث عنه الآيات وهو اللين والعفو والاستغفار (محاولة إصلاح الناس بشتى

٦٨٨

الطرق) والمشاورة والعزم والتوكل.

ثم يتحدث عن أمانة الرسول كرسول ، وأمانة كل قائد رسالي ذي سوابق في التضحية فيما يرتبط بالمهمة التي نسبت الى الرسول ، والبعيد جدا عن طبيعة الامة. ثم يختم الحديث ببيان درجة الرسول ، وكرامة الله للانسانية بأن بعثه إليها.

[١٥٩] من أبرز صفات القائد ، ايّ قائد سعة الصدر والقدرة على تحمل الناس ، بما فيهم من سوء خلق ، وتناقض ، وجهل ، وانحراف ، وسعة الصدر بدورها لا تأتى للقائد الّا إذا كان هادفا ، يحمل في قلبه رسالة عظيمة يستهين من أجلها بالصعوبات التي يلاقيها من قبل الناس ، ولذلك ربط القرآن بين لين الرسول ، وبين رحمة الله (المتمثلة في رسالته).

(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)

خصوصا وإنّ مجتمع أهل الجزيرة العربية ـ كما كل مجتمع بدائي خشن ـ قد تشبّع بالعنف بما فيه الكفاية ، كان يحتاج الى قدر كبير من الليونة ، حتى يجتمع ويفكر في تصفية مشاكله بالتي هي أحسن.

بينما المجتمعات المتحضرة التي تعودت على الدعة ، فانّ الليونة قد لا تنفيها دائما مثل قوم موسى الذي كان نبيهم موسى (ع) شديدا معهم ، لأنّهم فقدوا إحساسهم بالكرامة.

والقائد يجب أن يربي نفسه على صفة الليونة ، حتى لا تفلت منه كلمة نابية فيجر قومه الى شر مستطير. والليونة تعني الصفات التالية :

(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)

٦٨٩

الناس تكون فيهم صفات سيئة ، واعمال خاطئة ، وعلى القائد ان يصلحها ولكن بالحكمة.

ذلك أن هذه الصفة إنما هي نتيجة ظروف تربوية ، واجتماعية ، واقتصادية معيّنة ، فلا يتحمل الفرد كلّ مسئولياتها وبالاضافة الى ذلك ، فان رؤية الفرد الى تلك الصفات ، والأعمال ، قد لا تكون مثل رؤية القيادة فعليها ان تصلح رؤيتهم ، قبل إصلاح صفاتهم أو أعمالهم.

من هنا يجب أن تتعود القيادة على العفو ، ولكن لا يعني العفو السكوت الى الأبد عن الانحراف ، بل يجب العمل من أجل إصلاحه. وذلك بالاستغفار (طلب الغفران من الله) ، والدعاء بالمغفرة ـ كأي دعاء آخر ـ يجب ان يقارن بعمل مناسب ، وهو محاولة الإصلاح.

ثم ان القيادة يجب ان تقوم برفع مستوى الناس ، وذلك عن طريق التشاور. ذلك ان التشاور يجعل الناس يتحسسون بمسؤولياتهم ، فيفكرون في شؤونهم بجدية أكثر ، ويحاولون إصلاح أنفسهم بأنفسهم ، كما ان القائد يضطر من خلال التشاور الى بيان مختلف وجوه الأمر للناس ، مما يعمق فيهم معرفتهم بالحياة ، ويجعلهم أكثر إحساسا بواجباتهم تجاهها.

بيد ان هذه الصفات يجب الا تنزل القائد الى مستوى منسق بين الآراء ، أو الإرادات فقط ، بل عليه ان يحتفظ بحقه في اتخاذ القرار الحازم. ذلك لان الامة التي تفقد (القرار) تفقد كل شيء ، لان القرار هو الذي يتجاوز الاختلافات ، ويعطي دفوعات هائلة للامة باتجاه تجاوز العقبات ، التي تضخمها عادة الخلافات في الرأي.

