يظهر ذلك من الكفاية بقوله : ولحاظهما في أحدهما آليّ وفي الآخر استقلالي ، بداهة أنّ النظر في حجّيته وتنزيله منزلة القطع في طريقيته في الحقيقة إلى الواقع ومؤدّى الطريق ، وفي كونه بمنزلته في دخله في الموضوع إلى أنفسهما ، ولا يكاد يمكن الجمع بينهما الخ (١) فإنّ العلم في ذلك كلّه لا يكون إلاّطريقياً ، لما سيأتي (٢) إن شاء الله من عدم شمول دليل التنزيل للعلم الصفتي ، بل المراد من الآلية هو ما ذكرناه من لحاظ العلم كناية عن متعلّقه ، نعم إنّ الوجه في أخذه كناية عن الواقع المعلوم هو كونه طريقاً كاشفاً عنه ، والمراد من الاستقلالية هو أنّ ذلك الحاكم قد لاحظ العلم بنفسه ، وإن كان لحاظه بنفسه لم يخرجه عن كونه طريقياً. وبعبارة أُخرى : لاحظه بنفسه من حيث الكشف والطريقية كما سيأتي شرحه إن شاء الله تعالى (٣).
وإن شئت فقل : إنّهما في ذلك نظير الخلق والمخلوق ، فإنّ الخلق قد يطلق ويراد به نفس المعنى الحدثي المعبّر عنه بالمصدر تارةً وباسم المصدر أُخرى ، وقد يطلق ويراد به المخلوق الذي هو اسم عين ، ومن الواضح أنّه لا جامع بين ما هو بمعنى الحدث وما هو بمعنى اسم العين ، بل إنّ ما نحن فيه أردأ من هذا المثال لأنّ العلم بالقياس إلى الأثر لا يكون من قبيل استعمال المصدر في اسم المفعول إذ ليس محطّ ذلك الأثر هو المعلوم بما أنّه معلوم ، بل إنّ محطّ الأثر إنّما هو نفس الواقع الذي هو الخمر ، فيكون من قبيل استعمال العلم في الواقع الذي تعلّق به العلم ، لا المعلوم بما أنّه معلوم.
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٢٦٤.
(٢) في الجهة الثانية.
(٣) في الصفحة : ٧٤ وما بعدها.