«الاستصحاب»
وقد عرّف الاستصحاب بتعاريف كلّها مخدوشة ، والتعريف الأسدّ الأخصر ما يقال من أنّه «إبقاء ما كان» وليس المراد بالإبقاء إبقاء نفس ما كان حقيقة ، بل المراد إبقائه من حيث العمل ، مثلا وجوب صلاة الجمعة كان عمله في حال اليقين إتيان صلاة الجمعة ، فإبقاء هذا الوجوب في حال الشكّ عملا إتيان هذه الصلاة في تلك الحال ، وكذلك حياة زيد كان عملها في حال اليقين إنفاق وكيله على زوجته من ماله ، فإبقاء حياته في حال الشكّ عملا إنفاق الوكيل في تلك الحال ، وهكذا.
فالإبقاء في باب الاستصحاب نظير التصديق في باب الأمارات ، فكما يكون المراد بالتصديق في باب الأمارات ـ كالبيّنة مثلا ـ هو التصديق العملي دون الحقيقي ، فكذلك الإبقاء هنا هو الإبقاء العملي دون الحقيقي.
ثمّ إنّ إبقاء ما كان في العمل قد يكون لأجل أنّه كان ، وقد يكون لأجل علّة اخرى ، مثلا إتيان الصلاة اليوميّة في كلّ يوم أو صوم شهر رمضان في كلّ سنة يصدق عليه أنّه إبقاء الوجوب السابق في العمل ، لكن ليس مستنده ثبوت الوجوب في السابق ، بل هو القطع به في اللاحق ، وحينئذ فربّما يخدش بذلك طرد التعريف.
ويمكن الدفع بأنّ ذكر لفظ «ما كان» مع إفادة لفظ الإبقاء مفاده يشعر بعليّة الكون السابق للإبقاء ، فالكلام بمنزلة أن يقال : إنّه إبقاء ما كان ؛ لأنّه كان ، فلا يشمل المثال المذكور وأشباهه.
وربّما يخدش أيضا بأنّ في هذا التعريف إخلالا بركنى الاستصحاب وهما اليقين السابق والشكّ اللاحق ؛ فإنّهما مع كونهما ركنين لم يصرّح باعتبارهما في التعريف ، وكفى عيبا في التعريف أن يكون محلّا بركني المعرّف.
ويمكن الدفع أيضا بأنّهما وإن لم يصرّح بهما ولكنّهما مفهومان من التعريف من جهة كونهما من لوازمه ، فإنّ كون المستند في الإبقاء العملي هو الكون السابق فرع إحراز الكون السابق وثبوت الشكّ في الكون اللاحق ؛ لوضوح أنّه مع عدم