من هنا فقد قال الله :

٦٩٠

(فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)

القائد يجب ان يكون صاحب قرار ، ولكن القرار يحتاج الى قوة ارادية هائلة ، من أين يأتي بها القائد؟ من التوكل. ذلك ان التوكل على الله (وليس على الناس) يجعل القائد سابقا لأمته ، رائدا في مسيرتهم ، يعطيهم أبدا روحا جديدة ، ويجعله أكثر حزما وإقداما .. وبالتالي أكثر قدرة على تفجير طاقات أمته وتحريك فاعلياتها.

[١٦٠] وبمناسبة الحديث عن التوكل ، يذكرنا القرآن بدور التوكل في حياة المؤمنين ويقول :

(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

فليست القيادة وحدها التي ينبغي أن تتوكل على الله ، بل المؤمنون أيضا ، وذلك لان النصر الحقيقي آت من الله ، ومن رسالته التي يتمسك بها المؤمنون ، وليس من قوة السلاح أو كثرة العدد.

[١٦١] ويتابع القرآن حديثه عن القيادة ، وعن الشكوك التي حامت حولها بسبب جو الهزيمة ، والشائعات المفروضة ، التي بثها المنافقون وزرعوها في النفوس الضعيفة ، ويقول :

(وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ)

النبي الذي اختاره الله ليس ممن ينطوي قلبه على نية سوء لأمته ، ويتظاهر بغيرها ، ذلك ان هذه الازدواجية سوف تنكشف في يوم القيامة ، حيث تبلى سرائر الناس جميعا.

٦٩١

والغل أنواع ، أبرزها خيانة القيادة في أموال الأمة. والرشوة ، والسرقة ، والضغينة ، كلها غل ، وازدواجية ، ونفاق ، يبتعد عنها القائد وبالذات الرسول.

(ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)

الذين يخونون أمانتهم ، ويسرقون أموال الامة ، إنهم سوف يعرضون للحساب أمام الله ، حيث يجازون بعدالة تامة.

[١٦٢] والطريق الوحيد لمعالجة الغل هو تطهير نفوس القادة ، وان يكون هدفهم من مسئولياتهم المناطة بهم رضوان الله ، وليس الوجاهة عند الناس ، أو الحصول على مكاسب مالية أخرى.

(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)

أي ليس سواء الرجل الذي يجعل رضى الله هدفه الذي يحدد مسيرته ـ والذي يتمثل في إتباع الرسول وقيادته الامينة ـ بينه وبين ذلك الرجل الذي يجعل مكاسبه الشخصية هدفه ، كالمنافقين الذين يشيعون حول الرسول الأقاويل الكاذبة ، ثم تكون حصيلتهم النهائية ، انهم يعودون بسخط من الله في الدنيا ، وجهنم في الآخرة.

[١٦٣] ليس المؤمنون سواء ، فمنهم من يشبه في بعض مواقفه المنافقين ، ومنهم من هو في أعلى القمم ، وكذلك المنافقون درجات مختلفة ، ويجب إلّا يساقون بعصى واحدة ، بل يحسب لكل فرد منهم أو فئة منهم حسابه الخاص.

ذلك ان الايمان أو النفاق ممارسة عملية أكثر منها أقوال حدية ، والممارسة تختلف حسب الأعمال الايمانية أو النفاقية ، والله يعلم درجات المؤمنين والمنافقين ويحاسبهم عليها حسب أعمالهم.

٦٩٢

(هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ)

[١٦٤] القيادة التي يديرها رسول الله ، لا تقاس أبدا بالقيادات الجاهلية التي تشيع الدعايات المغرضة ، وعلى الامة أن تعرف واقع كلتا القيادتين ، وطبيعة الاشاعات المغرضة ، وإلّا تنساق وراء كل قوّال لا يعرف غير صناعة الكلمة الكاذبة والقول الباطل.

على الامة ان تفكر لدى تقييمها لهذه الاشاعات (وفي ظروف الهزيمة بالذات) تفكر من هو رسول الله؟ وما هي رسالته؟ ومن هم أعداؤه؟

(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)

هذا رسول الله الذي أنعم الله به على المؤمنين ، حيث بعثه برسالته لكي يربيهم على التقوى ، ويعلمهم دستور حياتهم الثابت ، ونظام حياتهم المتغير (الكتاب والحكمة) ، ويخرجهم من ضلالتهم السابقة الى نور الهدى.

