الدنيوي ، لم يفرّق فيها بين إضرار الشخص بنفسه المعبّر عنه بالضرر الشخصي وبين إضراره بغيره المعبّر عنه بالضرر النوعي ، بل يمكن القول بأنّ الحكم في الضرر النوعي آكد وأقوى منه في الشخصي ، لأنّه تعدٍ على الغير ، ولأجل ذلك نقول : إنّ الضرر الشخصي ربما حكم العقل بجوازه إذا كان طفيفاً ، بخلاف الاضرار بالغير المعبّر عنه بالضرر النوعي ، فإنّه لا يجوز عقلاً وإن كان طفيفاً ، ويدخل في باب قبح الظلم والعدوان ، فتأمّل.
ويمكن التفصيل بين احتمال حرمة الفعل ، فيكون الاقدام على فعله موجباً لالقاء النوع في المفسدة التي هي الضرر النوعي ، فلا يصحّ عقلاً ولا شرعاً الاقدام على ذلك الفعل ، وبين احتمال الوجوب فلا يحكم العقل بلزوم الاقدام عليه ، إذ أقصى ما في البين هو أنّ تركه يوجب تفويت أو فوات المصلحة على النوع ، ومن الواضح أنّ العقل لا يكون ملزماً بفعل يكون تركه مفوّتاً للمصلحة على النوع فتأمّل.
نعم ، إنّ شخص المكلّف من جملة النوع ، فيكون تفويته المصلحة على النوع تفويتاً على نفسه أيضاً ، فتدخل المسألة حينئذ في أنّ تفويت المصلحة ضرر يحكم العقل باجتنابه ، أو أنّ إدراك المصلحة يكون العقل حاكماً بلزوم ما يكون موجباً لتحصيلها بارتكابه.
قوله : ولا يصغى إلى ما قيل من أنّه يمكن أن تكون المصلحة والمفسدة في نفس الأمر لا في المأمور به ، فالظنّ بالحكم لا يلازم الظنّ بالمصلحة والمفسدة الشخصية ... الخ (١).
لا يخفى أنّه بعد أن فرضنا كون المصلحة من الأضرار الدنيوية لا يكون
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٢١.