لا يحتمل مع العلم التفصيلي أن يكون غرض آخر أهمّ من امتثال المعلوم ؛ إذ لو كان لكان جعل ذلك الحكم لغوا ، وأمّا مع العلم الإجمالي فلا يحتمل أيضا حدوث غرض أهمّ مزاحم لحرمة المخالفة القطعيّة للزوم اللغويّة ، ولكن يحتمل حدوث غرض أقوى وأهمّ من إدراك الموافقة القطعيّة ، وحيث إنّ هذا الغرض يعلم عدم مربوطيته بالغرض المعلوم الإجمالي فهو كالاضطرار إلى واحد لا معيّن ، لا إلى الواحد المعيّن ، فلا يوجب التقييد في الواقع ، بل هو على ما عليه من المطلوبيّة التامّة ، والمكلّف قادر على امتثاله ، غاية الأمر جاهل به تفصيلا ، وهو غير مناف مع قدرته واختياره المصحّح لتكليفه.
ولا يصحّ القول بأنّ التكليف حينئذ مشروط بعدم اختياره دفع ذلك المحذور الأقوى في الواقع وفي علم الله في ضمن الطرف المشتمل على الواقع ، وأمّا مع ذلك فلا تكليف ؛ إذ الفرض أنّه مع اختياره ذلك أيضا يفعله باختياره لا خارجا عن قدرته واختياره.
وبالجملة ، يصير مع وجود هذا المزاحم حال المقام حال الحرج المخلّ بالنظام اللازم من الموافقة القطعيّة ، فكما أنّ العقل يستقلّ حينئذ برفع اليد عن الموافقة القطعيّة مع ثبوت التكليف الواقعي على ما هو عليه من المطلوبيّة التامّة ، ولهذا لا ينقلب العلم احتمالا ، كذلك مع وجود هذا الغرض الذي لا يدركه عقولنا.
إن قلت : نعم لكن الفرق أنّ الحاكم بالترخيص هناك هو العقل ، ولا يلزم من حكمه نقص وكسر في ناحية حكم الآمر ، وأمّا هنا فالآمر والمرخّص واحد وهو الشارع ، فحينئذ فلا محالة يرفع اليد عن أمره عند وجود متعلّقة في الطرف المرخّص فيه ؛ إذ لا يمكن طلب الواقع مطلقا بنحو الإيجاب الكلّي مع الإذن في مخالفته في بعض التقادير ، ضرورة مناقضة الإيجاب الكلّي مع السلب الجزئي ، وحينئذ فيلزم من الترخيص ارتفاع العلم الإجمالي ، فلا مقتضى للاحتياط بالنسبة إلى الطرف الآخر الغير المرخّص فيه أيضا.