من هدى القرآن - ج ٤

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-07-6
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٧٢

١
٢

سورة الانفال

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

فضل السورة

قال رسول الله (ص ) :

«من قرأ سورة الأنفال وبراءة فانا شفيع له وشاهد يوم القيامة انه بريء من النفاق واعطي من الأجر بعدد كل منافق ومنافقة في دار الدنيا عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان العرش وحملته يصلون عليه أيام حياته في الدنيا» مجمع البيان ص (٥١٦)

عن أبي عبد الله الحسين (ع ) قال :

«من قرأ سورة الأنفال وبراءة في كل شهر لم يدخله نفاق وكان من شيعة أمير المؤمنين (ع ) حقا ويأكل يوم القيامة من موائد الجنة معهم حتى يفرغ الناس من الحساب» البيان ص (٥١٦) ج ٤

و عن الامام الباقر (ع ) قال :

«في سورة الأنفال جدع الأنوف» مجمع البيان ص (٥١٦) ج ٤

٥
٦

الإطار العام

سميت السورة الثامنة من القرآن بالأنفال لأن الحديث الاول فيها عن الغنائم الاضافية التي تسمى ب (النفل ) وهو كل زيادة تعطى ، و في الحديث الصحيح. «ان الأنفال : كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال ، وكل ارض انجلى أهلها عنها بغير قتال ، ويسميها الفقهاء فيئا ، وقطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب ، والاجام ، وبطون الاودية ، والأرضون الموات».

ويمكننا ان نوجز الأنفال في عبارة : هي كل شيء يتحرر من الملكية الخاصة ، فيعود الى الملكية العامة بيد امام الامة ، وفي عهد رسول الله (ص ) يكون بالطبع في يده (ص ).

الموضوع :

بعد ان جاءت الآية الاولى في الأنفال ، والآية (٤١) في خمس الغنائم بينما

٧

كانت الآية (٦٦) في حلّية أكل الغنائم ، وهذه الآيات الثلاث تشكل حكما واحدا حيث يجب تقسيم الغنائم التي يحصل عليها الجيش المجاهد بين المقاتلين ، بعد إخراج خمسها لبيت المال ، اما ما وراء الغنائم من الأنفال ، فهي لبيت المال ـ الدولة ـ.

اما الآيات الاخرى في السورة فهي تدور حول صفات المؤمنين الصادقين والتي منها تصديقهم بالغيب. إذ يستجيبون للرسالة حتى ولو كانت مخالفة لأهوائهم أو نظراتهم الضيقة ، حيث اخرج الله نبيه بالحق بالرغم من كراهة طائفة من المؤمنين ، والهدف كان كسب القتال فقد أمد الله جيش الإسلام بالملائكة ليكونوا بشرى للقلوب ، وتستمر الآيات تتحدث عن الجهاد وعوامل هزيمة الكفار وأسباب انتصار المسلمين التي يأمرنا ربّنا بها ، في الآيات (١٥) ومنها الثبات وارادة مرضاة الله تعالى ، وطاعة القيادة ، والاستجابة لدعوة الرسول (ص ) ، وتجنب الفتنة ، والتحرر من جاذبية الأهل والأموال ، والتقوى والبصيرة.

أما مكر الكفار ودعاياتهم التي تتحدث عنها الآيات (٣٠) فانها زائلة مثل قولهم : انهم قادرون على ان يأتوا بمثل القرآن ، أو التحدي باستعجال العذاب ، أو الصلاة عند البيت مكاء وتصدية أو إنفاق أموالهم التي من نتائجها تعبئة الكفار ، لكي يكون القضاء عليهم مرة واحدة.

ويبين القرآن ضرورة القتال الشديد ضد الكفار بهدف اقتلاع جذور الفتنة ، وعدم الخوف لان نصر الله قريب. إذ ان الله سبحانه يقضي بالحرب برغم تهاون فريق من المسلمين عنها خوفا ، لكي يقضي امرا كان مفعولا ، ولكنّ للنصر شروطا منها الثبات والطاعة وعدم النزاع ، والصبر وعدم البطر ، وتجنب الرياء ، وان يكون الهدف هو مرضاة الله ، اما أولئك الذين استهدفوا الصد عن سبيل الله فان الشيطان غرهم ثم تركهم ، اما المؤمنون فان الدين يشجعهم على الجهاد وليس هذا غرورا وإذا

٨

لم تقتلع الحرب جذر الفساد فان سنة الله في الحياة هي التي تقضي بنهاية المفسدين كما فعل ربنا بآل فرعون الظالمين.

