من هدى القرآن - ج ١

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-04-1
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٧٣٦

آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣) وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ

____________________

١٤١ [يمحص] : يخلص من العيب.

١٤٤ [محمد] : أخذ من الحمد والتحميد فوق الحمد فمعناه المستغرق لجميع المحامد لان التحميد لا يستوجبه الا المستولى على الأمر في الكمال فأكرم الله عز اسمه نبيه وحبيبه (ص) باسمين مشتقين من اسمه تعالى (محمد) و (أحمد).

٦٦١

مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧) فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨)

____________________

١٤٦ [استكانوا] : أصلها من الكنية وهي الحالة السيئة. يقال فلان بكنية اي بنية سوء.

١٤٧ [إسرافنا] : تجاوزنا الحق الى الباطل.

٦٦٢

لنعد الى .. سنن التاريخ

هدى من الآيات :

في اطار الحديث عن المواجهة بين الأمة والكفار ، يذكرنا القرآن في هذا الدرس بضرورة التسلح بمنظار تاريخي ، يكشف القوانين الاجتماعية التي وضعها الله للحياة ، ومنها ان الحق ينتصر ، وان رسالة الله ما هي الا توضيحات لتلك السنن ، يهتدي بها المتقون ، ويتخذون منها ، عبرا نافعة لأنفسهم ، بينما يتركها الناس.

ان التاريخ يكشف لنا : ان الفئة المؤمنة هي المنتصرة أخيرا ، فعليها ألّا تهن أو تحزن ، ولكن دون ان يعني ذلك انها تستطيع الغلبة بدون تضحيات ، ذلك لأنها ضرورية لكشف العناصر المؤمنة حقيقة بالرسالة ، عن الاخرى المنافقة ، ولتأديب العناصر المؤمنة ، حتى ترتفع الى مستوى الشهداء (القادة) ، لتطهير نفوسهم من الغل أو الريب ، ولتمييز الكافرين ، وتصفيتهم جسديا وفكريا.

ثم ان التضحيات ثمن الجنة ، فبدونها كيف يفضل الله قوما على قوم ، فيدخل بعضهم الجنة والبعض النار.

٦٦٣

والتضحيات هي هدف المؤمنين ، لأنهم كانوا يأملون ان يقدموا لله اغلى ما عندهم ، حبا له وأيمانا صادقا به ، وليس رسول الله ابنا لله حتى ينتصر اتباعه بمجرد الانتماء اليه ، بل هو كسائر الرسل يحيى ويموت. والارتباط يجب ان يكون بالرسالة أكثر من الرسول ، حتى يحصل الإنسان على جزائه من عند الله. والكافرون هم الذين ينقلبون عن الرسالة فور موت الرسول تفضيلا للدنيا على الآخرة.

بما ان النبي محمدا (ص) رسول ، فانه يتبع سيرة الرسل من قبله ، وهم لم يتقدموا الّا بالقتال ومعهم الربيون من أصحابهم ، وهم (الربيون) كانوا بشرا يذنبون ويسرفون ، ولكنهم كانوا مؤمنين يستغفرون ربهم ، ويطلبون منه ان يثبتهم على الجهاد ولذلك انتصروا في الدنيا والآخرة معا.

بينات من الآيات :

[١٣٧] الحياة الاجتماعية كالحياة الفردية ، لها انظمتها وقوانينها (وحسب التعبير القرآني سننها) وعلينا ان نكتشف هذه الانظمة ، حتى نستفيد منها في واقعنا ، ولكن كيف؟! إننا حين نريد ان ندرس حياة الفرد ، نخضعة للتجربة بعض الوقت ، نقيس ضغط دمه ، ودرجة حرارته ، ودقات قلبه و. و. ثم نعرف طبيعته ، أما المجتمع فكيف نقيسه؟ أفضل طريقة للقياس ، هو العودة الى التاريخ ، ففيه دورات كاملة للحياة الاجتماعية ، حضارات نشأت وسادت ، ثم بادت بفعل أنظمة حتمية ، وسنن إلهية لا تتحول.

وعند ما نريد ان نقيس مدى تقدم رسالة ، يجب الّا نقيسها بمنظار تحليلي ، كأن نقول كم عدد افراد هذه الرسالة؟ ما هي ميزانيتها المالية؟ وما هي خططهم العسكرية؟ كلا بل بمقياس تاريخي فنقول : كم هي نسبة الحقيقة فيها؟ وكم مقدار ايمان أصحابها بها؟ وما هي نقاط الضعف في مجتمعات اعدائها التي ستقضي عليها؟ وهكذا.

