الحقيقي قد جوّز بعضه ، أو أنّه ليس بقبيح في نفسه ، وعلى الأوّل فلماذا يفعله من لا يعتقد بالدين بل تعدّوا إلى ذبح البشر وأكل لحومهم ، فهل يمكننا أن نقول إنّ أمثال أُولئك ليسوا بعقلاء أو أنّهم بمنزلة الوحوش الضارية ، فإذن لا يكون العقل إلاّ كسبياً من الدين أو المدنية ، لا أنّه جبلّي في طبيعة البشر مع قطع النظر عن التعليمات الدينية أو المدنية ، أو نقول إنّ أمثال هؤلاء يتخيّلون أنّ غيرهم أعداء لهم وأنّهم لو تمكّنوا لأعدموا وجودهم ، ولأجل ذلك يقدمون على قتل أُولئك الأعداء بزعمهم وأكل لحومهم.
والغرض من هذه الاطالة أنّا لم نجد حتّى الآن فعلاً يمكن الجزم باتّفاق البشر على قبحه الذاتي مع قطع النظر عن الأُمور التي يكتسبها البشر من الأديان أو قوانين المدنية حتّى مع قطع النظر عن كون الشخص متديّناً.
ولكن لنرتقي فوق ذلك ونقول : إنّ القبح الآتي من تعارف البشر باعتبار التعاليم المدنية مثل قبح كشف العورة ، لماذا يكون قبيحاً بعد التعارف ، وبعبارة أُخرى كيف كان الخروج عن المتعارف قبيحاً ، فذلك شاهد على تحقّق القبح العقلي مع قطع النظر عن التعارف المدني وعن التعارف الديني ، ولا ينتقض بما نقل من عمل جمعية العراة في ألمانيا ، فيقال هل هم عقلاء ، أو يقال إنّهم أرادوا قلب هذا التعارف ليرتفع القبح الآتي من الشذوذ عن المتعارف ، فهم في بادئ الأمر يرتكبون هذا الفعل القبيح الناشئ قبحه من الشذوذ ، إمّا لعدم المبالاة ، أو أنّ قصدهم بذلك إخراجه عن الشذوذ الموجب لقبحه.
ويمكن أن يقال : إنّ الشذوذ والخروج عن قواعد المحيط ليس من باب القبح العقلي ، بل من باب المفسدة ، إذ لا أقل من تعريض الشاذّ نفسه لمقت الوسط والمحيط وهتكهم عرضه ، وفي ذلك من الفساد والضرر عليه ما لا يخفى ،