من هدى القرآن - ج ١

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-04-1
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٧٣٦

(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣)

_________________

١٥١ [أرسلنا] الإرسال التوجيه بالرسالة والتحميل لها ليؤدي إلى من قصد.

[يتلوا] التلاوة ذكر الكلمة على نظام متسق وأصله من الإتباع ومنه تلاه أيّ تبعه.

[يزكيكم] والتزكية النسبة الى الإزدياد من الأفعال الحسنة.

١٥٢ [فاذكروني] الذكر حضور المعنى للنفس وقد يكون بالقلب وقد يكون بالقول وفي أكثر الاستعمال يقال الذكر بعد النسيان وأصله التنبيه على الشيء فمن ذكّرته شيئا فقد نبهته عليه.

[اشكروا] الشكر الاعتراف بالنعمة.

٢٨١

وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧))

_________________

١٥٤ [سبيل] السبيل الطريق وسبيل الله طريق مرضاته.

٢٨٢

وبشّر الصابرين

هدى من الآيات :

للامة الاسلامية شخصية مميزة عن سائر الأمم حتى تلك التي تحمل رسالة الله وأهم ما يميز هذه الامة ، الرسالة التي هي نعمة من الله ، كما ان ابتعاث الرسول فيها نعمة أكبر سبقت نعمة القبلة واعطت للعرب شخصية رسالية مستقلة.

والنعمة كلما ذكرت كلما دامت والسبب ان ذكر النعمة يؤدي الى الاعتزاز بها والاهتمام بكل العوامل المساعدة لبقائها ، واما كفران النعمة فهو أقرب وسيلة لزوالها. ولذلك فعلينا ان نتذكر أبدا تلك الرسالة التي أنعم الله بها على الإنسان فأخرجه من الظلمات الى النور.

ولكن التذكر وحده لا يكفي ، إذ علينا ان نسعى من أجل الاحتفاظ بها ، وذلك عن طريق الصبر والصلاة والجهاد في سبيل الله والاستهانة بالموت من أجل الرسالة ، وتحمل بعض التضحيات البشرية والأمنية والاقتصادية ، والرضا بها نفسيا. كل ذلك سوف يستنزل علينا صلوات الله ورحمته.

٢٨٣

ان هذا الدرس أهم ما يجب على الامة ان تتعلمه من القرآن ، لكي تقاوم التخلف والكبت.

علينا الاستقلال عن سائر الأمم ولنجعل رمز الاستقلال القبلة ونستعين بالصبر والصلاة (لا بالمساعدات الخارجية) ونرخص في الله أنفسنا ، ونستعد لحياة التقشف.

آنئذ فقط يلهمنا الله الصلوات وينزل علينا رحمته وننتصر على الضعف والهزيمة.

ان القبلة الجديدة إتمام لنعمة الرسالة ، ذلك ان الرسالة وضعت الأمة في مصاف الأمم ذات الرسالة لإلهية ، ولكن اشتراكها مع تلك في القبلة كان ينقص استقلالها الثقافي والاجتماعي والسياسي ، والآن تم ذلك ، لذلك قال الله تعالى : «وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» يعني ان يتذكر المسلمون هذا الاستقلال وان يلتفوا حول رسالة الله أكثر فأكثر ، إذ كلما التفوا حولها أكثر كلما اثبتوا استقلالهم وجمعوا صفوفهم.

بينات من الآيات :

لذلك يذكرهم الله برسالته ويقول.

[١٥١] (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ)

وليس من بني إسرائيل حيث كانوا يترقبون أن تنزل الرسالة فيهم ، ويقوم هذا الرسول بعدة أمور هي اهداف كل رسالة :

(يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)

هذه الرسالة هي التي فجرت طاقاتكم ، ووحدت كلمتكم ، وكانت نواة

٢٨٤

حضارتكم.

ان كل امة بحاجة الى رسالة ، وكلما كانت هذه الرسالة أقرب الى الحقيقة كانت الامة أقوى وأجدر بالنهوض ، ورسالة الامة الاسلامية فيها تلاوة آيات الله التي تعني تنبيه الإنسان الى الله ، وتعميق روح الايمان فيه كقاعدة ثابتة لبناء كيان الامة التوحيدي.

