وأمّا بلا جعل بدل أصلا للواقع في مرحلة الظاهر فالعقل لا يجوّز المخالفة الاحتماليّة حينئذ ، ووجه الاكتفاء في الأوّل أنّه جازم بإتيان الواقع إمّا نفسا ، وإمّا بدلا ، وأمّا بدون ذلك فلا جزم بالامتثال بأحد النحوين ، نعم يحتمل الامتثال ، والامتثال الاحتمالي لا يجوّزه العقل ، وعلى هذا فحيث ليس في أدلّة الترخيص في المشكوكات عين ولا أثر من جعل البدل ، فلا يمكن القول بشمولها للمقام.
قلت : لم يحدث للمقام شيء زائد على سائر المقامات التي تحكمون بورود دليل الترخيص الجائي من غير ناحية الشكّ في أطراف العلم ، مثل دليل رفع الاضطرار ورفع الحرج إذا كانا شرعيّين ، فكما تقولون بشمول تلك الأدلّة لمورد العلم وتبعضون في الاحتياط فكذلك نقول في أدلّة المشكوكات والحلّ في الكلّ هو الكشف إنّا عن جعل البدل وجعل الطرف الآخر حراما ظاهريّا وممنوعا.
إن قلت : ما ذكرت حقّ لو كان الترخيص حكما فعليّا ، وأمّا إذا كانا حيثيّتيّا فمعناه أنّك لا تعاقب لأجل أنّك ارتكبت أو تركت المشكوك ، وهذا لا ينافي ثبوت العقاب من حيث ارتكاب أو ترك المعلوم الإجمالي ، وعلى هذا ففي كلّ مورد كان العلم الإجمالي موجبا للاحتياط بحسب العقل ولم يكن في أحد الأطراف أصل لخروجه عن محلّ الابتلاء أو غير ذلك ، لا يمكن لنا إجراء الأصل في الطرف الخالي عن المزاحم ؛ لأنّه لا يفيد إلّا حكما حيثيتيّا ، وهو غير نافع ، فيبقي اقتضاء العلم بحاله.
قلت : كونه حكما حيثيتيّا خلاف الظاهر ، فكما أنّه قبل العلم حكم فعليّ ، فكذلك بعده ، ويشهد له فهم العلماء منه ذلك ، فهم بين مرخّص في جميع الأطراف تدريجا ، وبين مرخّص في أحد لا بعينه تخييرا قائلا بجعل البدل ، ويشهد له أيضا قوله عليهالسلام في بعض الأخبار الواردة في الجبن ونحوه ممّا يعلم إجمالا بوجود الحرام فيها : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال» وقد مضى في أصل البراءة.
هذا غاية ما يمكن أن يقال ، ولكنّه مع ذلك لا يخلو عن الخدشة ، وذلك لأنّ الأحد الذي قلنا بدخوله تحت العامّ إنّما هو أحد مندكّ في المعيّنات والحكم عليه