قلت : يمكن دفع الإشكال بأنّ الترخيص صادر منه بما هو حكيم ومرشد للعباد إلى ما لا يصل إليه عقولهم ، والأمر صادر منه بما هو مولى وشارع ، ويمكن نقض الحاكم الواحد غرض نفسه باختلاف الحيثيّتين ، وكم له من نظير.
وبالجملة ، فلا مانع عقلا من شمول أدلّة الترخيص لبعض أطراف العلم الإجمالي جمعا بين الغرضين وبما أنّ الشارع حكيم مرشد لعباده إلى مصالحهم ، هذا بحسب الثبوت.
أمّا بحسب الإثبات فاعلم أن العلم الإجمالي غير رافع لموضوع الاصول ؛ إذ العلم الذي غايتها ويرفع موضوعها هو ما يزول الشكّ ويتبدّل هو به ، وأمّا مع محفوظيّة الشكّ كما هو المفروض فلا ، وذلك لأنّ هذا هو الظاهر من أدلّتها.
وحينئذ فحيث لا يمكن الإجراء في كلا الطرفين ، فلا بدّ من التخصيص على وجه لا يلزم ذلك بحكم العقل ، والإجراء في واحد معيّن ترجيح بلا مرجّح ، لوضوح كون نسبة العموم إلى هذا كنسبته إلى ذاك.
فيبقى القول بإبقاء الواحد المبهم المعرّى عن الخصوصيّة تحته ، وهو مبتن على كونه مدلولا للعموم حتّى يكون حفظه حفظ ظهور للعامّ ، وغاية ما يمكن أن يقال لتقريب ذلك أنّه كما أنّ الجمع مفاد التزامي للعام عند بقاء كلا الفردين تحت العموم ، كذلك لو لم يمكن بقاء كلا الفردين لمحذور في الجمع يكون الأحد المبهم حينئذ مدلوله الالتزامي ، والدليل على ذلك صحّة الاستثناء.
ألا ترى صحّة قولك : جئني بهذه العشرة إلّا واحدا ، والاستثناء دليل العموم ، ولهذا نراهم يتمسّكون ظاهرا بعموم قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) لجواز نكاح إحدى الاختين بعد خروج الجمع بقوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ).
فإن قلت : العلم الإجمالي إنّما هو مقتض بالنسبة إلى إيجاب الموافقة القطعيّة بمعنى الاكتفاء بجعل البدل ، بمعني أنّه لو كان العلم بالحرام يجعل أحد الأطراف حراما ظاهريا ، ولو كان بالواجب يجعل أحدها واجبا كذلك ، فحينئذ لا مانع من الرخصة في ارتكاب أو ترك البقيّة.