وبعد التوحيد عن طريق توجيه الإنسان الى آيات الله ، تأتي مرحلة التربية الرسالية (ويزكيكم) لتصفية النفس من سلبياتها ، من الفردية ، من الجهل ، من العجلة ، من الجبن ، من ضعف الارادة .. وضعف الهمة و.. و.

ان الامة التي لا تستطيع ان تتغلب على سلبياتها الخلقية ، لا تستطيع ان تنتفع بالشرائع والنظم ، وان تفوق الامة في الارادة ، والتزامها الواعي شرط اساسي لتطبيق اي نظام أو قانون.

وفي المرحلة الثالثة تحتاج الامة الى نوعين من الانظمة. نوع ثابت يسميه القرآن بكتاب ، ونوع يتطور وفق الزمان يسميه بالحكمة حسب ما يبدو لي.

هذه هي الشروط الثابتة لبناء اية امة ، وقد استوفت الرسالة الإلهية كل هذه الشروط وزيادة ، حيث فتحت امام الامة آفاقا جديدة من العلم.

(وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) وعلينا ان نتذكر هذه الرسالة باستمرار ، ونتذكر حاجتنا إليها وفائدتها لنا.

[١٥٢] ولذلك علينا ان نشكر الله على نعمة الرسالة حتى ينفعنا الله بها ، ونشكر الله عليها ليزيدنا نورا فيها ، ولا نكفر بهذه النعمة التي منّ الله بها علينا ، فالنعمة التي تكفر تزول.

٢٨٥

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ)

اي لا تكفروا بي وبنعمتي.

بماذا نستعين؟

[١٥٣] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)

الفكرة الحضارية أو الرسالة هي نواة تكوين الامة ، ومسئولية الامة تجاه هذه الفكرة هو التذكر والشكر ، ولكن الامة بحاجة الى طائفة من الصفات الضرورية وأبرزها الاستعانة بالصبر والصلاة ، تلك الاستعانة التي امر الله بني إسرائيل بها حين أمرهم بالواجبات الصعبة.

والصلاة هي الانقطاع عن الحياة ، والتوجه الى الله ، بحيث لا يتّكل الإنسان على اي شيء في الدنيا ، بل على الله والعمل الصالح ، واية امة أرادت ان تتقدم فعليها ان تستمد القوة من الله ، من الايمان به ، والعمل بتعاليمه ، والاستفادة من نعمه على الإنسان. ومن دون هذا الانقطاع تفقد الامة تعاليم رسالتها ، وقواها الذاتية ، وتتكل على القوى الخارجية ، وتكتب بذلك نهايتها المحتومة.

والصبر هو التطلع الى المستقبل ، والتضحية ببعض النعم في الحاضر من أجل تحقيق أفضل منها في المستقبل ، ومن هنا فمن دون رؤية المستقبل والتطلع الى تحقيقه لا تتقدم الأمة ، إذ التقدم بحاجة الى (استثمار) بعض الطاقات في (سوق الزمان) حتى يحصّل الربح في المستقبل.

الفلاح يدفن تحت الأرض رزقه من الحبوب ، ويبذل عليه جهده ، ويتطلع الى المستقبل حيث تتحول الأرض الى حقل خصيب ، فلو لا جهده وانتظاره هل كان يستطيع ان يحصل على الانتاج؟ كلا ... كذلك الامة عليها ان تصبر .. أن تعمل

٢٨٦

للمستقبل البعيد .. وفيما يلي يضرب لنا القرآن بعض الامثلة على الصبر.

إذا أردت أن لا تموت :

[١٥٤] أوّل الصبر الرضا النفسي بالتضحيات وجعل القرآن المضحين في سبيل الله في قمة المجد الاجتماعي ، ليشجع الباقين على المسير في دربهم.

(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ)

احياء لان القتل قد نقلهم من حياة الى حياة ، من حياة الجسد الى حياة الروح ، من الحياة الظاهرية الى الحياة الحقيقية ، فلم تكن الشهادة الا بابا دخلوا منه الى رضوان الله ، واحياء لأنهم وفروا فرصة الحياة للالوف من الناس.

