من هدى القرآن - ج ٢

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-05-X
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٠٨

١

سورة النساء

٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الهداة الميامين.

فضل السورة :

في مصباح الكفعمي عنه (ع) :

(من قرأها فكأنما تصدّق على كل من ورث ميراثا ، وأعطي من الأجر كمن اشترى محرّرا وبرىء من الشرك ، وكان في مشيئة الله من الذين يتجاوز عنهم)

(تفسير نور الثقلين ج ١ ص ٤٢٩)

عن زرّ بن جيش عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال :

(من قرأ سورة النساء كل جمعة أومن ضغطة القبر)

(ـ تفسير العياشي ج ١ ص ٢١٥ ـ)

٣

الإطار العام

(أ) ـ اسم السورة :

اختار القرآن اسم «النساء» ليضعه على هذه السورة لأنها تتحدث عن حقوق المرأة في بدايتها ، ثم عن علاقة المرأة بالرجل ، وعن جوانب من حياة المرأة.

والمرأة هي : وجه حضارة البشر ، والتي تعكس مدى التزام الحضارة بالقيم السامية التي تأمر بالمحافظة على حقوق الضعفاء ، ولأن الإسلام يوليها اهتماما كبيرا كان من المفروض أن يعالج موضوعها في سورة من القرآن ، وكانت سورة النساء بحكم موضوعها الاجتماعي أفضل موقع للحديث عنها.

(ب) ـ موضوعات السورة :

من الآية الأولى وحتى الآية (٢٥) ، ثم من آية (٣٣) الى (٣٥) ، ثم من (١٢٧) الى (١٣٠) ثم في الآية الأخيرة تتحدث السورة عن حقوق المرأة (وبالمناسبة حقوق الأيتام والسفهاء) ، وطريقة تقسيم الإرث بين الرجل والمرأة ، والمعادلة السيئة ، والشهادة الباطلة عند وارث المرأة كرها ، واستلاب حقوقها

٤

في المهر ، وحرمة الزواج من نساء معينة بينهن زوجة الأب السابقة.

ثم عن سيطرة الرجل على المرأة في حدود الشريعة ، وعن النساء الفاضلات ، والصلح بين الزوجين ، ثم عن التزام العدالة والواقعية في بناء الأسرة ، وأخيرا عن بعض موارد الإرث.

أما الموضوع الآخر الذي تتحدث عنه السورة في الآيات (٢٦ ـ ٣٢) يرتبط بحرمة المال ، والنفس ، وضرورة المحافظة عليهما ، والأسباب التي قد تدعو البشر الى الاعتداء عليهما كالجهل والحسد.

أما الموضوع الثالث ، فتتحدث السورة في الآيات (٣٦ ـ ٤٠) عن ضرورة الإحسان الى الضعفاء ، وحرمة البخل ، أو إنفاق المال رياء.

بيد ان الموضوع الرئيسي الذي تتحدث عنه معظم آيات سورة النساء يكاد يكون موضوع الحكم الاسلامي بوجوهه المختلفة ، ففي الآيات (٤١ ـ ٤٢) نجد الحديث عن أن الرسول شاهد على أمته ، بمعنى أنه حاكم عليها ، وحرمة عصيان الرسول ، وحرمة كتمان الشهادة.

وفي الآيات (٤٤ ـ ٥٧) نجد حديثا مفصلا عن دور العلم في اقامة الحق ، ومسئولية رجال العلم في أداء أمانة العلم ، ببيان الحقائق من دون تزييف أو تحريف ، ومدى جريمة الذين يفترون على الله الكذب ، وصفاتهم السيئة التي تكشف زيفهم ، وتفضح نياتهم الفاسدة.

وفي الآيات (٥٨ ـ ٧٠) يتحدث القرآن عن القيم التي تعتمد عليها السياسة الاسلامية ، وأبرزها أداء الأمانة (أداء حقوق الناس) ، والحكم بالعدل.

ثم تتحدث الآيات ذاتها عن طاعة الرسول وأولي الأمر ، وحرمة الاحتكام الى

٥

الطاغوت ، ونعت الذين يتبعون الطاغوت بأنهم منافقون ومثل عن الطاعة الصعبة التي يتهرب منها المنافقون ، وهي طاعة الرسول في الحرب.