٦٦٤

وحين نعود الى سنن الله في التاريخ ، نجد انّ الحق ينتصر بشرط وجود مؤمنين صادقين به. لذلك يذكرنا القرآن بهذه الحقائق فيقول :

(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا)

الى اثار تلك الأمم التي كانت من قبلكم ثم خلت وخلفت ورائها العبر والدروس ، أهمها ان سبب انتهائها كان شيئا واحدا هو التكذيب بالحق فانظروا.

(كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)

[١٣٨] وفي مجال الحديث عن سنن الله في الحياة يأتي الحديث عن القرآن ، ذلك ان دوره دور المذكر بتلك السنن ، حيث يلفت انظار الناس إليها. ولكن الذي يستفيد منها المتقون فقط ، حيث يهتدون الى حقيقة السنن ، ويطبقون دروسها على أنفسهم (يتعضون بها).

(هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)

الذين يتقون ربهم ، ويستعدون للالتزام بالحق ، يكتشفون الحق. اما الذين يهتمون بأنفسهم ، وبأهوائهم وشهواتهم فإنهم لا يعرفون الحق. لأنهم أساسا لا يريدون الاهتداء اليه.

[١٣٩] من سنن الله في المجتمع ، ان المؤمنين ينتصرون. فعليهم الا يهنوا ويتسرب الى نفوسهم الانهزام ، أو اليأس ، والضجر. كما أنّ عليهم الا يتألموا لبعض الخسارات ، إذ ان ربح الانتصار سوف يغطي على الخسارات البسيطة.

(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

[١٤٠] ومن تلك السنن ان العلو والنصر لا يأتي بالصدقة ، أو بلا شيء من

٦٦٥

التضحية ، بل لا بد من الاستعداد للقرح ، ومعرفة ان الأعداء هم بدورهم يستعدون له ، فلما ذا التهرب منه.

(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ)

ان من المهم ان تعرف ان عدوك يصاب بمثل ما تصاب به ، وأنه يتمايل الى الضعف والهزيمة كما أنت ، وان النصر لمن يستمر أكثر ، ويصبر على الألم ، حتى يفقد عدوه صبره ، وقدرته على الصمود.

ثم ان الحياة ليست ملكا لأحد ، وانه إذا كان الملك الكذائي أو الرئيس أو النظام أو الطائفة الفلانية هم الحاكمون على بلد ، فلا يعني ذلك انهم سوف يستمرون بل ان هؤلاء انما جاؤوا لتوافر العوامل القيادية فيهم ، وقد تتوافر فيك أيضا فتأتي مكانهم.

من المهم جدا ان نتخلص من الاعتقاد بان الواقع يبقى ، إنّما نؤمن جازمين بان الحقيقة وحدها تبقى.

(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ)

منافع الناس في التضحية :

ثم ان للتضحية منافع اخرى للامة ، يذكرنا القرآن فيما يلي :

ـ الف : التضحية تفرز المؤمنين عن المنافقين ، ففي بداية انطلاقة الرسالة قد يؤمن بها جماعة طمعا في انها سوف تنتصر سريعا. فيحصلون على مغانم مجانية ، أو انهم كانوا مستائين من الوضع فاندفعوا نحو الرسالة مدفوعين بتيّار الاحساس الساذج ، أو كانوا يحبّون قائد الرسالة فانتموا إليها لذلك ، أو عشرات من الأسباب الاخرى غير

٦٦٦

الايمان الصادق.

فوجود هذه الطائفة في الامة ، يسبب لها الضعف والانهيار ، حيث تنتشر فيها المصلحية ، والانانية ، والفوضوية ، وتنتهي الامة سريعا ، ولا يمكن الفوز الا بتعرض الامة للتضحيات. فيعرف المؤمنون عن غيرهم.

(وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا)

باء : الحرب مدرسة المقاتلين ، تربيهم على الجدية والطاعة والتفكر وتقديم مصلحة الامة على المصالح الخاصة. وتعلمهم الصراحة والفكر العقلاني وهكذا.

وهذه الصفات ضرورية للامة الرسالية ، التي تريد ان تقود الأمم الاخرى. ولنفترض المجتمع الجاهلي في الجزيرة ـ مثلا ـ كيف كان يمكنه ان يقود العالم ، وهو غارق الى أذنيه في الفوضى ، والجهل ، والانانية و. و.؟ انه كان بحاجة الى مدرسة تربوية تخرج القادة. وكانت الحرب بما فيها من تضحيات ، هي المدرسة التي خرجّت قادة المستقبل ، وحسب التعبير القرآني (الشهداء على الناس).

(وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)

ولذلك فهو بدوره ، لا يظلم أحدا ، وإذا اعطى النصر والتقدم فبعد إثبات الامة لجدارتها ، عن طريق التضحيات السخية. والا فقد كان ظالما ـ حاشا ـ لتلك الامة المغلوبة.

[١٤١] جيم : ثم ان قلوب المؤمنين ليست طاهرة بالكامل من الريب في الرسالة ، والشك في تعاليمها ، فهي بحاجة الى نار تطهرها ، والتضحيات هي تلك النار ، ذلك أنّ الإنسان الذي ضحىّ من أجل شيء فسوف يتمسك به ، بعكس الذي حصل عليه مجانا وبلا تضحية ، انك تجد التاجر أحرص على ماله من ابنه الذي يرثه

٦٦٧

بغير تعب ، كذلك المؤمن المضحي يكون ايمانه أقوى من غيره.

(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا)

دال : الكفار هم المعاندون للحق ، المخالفون لتقدم الامة ، الذين يفضلون مصالح قومهم ، أو أهواء أنفسهم على مصلحة الامة ، إنّهم عقبات لا يمكن معالجتها ، إنما يجب تصفيتهم بالكامل ، ولكن كيف يمكن للأمة ان تتعرف على هذه العناصر ، وتميّزها عن العناصر المتعلقة بها ، أو الخاضعة لها لضعف أو عاطفة؟ وكيف يحق للرسالة ان تقتل الناس ، بدعوى انهم يشكلون عقبة للمستقبل؟ كيف يمكن تبرير ذلك للجماهير.؟

اما إذا وقعت المجابهة الساخنة ، وأخذت هذه العناصر تشكل تهديدا خطيرا للأمة ، فان الامة تجدر المبرر الكافي للحرب والتصفية ، كما أنّ المجابهة سوف تفرز العناصر الكافرة فعلا ، عن الاخرى المخدوعة بها. كما تساهم في تصفية العناصر المعاندة التي تقف عقبة في طريق تقدمها. وهذا ما يسميه القرآن بالمحق.

(وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ)

الجهاد والأماني الكاذبة :

[١٤٢] هاء : ومن فلسفة الحرب الجهادية : انها تعطي المؤمنين جدارة الدخول في الجنة ، التي هي مأوى المجاهدين الصابرين ، وإذا لم يدخل المسلم الحرب كيف يميّز المجاهد الصابر ، عن القاعد المنهزم.

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)

٦٦٨

ان البشر يمنّي نفسه بأشياء كثيرة ، هي بالخيال أشبه منها بالواقع ، يمنّي نفسه بالثروة بلا تعب ، وبالسلطة بلا كفاءة ، وبالشهرة بلا استحقاق ، ويحتاج البشر الى ان يتذوق مرارة الحياة عشرات المرات ، حتى يقتنع ان تلك الامنيات كانت أحلاما صبيانية ، وكذلك يمني بعض المؤمنين أنفسهم بالجنة بلا عمل صالح ولا تضحية ، ويحذرهم القرآن من هذه الأمنية الباطلة ، لان لها نتائج خطيرة ، ففي الدنيا تقعدنا عن العمل ، وفي الآخرة تجعلنا نواجه النار ، ولا ينفعنا الندم ، ولا يمكننا العودة الى الحياة للتوبة.

[١٤٣] والمؤمن الحقيقي هو الذي يشري حياته في الدنيا بالآخرة ، ويقدم كل ما عنده لله ، في مقابل الجنة ، ولذلك فأمنية المؤمن تخالف امنية الرجل العادي ، فهو يريد مزيدا من التعب ، مزيدا من الجهاد ، وبالتالي الموت في الله حتى يحصل على الآخرة.

(وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)

فكان الاجدر بكم ان تفوا بعهدكم ، وتقتحموا غمار الموت باطمئنان نفسي ، لأنها امنيتكم التي وصلتم إليها.

[١٤٤] ثم إنّ ارتباط المؤمن برسالة الله أشدّ من ارتباطه بالرسول ، ولذلك فان موت الرسول لا يؤثر فيه سلبيا ، لأنه كان هناك رسل ماتوا وبقيت من بعدهم الرسالة ، إذا فالرسالة هي الهدف لا الأشخاص ، وعلينا ان نضحّي بأنفسنا من أجل ان تبقى الرسالة ولا نفكر بان موتنا ، يؤثر على الرسالة ، بل ـ بالعكس ـ إنّ استشهادنا من أجل الرسالة سيدعم موقفها في المجتمع.

