بالحسن أو القبح ، أو إلى المعتزلي المنسوب إليه أنّ العقل يحكم بذلك ، فيقال له أيّ عقل هو المخبر عنه بأنّه يحكم أو أنّه لا يحكم ، هل هو عقل نفسه وعقل غيره أو هو عقل نفسه فقط ، أو أنّ هناك محكمة خارجة عنه وعن غيره. وبعد وضوح بطلان الأوّل والثالث وتعيّن الثاني ، يتوجّه السؤال هل إنّ عقل الشخص هو غيره أو هو نفسه ، ويكون المحصّل هو أنّ عقلي يحكم بالحسن أو أنّي أنا الحاكم ، فيكون المخبر عنه هو عقل المخبر أو هو نفس المخبر ، ولا يكون حال الخلاف في أنّ هذا الفعل حسن أو أنّه قبيح إلاّكحال الخلاف بين الأشخاص في المحسوسات كالشبح من بعيد في أنّه جماد أو حيوان ، أو كحال الخلاف بين أهل الخبرة في أنّ هذه الدار ما قيمتها ، أو أنّ المرض الفلاني ما دواؤه.
بل لنا أن نقول : إنّه بعد أن رجع المطلب إلى أساس الصلاح والفساد ، فلنا أن نقول ليس الصلاح إلاّما فيه النفع ، وليس الفساد إلاّما فيه الضرر ، ويكون حكم العقل بقبح هذا أو حسن ذاك من مقولة أحكامه في النفع والضرر بالاقدام على الأوّل والفرار من الثاني. وهذه جهات طبيعية موجودة في الحيوانات ، فإنّها تقدم على الماء فتشربه ، وتفرّ من النار المحرقة لها. نعم يمتاز الإنسان عنها بأنّه يدرك النفع والضرر في غير المحسوسات ، وما إقدامه على الفحص عن النبوّة مثلاً أو عن التكليف الإلزامي إلاّمن هذا السنخ ، أعني خوف الضرر الذي هو العقاب والنار الكبرى ، والميل إلى النفع الذي هو الثواب ، بل هكذا حاله في الاطاعة والمعصية.
ثمّ إنّه ربما كان أو كثيراً ما يكون قبح الشيء من جهة التعارف مثل التعرّي أمام الملأ ، أو من جهة الدين كما تراه في ذبح الحيوان المأكول وذبح غير المأكول غير المؤذي بلا فائدة تترتّب على ذبحه ، فهل هو قبيح في نفسه والشارع المالك