فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ حكم الشكّ المذكور في الروايات يشمل عمومه أطراف العلم الإجمالي ، ولا قصور في عمومها أصلا ، ولا معارض لهذا العموم بالنسبة إلى الأطراف أيضا في حدّ ذاتها لا من حكم الشرع ولا من العقل ، فيقع الكلام حينئذ في كيفيّة شمول هذا العموم للأطراف ، بمعنى أنّه يشمل جميعها أو البعض المعيّن أو بعضا لا بعينه.
تفصيل الكلام أنّ شموله للجميع غير ممكن ؛ إذ يلزم من دخول تمام الأطراف تحت هذا العموم ومحكوميّة الجميع بالرخصة محذور عقلي ، وهو ترخيص الشارع الحكيم في الأمر القبيح وهو المخالفة القطعيّة للتكليف الإلزامي المعلوم بالإجمال ؛ إذ بعض من الأشياء غير قابل للترخيص الشرعي عقلا مثل الظلم ، فلا يصدر من الحكيم الترخيص فيه أبدا ، ومخالفة التكليف المعلوم تفصيلا أو إجمالا أيضا من أفراد الظلم ، بل وأبدهها ، فكيف يجوز للحكيم أن يرخّص فيه ، وإذن فيجب تخصيص هذه القاعدة الشرعيّة أعني : كلّ مشكوك مرخّص فيه ، بالنسبة إلى جميع الأطراف بحكم العقل.
وأمّا شمولها للبعض فإن كان بعضا معيّنا بأن يحكم أنّ هذا المعيّن داخل تحت العموم دون ذلك ، فهذا يحتاج إلى معيّن كان في الأوّل دون الثاني ، وهو مفقود ؛ إذ المفروض أنّه لم يعتبر في موضوع القاعدة سوى الشكّ ، والطرفان سيّان من هذه الجهة.
وبالجملة ، ظهور العموم بالنسبة إلى كلّ منهما في عرض واحد وعلى حدّ سواء ، فشموله لهذا دون ذاك ترجيح بلا مرجّح ، بمعنى أنّ إعمالنا أصالة العموم في هذا المعيّن دون ذاك ترجيح بلا مرجّح في عملنا لا أنّه ليس للشارع ذلك ولو بأن يصرّح بالرخصة في معيّن منهما دون الآخر ، فإنّه بمكان من الإمكان ، غاية الأمر عدم علمنا حينئذ بالملاك الذي صار مرجّحا بنظره.
وإن كان بعض لا بعينه فلتقريب الدلالة فيه ثلاثة وجوه :
الأوّل أن يقال : إنّه بعد العلم بعدم إمكان دخول الجمع تحت العموم لما ذكر من المحذور العقلي يدور الأمر بين إلغاء الحكم بالنسبة إلى أحدهما أيضا ، وبين حفظ