في حجيّة الاستصحاب في كلّ من الشكّ في المقتضي والرافع
اعلم أنّ شيخنا المرتضى قدسسره الشريف جعل التصرّف في لفظ «اليقين» في قولهعليهالسلام: لا تنقض اليقين بالشكّ» بإرادة المتيقّن منه مفروغا عنه ، نظرا إلى أنّ النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه لا يتعلّق بنفس اليقين على كلّ تقدير ، وحيث إنّ النقض اخذ في حقيقته الإبرام والتصاق الأجزاء كان الأنسب بهذا المعنى عند تعذّره بحسب الانس الذهني رفع الأمر الثابت ، يعني ما له مقتضي الثبوت ، دون مطلق رفع اليد عن الشيء بعد الأخذ به ، فيكون الخبر مختصّا بالشكّ في الرافع دون المقتضي.
واستشكل عليه تلميذه سيّد الأساتيد العظام الميرزا الشيرازي قدّس نفسه الزكيّة بأنّه لا داعي إلى صرف اليقين عن ظاهره بإرادة المتيقّن منه ؛ إذ كما أنّ النقض الاختياري بالنسبة إلى نفس اليقين غير متحقّق وإنّما هو قهري الانتقاض ، كذلك الحال بعينه في المتيقّن الذي يشكّ المكلّف في بقائه وارتفاعه ، فإنّه أيضا إن كان باقيا فبغير اختياره ، وإن كان منتقضا ، فكذلك ، فالتصرّف في النقض بإرادة رفع اليد عملا محتاج إليه على كلّ حال ، ومعه يكون التصرّف في اليقين بلا جهة ، ومن المعلوم أنّ نفس صفة اليقين كالعهد والبيعة واليمين ممّا يصحّ استعارة النقض لها ، لما فيها من الاستحكام ، فيتخيّل كونها ذات أجزاء متداخلة مستحكمة ، فيكون الخبر شاملا لكلّ من الشكّين.
فإن قلت : على هذا يكون عدم النقض بمعنى إبقاء اليقين عملا بلحاظ آثار نفس اليقين ، وهو خلاف المراد ؛ لأنّه إبقاء عمل المتيقّن.
قلت : لمفهوم اليقين قسمان من المصاديق في الخارج ، أحدهما ما شأنه شأن المعنى الحرفي في عدم الوجود الاستقلالي في نظر صاحبه ، بحيث لا يمكن الحكم عليه وبه ، ولكن ليس على حدّ الخروج عن الالتفات والشعور إليه ، كيف والمستعمل للحرف ملتفت إلى استعماله وليس خارجا عن اختياره.