إن الكرامة حياة ، والحرية حياة ، والعيش السعيد حياة ، ومن يموت في سبيل هذه المبادئ الدينية فهو حي في تلك المبادئ. ان الشجرة التي اقتلعت لكي يتحول كل فرع منها الى شتيلة لشجرة جديدة لم تمت ولن تموت ، والحبة التي دفنت تحت الأرض لكي تتحول الى سنبلة فيها مائة حبة لم تمت ولن تموت.

والشهيد الذي وقف حياته لمبادئه الرسالية ، حيث كان حيا ثم قتل لتحيا تلك المبادئ ، انه لم يمت ، وإنّ أمة تكرم شهداءها وتحي ذكراهم وتجعلهم احياء بينها هي امة حية لا ولن تموت.

[١٥٥] الذي مضى شهيدا حي يرزق عند الله ، والباقون من أبناء الامة سوف يقضون ظروفا صعبة تتمخض عن حياة مجيدة ، وعلى الامة ان تكون مستعدة أبدا للتضحية ، حتى تستطيع التقدم وتفجر طاقاتها ، وتزيدها تلاحما وصلابة وعمقا.

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ

٢٨٧

وَالثَّمَراتِ)

انها حياة البناء التي لا بد ان تقضيها الامة قبل البدء بالمسيرة الصاعدة ، انها فترة تجميع الرأسمال عند من يريد ممارسة التجارة ، أو فترة الدراسة لمن يريد ان يصبح خبيرا أو عالما ، انها بالتالي فترة العطاء وفي هذه الفترة يجب ان تتحلى الامة بالصبر.

(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)

[١٥٦] (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)

إن هؤلاء لا ينظرون الى المصيبة ذاتها ، انما ينظرون إليها ضمن اطار عام يجعلونها فيه ، فهم يتصورون ـ خلال المصيبة ـ انهم مجندون في سبيل الله ، قد شروا أنفسهم ابتغاء مرضاته ، ولا يجوز لمن باع بضاعة ان يطالب بها. والمسلم الحقيقي لا يفكر في جسده أو في ماله ، لأنه قد باعهما سلفا ، ثم انهم يتصورون النهاية السعيدة التي تنتظرهم لو صبروا على المتاعب في سبيل الله.

إن اية خسارة في سبيل الله يجب ان توضع في اطار النظرة التاريخية العامة التي تجعل من الخسارة شيئا تافها امام المكاسب الكبيرة التي تنتظر الامة في المستقبل. ثم أليس البشر أساسا لله ، خلقه الله لا من شيء. ثم جعله شيئا مذكورا ، أو ليس يعود اليه بالتالي ـ عاجلا أو آجلا ـ فلما ذا الجزع على المصيبات وهي لا بدّ منها بصورة أو بأخرى.

[١٥٧] ما جزاء الصابرين؟ وما ثوابهم؟

انه صلوات من ربهم ، ان الله قريب منهم ويحبهم ، ويبعث إليهم ببركاته ويرحمهم ، فيخفف عنهم الصعوبات في المستقبل.

٢٨٨

إن أول جزاء يتلقاه الصابر من ربه تأييده عند صبره ، وتخفيف مصيبته عليه ، ودعم معنوياته ، ثم تعويضه على خسارته وزيادته من فضله.

(أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)

اما الذين لا يصبرون على المصيبة فهم لا يهتدون الى الحق ، لأن حبهم لذاتهم يحجب عنهم الحقائق ، ويجعلهم لا ينظرون الّا الى الجوانب السهلة من رسالة الله ، وبالتالي يحرمون من هذه الرسالة ، فالله لم يبعث دينا هكذا كله راحة ونوم ومصالح!!

إن هذه هي أهم نواقص الامة الاسلامية اليوم ، حيث كفرت برسالة الله ، وهجرت الصيام والصلاة ، وخافت الاستشهاد ، ولم تتحلّ بالصبر ، ولذلك فقد تخلّفت وذلّت ، وتوالت عليها النكبات والمصائب ، ومتى ما أردنا الفلاح فعلينا بالعودة الى هذه التعاليم بحزم وقوة.

٢٨٩

(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ

_________________

١٥٨ [الصفا] الصفا في الأصل الحجر الأملس مأخوذ من الصفو واحده صفاة. وقيل الصفا كل حجر لا يخلطه غيره من طين أو تراب وانما اشتقاقه من صفا يصفو إذا خلص.