ويعرج القرآن الى ذكر استراتيجية القتال كما جاء في الآيات (٥٧) فيأمر بإلقاء الرعب ليس فقط فيمن هو بالجبهة ، بل بكل الأعداء ، وضرورة الاستعداد للقتال سلفا ، وضرورة قبول السلم والتوكل على الله فيها ، والاعتماد على الله في الا يكون سلمهم خداعا ، وضرورة الوحدة ، والتحريض على القتال ، والاستعداد النفسي لقبول التضحيات ، وفي مقابل التضحيات يحصل المسلمون على الغنائم الحلال.

اما الأسرى فلو كانت نياتهم صافية فان جزاءهم على الله ، ويجب ان يحسن معاملتهم دون خوف من خيانتهم (٧٠).

وفي نهاية السورة (٧٢) يلخص القرآن موضوع السورة ويأمر بالهجرة والجهاد بالمال والنفس ، ويبين ان من يفعل ذلك أولياء لمن يأوي المهاجرين وينصر الرسالة بينما الكفار هم فئة واحدة ، والمؤمنون المجاهدون مهاجرين وأنصارهم صفوة المؤمنين وأولوا الأرحام بعضهم أولياء بعض.

وهكذا تدور آيات سورة الأنفال في مسائل القتال من أجل الله.

٩

سورة الانفال

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)

____________________

٢ [وجلت ] : خافت وفزعت.

١٠

حق التصرف في الاملاك العامة

هدى من الآيات :

لمن هي الاملاك العامة؟ ومن يملك حق التصرف فيها؟

انها لله ولرسوله (ص ) ، وعلى أبناء الامة التزام الوحدة والانضباط لان الايمان هو الذي يوقر في القلب وينعكس على العمل ، فالمؤمنون هم (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) ، واهتزت خوفا وطمعا ومحبة ، وازداد ايمانهم كلما ذكرت لهم آيات الله الناطقة وغيرها ، ولم يشعروا بضعة أمام شيء أو شخص لأنهم يتوكلون على الله ربهم ومدبر أمورهم ، وينعكس هذا الايمان القلبي الراسخ على سلوكهم ، فاذا هم يقيمون الصلاة ، وينفقون من كلّ ما رزقهم الله. أما جزاء هؤلاء المؤمنين الصادقين فهو درجات عالية عند ربهم كل حسب أعماله ، ومغفرة عما سبق من ذنوبهم ، ورزق كريم في الحياة الدنيا والآخرة.

١١

بينات من الآيات :

ما هي الأنفال؟ ولمن؟

[١] بعد حرب بدر طرح هذا السؤال :

لمن هي صفوة الغنائم والبقية الباقية من غنائم الحرب بعد تقسيمها على المجاهدين؟ ويطرح هذا السؤال أبدا كلما بقيت ممتلكات مطلقة غير مختصة بهذا أو ذاك ولذلك جاء التعبير القرآني عاما ، وجاء الجواب شاملا لكل الأملاك العامة ، أو لكل شيء لا يمتلك من قبل شخص معين ، ذلك لأن كلمة الأنفال تدل على كل زيادة ، لذلك وسع الفقهاء مفهومها حتى أصبحت مقارنة لكلمة الملكية العامة في تعابيرنا الدارجة والذي يتصرف فيها هو الرسول الذي يمثل القيادة الشرعية ومن بعده خلفاؤه ، أما موارد التصرف فلا بد ان تتخذ حسب قيم التوحيد ، وبالتالي في سبيل الله وهو كل عمل يحقق أهداف الرسالة ابتداء من الضمان الاجتماعي للفقراء والمساكين ومرورا بتكفل موظفي الدولة ، وخدمة الأمة ، وانتهاء بنشر الرسالة في الآفاق.

ولذلك ذكر القرآن ان الأنفال هي لله أولا ، ثم لرسوله (ص ) باعتبار ان رضوان الله هو هدف التصرف في هذه الاملاك ، والرسول أو القيادة الرسالية هي القائمة عمليا بتحقيق هذا الهدف.

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ)

التقوى في القضايا المالية :

وتقوى الله هنا تتحقق بأداء الواجبات المالية ، وعدم الاعتداء على أموال الدولة التي هي لله وللرسول ، وأيضا بالتزام الوحدة وعدم الخلاف في القضايا ، حيث يطمع

١٢

كل فريق أن يكون نصيبه الأكبر من اموال الدولة. لذلك أمر الله بإصلاح العلاقات الاجتماعية التي تربط الناس ببعضهم.

(وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ)

وإصلاح ذات البين لا يتم الا برصد ما يفسد في هذه العلاقات ، والسعي وراء إصلاحها بصفة مستمرة ودون كلل.

(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

الصفات النفسية للمؤمنين :

[٢] هناك ثلاث صفات رئيسية للمؤمنين لو لم توجد في شخص فعليه ان يشك في ايمانه.

الف : ان تبلغ معرفته بالله حدا يخافه ، كلما ذكر عنده لأنه يعرف عظمته وقدرته واحاطته به علما وسمعا وبصرا ، فلما ذا لا يخاف منه وقد استخدم القرآن الحكيم هنا كلمة الوجل ونسبها الى القلب فقال :

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)

فما ذا يعني الوجل؟

ربما معناه التحرك حيث ان نسبة الخوف الى القلب تعطي معنى يختلف عما إذا نسب الى الفرد ذاته وهو المعنى الحقيقي لكلمة الوجل التي قد تكون الاهتزاز والتأثر والله العالم.

باء : لان قلوب المؤمن تتأثر بذكر الله فانها تستوعب الآيات ، فاذا ذكّروا

١٣

بآيات الله يزدادون ايمانا ، لأن استماعهم الى الآيات يتم من دون حجاب الكفر والجحود ، أو حجاب الفجور والفسوق.

بينما يزداد المنافق باستماع الآيات كفرا وجحودا لأنه يفسرها عكسيا ، ويتحصن ضدها كلما تكررت عليه باعتباره معقّد تجاهها ، ومصمم سلفا على عدم قبولها.

(وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً)

والآيات قد تكون الناطقة وهي القرآن ، وقد تكون آيات الحياة ، فكل تطور في الطبيعة يتم وفق نظام دقيق يدل على تدبير الله ، وكل نعمة تتجددّ أو نعمة تذهب أو كارثة تكاد تقع فيدفعها الله. كل ذلك يزيد المؤمنين معرفة بالله وتسليما لقضائه سبحانه سبحانه.

جيم : وكلما زاد ايمان الفرد زاد اطمئنانه برحمة الله ، وبحسن تدبيره ، وبالتالي ازداد ثقة بأن ربه سبحانه لا يقطع به الحبل في منتصف الطريق ، وانه لو التزم بالمنهج السليم الذي أمر به الله فان سنن الحياة وقوانين الطبيعة والتأييد الغيبي سوف تساعده في شؤونه.

(وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)

ان الشخص الجاهلي والمتخلف يخشى الطبيعة فلا يسخرها لنفسه ، ويخشى الناس فلا يستخدم عقله بل يتبع أهواءهم ، ويخشى العطب فلا ينشط ، بينما المؤمن العارف يخشى الله تعالى ، ويتحدى الطبيعة ، ويخاف الله فيتبع عقله وهداه ، ولا يستسلم لأهواء الناس ، ويعرف مواهب الله له ، الآن ومستقبلا ، فلا يخشى العطب والتعب فيمتلئ حيوية واندفاعا ، وهذا بعض معاني التوكل على الله التي تدل أيضا

١٤

على ثقة الشخص بما وهب الله له من قدرات وطاقات دون انتظار أو نظر لما في ايدي الآخرين.

تلك كانت الصفات النفسية للمؤمنين والتي تنعكس على السلوك العيني في صورة الصلاة التي تعبر عن الوجل من الله ... رجاء وخشية ، وفي صورة الأنفال التي تعبّر عن التوكل على الله دون خوف من انتهاء نعمه عليهم ونفاد مواهبه لهم.

[٣] (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)

ان ذلك مقياس اكيد للايمان الذي فيه فوائد كثيرة أهمها : تكامل شخصية الفرد حسب درجات ايمانه ، وهذا التكامل ليس بمقياس الناس بل بقيم الله سبحانه ، فلا يضر المؤمن المتكامل الشخصية الا يعرف به الناس.

[٤] (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)

وبالايمان يطهر قلب الفرد عن الأدران والأمراض ، عن الكبر والعجب والغرور والانانية ، عن الحسد والحقد والظن والبغضاء ، عن الجهل والجهالة واتباع غير الحق.

وحين يطهر القلب ، يزكّى العمل ، ويحصل الفرد على المكاسب التي تأتيه بكرامة وعزة ، وليست المكاسب التي يحصل عليها الفرد بإيمانه كالتي يحصل عليها المنافقون والكفار حيث تمحق كرامتهم البشرية.

١٥

سورة الأنفال

كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)

____________________

٧ [ذات الشوكة ] : ذات السلاح والقوة وهي النفير.

