هذا الجهل لا يضرّ بصحّة المعاملة ، إنّما المضرّ هو الجهل بالثمن.
فلا إشكال أنّه يصدق حينئذ في حقّه أنّه أقدم على ضرر نفسه ، واللزوم الذي هو حكم الشارع ليس إلّا إمضاء لما فعله نفس المتعاقدين الذي منها أصل القرار ، ومنها استحكامه ولزومه ، والإقدام ناش من الجهة الثانية ، والدليل على أنّ الثاني أيضا من فعل المتعاقدين لا حكما من قبل الشارع أنّه لو صدر هذه المعاملة الواقعة عن جهل بالقيمة من الدهري الغير القائل بالشرع يصدق عندهم أنّه أقدم على ضرر نفسه.
وحينئذ فلا وجه لجريان القاعدة في حقّه لرفع حكم اللزوم مع أنّه مسوق في مقام الامتنان ، ولا امتنان في موارد إقدام المتضرّر على الضرر ، مع أنّهم رضوان الله تعالى عليهم أثبتوا خيار الغبن في غير صورة العلم بالحال ، ولم يظهر وجهه.
والغرض أنّه مع تسليم تماميّة الاستناد إلى القاعدة لإثبات الخيار لا يتمّ ما ذكروه على إطلاقه ، وإلّا فأصل إثبات الخيار الذي هو من الحقوق بالقاعدة مشكل ، إذ أوّلا فغاية الأمر ارتفاع حكم اللزوم ، وأين هو من إثبات الحقّ ، وثانيا مقتضاه رفع إطلاق اللزوم بالنسبة إلى صورة عدم بذل الغابن التفاوت وعدم إمكان إجباره ، وأمّا رفعه حتّى في صورة البذل أو إمكان الإجبار فلا ، إذ ليس اللزوم في هاتين الصورتين حكما ضرريّا ، هذا.
الثالث : لا إشكال في صدق الضرر على النقص العيني في المال ، فهل النقص القيمي أيضا مصداق له أو لا؟ ويظهر الثمر في ما إذا وضع إنسان أمتعة للبيع في دكّان بجنب دكّان إنسان آخر بائع لتلك الأمتعة إذا أوجب ذلك إمّا كساد مكسب ذلك الآخر أو تنزّل قيمة متاعه.
فإن قلنا بأنّه مصداق للضرر جرى فيه الكلام المتقدّم في تصرّف المالك في ملكه الموجب لتضرّر جاره من التفصيل بين ما إذا كان اختيار هذا الدكّان من ما بين سائر الدكاكين لغوا لا لغرض عقلائي ، فنحكم بالتحريم ، وبين ما إذا كان ذلك لغرض عقلائي يفوت هذا الغرض في مكان آخر فنحكم بملاحظة مراتب الضررين ، ونفي ما كان أرجح والتجويز مع المساواة.