[المروة] في الأصل الحجارة الصلبة اللينة وقيل الحصاة الصغيرة والمرو نبت وأصله الصلابة وقد صار الصفاء والمروة اسمين لجبلين معروفين في مكة.

[شعائر] الشعائر المعالم للأعمال وشعائر الله معالمه التي جعلها مواطن للعبادة وكل معلم لعبادة أو دعاء أو صلاة أو غيرهما فهو مشعر لتلك العبادة وواحد الشعائر شعيرة فشعائر الله أعلام متعبداته من موقف أو مسعى أو منحر.

[حج] الحج في اللغة هو القصد على وجه التكرار. وفي الشريعة عبارة عن قصد البيت بالعمل المشروع من الإحرام والطواف

٢٩٠

يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

_________________

والسعي والوقوف بالموقفين وغير ذلك.

[اعتمر] العمرة هي الزيادة من العمارة لان الزائر يعمر المكان بزيارته وهي في الشرع زيارة البيت بالعمل المشروع.

[جناح] الجناح الميل عن الحق ، يقال جنح اليه جنوحا إذا مال وأجنحته فاجتنح أملته فمال.

[يطوّف] الطواف الدوران حول الشيء ومنه الطائف وفي عرف الشرع الدور حول البيت ويطوّف أصله يتطوف.

[تطوّع] تبرع.

١٦٠ [تابوا] التوبة هي الندم الذي يقع موقع التنصل من الشيء وذلك بالتحسر على مواقعته والعزم على ترك معاودته ان أمكنت المعاودة.

[أصلحوا] صلاح العمل هو إخلاصه من قبيح ما يشوبه.

٢٩١

(١٦١) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ

_________________

١٦٢ [ينظرون] الانظار الامهال قدر ما يقع النظر في الخلاص وأصل النظر الطلب فالنظر بالعين هو الطلب بالعين وكذلك النظر بالقلب أو باليد أو غيرها من الحواس.

١٦٤ [اختلاف] نقيض الاتفاق واختلاف الليل والنهار أخذ من الخلف لان كل واحد منهما يخلف الآخر على وجه المعاقبة وقيل هو من اختلاف الجنس كاختلاف السواد والبياض.

[الفلك] السفن تقع على الواحد والجمع ، والفلك فلك السماء وكل مستدير فلك وقيل هو اسم للدوران خاصة.

[بث] البث التفريق وكل شيء بثثته فقد فرقته.

[دابة] من الدبيب وكل شيء خلقه الله يدب فهو دابة.

[تصرف] تقليب وصرف الدهر تقلبه وجمعه صروف.

٢٩٢

بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ

_________________

١٦٥ [أنداد] أشباه وأمثال وقيل هي الاضداد.

[حب] الحب خلاف البغض والمحبة هي الارادة فاذا قلت أحب زيدا فالمعنى اني أريد منافعه أو أمدحه ، وإذا قلت أحبّ الله زيدا فالمعنى أنه يريد ثوابه وتعظيمه ، وإذا قلت أحب الله فالمعنى أريد طاعته واتباع أوامره.

١٦٦ [تبرأ] التبرؤ في اللغة أصله التولي والتباعد للعداوة وإذا قيل تبرأ الله من المشركين فكأنه باعدهم من رحمته للعداوة التي استحقوها بالمعصية وأصله من الانفصال ومنه برأ من مرضه.

[اتبعوا] الاتباع طلب الاتفاق ، فاذا قيل أتبعه ليلحقه فالمراد ليتفق معه في المكان.

[تقطعت] التقطع التباعد بعد اتصال.

[الأسباب] السبب الوصلة الى المتعذر بما يصلح من الطلب ،

٢٩٣

لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧))

_________________

والأسباب الوصلات وواحدها سبب ومنه يسمى الحبل سببا لأنك تتوصل به الى ما انقطع عنك من ماء بئر وغيره.

١٦٧ [كرة] رجعة.

[حسرات] الحسرة أشد الندامة.

٢٩٤

كيف أخفى

علماء السوء شعائر الله؟

هدى من الآيات :

تذّكر نعم الله ، والتي في طليعتها القبلة رمز الاستقلال ، وكذلك الرسالة ، كبري نعم الله على الأمة ، هذا التذكر كان محور حديث الدرس السابق ومن ثم الاستعانة بالصبر والصلاة.

