وقد يستدلّ بمرسلة الصدوق : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» والاستدلال به مبنيّ على أن يكون المراد بقوله «يرد» «يعلم» ، فيكون المعني : كلّ شيء لم يعلم فيه النهي فهو مطلق ، فيكون عنوان مشكوك الحرمة داخلا في موضوع الحديث.
لا يقال : إنّ عنوان مشكوك الحرمة أيضا شيء لم يعلم النهي فيه ، فيكون لأدلّة الاحتياط ورود على هذا الحديث.
لأنّا نقول : الضمير في قوله : «فيه» راجع إلى نفس الشيء ، فالمعنى أنّ كلّ شيء لم يعلم ورود النهي فيه بعنوانه الأوّلي فهو بعنوانه الثانوي الذي هو كونه مشكوك الحكم يكون مطلقا ، فيكون موضوع الحديث هو الشيء بعنوان كونه مشكوك النهي ، كما في أدلّة الاحتياط ، فيكون بين هذا وتلك الأدلّة التعارض على فرض تماميّتها سندا ودلالة.
وأمّا لو كان المراد بالورود هو الورود الواقعي بأن يكون المراد أنّ الأشياء قبل ورود النهي عنها شرعا يكون على الإباحة ، فالاستدلال حينئذ غير وجيه ، وذلك لأنّ الشبهة الحكميّة لم يعلم أنّه ممّا ورد فيه النهي أو لم يرد ، فيكون التمسك فيها بالحديث تمسّكا بالعام في الشبهة المصداقيّة.
إلّا أن يقال : إنّه يمكن تنقيح هذا الموضوع في الشبهة الحكميّة بالاستصحاب ، فإنّ موضوع شرب التتن مثلا لم يكن النهي عنه على فرض وجوده إلّا حادثا ولم يكن ثابتا في الأزل ، فعدم ورود النهي فيه في الأزل ثابت على كلّ حال ، فيستصحب هذا العدم فيقال: إنّ شرب التتن ممّا لم يرد فيه نهي بمقتضى الاستصحاب ، وبعد ذلك يحكم باندراجه تحت قوله : «مطلق» ، ولكن بعد جريان هذا الاستصحاب فهو يكفينا لإثبات المرام ولا حاجة معه إلى التمسّك بالحديث. (١)
__________________
(١) يمكن تصحيح التمسّك مع ذلك بأن يقال : المراد بقوله : «يرد» هو البروز والظهور على النحو ـ