(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً)

٦٦٩

ولكن الصامدين الذين يربطون أنفسهم بالرسالة وحدها ، هم المنتصرون أخيرا ، لأنهم شكروا نعمة الرسالة بالايمان بها والتضحية من أجلها.

(وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)

[١٤٥] إذا : الرسالة هي الهدف ، والموت من أجلها يهون ما دامت الرسالة تنتصر بهذا الموت ، والموت الهادف أفضل من الموت المحتوم ، لأنه موت بثمن ، بينما الآخر موت بلا ثمن.

وما دمنا نموت بآجالنا شئنا أم أبينا ، فلما ذا لا نموت لأفكارنا ومن أجل رسالتنا؟

ثم من يقول : ان من يدخل المعركة سيموت ، وان من يتخلف عنها سيبقى ، إنّها سنة الله في عباده ، متى بلغ كتاب الشخص أجله ، مات في المعركة ، أو على الفراش.

(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً)

والفرق بين من يموت على الفراش ، ومن يموت في المعركة ، ان هذا يحصل على ثمن الآخرة دون ذاك.

(وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها)

ويحصل المؤمن على جزاءين : الاول : جزاء نيته الصادقة ، وعمله الصالح (الاستشهاد). والثاني : جزاء شكره لله ، اي وفائه بمسئولية نعم الله عليه ، ومن أبرزها نعمة الحياة ، حيث قدمها لله ، والله يجزيه على ذلك.

(وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)

٦٧٠

ان تكرار توجيه القرآن الى جزاء الشكر في آيتين هنا ، يأتي لمواجهة صفة الجزع والهلع التي تصيب الإنسان الساذج عند ما تقع الحرب. فيتساءل : لماذا الحرب ، لما ذا نقاتل. لماذا نقتل بل لماذا نقتل الناس ..؟

والقرآن يزرع في قلوب المؤمنين الاطمئنان ، والشعور بالرضا بهذا الواقع مؤقتا ، لحين تغييره بالأفضل ، وتركيز النظر في الجوانب الايجابية له ، وذلك بالشكر لله على نعمه ، والعمل بمسئوليات تلك النعم.

كيف قاتل الرّبيّون :

[١٤٦] والحرب ليست بدعة في تاريخ الرسالة. انها كانت قديما وكان المقاتلون الرساليون هم ابرز من دخل المعارك ، فما كان يصيبهم وهن نفسي (جبن ـ جزع ـ تردد) ، ولا ضعف بدني ، ولا كسل ، انما كانوا مطمئنين قلبيا ، أقوياء بدنيا ، نشطين حربيا ، وصابرين على البأس ، فأحبهم الله وجزاهم النصر في الدنيا ، والجنة في الآخرة.

(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)

كلمة كأيّن للدلالة على الكثرة ، والقتال معه يدل على ان النبي نفسه كان يقاتل ، والربيون هم المنتسبون الى الرب ، اي مجاهدون من أجل الله.

(فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)

لقد كانت عناصر الانتصار مكتملة عندهم : القوة الروحية ، والقناعة بالفكرة ، والاستعداد للتضحية من أجلها ، والقوة المادية ، والنشاط ، والصبر.

٦٧١

الدعاء سلاح المؤمن :

[١٤٧] وكانت قوة هؤلاء الروحية ، نابعة من الدعاء الذي يعتبر عملية شحن الذات بالقوة المعنوية وذلك عبر :

أـ القناعة بان إصلاح الذات هو طريق التقدم ، لذلك كانوا يبدءون دعاءهم ـ وعملهم بالطبع ـ بإصلاح الذات ، ويقولون ربنا اغفر لنا ذنوبنا.

ب ـ ان أهم عنصر تربوي هو منع الإسراف في الأمر. يعني التقيد ـ دائما ـ بالمقاييس الرسالية ، فلا نوم اضافي ، ولا راحة كثيرة ، ولا استهلاك ، ولا تبذير ولا توغّل في الشهوات. انهم كانوا يستغفرون ربهم من إسرافهم ، ويقولون ربنا اغفر لنا إسرافنا في أمرنا.

