الأطراف ، والعلم مقتض لعدمه فيها ، ولا نعلم أنّ الأوّل أقوى عند الشرع من الثاني حتّى يكون هو المقدّم في التأثير ، أو تكون الأقوائيّة للعلم المقتضي لعدم الترخيص ، أو يكونان متساويين حتى يرجع الامر بعد تساقطهما إلى التخيير.
ومقتضى عدم العلم بشيء من هذه الثلاثة واحتمال كلّ منها هو حكم العقل بالاحتياط وعدم جواز الارتكاب حتّى في أحدهما على التخيير ؛ لاحتمال كون مقتضى عدم الترخيص أقوى ، ومن المعلوم أنّ الحجّة حينئذ موجودة ، فيكون العقاب على هذا الذي يرتكبه على تقدير مصادفته مع مخالفة التكليف عقابا مع الحجّة.
نعم يحتمل أيضا أن تكون الأقوائيّة مع مقتضى الترخيص ، فلا تكون الحجّة الواقعيّة موجودة بالنسبة إلى مخالفة التكليف في أحد الطرفين ، فيكون العقاب بلا حجّة ، ولكن مجرّد احتمال هذا لا يكفي في حكم العقل بالبراءة ، فإنّ موضوعه الجزم بعدم الحجّة ، ولا يكفي احتماله ، وليس هذا ترجيحا لمقتضى عدم الترخيص على مقتضى الترخيص ، بل هذا قضيّة حكم العقل عند انجرار مآل الأمر إلى ذلك أعني التحيّر في حال المقتضيين ودورانه بين ثلاثة احتمالات.
ألا ترى أنّا لو قصر عقلنا في الشكوك البدويّة بعد إعمال الوسع والفحص عن الدليل بقدر الطاقة وعدم الظفر به عن إدراك عدم إمكان كون نفس احتمال التكليف بيانا وحجّة يصحّ مؤاخذة المولى باعتباره ، ولم يحصل لنا الجزم بأحد الطرفين ، لا بالحجيّة ولا بعدمها ، بل تردّدنا بينهما ، كان مع ذلك ومع وجود هذا التردّد حكم العقل في حقّنا وجوب الاحتياط ؛ إذ لم ندخل بعد في موضوع حكم العقل بالبراءة وهو الجزم بكون عقاب المولى بلا حجّة ، ولا سبيل إلى البراءة مع التردّد وعدم الجزم.
الوجه الثالث لإثبات الرخصة في أحدهما هو التمسّك بالإطلاق والعموم الحالي ، وهو أن يقال : إنّ قوله : كلّ مشكوك مرخّص فيه ، يشمل بعمومه الأفرادي هذا المعيّن وذاك المعيّن ، فكأنّه قيل : هذا مرخّص فيه وذاك مرخّص فيه ، وكلّ