عقلاً.
ثمّ نعود ونقول : إنّ ذلك الميل أو ذلك الاشمئزاز لا يكون منه بلا جهة توجبه ، وتلك الجهة هي ما في الأوّل من الصلاح وما في الثاني من الفساد ، ونعبّر عن ذلك بجهات الحسن والقبح ، وحينئذ يتوجّه السؤال في كثير ممّا يقبّحه العقل مثل الترجيح بلا مرجّح ، أو الاقدام على فعل بلا غاية تترتّب عليه ، فيقال ما هي المفسدة في ذلك الفعل ، وهل هي شخصية بالنسبة إلى الفاعل أو هي نوعية ، فتؤثّر في النوع وإن لم يكن لها في هذا الشخص الفاعل أثر أصلاً ، هذه جهات ينبغي البحث عنها وحلّها.
والذي يمكننا القول به فعلاً : هو أنّه ليس في الواقع إلاّالمصالح والمفاسد والعقل بعد اطّلاعه على صلاح هذا الشيء يميل إليه ، وبعد اطّلاعه على فساد ذلك الشيء الآخر ينفر عنه.
ولنا أن نقول : إنّ ذلك الميل وذلك الاشمئزاز والنفرة ليس من آثار الصلاح والفساد ابتداءً ، بل بعد كون الشيء ذا صلاح في الواقع أو كونه ذا فساد في الواقع يكون الأوّل حسناً واقعاً ويكون الثاني قبيحاً واقعاً ، والميل من آثار الحسن الواقعي ، والنفرة من آثار القبح الواقعي ، والعقل بعد اطّلاعه على فساد هذا يقول إنّ هذا فاسد واقعاً ، وكلّ ما هو فاسد واقعاً يكون قبيحاً واقعاً ، فهذا قبيح واقعاً وهكذا في ناحية الصلاح والحسن ، فليس للعقل إلاّالتطبيق ، أعني إحراز الصغرى وانطباق الكبرى عليها وأخذ النتيجة التي هي عبارة عن الحكم على الأصغر بالأكبر ، فهو يحكم ويقول إنّ الفعل الفلاني حسن أو قبيح ، فيكون حاله في الحسن والقبح كحاله في محالية اجتماع النقيضين ، فيقول إنّ قيام زيد وعدم قيامه نقيضان ، وكلّ متناقضين يمتنع اجتماعهما ، فقيام زيد وعدم قيامه يمتنع