ثم حديث عن قيمة الدفاع عن المستضعفين في السياسة الاسلامية.

أما الآيات : (٧٧ ـ ٧٩) ثم (٨٠ ـ ٨٧) فهي تتحدث :

أولا : عن ضرورة الانضباط في القتال ، والتزام الطاعة التامة في كل الأوامر.

ثانيا : عن دور القائد في التحريض على القتال ، وحمل الناس على طاعة الأوامر.

وفي الآيات (٨٨ ـ ٩١) نجد الحديث يتركز حول اتخاذ موقف موحد وحازم من المنافقين ، فيحدد القرآن طبيعة المنافقين وأنواعهم ، ثم يحدد الموقف منهم.

ثم يتحدث خلال الآيات (٩٥ ـ ١٠٠) عن المجاهدين والقاعدين والمهاجرين كطبقات متميزة في المجتمع الاسلامي ، ومتقابلة مع طبقات المنافقين السالفة الذكر.

ويعود القرآن في الآيات (١٠٥ ـ ١١١) الى الحديث عن قيم السياسة الاسلامية وكيف انها دولة القانون البعيدة عن الفساد الاداري ، فينهى الرسول عن الجدل مع الخائنين والمختانين الذين يحاولون تضليل الرسول.

وفي الآيات التالية (١١٧ ـ ١٢٦) يتناول القرآن جوانب شتى عن النفاق منها أصل النفاق ، ودور الشيطان فيه بأمانيه الخلابة الكاذبة ، واساطيره الساذجة.

٦

وبعد أن يبيّن القرآن في الآيات (١٣١ ـ ١٣٤) ضرورة التقوى والالتزام ، واقامة القسط والشهادة لله لكي يزكي النفوس عن عوامل النفاق ، بعدئذ يعود مرة اخرى في الآيات (١٣٦ ـ ١٤٦) ليبين أن الايمان حقيقة بسيطة لا تتجزأ ، وان الذين يفرقون بين فكرة واخرى في الايمان فهم كفار ومنافقون يخادعون أنفسهم ، لأنهم يتخذون الكافرين أولياء ، وهم في الدرك الأسفل من النار.

ثم يبين السبيل الوحيد لإخراج هؤلاء من حالتهم وهو التوبة والإصلاح ، ثم الشكر والايمان ، وعدم الجهر بالسوء من القول ، وابتغاء مرضاة الله بالأعمال الصالحة.

ويكرر القرآن وبتفصيل أكثر هذه المرة بيان بساطة الايمان ، وانه حقيقة لا تتجزأ ، ويبين في الآيات (١٥٠ ـ ١٦٠) ان الذين لا يؤمنون ، بحجة عدم الاقتناع هم أناس كاذبون ومثلهم بنو إسرائيل حين سألوا موسى أن يريهم الله جهرة ، ثم اتخذوا العجل بعد أن توضحت لهم الآيات ، وانهم نقضوا الميثاق ، واختاروا الكفر بآيات الله ، واتهموا مريم بالفحشاء ، وادعوا أنهم قتلوا عيسى ، وظلموا أنفسهم وأخذوا الربا.

وفي الآيات الاخيرة من السورة يتحدث القرآن عن ضرورة الايمان بالله وبالرسول بشكل كامل ، والاعتصام بالنور الذي أنزله ، وكمثل لهذا الايمان يذكر القرآن حكما في الإرث وينهي به سورة النساء.

هذا الاستعراض الموجز لتفصيل سورة النساء ، يكشف لنا الخيط الذي يربط بين موضوعاته الرئيسية ، وهو المجتمع الاسلامي بما فيه من قيم الحق ، والعدالة والتقوى ، وبما فيه من حقوق المرأة ، واليتيم ، والسفيه والفقير ، والدفاع عن المستضعفين والمحرومين وما له من قيادة حكيمة ، وسياسية واضحة ، وإرادة

٧

حازمة ، معتمدة على قواعد راسخة من ايمان الامة بالرسول وبأولي الأمر من بعده.

