وثالثها : صورة خروج أحد الطرفين عن محلّ الابتلاء قبل العلم الإجمالي أو معه ؛ إذ لا تكليف مع الخروج عن محلّ الابتلاء ، وليس معياره الخروج عن حيطة الاقتدار ، بل المعيار كون الخطاب به هجنا (١) ولو كان مقدورا ، فلو كان فعل مقدورا للمكلّف ومبغوضا للمولى، ولكنّه بحيث لا ينقدح في نفس العبد داع إلى فعله مثل تقبيل السقف ، فحينئذ نهي المولى عن هذا القبيل على وجه الإطلاق وعدم التقييد بالابتلاء به قبيح ؛ لأنّه منترك بنفسه، والغرض من النهي إيجاد الداعي للعبد إلى الترك لو لم يكن في نفسه داع آخر ، فإذا فرض أنّ الفعل منترك أبدا فلا محالة يكون النهي عنه هجنا ولغوا ، وكذلك ترخيصه ، نعم لا استهجان في إيجابه إذا اقتضت المصلحة ذلك ، ومن موارد الخروج عن الابتلاء عدم قدرة المكلّف بالفعل.
ثمّ مع الغضّ عن الكلام الآتي لا إشكال في الفرق هنا بين صورتي التقدّم والمقارنة وبين صورة تأخّر الخروج عن العلم في أنّ في الصورة الأخيرة قد حصل العلم وأثّر أثره من التنجيز في كلا الطرفين ، ومقتضى الشغل اليقيني هو الفراغ اليقيني ، فإذا طرأ الخروج على أحد الطرفين فمقتضى هذه القاعدة وجوب الاحتياط في الطرف الباقي في محلّ الابتلاء بخلاف الصورتين الاوليين ، حيث لا يحصل فيهما العلم بالتكليف ؛ إذ لا يكون شرائطه موجودة على كلّ تقدير ، والقائل في الفرع المتقدّم ـ أعنى الاضطرار الطاري ـ بعدم وجوب الاحتياط يقول هنا بوجوبه ، والفرق أنّ الاضطرار كان قيدا شرعيّا مذكورا في الأدلّة ، والابتلاء قيد عقلي غير مذكور فيها ، فهو نظير بقاء الموضوع.
نعم هنا كلام آخر لم أر التعرّض له في كلمات شيخنا المرتضى قدسسره و
__________________
(١) سواء كان ترخيصا أم تحريما أم إيجابا كما في غير المقدور ، أم كان المستهجن خصوص التحريم والترخيص دون الإيجاب كما في مورد انصراف الدواعي. منه قدس سرّه الشريف.