خصوص مورد التمكّن منها ، أمّا مع عدم التمكّن منها فينتقل العقل إلى الحكم بلزوم داعوية الاحتمال ، لكنّا قد أخرجنا الحكم بالاطاعة المذكورة عن حكم العقل وقلنا إنّ الحاكم بلزومها هو الشرع بنحو متمّم الجعل.
اللهمّ إلاّأن نقول : إنّ هذا الحكم الشرعي المولوي يكون تابعاً لحكم العقل من جهة الملازمة ، من دون فرق في ذلك بين كون ذلك الحكم الشرعي المولوي الثانوي استحبابياً كما في التوصّليات ، أو وجوبياً كما في العبادات ، فإنّ إيجابه وإن لم يكن بملاك الملازمة ، إلاّ أنّ أصل الطلب لمّا كان بملاك الملازمة كان ذلك الطلب ذا درجتين كما في استحسان العقل للاطاعة ، ولا يخلو ذلك عن تأمّل.
ولكن الشأن كلّ الشأن في أنّ الداعوية فيما نحن فيه كانت من ناحية الاحتمال نفسه ، بل ليست هي إلاّمن قبل الحكم الواقعي على وجه لو صادف الواقع يكون هو عين ذلك الداعي الذي دعاه على الاتيان بالفعل ، ولا يكون الاحتمال في ذلك إلاّكالعلم في كونه طريقياً ، بمعنى كون الداعي في الواقع نفس الواقع ، غايته أنّه بوجوده العلمي أو الاحتمالي ، وإن كانت الفاعلة والمؤثّرة في نفس المكلّف إنّما هي تلك المرتبة من الوجود العلمي أو الوجود الاحتمالي ، لكن المكلّف لا يرى نفسه متحرّكاً إلاّعن نفس ذلك الواقع الذي علمه أو الذي احتمله ، والأمر الثانوي الشرعي إنّما يتعلّق بهذا المقدار من الداعوية ، فلو قال له : ائت بالفعل بداعي أمره ، فإنّما يريد هذا الأمر الوجداني الذي يجده المكلّف من نفسه حينما يأتي بالفعل بداعي أمره الذي علمه ، وإلاّ سرى الإشكال إلى صورة العلم ، بأن يقال إنّ المطلوب منه هو داعوية الأمر الواقعي بحيث يكون هو المحرّك له ، والمفروض أنّ وجوده العلمي كان محرّكاً له ، فتأمّل.
ثمّ لا يخفى أنّ الأمر بنفسه لا معنى لكونه داعياً على الاتيان بالعمل