ومن هنا يعرف الفرق بين هذا الوجه وبين ما اختاره بعض الأساتيد في وجه تقديم قاعدتي لا ضرر ولا حرج على سائر الأدلّة ، وحاصل ما اختاره قدسسره أنّ سائر الأدلّة متعرّض لحكم الأفعال بعناوينها الأوّليّة ، والقاعدتين لحكمها بعنوانها الثانوي ، يعني أنّ سائر الأدلّة أحكام اقتضائيّة حيثيتيّة ، ومفادها أنّ ذوات الأفعال من حيث هي مع قطع النظر عن طروّ حالتي الضرر والحرج مقتضية لحكم كذا ، فلا ينافي أن يكون حكمها باعتبار طروّ هاتين الحالتين شيئا آخر ، كما هو مفاد القاعدتين.
وبالجملة ، فمفاد تلك الأدلّة اقتضائي ، ومفاد القاعدتين حكم فعليّ ، ولا تعارض بين الحكم الاقتضائي الغير الناظر إلى الطواري وبين الفعلي الناظر إليها أصلا ، ألا ترى أنّه لا تعارض بين دليل حليّة لحم الغنم ودليل حرمته إذا كان مغصوبا ، وكذلك بين دليل استحباب صلاة الليل مثلا ودليل وجوبها إذا صارت متعلّقة للنذر وشبهه ، وكذا بين دليل استحباب الإبكاء على الحسين صلوات الله عليه ، وبين دليل حرمته إذا كان مشتملا على الغناء أو الكذب.
وجه الفرق بين هذا وبين ما ذكرنا أنّ ما ذكرنا غير مبنيّ على عدم الإطلاق لأدلّة الأحكام بالنسبة إلى موارد الضرر والحرج ، بل يتمّ مع هذا الإطلاق أيضا كما هو واضح ، وعلى ما ذكره قدسسره لو لم يكن دليل نفي الضرر والحرج أيضا لم يمكن التمسّك في موارد ثبوتهما بتلك الأدلّة ؛ لعدم الإطلاق لها ، بل كان المرجع هو الاصول.
ثمّ قد تحصّل من مجموع ما ذكرنا قاعدة كلّية وهي أنّ كلّ دليلين كان لأحدهما لسان الشارحيّة بالنسبة إلى الآخر ، أو كان أحدهما متكفّلا لإرادة المتكلّم أو عدمها ، والآخر لإثبات حكم ، أو كان أحدهما حكما حيثيتيّا والآخر فعليّا فالترجيح للأوّل منهما في الصور الثلاث من دون معارضته بالثاني ، وإن كان النسبة بينهما عموما من وجه.
هذا كلّه هو الكلام في بيان نسبة القاعدتين مع غيرهما من القواعد ، وأمّا الكلام