١٦

التسليم لأوامر الرب سبحانه

هدى من الآيات :

حين يبلغ الايمان مستوى النضج والكمال ، يسلم صاحبه نفسه للحق ، ويتوكل على الله ، ويترفع عن الحياة درجات ، ويضرب الله مثلا واقعيا على ذلك حيث هيّء سبحانه الأمور لخروج نبيه (ص ) وأنصاره من المدينة في غزوة بدر بينما كان فريق من المؤمنين كارهين وهم يجادلون في جدوى الخروج حتى بعد ان تبين لهم صدق الرسالة وسلامة أوامر الرسول (ص ) ، ووعدهم الله ان تكون لهم احدى الطائفتين إما القافلة التجارية التي كانت لقريش وإما الجنود المسلحون. ومن الطبيعي ان يكون المسلمون يفضلون القافلة التجارية ، بينما الله كان قد قضى لهم بمواجهة الجيش المعادي لأن الله يريد تحقيق واقع الرسالة الجديدة وليس فقط حصول المسلمين على حطام الدنيا ، كما يزيد ربنا ارغام المجرمين بإحقاق الحق وإبطال الباطل حتى لا يفكّروا مستقبلا بمقاومة الرسالة .. وهذا كله مثل ايمان وتوكل المؤمنين وعاقبته المتمثلة في الدرجات الرفيعة

١٧

بينات من الآيات :

(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) :

[٥] في الحياة انظمة يوحي بها الله عبر الرسالة ، وينفذ الله هذه الانظمة إما بيد الناس وإما بصورة غيبية ، وهذه الانظمة حق يتبعها المسلمون ويثق بها المؤمنون ، ويتوكلون على الله اطمئنانا بها ، ويتجاوزون كل عقبة في طريقهم ، والمثال الظاهر لذلك هي قصة حرب بدر ، حيث أخبر المسلمون بتحرك عير قريش قريبا من المدينة ، وبما ان المسلمين كانوا ينتظرون فرصة للثأر من أعدائهم الذين حاصروهم اقتصاديا ونهبوا ثرواتهم آنئذ بادر المسلمون للخروج ، إما للقتال وإما للغنائم ، وهكذا أخرج الله المسلمين من بيوت الأمن ، ودفعهم الى الحرب بينما كان فريق منهم كارهين.

(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ)

وكراهتهم انما كانت بسبب عدم ايمانهم بالله وبالحق والمستقبل.

[٦] وهذا الفريق كانوا يجادلون في الحق ، في الوقت الذي تبين لهم الحق في الرسالة الجديدة التي آمنوا بها وبصدقها وانها تتحدث عن الله.

(يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ)

والحق واضح ، وقد يكون شخص غير مقتنع به بسبب نقص فيه ، وليس في دلائل الحق.

(كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)

وحيث انهم لا يعرفون طبيعة الحق ، وان عاقبته خير ورفاه ، لذلك لا ينشطون في طريقه بل يعتبرون كل تحرك نحوه كأنه تحرك نحو الموت الظاهر.

١٨

ذات الشوكة :

[٧] وكان ينتظر المسلمون العير فجاءهم النفير ، ولكن كانت في ذلك حكمة بالغة حيث أراد الله تحطيم شوكة الكفار واشاعة الرعب في نفوسهم ، وتحول المسلمون الى قوة عسكرية معترف بها في الجزيرة.

(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ)

اي انكم سوف تغلبون الأعداء بالتأكيد. فتحصلون اما على قافلتهم التجارية التي كانت تمر قريبا منكم ، أو تهزمون جيشهم الذي يأتي لمحاربتكم ، ومع وعد الله لهم بالنصر فإنهم كانوا يحلمون بالعير ويخافون النفير.

(وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ)

وذلك خوفا من مواجهة العدو عسكريا والله يريد غير ما يريده الناس ... الناس يريدون عاجل المكاسب والله يريد تحقيق الاهداف البعيدة للامة وذلك بدعم جانب الرسالة الحقة ، واستئصال شأفة الكفار ، حتى لا يبقى لهم كيان يعتمدون عليه.

(وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ)

حيث ان أوامر الله بالخروج لا تهدف حصول المسلمين على بعض الغنائم ، بل تهدف اقامة حكم الله في الأرض وتصفية الطواغيت.

(وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ)

[٨] وهناك حكمة اخرى لربنا هي كسر شوكة المجرمين حتى لا يقدروا على مقاومة الرسالة.

(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)

١٩

سورة الأنفال

إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ

____________________

١٢ [بنان ] : البنان الأطراف من اليدين والرجلين والواحد بنانه ويقال للإصبع بنانه وأصله اللزوم.

٢٠