الامر الثاني بعد ما علمت وجوب الترجيح بالمزايا المنصوصة هل يقتصر في الترجيح عليها فيرجع في غيرها إلى إطلاقات التخيير ولو كان في أحد الخبرين ألف مزيّة ، أو يتعدّى إلى غيرها ، وعلى فرض التّعدي هل يقتصر إلى المزيّة الموجبة للظنّ الشخصي ، أو إلى ما يوجب الظنّ النوعي ، أو إلى مطلق المزيّة ولو لم يوجب الظنّ لا شخصا ولا نوعا ، بل كان موجبا لأبعديّة ذيها عن مخالفة الواقع بالنسبة إلى صاحبه؟.
فالكلام هنا في مقامين ،
أمّا المقام الأوّل ، فالأقوى فيه الاقتصار على المنصوصات وعدم التعدّي منها إلى غيرها ، والذي يحتجّ به للتّعدي كلّه مخدوش.
فمنه : التمسّك بالترجيح بالأصدقيّة والأوثقيّة ، فإنّ اعتبار هاتين الصفتين ليس إلّا لأجل أقربيّة الواجد لهما إلى الواقع من الفاقد ، وليس للسبب الخاصّ دخل.
وفيه أوّلا : إنّك عرفت عدم مساس ذينك بمقام الترجيح ، وعلى فرض ذلك نقول :
ما الفرق بين مقام أصل الحجيّة ومقام المرجحيّة وقد اعترفتم حيث علّق الشارع الحجيّة الابتدائيّة على خبر الثقة بعدم التّعدي من خبر الثقة إلى كلّ ما يفيد الظنّ شخصا أو نوعا ، أو يفيد أقليّة احتمال المخالفة للواقع ، مع أنّ عين ما ذكر هنا جار هناك حرفا بحرف ، والسرّ في كلا المقامين واحد وهو أنّا نسلّم عدم مدخليّة السبب الخاص وأنّ المناط أقربيّة احتمال المطابقة للواقع وغلبة الإصابة ، إلّا أنّه لم يحوّل ذلك إلى نظرنا ، والأنظار في ذلك مختلفة.
ألا ترى أنّه لو أمر مولى بأمر طريقي باتّباع قول شخص معلّلا بأنّه أمين عندي فلا يمكن التعدّي إلى قول كلّ شخص أحرز العبد أمانته ؛ إذ ربّما كان في نظر مولاه غير أمين ، والمعيار نظره لا نظر العبد.
ومثل هذا بعينه مقامنا ؛ فإنّه إذا جعل الشارع قول كلّي الثقة حجّة أو الأوثقيّة مرجّحة ، فهذا يدلّ على أنّه رأى مرتبة من غلبة الوصول إلى الواقع ، فبهذا أوجب