في ما يتعلّق باستصحاب الكلّي في القسم الأوّل منه. (١)
اعلم أنّه لا إشكال في عدم الاستغناء باستصحاب الكلّي عن استصحاب الفرد لو كان للفرد أيضا أثر ؛ لأنّه مثبت ، وإنّما الكلام في العكس وهو الاستغناء باستصحاب الفرد عن استصحاب الكلّي.
والحقّ هنا هو التفصيل بين ما إذا اخذ الجامع بلحاظ وجوداته الخارجيّة السارية ، كما في عروض الحرارة لطبيعة النار فيغني ، وبين ما إذا اخذ بلحاظ صرف الوجود المجزي عن جميع الخصوصيات وعن الوحدة والكثرة ، كما في عروض الكليّة لطبيعة الإنسان مثلا فلا يغني.
أمّا الإغناء في الأوّل ؛ فلأنّ الطبيعة بطبعها يكون في الخارج مع كلّ فرد فرد متّحدة ، ومندمجا كلّ في الآخر ، بحيث لا ميز أصلا بينهما ، فإذا جاءت في الذهن محفوظا لها هذا الطبع ومن دون تصرّف من الذهن وتغيير في حالتها الأصليّة ، فكلّ عرض ألصق بها في هذا اللحاظ فهو يسري إلى كلّ فرد فرد.
وإن شئت قلت : كلّ فرد فرد على ما هو عليه من عدم الميز لخصوصيّته مع الطبيعة وكونه معها شيئا واحدا ملحوظ إجمالي ، فيتعلّق الحكم بكلّ فرد ابتداء ، غاية الأمر بعليّة الطبيعة ، فالطبيعة حيثيّة تعليليّة ، فالحكم في الحقيقة يلصق بذات الزيد والعمر والبكر لعلّة كونها إنسانا مثلا ، فيكون ذات الزيد مثلا ذا أثرين ، أحدهما ما رتّب عليه بعليّة الإنسانيّة ، والآخر ما رتّب عليه لخصوصيّة الزيديّة ، فيكون الاستصحاب في الفرد متكفّلا لكلا أثريه.
وأمّا عدم الإغناء في الثاني فلأنّ الذهن قد حلّل الخصوصيّات عن الطبيعة المندمجة فيها وأخذ الطبيعة ، وألغى الخصوصيّات ، فالطبيعة في هذا اللحاظ متّصفة بوصف التعرية والتجريد ، لا بمعني أنّها اخذت مقيّدة بالتجريد ، فإنّ الإنسان بقيد
__________________
(١) راجع ص ٣١٤