وهنا يذّكرنا الله بالصفا والمروة حين يسعى الحاج بينهما ، ليتذكر هاجر التي صبرت في الله ، وكانت عاقبتها النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة.

بيد ان الأمة قد تتوانى وتخور عزيمتها ، وهناك قد تتشبث ببعض الأفكار السلبية التي تبعدها عن الجدية في العمل ، والتضحية في سبيل الله. وهذه الأفكار يبلورها طائفة من انصاف رجال الدين الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يكتمون عن الناس هدى الله.

وبعد ان يحذرهم الله عاقبة هذا الأمر ، يبين ضرورة التوحيد وعدم الشرك. وكل

٢٩٥

اتباع لغير الله شرك ، بل وكل سماع عن غير الله شرك. ويصور لنا الله يوم القيامة حيث يتبرأ التابعون عمن اتبعوهم بعد ان تخلى أولئك عنهم. كذلك في الدنيا علينا الا نضيّع رؤيتنا ونتبع كل من تحدث عن الله ، بل نفكر فيمن نتبعه وكيف نتبعه.

ان هذا الدرس يكمل الدرس السابق الذي كان يتناول شروط نهوض الأمة ، إذ ان من ابرز هذه الشروط ، وحدة التوجيه الثقافي للأمة.

بينات من الآيات :

[١٥٨] كما جاء في آيات اخرى ، امر الله إبراهيم بان يسكن زوجته هاجر وابنها في مكة بواد غير ذي زرع ، وان يرحل عنهم. فاستجاب واستجابت زوجته لأمر الله ولما استقرت هاجر في مكة ، عطش ابنها الرضيع. فطلبت له الماء فلم تجد قطرة ماء. وكان هناك جبلان ، أخذت هاجر تطوف بينهما ، وتحاول ان تجد أحدا تستنجد به وعند ما أكملت هاجر سبعة أشواط من طوافها بين الجبلين ، وجدت آثار الماء تحت قدمي ابنها إسماعيل. فشرع الله السعي بين هذين الجبلين ، تخليدا لذكرى هاجر ورمزا لسعي الإنسان في سبيل الله. بيد أن المشركين وضعوا حجرين على الصفا والمروة واختلقوا لهما قصة خرافية وأخذوا يعبدونهما ويسعون من اجلهما ، وظن بنو إسرائيل ان الطواف بين الجبلين أصبح وهما لمجرد ان الجاهليين وضعوا عليهما صنمين ، فجاءت الآية تنفي هذا الاعتقاد يقول تعالى :

(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) الشعيرة هي الرمز ، حيث انها دليل على الايمان ، ويطلق على محل العبادة ، كالصلاة والحج وما أشبه ، قال الطبرسي ـ ره ـ في مجمع البيان وكل معلم لعبادة من دعاء أو صلاة أو غيرهما فهو مشعر لتلك العبادة لله.

(فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)

٢٩٦

ويسعى بينهما.

(وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً)

كما فعلت هاجر ، وسعى بين الصفا والمروة كما سعت.

(فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ)

رسالة العلم :

[١٥٩] العلم رسالة يجب ان تخدم هدف الإنسان في الحياة ، اما إذا استغل العلم في سبيل مصالح خاصة فسوف ، يصبح وبالا على المجتمع ووبالا على صاحبه ، وسوف يفتضح هذا العالم الوبيل أمام الناس والتاريخ ، فيعتزله الناس ويصبح منبوذا.

كانت قصة الصفا والمروة مثلا لما يستطيع ان يفعله العلم إذا استخدم في سبيل إضلال الناس ، حيث حولوه من شعيرة دينية الى عمل محرم.

وبعد هذه القصة وحتى اليوم نجد علماء سوء ، يكتمون الحقائق عن الناس ، ولا يؤدون امانة العلم العظيم.

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ).

الكتاب لم يأت لطائفة معينة ، إنما جاء هدى للناس جميعا ، والذين يكتمون تشريعاته المفصلة (البينات) أو قيمة الموجزة (الهدى) عن الناس الذين نزل الكتاب لهم.

