سندا ودلالة هو حديث الرفع ، وأمّا سائر ما ذكروه ممّا لم نتعرّض له فلا جدوى تحتها ، فلهذا طوينا عن ذكرها كشحا.
وقد يتمسّك للبراءة باستصحاب عدم ثبوت التكليف في الأزل نظير التمسّك في بحث تأسيس الأصل عند الشكّ في الحجيّة وعدمها لكون الأصل عدم الحجيّة باستصحاب عدم ثبوت الحجيّة في الأزل ، وحاصل تقريره أنّ التكليف والحجيّة يحتاجان إلى الجعل ، والجعل أمر حادث بمعنى أنّه لم يكن موجودا في الأزل وقبل خلقه المخلوقات ، فقبل الجعل كان التكليف والحجيّة منعدمين بالعدم الأزلى ، فيمكن تأسيس الأصل عند الشك في حجيّة شىء وعدمها على عدم الحجيّة بمقتضى استصحاب عدمها الأزلى ، وكذا في الشبهة الحكميّة والشكّ في التكليف يمكن إثبات البراءة وعدم التكليف باستصحاب عدمه الأزلى.
ولكن استشكل على هذا الاستصحاب شيخنا المرتضى قدسسره ، وحاصل ما يوجد من كلماته قدسسره على استصحاب عدم التكليف في بحث البراءة وعلى استصحاب عدم الحجيّة في بحث تأسيس الأصل للشكّ في الحجيّة وعدمها إشكالان :
الأوّل : لغويّة هذا الاستصحاب ، بمعنى أنّه يكفي الشكّ في هذين الموضوعين أعنى التكليف والحجيّة في الحكم بعدم ترتيب آثارهما ، فإنّ العقل مستقلّ بقبح العقاب مع الشكّ في التكليف ، وكذا مع الشكّ في الحجيّة ، فيكون التوسّل في إثبات عدم آثارهما بذيل استصحاب عدمها وإحراز عدمهما به أوّلا ثمّ الحكم بعدم الآثار من قبيل الأكل من القفا.
والثانى : أنّه يعتبر في الاستصحاب أن يكون مورده منتهيا إلى الجعل ، فلا بدّ أن يكون إمّا موضوعا له أثر مجعول ، وإمّا حكما كان نفسه المجعول ، وهذا العدم الأزلى ليس نفسه مجعولا ، فإنّ العدم غير قابل لا للجعل ولا للانجعال ، بل لا يصحّ الحكم عليه بالأزليّة والشيئيّة والموضوعيّة ، وكذلك ليس له أيضا أثر مجعول ، فإنّ أثر عدم التكليف وعدم الحجيّة إنّما هو عدم المؤاخذة والعقوبة وهو عقليّ غير قابل لجعل الشارع.