وبالطبع لا يتحدث القرآن عن المجتمع المسلم بطريقة علمية فحسب ، بل وتربوية أيضا ، فنكشف من خلال حديثه المبارك كيف نبني هذا المجتمع وما هي الدواعي التي تدفعنا الى اختياره؟

٨

سورة النساء

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١)

____________________

١ [بث] : نشر.

[رقيبا] : من الترقب وهو الانتظار ويكون بمعنى الحفيظ الذي لا يغيب عنه شيء.

٩

الخطوط العامة للمجتمع الاسلامي

بينات من الآيات :

المجتمع الاسلامي مبني على قاعدة التوحيد ، وشعار التوحيد اسم الله ، والمجتمع الجاهلي طافح على غرور الطاغوت ، وشعارهم اسم الطاغوت.

وتوحيد الله يعطي المجتمع الاسلامي فضلا من الله ، ورحمة شاملة ودائمة ، وشعار الرحمة الشاملة (الرحمن) وشعار الرحمة الدائمة (الرحيم).

وهذا يعني ان المجتمع الاسلامي : مستقر ومستمر ، متكامل ودائم ، فهو خير ورفاه ، وتقدم لجميع الناس في جميع العصور.

الالتزام المبدئي

[١] الخط العام الذي تتفرع عنه سائر الخطوط المميزة للمجتمع الاسلامي انه مجتمع ملتزم بمنهج الله ، وقد عبر القرآن عن هذه الفكرة في آية : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) فهو مجتمع مبدئي ، وحين نقول مجتمع مبدئي فاننا نتصور شرطين أساسين

١٠

هما :

أ) انه لا يؤمن بالفوضى في أي حقل من حقول المجتمع ، بل يؤمن بالتنظيم في كافة الابعاد الخاصة والعامة.

ب) انه ينطلق في تنظيمه من بصائر سماوية ليست فيها تحديدات قومية أو اقليمية أو عنصرية أو غيرها .. لان السماء هي التي اوحت بهذه البصائر.

من هنا جاءت الكلمة الاولى في هذه السورة نداء الى الناس : ان يتقوا الله ليبنوا على أساسه مجتمعهم الفاضل ..

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ).

ومعروف ان الخطاب للناس الواقعيين الذين يتحركون في أرض الواقع ، وليس الخطاب الى الإنسان أو البشر كصفات تجريدية ، ان هذا الخطاب تعبير عن روح الواقعية في الرؤية الاسلامية ، وبالتالي روح توجيه الحياة مباشرة ، ومن دون الالتفات حولها بمسائل نظرية.

والسؤال هو : لماذا قال الله «ربكم»؟

الجواب : ان كلمة الرب تدل على معنى التربية فهي أقرب الى التشريع الذي يأمر الله عباده باتباعه ، ولذلك ترى ان القرآن ، لا يكتفي بكلمة رب ، بل يضيف قائلا :

(الَّذِي خَلَقَكُمْ)

ليذكرنا بأن الله الذي ربّاكم من بعد أن خلقكم ، أجدر أن يتبع الناس تشريعه ويتقونه في حياتهم.

١١

التوحيد منطلق التشريع :

والميزة الاساسية في تشريع السماء ، انطلاقه من مبدأ التوحيد ، والذي يعني فيما يعني الارتفاع فوق كل الحواجز المصطنعة بين الناس ، اننا نفهم اليوم وبعد ان اكتشفنا ان أكثر الويلات التي أصابت البشرية ولا تزال تصيبها حتى اليوم آتية من هذه الحواجز.

(العنصريات ، القوميات ، الاقليميات ، الطبقيات و... و... وهكذا ..) نحن نعرف انها هي العقبات الحقيقية في طريق الإنسان الى السعادة والتقدم.

