وإيراد الكلام على صورة الاطناب (١) أو لايجاز مُطابقة للمقُتضَى وليست البلاغة (٢) إذاً مُنحصرة في إيجاد معان جليلة ، ولا في اختيار ألفاظ واضحة جزيلة ، بل هي تتناول مع هذين الأمرين أمراً ثالثاً (هو إيجاد أساليب مُناسبة للتأليف بين تلك المعاني والألفاظ) مما يُكسبها قوَّة وجمالا.
وملخص القول : إنَّ الأمر الذي يَحملُ المُتكلّم على إيراد كلامه في صورة دون أخرى : يُسمى حالا وإلقاء الكلام على هذه الصُّورة التي اقتضاها الحال يُسمى مُقتضَى والبلاغة هي مُطابقة الكلام الفصيح لما يقتضيه الحال.
__________________
(١) فان اختلاف هذه الظروف يقتضي هيئة خصوصية من التعبير ولكل مقام مقال ، فعلى المتكلم ملاحظة المقام أو الحال : وهو الأمر الذي يدعوه إلى أن يورد كلامه على صورة خاصة تشاكل غرضه ، وتلك الصورة الخاصة التي يورد عليها تسمى المقتضى او الاعتبار المناسب ، فمثلاً الوعيد والزجر والتهديد مقام يقتضي كون الكلام المورد فيه فخما جزلا والبشارة بالوعد ، واستجلاب المودة ، مقام يتطلبه رقيق الكلام ولطيفه ، والوعظ مقام يوجب البسط والاطناب ، وكون المخاطب عاميا سوقيا ، أو أميراً شريفاً ، يوجب الاتيان بما يناسب بيانه عقله.
(٢) لأن البلاغة كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع ، فتمكنه في نفسه كتمكنه في نفسك ، مع صورة مقبولة ، ومعرض حسن وإنما جعلنا حسن المعرض وقبول الصورة شرطا في البلاغة ، لأن الكلام إذا كانت عبارته رثة ، ومعرضه خلقا ، لم يسم بليغاً وإن كان مفهوم المعنى ، مكشوف المغزى. فعناصر البلاغة إذاً (لفظ ومعنى ، وتأليف للألفاظ) ، يمنحها قوة وتأثيراً وحسنا ، ثم دقة في اختيار الكلمات والأساليب ، على حسب مواطن الكلام ومواقعه ، موضوعاته وحال السامعين ، والنزعة النفسية التي تتملكهم وتسيطر على نفوسهم فرب كلمة حسنت في موطن ، ثم كانت مستكرهة في غيره ـ ورب كلام كان في نفسه حسنا خلايا ، حتى إذا جاء في غير مكانه ، وسقط في غير مسقطه ، خرج عن حد البلاغة ، وكان غرضا لسهام الناقدين.