وذلك مثل السلطان القاهر الذي أوعد على وقوع الإضرار في مملكته ، وحينئذ قد يسند الضرر المنفيّ إلى نفس السلطان ، فيقال : ليس من ناحية السلطان ضرر في المملكة ، واخرى يطلق النفي بلا تقييده بإضافة ، فيقال : قد انتفى أصل الضرر من هذه المملكة ، وهذا يحتاج إلى ثلاثة امور.
الأوّل : أن لا يصدر من السلطان نفسه موجبات ضرر الرعيّة ، والثاني : أن يسدّ باب دواعي الإضرار الموجودة في أنفس نفس الرعيّة بعضهم بالنسبة إلى بعض ، والثالث : أن يوجب التدارك على من عصى منهم وأورد الضرر على أخيه ؛ إذ بعد تمام تلك الجهات مع فرض قهرمانيّة السلطان وشدّة سطوته وأليم عذابه يصحّ إدّعاء أنّ الضرر قد ارتفع وجوده عن الرعيّة في هذه المملكة بواسطة سدّ أبواب وجوده من جميع الجهات.
والحاصل كما أنّ من المصحّح للادّعاء المذكور في جانب نفي حقيقة الشيء انتفاء الآثار ، كذلك من المصحّح له أيضا تحقّق موجبات سدّ أبواب وجوده ، ومثل «لا جدال ولا رفث ولا فسوق» يكون من القبيل الثاني وكذلك مقامنا.
والفرق بينه وبين ما اختاره الشيخ الأجلّ المرتضى قدسسره القدّوسى هو اختصاص المنفيّ على ما ذكره بالوجوديّات ، فلا يشمل الأحكام العدميّة التي يلزم تحقّق الضرر من عدم انقلابها إلى الوجود ، مثل عدم المنع عن دواعي الناس لإضرار بعضهم ببعض ، بل ولو الترخيص لهم فيه ، إذ الضرر لم يتوجّه إلّا من ناحية الدواعي ، والترخيص إنّما هو صرف عدم إحداث المانع عن اقتضاء المقتضي ، فلا يصحّ أن يقال : إنّ هذا الضرر تولّد من جانب الشرع ومن ناحية حكمه.
والمعيّن لما ذكرنا ما مرّ من ورود النفي على وجه الإطلاق من دون التقييد بإضافة الضرر إلى الشرع ، فالمفاد أنّ في شريعة الإسلام قد انعدم الضرر من أصله عن المتديّنين به ، وهذا لا يتمّ إلّا بالتعميم الذي ذكرنا ، هذا حاصل الكلام في بيان شرح مفاد القاعدة.
وأمّا بيان نسبتها مع سائر الأدلّة المثبتة بإطلاقها أو عمومها للحكم