٢٩٧

(أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)

[١٦٠] وأمام علماء السوء فرصة للعودة الى رحمة الله ورحمة الناس ، هي قيامهم بثلاثة اعمال :

الاول : التوبة بالاعتراف باخطائهم السابقة ، والاستعداد لتصحيحها.

الثاني : القيام فعلا بتصحيح الاخطاء وإصلاحها.

الثالث : بيان كل الحقائق حتى التي تخالف مصالحهم ، أو مصالح قومهم.

(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

ان ضرر عالم السوء في المجتمع كبير ، إذ انه قد يسبب انحراف خلق كثير من الناس ، ولذلك فان توبة الله عليه دليل على ان الله تواب رحيم. والا فليس هينا التوبة على مثل هذا الرجل الذي استغل سلاح العلم ضد الناس.

جزاء علماء السوء :

[١٦١] عودة رجل العلم الفاسد صعبة جدا ، لأنه سوف يشهّر امام الناس كمجرم ، وهو قد عمل المستحيل في سبيل ان يضفي على نفسه قداسة علمية ، ولكنه لو مات هكذا غير تائب فانه سيموت كافرا ، وجزأوه عند الله اسوأ.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)

[١٦٢] (خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)

هؤلاء لا يعتنى بهم أبدا ، بل يهانون أشد الامتهان ، وذلك بعدم النظر إليهم

٢٩٨

أبدا. ذلك لان هؤلاء حرّفوا الدين في الدنيا طلبا للجاه والرئاسة والعزة امام الناس ، والله يجازيهم بالذل والصغار.

الثقافة التوحيدية :

[١٦٣] ان على المسلم ان يستوحي ثقافته من الله أو ممن امر الله ، ذلك التوحيد الخالص والقرآن هنا يبين لنا سبب هذا التوحيد (الثقافي) ويقول :

(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ)

فما دام الله واحدا ، فان علينا طاعته واتباع رسوله ، دون ان نختار لأنفسنا موجّهين ونتبعهم.

ولكي يكرّس القرآن الكريم هذه الفكرة ، يوجهنا الى فطرتنا ، ويأمرنا بالنظر الى آيات الله في السماء والأرض ، خصوصا تلك التي تعكس رحمة الله الواسعة والمستمرة.

إن هذه الآيات تدعونا الى التوجه الى الله وحده ، ونبذ الأنداد من دونه ، وهذه الدعوة تتصل بفطرة الإنسان الراسخة في حب من أحسن اليه ، ومن أوسع إحسانا من الله علينا؟

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)

بهذه العظمة والروعة والدقة.

(وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)

بما فيه من آية الرحمة ، والحكمة ، والقدرة ..

٢٩٩

(وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ)

من نقلهم ونقل أمتعتهم الى اقاصي الأرض.

(وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)

كيف انه نظّم الحياة بشكل يتبخر الماء ، فيتحول الى سحب تحمله الرياح وتسوقه الى حيث الحاجة اليه ، فتمطر ماءا عذبا نافعا للزرع والضرع ، حاملا معه كل ما ينفع الأرض.

(وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ)

ذات حياة ، فاذا بالنملة وأصغر منها ، وإذا بالفيلة وأكبر منها ، وإذا بالطيور والسباع والأسماك ، كل قد هداه الى رزقه ونفعه ، وكل قد خلق لهدف محدد ، ثم وفّرت له وسائل الحياة لأجل مسمى.

(وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)

الذين يستثمرون طاقة العقل التي وضعها الله فيهم ، وحدهم ينظرون من خلال هذه الآيات الى رحمة الله الواسعة والدائمة ، ويعرفون ان الله هو وحده الجدير بالحب والطاعة والعبادة ، وانه دون غيره من الشركاء يجب ان يتخذ وليا.

[١٦٥] الذين لا يعقلون لا ينتفعون بعقولهم بالرغم من وجودها عندهم ، هؤلاء لا يعرفون ربهم ، لانّهم ينظرون الى الكون نظرة جامدة متحجرة لا تتجاوز ظواهر الكون ، دون تعمق في دلالات هذه الظواهر. ولذلك فهم لا يؤمنون أو يؤمنون ، ايمانا سطحيا بالله.

٣٠٠