فهل من الصحيح ان تقبل فيه الاشاعات المغرضة ، الصادرة من القيادات الجاهلية؟

ان الناس بحاجة الى توعية لكي يقيّموا الكلام ، خصوصا وإنّ الطواغيت والظلمة في كل عصر ، يستخدمون الكلام الباطل لتبرير ظلمهم للناس ، ومحاربتهم لدعاة الإصلاح. ولو لا أنّ الناس يرتفعون الى مستوى التقييم السليم ، فإنهم لن يتخلصوا من الطغيان والظلم. وعلى الناس ان ينظروا الى الممارسات العملية ، ولا ينخدعوا بالألفاظ البراقة.

٦٩٣

أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥) وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ

____________________

١٦٨ [فادرؤا] : ادفعوا.

٦٩٤

بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)

____________________

١٧٣ [حسبنا] : كافينا.

٦٩٥

لماذا نخسر؟ وكيف ننتصر؟

هدى من الآيات :

لا تزال الآيات القرآنية تبين واقع الهزيمة ، والصبر ، الذي يجب ان تستفيد الامة منه ، فتبدأ بالحديث أن الهزيمة في معركة واحدة لا تعني الهزيمة أبدا ، إذ أنّ الامة التي انهزمت الآن كانت قد ألقحت سابقا هزيمتين بأعدائها ، ثم تبين ضرورة الهزيمة لكشف حقيقة الجبهة الرسالية التي انقسمت على ذاتها الى مؤمنين ومنافقين.

أما المؤمنون فهم الشهداء الذين استضافهم الله في رحمته ، والصامدون الذين استجابوا للرسول من بعد ما أصابهم القرح ، وأنهكتهم الحرب بجروحها وأضرارها المادية والبشرية.

وعند الحديث عن المنافقين يقسمهم القرآن الى فئات ، بعضهم نتحدث عنه في هذا الدرس ، وبعضهم في الدروس القادمة ، وهذا التقسيم نابع من أعمالهم. فكل من مارس نوعا واحدا أو أكثر من هذه الممارسات ، فهو منافق ذلك أنّ النفاق ليس

٦٩٦

حديثا يقال ، بل هو عمل. مثل الهروب من المعركة تحت غطاء الجهل بها ، وتجبين الناس وتضخيم الخسارة.

والله سبحانه ينعت هؤلاء ليس بالنفاق وحدة ، بل بالكفر أيضا ، بالرغم من ادعاء هؤلاء أنهم مسلمون. ثم يدعوهم الى مقاومة الموت ان كانوا صادقين ، ثم يتحدث عن الشهداء الذين يعتبرهم هؤلاء خسارة.

[١٦٥] لماذا تخسر الامة معركة معينة؟ لسبب واحد هو عدم الاعداد الجيد لها وذلك من الناحية البشرية ، وانعدام الروح المعنوية ، أو لعدم وجود السلاح الجيد أو لتفكك الجبهة الداخلية. أو ما أشبه.

وأية هزيمة عرفت الامة إنها من نفسها ، ودأبت على استخلاص عبرها ودروسها ، فهي أشبه بالنصر منها بالهزيمة ، أما الهزيمة الحقيقية ، فهي التي يعتبر الإنسان عواملها خارجية ، فلا يعتبر بها أبدا.

من هنا فان القرآن ركّز على أنّ الهزيمة هذه من عند الأمة نفسها ، وذلك بعد ان يبيّن أنّها كانت بعد انتصار الامة في معركتين سابقتين ، لتخفيف هول الهزيمة عن النفوس.

(أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها)

أي انكم أصبتم وأوردتم ذات المصيبة بغيركم مرتين في السابق ، ثم إنّكم مع ذلك وهنتم وتساءلتم وقلتم :

(قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)

فكما أن أعداءكم انهزموا سابقا بسبب ضعفهم المعنوي والمادي ، فكذلك أنتم

٦٩٧

انهزمتم للضعف.

(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

فليس هو الذي انهزم في المعركة بل أنتم.

[١٦٦] وكان الله قادرا على ان يمنع الهزيمة عنكم بقوة غيبة ، ولكن لم يفعل بل ترككم وشأنكم ، واذن بذلك في هزيمتكم (اذن بمعنى سمح أي لم يمنع) وذلك لتستفيدوا عبرا كثيرة منها : تقييم عناصر جبهتكم المؤمنين والمنافقين.

(وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ)

[١٦٧] (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا)

والتعبير القرآني يستعيض عن كلمة المعركة ب (يوم التقى الجمعان) لأنه أشد وقعا في النفوس وأقدر على تصوير حقيقة المعنى.

والمنافقون الذين كشفتهم الهزيمة ، هم الذين هربوا من مسئولية القتال ، في حينما طلبوا للحرب أو للدفاع عن دار المسلمين.

(وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ)

فلأننا لا نعلم وقوع المعركة ، أو لا نعلم فنون القتال لذلك فانا لا نتبعكم.

وهؤلاء لم يحسبوا أنفسهم جزءا من الأمة ، بل قالوا لاتبعناكم وكان الاجدر بهم ان يبادروا بأنفسهم للقتال ، لأنه مسئوليتهم ، كما هي مسئولية سائر المسلمين ، والله وضعهم حيث وضعوا أنفسهم وقال عنهم.

(هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ)

٦٩٨

لان الايمان ممارسة عملية ، وبالذات في ظروف تعرض الامة للخطر ، والمؤمن الذي لا ينفع عند الضرورة فمتى يمكن أن ينفع ، وكل التبريرات التي يتذرع بها هؤلاء باطلة إذ انهم.

(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ)

إنهم يقولون (كذبا) إنّهم مؤمنون وإنما لا يقاتلون بسبب جهلهم بفنون القتال ولكن الله يفضحهم.

[١٦٨] ومن صفات هؤلاء أنّهم يضخّمون خسارة الامة ، ويبثون الدعايات الهدامة ، فيقولون عن الشهداء لو انهم لم يذهبوا للمعركة لما قتلوا.

أجل ولكن ماذا كان مصيرهم؟ ألم يكونوا يموتون بالنهاية؟! وما دام الإنسان يقتل أو يموت ، فلما ذا يعظم الموت عند نفسه؟!

(الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا)

أي الذين قالوا لإخوانهم : اقعدوا ، وهم بدورهم قعدوا ، ثم لمّا قتلوا ، قالوا لو انهم أطاعوا أمرنا بالقعود لما قتلوا.

(قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)

فما دمتم لا تقدرون على مواجهة الموت ، لا تتكلموا عمن يقتل في سبيل الله ، أو ليس الجميع يسير نحو الفناء؟!

[١٦٩] ولكن هناك فرق بين من يقتل ، ومن يموت لأن الشهيد حي والميت فان.

٦٩٩

(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)

أحياء بحياة الرسالة التي سقوها بدمائهم ، فاذا بكل قطرة دم أريقت حول شجرة الرسالة ، تحولت الى غصن أخضر وثمرة نافعة ، تحوّلت الى عدالة تنفع ملايين البشر ، وحرية وكرامة وحياة.

وهم أحياء لان ذكرهم خالد في الناس.

وهم أحياء ربما لان الله يعطي أرواحهم الطاهرة ، قدرة وعلما في عالم البرزخ ، فاذا بهم يرزقون عند ربهم ، إنما بعيدون عن أجسادهم هذه ومتحررون منها.

أما الأموات فان أرواحهم قد تنتزع منها القدرة والعلم وتعتقل في زنزانة الجهل الضعف.

ولنتصور : أن رجلا يقتل في سبيل الله ، فتنفصل روحه عن جسده ، لتعيش الى يوم القيامة ، في عالم الأرواح ، طليقة حرة قادرة وعالمة.

ورجل يموت على الفراش ، فتتحول روحه الى عالم مظلم ، فأيهما الأفضل؟ الموت أم الشهادة.؟

[١٧٠] حياة الشهداء حياة حافلة بالنعم المادية. (يرزقون عند الله) ، والمعنوية إذ أنهم لا يزالون في فرح ، وشكر ، وبشارة ، كلما وجدوا قتيلا في سبيل الله ، التحق بهم زادهم أنسا. وكرامة.

(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)

من نعمة الشهادة ، التي فتحت عليهم أبواب نعم الله الاخرى في الآخرة.

٧٠٠