واشتياقه إليه ، ولذلك بمجرّد علم المكلّف به وارتفاع المانع ـ أعني الجهل ـ يتنجّز في حقّه التكليف لأجل عدم قصور فيه بل في الفاعل ، ومن حيث إنّ الارادة بالنسبة إلى الفعل موجودة وإن لم تتحقّق بعدُ بالنسبة إلى الفاعل ، جاز للشارع حينئذ جعل أمارة مؤدّية إليه دائماً أو غالباً ، إذ لا يعتبر في صحّة جعل الطريق والحجّة أزيد من كون الفعل محبوباً فعلاً ومتعلّقاً بنفسه للارادة الحتمية ، وإن لم يبعث به نحو المكلّف لأجل المانع ، والمفروض كونه كذلك في المقام ، ولذلك لو علم به تنجّز تلك الارادة والطلب المتعلّق بنفس الفعل انتهى ، فراجعه إلى آخر ما أفاده في الحاشية (١).
قلت : لا يخفى أنّه يلزم التأمّل والنظر في حال ذلك الفعل قبل علم المكلّف بوجوبه ، فإن قلنا إنّه قد تعلّقت به الارادة والطلب الشرعي فمن هو المراد منه والمطلوب صدور الفعل عنه مع فرض كون ذلك المكلّف لا تتعلّق به الارادة والطلب ، وهل يمكن وجود الطلب والارادة بلا أن يكون في البين مطلوب منه ولا مراد عنه ، بل وهكذا الحال لو قلنا إنّ الفعل في ذلك الحال غير مراد ، لكنّه كان الشارع مشتاقاً إليه كمال الاشتياق ، كما ربما يظهر لك من الأُستاذ المحقّق العراقي في مقالته المطبوعة ، وذلك قوله : إذ مرجع الأمر الطريقي كلّية إلى الترخيص في تفويت المرام في ظرف الجهل به عند المخالفة ، من دون اقتضائها لنفي اشتياقها وحبّها حتّى في ظرف الجهل بها من إطلاق قيام المصلحة بالذات المحفوظ في جميع المراتب ، إذ نتيجة الترخيص المزبور سلب إرادة المولى في هذه المرتبة ، وهو لا ينافي بقاء اشتياقه حتّى في هذه المرتبة بحاله معاً لاطلاق
__________________
(١) كفاية الأُصول ( مع تعليقة الشيخ علي القوچاني رحمهالله ) ٢ : ٨٤ ـ ٨٥ / تعليقة ٢٢.