المجتهدين والمفتين ، فراجع وتأمّل ، فإنّ الآية الشريفة وردت خطاباً لأُولئك الأعراب الذين لا يعرفون إلاّالنقل عن النبي صلىاللهعليهوآله ، ولا يعرفون الرأي والاجتهاد ، غايته أنّهم يتوسّعون كجاري العادي في المحاورات ، فينقلون المضامين التي يفهمونها من كلامه صلىاللهعليهوآله وينسبونها إليه بطريق القول ، ولا يجمدون على نقل نفس اللفظ الذي سمعوه منه صلىاللهعليهوآله ، بل ربما لا يبقى في ذاكرتهم نصّ اللفظ إلاّما قلّ ممّا يكون من جوامع الكلم كالقواعد الكلّية ، مثل لا ضرر ولا ضرار ، ومثل : ما جنته العجماء جُبار (١) ، ونحو ذلك من القواعد الكلّية المشتملة على ضروب من البلاغة التي يحافظون على خصوصيات ألفاظها لبلاغتها واختصارها ، ولأجل ذلك قال الفخر ـ من علماء العامّة ـ في حديث « الخراج بالضمان » (٢) في أُصوله : إنّ هذا الحديث من جوامع الكلم لا يجوز نقله بالمعنى ، حسبما نقله المرحوم الشيخ محمّد حسن ـ عن بعض (٣) من نقله عن الفخر ـ في حاشيته على المكاسب (٤) فيما يتعلّق بهذا الحديث في مسألة ما يضمن بصحيحه.
ثمّ إنّ الأُستاذ العراقي قدسسره بعد أن فرغ في مقالته من عبارته السابقة قال : هذا مضافاً إلى إمكان دعوى إهمال الآية من حيث اقتضاء الإخبار ولو متضمّناً للتخويف علماً أو ظنّاً ، فلا إطلاق فيها على وجه يشمل الخبر غير العلمي (٥).
قلت : قد تقدّم الجواب عن هذا الإشكال بما حاصله نصوصية الآية
__________________
(١) جُبار : أي هدر ، راجع لسان العرب ٤ : ١١٦ مادّة ( جبر ).
(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣٢١.
(٣) راجع الأشباه والنظائر : ١٥٠ / القاعدة العاشرة : الخراج بالضمان.
(٤) غاية الآمال ٥ : ١٢٨.
(٥) مقالات الأُصول ٢ : ٩٨.