ج ـ الثبات وعدم التردد ، وبالتالي التصميم والعزم الراسخ ، انه عنصر اساسي في النصر ، ذلك لان الارادة النافذة هي التي تصنع المعجزات ، و (ما ضعف بدن عما قويت عليه النية). لذلك كان هؤلاء يدعون ربهم ويقولون ربنا ثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

ان هذا السلوك الرسالي لهؤلاء ، دليل كل المقاتلين من أجل الله انهم لم يكونوا يسخطون ، أو يترددون ، أو يجزعون.

(وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) [١٤٨]

(فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)

٦٧٢

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩) بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ

____________________

١٥١ [سلطانا] : حجة وبرهان وأصله القوة فسلطان الملك قوته والسلطان البرهان لقوته على دفع الباطل.

١٥٢ [تحسونهم] : الحس القتل على وجه الاستئصال وسمى القتل حسا لأنه يبطل الحس.

٦٧٣

ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥٣) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ

____________________

١٥٣ [تصعدون] : هو المسير في مستوى من الأرض وقيل الإصعاد الابتداء في السفر.

[لا تلوون] : لا تعرجون على أحد كما يفعله المنهزم.

٦٧٤

فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨)

____________________

١٥٦ [ضربوا] : الضرب في الأرض السير فيها وأصله الضرب باليد وقيل هو الإيغال في السير.

[غزّى] : جمع غاز

٦٧٥

التضحية

سبيل الانتصار وزكاة المجتمع

هدى من الآيات :

لا يزال السياق يبيّن جوانب الاعداد المعنوي للحرب مع الكفار ، ففي الآية الاولى ، نجد التحذير الشديد من التفكير في الاستسلام للكفار ، الذين لا يرضون الّا بإعادة الامة الى حالتها السابقة ، حيث الخسارة لكل مكاسبهم الرسالية.

ثم تبين الآية الثانية ان الله مولاكم وينصركم ، والآية الثالثة تبين انّ الكفار يشعرون بالخوف من مواجهتكم ، وان عاقبتهم الى النار.

ويضرب القرآن مثالا في الآيات التالية على ذلك ، حيث استطاع المسلمون الحاق الهزيمة بالكفار ، ولكنه لا يدعهم يسدرون في الأحلام ، بل يذكرهم بمثال الهزيمة وأسبابها ، ومن أبرزها ضعف الروح المعنوية ، والاختلاف ، والعصيان.

ويذكرهم بأنّ الله مع ذلك أيدهم بنصره ، حيث غشيهم الأمن والنعاس فاطمأنوا الى نصر الله.

٦٧٦

بيد ان طائفة اخرى كانت في المعركة هزتها الخسارة ، وأخذت تتشكك في القيم الرسالية ، وتقول لو كان لنا النصر ، إذا ما خسرنا قتلى ، وبعد ان يبين القرآن فلسفة التضحيات ، والخسارات ، يحدد الأسباب التربوية التي جعلت هذه الطائفة تنهار امام الخسارات البسيطة ، فيقول انها تعود الى ما قبل المعركة ، حيث ان هذه الطائفة كانت تمارس المعاصي ، ولذلك لم ينم الايمان في قلوبهم نموا كافيا لمواجهة التضحيات.

ثم يحذر القرآن المؤمنين من الاهتمام بالخسارة وتضخيمها ويقول : ان القتلى كان من الممكن ان يموتوا بسبب آخر (كمرض الوباء مثلا) بينما هم الآن قتلوا من أجل احياء الرسالة وذهبوا إلى رحمة الله ، وسوف يجمعهم الله وكل الموتى للحساب.

بينات من الآيات :

التضحية حصن المكاسب :

[١٤٩] ان المكاسب الرسالية بحاجة إلى قوة تحافظ عليها ، ومن دون الاستعداد للتضحية في سبيلها ، فانها سوف تتعرض لخطر الأعداء ، إذ أنّهم لا يقبلون من المسلمين مجرد كف اليد عن الحرب ، بل يريدون منهم العودة الى الجاهلية التي انقذهم الله منها ، وفي تلك خسارة لا تعوّض للامة.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ)

اي انكم إذا عدتم الى الوراء ، فقد عدتم الى حيث الخسارة والضرر.

[١٥٠] انما الطاعة لله وحده ولا خوف من الكافرين لان الله سينصر من ينصره وهو خير الناصرين.