ولذلك يركز القرآن على ان الله خلق الناس جميعا من نفس واحدة ويقول :

(الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً)

النساء كالرجال :

والسؤال : كيف خلق الله زوج الإنسان من نفسه؟ وهل يعني هذا ان الإنسان الاول كان ذا طبيعة مزدوجة ، ثم انفصلت طبيعة الذكر عن طبيعة الأنثى في سائر الأجيال؟

أم هل يعني هذا ان الله خلق آدم (ع) ثم انتزع من اضلعه صلصالا وخلق منه حواء؟

لا اعلم ذلك بالضبط ، ولكن هذا التعبير يوحي بفكرة علمية تهمنا في تلاوة آيات القرآن وهي ان الذكر والأنثى جنس واحد ، وليست الأنثى أقل شأنا من الذكر ، لا في الطبيعة ولا في منهج الله ، وقد تكررت في آيات القرآن هذه الفكرة

١٢

مثل قوله تعالى :

«خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً»

وقد نسف القرآن هذه الفكرة العنصرية الجنسية (كما اسميها) التي تقول : ان للذكر سلطة مطلقة على الأنثى بسبب انه من جنس أعلى ، والفارق بينه وبينها يشبه تماما الفارق بين الإنسان والحيوان!!

لقد نسف القرآن هذه الفكرة وبيّن ان كل الحواجز بين الناس مصطنعة ، ولا رصيد لها من الحق أبدا.

الاسرة تنظيم ايجابي :

بين القرآن إن فكرة التساوي بين الناس لا تعني الانفلات والفوضى ، انما يجب ان يكون داخل المجتمع تنظيم متقن ، ونقبل بالحواجز بقدر أدائها لعملية التنظيم الايجابي ، فالاسرة مثلا كأطار ينظم علاقة مجموعة بشرية بأخرى ، ويجعلها أكثر تعاونا وتفاعلا ... مقبولة وضرورة ، ولكن الاسرة كأطار لضرب الأسر الثانية واشاعة العصبية والقبلية بين المجتمع مرفوضة أساسا.

ولذلك أكد القرآن على الاسرة وقال :

(وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)

أي اتقوا الله واتقوا الأرحام.

ان التعاون مع الاسرة يجب ان يبقى ضمن اطار منهج الله ، فلا يصبح وسيلة للفساد والرشوة ، وغصب الحقوق ، واشاعة الفحشاء ، لذلك بدأ الحديث بذكر

١٣

تقوى الله وجعلها ركيزة البناء الاجتماعي ، ثم بين اهمية الأرحام (الأقارب) وتعبير القرآن ب (تساءلون به) يعني ان الله هو المقياس النهائي والأخير الذي يمكن ان يجعل ركيزة التعاون الاجتماعي ، فاذا تساءل أحد شيئا من آخر هل فعله أم لا ، كيف يستطيع ان يثبت انه سيقول له الصحيح أم يكذب عليه.

لا طريق له الى ذلك الا ان يحلفه بالله ، ويستثير ضميره وفطرته المؤمنة بالله ، ويجعل من ذاته على ذاته رقيبا.

ان المجتمع الذي يتمتع بالايمان ، هو القادر على إيجاد تعاون حقيقي بين ابنائه على أساس من العدالة والمساواة ، وان لم يكن المجتمع مؤمنا فكل الانظمة الموضوعة تصبح حبرا على ورق يتلاعب بها الناس كما يتلاعب الرياضيون بالكرة.

من هنا لا بد ان يبنى المجتمع المسلم على ركيزة الايمان والتقوى.

(إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)

قيم المجتمع الاسلامي :

ان هذه الاية استهلت الحديث عن المجتمع الاسلامي ببيان قيم المجتمع بايجاز وهي :

أ) تقوى الله.

ب) المساواة التامة بين جميع عباد الله الذكر منهم والأنثى.

ج) اعتماد التنظيم الاسري (وغيره) في اطار تقوى الله.

١٤

وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ

____________________

٢ [حوبا] : إثما والحوبة الحزن.

٣ [تقسطوا] : تعدلوا وتنصفوا.

[تعولوا] : تميلوا عن الحق وتجوروا وقيل عال يعول يحتاج ويفتقر.

٤ [صدقاتهن] : مهورهن.

[نحلة] : عطية من غير المثامنة يقال نحلت الرجل إذا وهبت له نحلة.

[هنيئا مريئا] : الهنيء الطيب المساغ والمريء المحمود العاقبة يقال هنأني الطعام ومرأني أي صار لي دواء وعلاجا شافيا.

١٥

قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٦) لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً

____________________

٥ [قياما] : العماد والسناد لما يعمد ويسند به.

٦ [انستم] : الإيناس الأبصار من قوله «انس من جانب الطور نارا» وقيل انستم اي أحسستم بمعنى وجدتم.

