نعم ، يرد على هذا البعض من الأخباريين ما هو واضح ، من عدم معقولية تخصيص حجّية القطع بخصوص قطع خاصّ ، وهو ما عقده بعد ذلك للنزاع مع الأخباريين في حجّية القطع الناشئ من المقدّمات العقلية ، وليس غرضه هنا إلاّ مجرّد المثال.
ومن ذلك يظهر لك التأمّل في قوله : وبما ذكرنا يرتفع ما ربما يستشكل في عبارة الشيخ من جعله مقالة الأخباريين من أمثلة العلم المأخوذ موضوعاً ، مع أنّه لا يمكن الخ (١) ، فإنّه قد اتّضح لك أنّ ذلك ليس من قبيل المثال لما يكون العلم فيه جزءاً من الموضوع للحكم الشرعي ، كي يتوجّه عليه الإشكال المذكور ، ويحتاج إلى الجواب بما أُفيد من متمّم الجعل ، بل هو من قبيل المثال لما يكون العلم فيه جزءاً من الموضوع للحكم العقلي ، فلاحظ وتأمّل.
ومثال الصورة التي يكون الحكم فيها شرعياً مع كون القطع الموضوعي مقيّداً بسبب خاصّ ، هو ما ذكره من جواز عمل القاضي بما ثبت عنده من حقوق الله تعالى ، فإنّ الثبوت فيه يكون موضوعاً لجواز العمل ، وهو ـ أعني الثبوت المذكور ـ مقيّد بما إذا كان من الموازين الشرعية المقرّرة في كتاب القضاء ، دون ما إذا كان ثبوت ذلك بعلمه.
ثمّ إنّه قدسسره استطرد في التمثيل بما لو كان قطع شخص موضوعاً لحكم في حقّ شخص آخر ، فإنّه ربما كان القطع المذكور مقيّداً بما إذا كان حاصلاً من سبب خاص ، كما في رجوع العامي إلى المجتهد العالم بالحكم ، فإنّه مقيّد بما إذا كان علمه به ناشئاً عن الموازين المقرّرة للمجتهد ، دون ما إذا كان من مثل الجفر والرمل ونحوهما ، ومثل قبول الشهادة إذا كان الشاهد عالماً بما يشهد به عن حس
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ١٤.