٦٧٧

(بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ)

[١٥١] والسؤال : كيف ينصر الله عباده المؤمنين؟ الجواب :

ان الله ينصر عباده بإلقاء الرعب في قلوب المشركين ، ولسبب بسيط هو شركهم بالله ، ذلك انّ الشرك يعني تقديس قيمة مادية من دون الله ، كقيمة المال أو الجاه أو الأرض ، وفي الواقع هذه القيم لا تقدس لذاتها ، بل لأنها متصلة بالذات البشرية. فالرجل الذي يقدس أرضه ، إنّما يقدسّ ذاته أولا ، ثم يقدس أقرب مكان لذاته ، وهو أرضه ، كذلك الذي يقدس المال ، فانما يقدس ذاته ، ولان المال يخدم ذاته فهو يقدسه وهكذا.

فالشرك يأتي نتيجة حب عميق للذات وتمحور كامل حولها. وهذا يؤدي بالطبع الى الخوف والجبن ـ اما المؤمن فهو يخلص عبادته لله.

(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)

بينما المؤمنون لا يخشون شيئا ، لأنهم لا يقدمون ذاتهم ولا يخافون عليها ، ولأن مصيرهم الى الجنة ، وهي خير مقام للمؤمنين.

[١٥٢] والدليل الواقعي البسيط على هذه الحقيقة ، تجدونه في حربكم مع العدو كيف نصركم الله ، الى أن أخذتم تعملون السيف في أجسادهم.

ولكن هذه الحرب كانت ذات جانب آخر ، هو أن الله انما ينصر من ينصره ، واما إذا وهن المؤمنون ، وانتشرت فيهم الخلافات ، وعصوا قيادتهم ، فإنهم لا يستحقون النصر بل الهزيمة ، والهزيمة نوع من الامتحان ، فانما يعرف الابطال عند الهزيمة.

٦٧٨

والآن وقد انتهت الحرب (بانتصاركم أولا وهزيمتكم ثانيا) فان الله عفا عنكم لفضله العظيم.

(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ)

حيث انه نصركم تصديقا لوعده لكم بان ينصركم ، حتى انكم أخذتم تعملون السيف في أجسادهم ، ولكنكم اغتررتم بالنصر فدب الوهن فيكم.

(حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ)

من النصر والغلبة. ذلك ان الإنسان إذا شعر بالخطر يوحّد صفوفه ، ويشحذ عزيمته اما إذا زال الخطر فيشعر بالراحة ويفكر في تقسيم الغنائم ، كذلك المسلمون في حرب أحد ، حيث انهم لمّا رأوا أنفسهم منتصرين ، ترك بعضهم الثغر الذي كان يرابط فيه ، فاستغل العدو الفرصة وقام بحركة التفاف حول الجيش ، وفقد المسلمون توازنهم وولوا هاربين.

والواقع ان القرآن يصور مراحل الهزيمة في الحرب ، في كلمات قصيرة وهي ذات المراحل في الهزيمة في السلم أيضا وهي :

١ ـ الفرح : (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ)حيث يفقد المجتمع تطلعه الى أعلى ، فيفقد الرباط القوي بين طبقاته وفئاته.

ب ـ انتشار الوهن في نفوس الامة ، (حتى إذا فشلتم). وذلك بفقدان العزيمة والخلود الى الراحة.

ج : بروز الخلافات المصلحية ، والطائفية ، والاقليمية ، والعنصرية الى السطح ، بفعل فقدان الهدف والعزيمة.

٦٧٩

د ـ تأثير الخلافات الاجتماعية على مستوى الانضباط والطاعة للقيادة ، بل على درجة الثقة بها ، إذ يزعم كل فريق ان القيادة منحازة الى جانب خصمها ، فتقل ثقته فيها وطاعته لها.

وفي خضم الخلاف : تكون فئة على حق واخرى على باطل.

(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)

ولهذه الأسباب انهزمتم بعد انتصاركم على العدو.

(ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ)

لأن الهزيمة هي التي تكشف المؤمنين الصامدين عن غيرهم ، فتعطي للامة دروسا في نقاط ضعفها وتعطي للقيادة فرصة جيدة لتصحيح مسيرة الامة وإصلاح تلك النقاط ، أو حتى تصفية بعض العناصر المسببة للهزيمة أو ابعادها عن مراكز المسئولية.

والآن ـ وقد انتهت الحرب ، فانّ الله عفي عنكم حتى تعودوا الى وحدة الصف ، وتبادروا في إصلاح الذات.

(وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)

فالعفو لا يدل على انّ الله يجعل المؤمنين والكافرين في مستوى واحد بل ان للمؤمنين الصادقين في الحرب فضلا على الكافرين.

عبر من الهزيمة :

[١٥٣] ما هي عبر الهزيمة وكيف نستفيد منها حتى لا تتكرر الهزيمة مرة اخرى؟

٦٨٠