مشكوك الخمرية منزّلاً منزلة الخمر الواقعي ، وكان إحراز الخمر الواقعي بالأمارة منزّلاً منزلة القطع بالواقع ، فيتمّ الموضوع حينئذ. وأمّا إذا كان الإحراز المتأخّر عن التنزيل وهو القطع بالواقع الجعلي الذي لا مساس له بالواقع الحقيقي منزّلاً منزلة القطع بالواقع ، فيستحيل التئامه مع الجزء الأوّل حتّى يتحقّق المركّب الذي هو الموضوع للحكم. وليت شعري ما الذي دعا هذا المحقّق إلى جعل الجزء الآخر المنزّل منزلة القطع بالواقع هو القطع بالواقع الجعلي حتّى يرد عليه ذلك ، ولِمَ لم يلتزم بكون الجزء الآخر المنزّل منزلته بالملازمة هو الإحراز الناقص المتعلّق بنفس الواقع حتّى يسلم من ذلك (١).
قلت : يمكن أن يقال : إنّ كلامه في الحاشية (٢) بالنسبة إلى أنّ أساس هذه الملازمة ماذا ، لا يخلو عن اضطراب ، فإن كان أساس ذلك عنده هو دعوى التلازم العرفي بين التنزيلين ، لم يتوجّه الإشكال المزبور ، لوضوح أنّه لا ملازمة عرفية بين تنزيل مؤدّى الأمارة منزلة الواقع وتنزيل كشفها الناقص منزلة الكشف التامّ ، وإنّما الملازمة العرفية مسلّمة بين هذا التنزيل وتنزيل القطع المتعلّق بمؤدّى الأمارة منزلة القطع بالواقع.
نعم ، لو كان المدرك في التلازم المذكور هو عدم اللغوية ، لكان لدعوى كون المنزّل بالتنزيل الثاني هو كشفها الناقص مجال واسع كما لا يخفى.
ثمّ لا يخفى أنّ هذه الملازمة لو تمّت من طريق العرف أو تمّت من طريق لزوم اللغوية ، لكان مقتضاها هو قيام الأمارة مقام العلم الطريقي والموضوعي سواء كان تمام الموضوع أو كان جزء الموضوع. أمّا ما يكون مأخوذاً على نحو
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٣٢ ـ ٣٣.
(٢) حاشية كتاب فرائد الأُصول : ٨.