لذا بخلاف ما إذا كان المعنى نفي الحرج في أصل الأحكام المجعولة للشرع ؛ إذ حينئذ يصير عموم القاعدة موهومة بأكثريّة الخارج عنها من الداخل ، فتصير نظير قاعدة أنّ «القرعة لكلّ أمر مشكل» ويحتاج في التمسك بها إلى التأيّد بعمل العلماء.
المقام الثالث : في بيان النسبة بين هذه القاعدة وسائر الأدلّة.
فاعلم أوّلا أنّ النسبة بينها وبين كلّ واحد واحد من سائر الأدلّة عموم من وجه ، فإنّ دليل الوضوء مثلا شامل للوضوء الشينى وغيره ، والقاعدة تختصّ بالاوّل ، كما أنّ القاعدة شاملة للوضوء الشيني وغيره من سائر أفراد الضرر ، ودليل الوضوء يختصّ بالأول ، وكذا الحال بينها وبين دليل لزوم الوفاء بالعقود ؛ فإنّه شامل للعقد الغبنى وغيره من سائر أفراد العقود ، والقاعدة تختصّ بالأوّل ، كما أنّ القاعدة شاملة للعقد الغبني وغيره من سائر أفراد الضرر ، وذاك الدليل يختصّ بالأوّل.
وحينئذ فنقول : تارة يقال بتقديم هذه القاعدة وقاعدة لا حرج على سائر القواعد بطريق آخر مخصوص بهما ولا يجري في غيرهما ، وهو أنّ هاتين القاعدتين إذا لو خط النسبة بينهما وبين مجموع سائر القواعد من حيث المجموع كانتا أخصّ مطلقا من تلك القواعد ، فإنّ الدين عبارة عن مجموع تلك القواعد ، وقد خرج عنه الضرر والحرج ، ولا ينافي ذلك جزئيّتهما للدين ، فإنّ المراد بالدين في ما إذا صار موضوعا لهاتين القاعدتين ليس إلّا ما سواهما ، فهو نظير الموضوع في أدلّة الاصول لو جعلناه الشكّ في التكليف الفعلي ، فإنّه يقال : إنّ حكم الشكّ أيضا تكليف فعلي ، فحال المكلّف بنفس الشكّ ينقلب إلى العلم بالتكليف الفعلي فيخرج عن الموضوع ، فيقال : إنّ التكليف الفعلي المأخوذ في موضوع حكم الشكّ يراد به غير حكم الشكّ.
فإن قلت : إنّ سائر القواعد لو لوحظت مقيّدة بالضرر والحرج فلا معنى لاستثنائهما عنها ، وإن لوحظت مطلقة بالنسبة إليهما كانت أجنبيّة عن الدين.
قلت : هي ملحوظة بالوجه الثاني ، واجنبيّتها عن الدين إنّما هي بعد جعل رفع