[إسرافا] : تجاوزا للحد المباح الى ما لم يبح.

[بدارا] : مسارعة.

[حسيبا] : محاسبا وشاهدا.

١٦

خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)

١٧

التشريعات المالية في الإسلام

هدى من الآيات :

النظام الاقتصادي وجه بارز من أوجه المجتمع ، ولذلك بدأ القرآن حديثه عن المجتمع الاسلامي ببيان النظام الاقتصادي في هذا المجتمع ، الذي يكفل الملكية الفردية في اطار من الرقابة الاجتماعية ، فهو يشجع الناس على العمل والانتاج ، وتطوير التجربة الذاتية في التنعم بالحياة.

كل ذلك عن طريق كفالة الملكية الفردية ، كما انه يحافظ على دور المال البنّاء لئلا يتحول الى صخرة في طريق الحرية الاجتماعية أو القيم السامية للمجتمع.

من هنا نجد ان الاية الأولى تركز على ضرورة المحافظة على حقوق اليتامى والنساء لأنهما العضوان الضعيفان في المجتمع ، ولهذا اقتضى التركيز عليهما ، والمجتمع الذي يحافظ على حقوق الضعفاء يحافظ طبيعيا على حقوق الأقوياء.

ولكن القرآن عاد فبيّن حدود الملكية الفردية في الآية الخامسة ، ومنع إعطاء

١٨

السفهاء اموال المجتمع ، لان السفهاء يخالفون فلسفة المال وهي تنظيم حياة المجتمع به ، ومن هذا المنطلق اشترط الرشد في اليتيم الذي يبلغ ، ويريد ان يتسلم أمواله.

وتحدث بعدئذ عن الإرث باعتباره من توابع الملكية الفردية ، وركز حديثه على ضرورة المحافظة على حقوق الضعفاء «النساء والأيتام واولو القربى واليتامى والمساكين»

وخلال الحديث في الآيتين (٣) تحدث القرآن عن الزواج تمهيدا للحديث عن حقوق المرأة في امتلاك المهر ، وضرورة المحافظة عليها.

بينات من الآيات :

[٢] اليتيم هو أضعف الحلقات الاجتماعية ، والولي عليه (الوصي) هو أقوى الحلقات في قدرته على أكل أمواله من دون رادع اجتماعي ، لذلك حذر القرآن الأولياء من ظلم اليتيم ظاهرا أو خفيا ، والظلم الخفي هو تبديل أموال اليتامى بالتي هي أسوأ لحساب الولي عليهم.

ومن يأكل أموال اليتامى يتعود على التبذير ، لأنه يجد أمامه مالا لا تعب فيه فيلتهمه بدون تدبير ، فاذا انتهت أموال اليتيم دفعته عادة التبذير الى تبديد أمواله الخاصة بذات الكيفية السابقة ، فاذا به يخسر ماله الحلال أيضا. من هنا قال الله تعالى :

(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلاتَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاتَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ)

١٩

اي انكم تبدأون بأكل أموال اليتيم وتنتهون بأكل أموالكم :

(إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً)

انه ظلم عظيم.

علاج اليتم :

[٣] لحل مشكلة اليتيم وضع الإسلام حلا اجتماعيا هو الزواج بالأرملة «صاحبة الأيتام».

ومن هنا نعرف ان فلسفة تعدد الزوجات هي حل لبعض المشاكل الاجتماعية.

ذلك انه لا يوجد شاب يقدم على الزواج ابتداء من أرملة عجوز ، الا إذا جعلها زوجته الثانية لكي يسترها ويحافظ على حقوقها وحقوق ابنائها ، لان الزواج من الام يعطي الزوج دافعا نفسيا الى المحافظة على حقوق أولادها (اليتامى) باعتبار انهم سوف يصبحون كأولاه بالنسب ، وسوف ينفعونه عند الكبر ، ويرفعون اسمه عند الناس وهكذا.

من هنا ربط القرآن بين الخوف من ظلم اليتيم وبين تعدد الزوجات فقال :

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)

ثم عاد وحذر من الزواج بنية سيّئة ، أو مع عدم القدرة على الوفاء بحقوق الزوجية فقال :

٢٠